الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين :
فإن هذه الرحلة الطويلة التي ذكرتها في علاقتك مع أبيك تدل على توفيق الله لك في جوانب كثيرة، وأنه قد كتب لك الخير في سائر حياتك.
وإذا كنت قد تجاوزت عقبات كبيرة وأنت صغير وشاب، فلا شك أنك قادر على تجاوز هذه العقبة، وأنت كهل وعلى أعتاب الشيخوخة.
من الواضح أن أصل المشكلة بينك وبين أبيك وإخوانك تتعلق بأمور مالية، وحقوق لك على أبيك، وأن أخاك العاطل لا يقدر ظروفك المالية، ولا يريد أن يساهم بشيء من ذلك، ويريد أن يستغل ظروف والدك الصحية للاستيلاء على الأموال.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن جمع الكلمة وصلة الرحم أعظم من الحرص على هذه الأمور، التي تزيدكم فرقة، وتغرفكم في مشاكل كثيرة.
وما فعله والدك من تقصير في بعض الأمور التي ذكرتها في رسالتك لا تبرر قطع رحمه، وعدم القيام بواجب البر الذي عظم الله أمره في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
إنك تحرص الآن على استخراج هذه الحقوق، ولكن قد يكون هذا على حساب مصالح أخرى كثيرة، وما أعظم خسارتك إن كنت ربحت مجموعة من المال وخسرت برك بأبيك وصلتك بإخوانك.
وما يقع من التقصير من قبل إخوانك لا يبرر وقوع التقصير منك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل الذي إذا قطعت رحمها وصلها))، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، فقال عليه الصلاة والسلام: ((إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل، ولا يزال من الله معك ظهير عليهم ما دمت على ذلك)). فالرحم يجب وصلها ولو قطعها الآخرون، وما يقع من أرحامك من الإساءة عليك لا يبرر قطع الرحم، وإذا داومت على الصلة مع كل هذه الظروف فإن الله يكون معك بالتوفيق والتأييد وإظهار حجتك وفضلك.
إن ما مضى قد انتهى، وأنت الآن رجل مستقل ببيتك وأولادك وزوجك، فلا تظن أن المشاكل المالية التي تعاني منها لن يكون حلها إلا عن طريق أخذ الحقوق التي تدعيها على أبيك، فإن الرزق أبوابه كثيرة، والله تعالى يرزق الواصل لرحمه من حيث لا يحتسب، كما ورد في الحديث أن صلة الرحم تزيد في الرزق.
إن الواجب عليك الآن أن تجدد علاقتك بأبيك وإخوانك، وأن تطوي صفحة الماضي، وأن تنظر إلى شيء واحد فقط، وهو أن هذا أبوك، والأب له حق الصحبة والصلة والبر والإحسان والقول الكريم، وعدم التأفف من تصرفه أو أوامره وخفض جناح الذل له، والدعاء له.
وأن تنظر إلى حق إخوانك في صلة رحمهم، والإحسان إليهم مهما بدر منهم.
وإذا عملت بذلك فثق بتوفيق الله وتأييده، وأنه سيرزقك رزقًا حسنًا يغنيك عما سواه، وأنه يبارك لك في ذريتك، ويجعلهم متحابين متصافين متعاونين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.