المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقدمة في علم الإنشاء


أم هشام
01-09-07, 08:39 PM
منقول من كتاب جواهر الأدب - للهاشمي


الإنشاء لغة

الشروع والإيجاد والوضع تقول أنشأ الغلام يمشي إذا شرع في المشي وأنشأ الله العالم أوجدهم وأنشأ فلان الحديث وضعه واصطلاحاً علم يعرف به كيفية استنباط المعاني وتأليفها مع التعبير عنها بلفظ لائق بالمقام وهو مستمد من جميع العلوم. وذلك لأن الكاتب لا يستثنى صنفاً من الكتابة فيخوض في كل المباحث ويتعمد الإنشاء في كل المعارف البشرية.
وينحصر المقصود منه في ثلاثة أبواب وخاتمة وملحق.

الباب الأول في أصول الإنشاء

وهي أربعة: مؤاده وخواصه وطبقاته ومحاسنه.
أما مواده فثلاث: الأولى:

الألفاظ الفصيحة الصريحة., الثانية: المعاني. الثالثة: إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة ومرجعها إلى الفصاحة وعلمي المعاني والبيان.
وأما خواصه فهي محاسنه السبعة وهي:

أولاً: الوضوح بأن يختار المفردات البينة الدلالة على المقصود وأن يعدل عن كثرة العوامل في المجلة الواحدة وإن يتحاشى عن الالتباس في استعمال الضمائر وأن نسبك الجمل سبكاً جلياً بدون تعقيد والتباس وأن يتحاشى عن كثرة الجمل الاعتراضية.
وثانياً: الصراحة بأن يكون الإنشاء سالماً من ضعف التأليف وغرابة التعبير بحيث يكون الكلام حراً مهذباً تناسب ألفاظه للمعاني المقصودة كما قيل:
تزينُ معانيه ألفاظهُ

وألفاظه زائناتُ المعاني
ويكون الكلام صريحاً بانتقاء الألفاظ الفصيحة والمفردات الحرة الكريمة وكذا بإصابة المعاني وتنقيح العبارات مع جودة مقاطع الكلام وحسن صوغه وتأليفه. وكذا بمراعاة الفصل والوصل وهو العلم
(1/1)
________________________________________
بمواضع العطف والاستئناف والاهتداء إلى كيفية إيقاع حروف العطف في مواقعها.
وثالثاً: الضبط وهو حذف فضول الكلام وإسقاط مشتركات الألفاظ كقول قيس بن الخطيم المتوفي سنة 612م.
أرى الموتَ لا يرعى على ذي قرابةٍ

وإنْ كان في الدّنيا عزيزاً بمقعد

لعمرك ما الأيام إلاّ معارةٌ

فما اسطعتَ من معروفها فتزوَّد

ورابعاً: الطبعية بأن يخلو الكلام من التكلف والتصنع كما قال في رثاء ابنه أو العتاهية المتوفي سنة 211ه?.
بكيتك يا بني بدمع عيني

فلم يغن البكاءُ عليك شيّا

وكانت في حياتك لي عظاتٌ

وأنت اليوم أوعظُ منك حيّا

وذلك لأن من تطبع طبعه نزعته العادة حتى ترده إلى طبعه كما أن الماء إذا أسخنته وتركته عاد إلى طبعه من البرودة. وحينئذ الطبع أملك.
وخامساً: السهولة بأن يخلص الكلام من التعسف في السبك وأن يختار ما لان منها كما قال في الأشواق بهاء الدين زهير المتوفي سنة 656ه?.
شوقي إليكَ شديدٌ

كما علمتَ وأزيدْ

فكيفَ تنكرُ حبَّا

بهِ ضميرك يشهدْ
وأن تهذب الجمل وأن يأتلف اللفظ مع اللفظ مع مراعاة النظير كما قال الشاعر في الوداع.
في كنفِ الله ظاعنٌ ظعنا

أودع قلبي وداعه حزنا

لا أبصرتْ مقلتي محاسنه=إنْ كنتُ أبصرتُ بعده حسنا قال بعض البلغاء أحذركم من التقعير والتعمق في القول وعليكم بمحاسن الألفاظ والمعاني المستخفة المستملحة فإن المعنى المليح إذا كسي لفظاً حسناً وأعاره البليغ مخرجاً سهلاً كان في فلب السامع أحلى ولصدره أملأ قال البستي:
إذا انقادَ الكلامُ فقدهُ عفواً

إلى ما تشتهيه من المعاني
ولا تكرهْ بيانكَ أنْ تأبى

فلا إكراهَ في دين البيان

وسادساً: الاتساق بأن تتناسب المعاني كقول المتنبي المتوفي سنة 346ه?.
ومازلتُ حتى قادني الشوقُ نحوه

يسايرني في كلّ ركبٍ له ذكرُ

وأستكبرُ الأخبارَ قبلَ لقائهِ

فلمّا التقينا صغّرَ الخبرَ الخبرُ
(1/2)
________________________________________
وسابعاً: الجزالة وهي إبراز المعاني الشريفة في معارض من الألفاظ الأنيقة اللطيفة كقول الصابئ المتوفي سنة 384ه?.
لك في المحافل منطقٌ يشفي الجوى

