حبها للإنجاب صعقني !
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته :
أخي الكريم: إن الله جل وعلا له الحكمة التامة، والرحمة البالغة، والعلم الكامل المحيط بكل شيء، والقدرة النافذة التي يفعل بها كل شيء.
وإن من رحمة الله بعباده أن ميز بينهم في متاع الدنيا وزخارفها وزينتها، كما قال تعالى: {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض}، وقال: {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}، وقال: {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير}
وتأمل هذين الاسمين العظيمين الذين ختم الله بهما هذه الآية:
العلم: فهو يعلم ما يصلح لكل واحد من عباده، ويعلم ما يقع من كل واحد منهم حين يبتلي بواحد من هذه الأمور المذكورة في الآية.
القدرة: ولا فائدة في علم لا قدرة لصاحبه على تنفيذ شيء مما يعلمه، فربنا يعلم، ويقدر، وهو الحكيم الرحيم.
أخي الكريم: تنازعني شعوران متقابلان، كل واحد منهما يقودني إلى طريق يختلف عن الآخر:
الأول: الشعور بك، وكيف وقع عليك فراق حبيبتك كوقع الصاعقة، بل أشد، وأنت لا تتخيل أن يمس زوجتك أحد غيرك.
الثاني: الشعور بها هي، وقد رأت أن الأيام تطوي حياتها، وتذبل زهرتها، وتذهب حيويتها وقدرتها على الإنجاب، وحب الأولاد فطرة مغروزة في النفوس.
أخي الكريم: قد لا يكون الحب وحده قادرا على صنع كل شيء، كما أن العيش عيشة الملوك ليس هو كل شيء في حياة الإنسان، ورب حب بني على عاطفة ليس فيها شيء من التعقل أفسدت حياة مليئة بالخير والسرور والرضى.
وفي اعتقادي أن هذه المرأة تحبك، ولا أشك في ذلك. كيف وقد عاشت معك كل هذه السنين، وهي تحلف لك على المصحف بأنها لا ترغب في فراقك، بل وصبرت على فقد الولد كل هذه المدة الطويلة، راضية مطمأنة.
لكني أعتقد أيضًا أن حب الولد قد ثار في نفسها، أو أنه أثير من قبل أهلها، فعلا تفكيرها في الولد على التفكير بك، والتفكير في الحب الذي كان بينكما.
ثم لم تطق مواجهة بالقرار، لما كان بينكما من الحب والوئام، والصفاء والهناء، وهي تخشى أن تراك، فيضعف عقلها، وتسيطر عليها العاطفة، وتتذكر الحب الذي بينكما، فيغلب تفكيرها بالأولاد.
ولو لم تكن هذه المرأة تحبك لما تصرفت هكذا.
كان من الممكن أن تبادرك القول، وترى في عينيك الأسى والحسرة على ألم الفراق، فلا يتحرك فيها شيء؛ لأنها قذفتك خلف ظهرها.
ولكن لم تطق ذلك، ولم تستطع أن تراك تتعذب أمامها، بل هي التي تتعذب حين ترى حياة مديدة تتهاوى في لحظة واحدة.
ما أصعب لحظة الفراق، حين تتقابل العينان، فتتحدثان بكل شيء بدون أصوات.
ما أشد ألم الفراق على المحب العاشق الولهان.
ومن هنا كان قرارها.
ربما..
وربما لشيء آخر.
ولكني أكاد أجزم بالأول.
أخي الكريم:
ها أنت تقول: إنك قد خيرتها، وأنها اختارتك. فما المشكلة في تغير القرار بعد ذلك.
عد مرة أخرى إلى قرارك السابق، وهو تخييرها. ولا تكن حجر عثرة أمام امرأة أحبت أن يكون لها ولد ومن حقها ذلك.
هل تريد أن تكون أنانيأ , هل تحب أن تعيش معك وهي تجاملك، ومن الداخل تحترق لعدم رؤيتها لطفل أمامها يعلب بين يديها. هل تريد من هذه المرأة أن تمن عليك في يوم من الأيام، وتقول: لقد صبرت عليك، وتركت الأولاد من أجلك.
مصارحتها، وقرارها الآن أهون بكثير من المنة التي يمكن أن تقع منها في لحظة غضب، أو لحظة ندم، أو لحظة ألم على عدم مبادرتها في اتخاذ قرارها.
ربما تكون مخطئة في الطريقة التي اتخذت بها القرار. لكنه قرار كان لا بد أن يقع، وهو خير مما يمكن أن يتوقع لو صبرت، ثم انفجرت يوما ما.
وأما أنت: فتعلق قلبك بالله يمنعك من التعلق بمخلوق ضعيف لا يملك لك حولا ولا طولا.
فثق بالله وتوكل عليه، واجعله أنيسك وحبيبك تنشغل به عن كل مخلوق. وصدقني: إن النساء غيرها كثير. وما تدري ماذا وراء هذه الخيار. فربما كان فتحًا من الله عليك، وخيرا عظيما ينتظرك.
بل إني أثق بذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خيرا، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرأ له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له)).
وفقك الله لما يرضيه، ورزقك الذرية الطيبة .
: 07/04/2008