قبل عشر سنين، أهديت كتابي إضاءات على متن الورقات لشيخي وأستاذي الأستاذ الدكتور محمود فجال رحمه الله، فلما أخذه كان أول سؤال بادرني به هو قوله: لم لم تضع حرف الدال أمام اسمك؟! فقلت: هذه ألقاب علمية تستعمل في أوساط الجامعة وأروقة الكليات، ولا حاجة للقارئ بها، وقد خرجت بالكتاب عن تلك الأماكن، والمرء يعرف بعلمه لا بلقبه، فقال: هذا حقك، ويجب أن تضعه أمام اسمك، فهو جهدك، تعبت في تحصيله سنين.
أخذت كلام شيخي بالتسليم في الظاهر، ولكني في الباطن لا أرى أن تعبي كان لأجل هذا اللقب، وليس هو غاية منيتي، ولكنه وسيلة لتحصيل العلم على طرق وأساليب مستحدثة، تقود إلى نتائج محمودة، إذا استعملت كما هي من غير أن تجعل هدفا لذاتها.
ثم جلست مرة عند الأستاذ الدكتور صلاح الدين سلطان فك الله أسره، وعجل بالفرج عنه، وشفاه وعافاه، وذلك في بيته في البحرين، قبل أن ينتقل منه إلى مصر، فأهدى إلي عددًا من كتبه، فسألته عن رتبته العلمية، فقال: إنه حاصل على الأستاذية، فقلت: ولم لا تضع الألف أمام الدال؟! فقال: لا حاجة إليها، فقلت له: معرفة الناس بمرتبتك تزيدهم ثقة فيما تقول أو تكتب.
أظنهما موقفان متعارضان، هكذا تقول في نفسك.
ولكن هذه الألقاب يختلف استعمالها بحسب مراد صاحبها، فقد يكون مقصوده بيان منزلته في هذا العلم الذي تخصص فيه، وأنه يقول ما يقول عن معرفة ودراية ودراسة طويلة، وقد يكون المقصود هو الترويج للشخص، وقبول أفكاره في أي شيء يتحدث به، ولو لم يكن فنه الذي تخصص فيه، وقد يكون متعالما حتى في فنه الذي أخذ فيه هذا اللقب، فيستغله لترويج ما يريد رواجه.
وبين هذين الموقفين آثرت ترك وضع هذا اللقب، ولم يحبب إلي وضعه، إلا في موضعه المناسب في الاستعمال الرسمي، وأحب من القارئ أن يكون لعقله من القوة، ولفكره من القدرة، ما يمكنه من التمييز بين صحيح المعلومات وفاسدها، دون أن يركن إلى لقب علمي يسبق اسم المتكلم بها.
ضحى الخميس 3/6/1438 للهجرة النبوية الشريفة