الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين :
أختي الكريمة :
البحر مليء بكل شيء جميل، فيه من أنواع الأصداف واللآلئ والكنوز والحيوانات ما يفوق الخيال.
ومع ذلك فيه من المخاوف والأهوال ما كان مضرب الأمثال، فكم من أناس ذهبت أرواحهم في سراديبه المظلمة. هكذا حياتنا مثل هذا البحر. فحياتك فيها شيء جميل وكبير وعظيم.
أجمل ما في حياتك جهادك فيها، وحرصك على مواصلة التعلم، حبك للخير والجمال، وفاؤك لأهلك وزوجك وأولادك، كرمك وإنفاقك غير المحدود. وأعتقد أن هناك أشياء أخرى جميلة. لكن كان تركيزك فقط على الجانب السلبي من حياتك. السعادة والراحة نحن من يصنعها وينتجها. ونحن من يقتلها ويضعفها.
نعم في حياتك مصاعب، وفيها آلام وأحزان، لم يكن فيها تقدير لإنسانيتك، ولا احترام لمشاعرك، ولا اهتمام بعواطفك، ولا مراعاة لخواطرك. حياتك مجموعة من المواقف السلبية، والمحزنة، والمخيفة.
هكذا تتصورين طفولتك وشبابك، ثم هكذا كان زواجك. نحن لا نستطيع تغيير الواقع، ولكن نستطيع تحويله إلى صالحنا. الواقع يفرض نفسه بعيدًأ عن أفكارنا وقدراتنا.
ولكن التعامل معه يمكن أن يكون تحت أيدينا وفي سيطرتنا. وكذلك أجسامنا وأشكالنا وما خلقنا الله عليه وآباؤنا وأمهاتنا ليست داخلة تحت قدرتنا، فلا نملك التحكم فيها. ولكن نملك التحكم في أخلاقنا، وعلاقتنا بالآخرين.
فالسعادة ليست في أن يكون أبواك على صفات معينة، ولا أن يكون شكلك على صفة معينة، ولا أن تكون طفولتك بصورة معينة، ولا أن يكون أبوك مغدقًا عليك بالمال، ولا أن تكون أمك عاطفية ومتفهمة لمشاعرك. هذا جزء من السعادة، ولكنه ليس هو السعادة.
كم من آباء أثرياء منحوا أبناءهم الغالي والنفيس، ومع ذلك فشل أبناؤهم في حياتهم، وعاشوا في تعاسة. وكم من أمهات ملأن قلوب أولادهن بالعطف والرحمة، وواقعهم بالشفقة والحنان، ومع ذلك لم يعيشوا سعداء.
يقول الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((السعيد من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه))، ويقول الله تعالى: {وفرحوا بالحياة الدنيا، وما الحياة الدينا في الآخرة إلا متاع}، ويقول جل وعلا: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}.
ولكن السعادة أن نرضى عن الله، وأن نعيش قانعين بما قسم الله، وأن نسعى لتطوير أنفسنا وعلاقتنا مع الأخرين، وأن نعرف كيف نحترم مشاعر الناس، ونراعي خواطرهم، وأن تكون أخلاقنا حسنة، وأن نقول للناس القول الحسن.
الآن: أنت أبنت اليوم، ولديك أولاد، وعندك بيت وزوج. يوجد نقص ولا شك، وقد يكون النقص كبيرًا. ولكن هناك أمور كثيرة جيدة، أرجو التركيز عليها :
أولا: أدي الحقوق التي عليك، وانتظري ثوابها من الله تعالى، ولا تنتظري من الناس جزاء ولا شكورًا، فالإنسان لا يملك لك ضرا ولا نفعا، ولن يكون جزاؤه أعظم من جزاء الله تعالى، فإذا كنت تفعلين لأجله فسوف تتعبين؛ لأنه قد يقابل الإحسان بالإساءة، والشكر بالكفر، والكلمة الطيبة بالكلمة السيئة، والإحسان بالإساءة . وحين نعامل الله جل وعلا فلن نجد في أنفسنا على أحد، بل نحس براحة كبيرة، وسعادة غامرة، ونحمد الله على أن وفقنا لفعل الخير، وهدانا لأداء الواجب.
ثانيًا: أولادك أمانة في عنقك، امنحيهم ما فقدته أنت في أمك، كوني لهم خير معين على فعل الخير، وحببي إليهم الخلق الحسن، والمعاملة الطيبة.
ثالثًا: أنت بحمد الله تملكين دخلا جيدًا، فحاولي قدر الإمكان أن يكون مصروفك في بيتك، وعلى أولادك، ولا تحملي نفسك ديونًا لأجل زوجك، أو لأجل أخي زوجك، فلست مسئولة عنه، ولن ينفعك أحد حين يقل المال في يدك، ولا أحب أن تكوني عالة تتكففين الناس، وتسألينهم الإحسان وشيئًا من المال!!
رابعًا: الواجب عليك هو طاعة زوجك بالمعروف، والطاعة بالمعروف هي التي لا يكون فيها مخالفة شرعية، ولا مشقة وعنت، ولا خروج عن الحدود الشرعية.
خامسً: المشكلة أنك ما زلت تعيشين وهم التعلق بهذا الزوج، وأنه سوف ينتشلك من بحر الهموم، والواقع هو أنه أنزلك في قيعان الغموم، فإذا لا تعلقي همك به، ولا تلبي طلباته الظالمة، من صرفه على أهله من مالك أنت، فلست مطالبة بذلك، فهذا إنما يكون لو أنهم محتاجون، أو أن عليهم نقصًا في أمورهم، فأنت وأولادك أولى بهذا المال من أهله، ولكن لو فاض المال في يدك، ووجدت كفايتك فلا حرج أن تعطيه ما تشائين .
سادسًا: لا تطلبي الطلاق، واصبري على ما أنت فيه، فلعل الله يغير حاله إلى خير من هذا..
سادسًا: الحمد لله أن الله وفقك وهداك لأن تفزعي إلى الصلاة، وهكذا كان هدي نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان يفزع إلى الصلاة إذا حزبه أمر، فداومي على ذلك، وأملي من الله كل خير، وثقي به، وتوكلي عليه، فلن يضيعك أبدًا، ولن يردك خائبة.
سابعًا: لا يدخلن اليأس إلى قلبك أبدًا، فالمؤمن لا ييأس، فهو دائما على خير، في سرائه وضرائه، وإنما ييأس من هو قانط من رحمة الله، متعلق بدنياه، غارق في هواه.
وأخيرا : أسأل الله لك التوفيق، وأن يكتب لك الخير، وأن يجعل ما أصابك في ميزان حسناتك..
إنه سميع مجيب..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.