ويسوغُ في أذن الأديب سلافه

فكأنّ لفظكَ لؤلؤٌ متنخّلٌ

وكأنّما آذاننا أصدافهُ

وأما عيوبه فسبعة الهجنة بأن يكون اللفظ سخيفاً والمعنى مستقبحاً كقوله:
وإذا أدنيتَ منهُ بصلاً

غلبَ المسكَ على ريح البصل
والوحشية كون الكلام غليظاً تمجه الأسماع وتنفر منه الطباع كقوله:
وما أرضى لمقلتهِ بحلم

إذا انتبهتَ توهَّمهُ ابتشاكا
والركاكة ضعف التأليف وسخافة العبارة كقول المتنبي المتوفي سنة 346ه?.
إنْ كان مثلك كان أو هو كائنٌ

فبرئتُ حينئذٍ من الإسلام

والسهو عبارة عن ضعف البصر بمواقع الكلام المتنبي يشبه ممدوحه بالله تعالى (وهو كفر).
تتقاصرُ الأفهامُ عن إدراكه

مثل الذي الأفلاكُ منهُ والدُّني
والإسهاب الإطالة الزائدة المملة في شرح المادة والعدول إلى الحشو كقوله:
أعنى فتى لم تذرُّ الشَّمسُ طالعةٌ

يوماً من الدّهر إلا ضرَّ أو نفعا
والجفاف الإيجاز والاختصار المخل كقول الحارث بن حلزة المتوفي سنة 232ه?.
والعيشُ خيرٌ في ظلال النّوكِ

ممَّن عاشَ كدّا
(1/3)
________________________________________
ووحدة السياق التزام أسلوب واحد من التعبير وطريقة واحدة من التركيب بحيث تكون للأذهان كلالا وللقلوب ملالاً.
وللكلام عيوب كثيرة منها اللحن ومخالفة القياس الصرفي وضعف التأليف والتعقيد والتكرار وتتابع الإضافات إلى غير ذلك من الأشياء التي تكون ثقيلة على اللسان مخالفة للذوق والعرب غريبة على السمع.
وأما طبقاته ثلاث الأولى: الطبقة السفلى ومرجعها إلى الإنشاء الساذج وهو ما عرا عن رقة المعاني وجزالة الألفاظ والتأنق في التعبير فهو بالكلام العادي أشبه لسهولة مأخذه وقرب مورده ويستعمل في المحافل العمومية ليقرب منال المعاني على جمهور السامعين في المقالات والتأليف العلمية لينصرف الذهن إلى أخذ المعنى وليس دونه حائل من جهة العبارة وفي المكاتبات الأهلية والرحلات والأسفار والأخبار وما شابه ذلك (الثانية: الطبقة العليا) ومرجعها إلى الإنشاء العالي وهو ما شحن بغرر الألفاظ وتعلق بأهداب المجاز ولطائف التخيلات وبدائع التشابيه فيفتن ببراعته العقول ويسحر الألباب ويصلح في الترسل بين بلغاء الكتاب وفي المجالس الأدبية وديباجة بعض التصانيف إلى غير ذلك من المواضع التي من شأنها الزجر وتحريك العواطف والحماسة.
(الثالثة: الطبقة الوسطى) ومرجعها إلى الإنشاء الأنيق وهو ما توسط بين الإنشاء العالي والساذج فيأخذ من الأول رونقه ومن الثاني جلاءه وسلامته ويصلح في مراسلات ذوي المراتب وفي الروايات المنمقة والأوصاف المسهبة وفي خطب المحافل وما أشبه ذلك.
وأما محاسنه فهي أساليب وطرائق معلومة وضعت لتزيين الكلام وتنميقه لغرض أن يتمكن البليغ من ذهن السامع بما يورده من أساليب الكلام المستحسنة فيحرك أهواء النفس ويثير كامن حركاتها، ولغرض أن يكون قوله أشد اتصالاً بالعقل وأقرب للإدراك بتصرفه في فنون البلاغة.

غُربة
10-12-07, 07:24 PM
جزاكِ الله خيرا ..


قسمٌ أكثر من رائع ،، أودّ الاستفسار عن بعض الأشياء ،، هل الإنشاء يستطيع البشر باختلافهم أن يتقنوه م أنه من المَلَكات التي تتميز في شخص عن آخر ،، ومن ذلك جاءت تقسيمة الطبقات ،،؟!

إضافة إلى أنه هل هناك من مشكلة لو أعجبتني مثلا تراكيب معينة من جمل لأحد الكُتّاب فاقتبستها كما هي وأكملت عليها مما لدي ،، أم لا يجوز ذلك ؟!

بصراحة هذا البحر أعشق ماءه ..:)

تقبلي مروري ،،

أم هشام
10-12-07, 08:18 PM
حياك الله أيتها الصديقة لا الغريبة ولا الغربة

الكتابة منها الموهبة ومنها المكتسبة ، ولكن برأيي ومن واقع تجرِبتي ، أن من قرأ الجيد المفيد وتتبع الألفاظ الفصيحة ثم اقتبسها وفهم معناها على وجه الدقة ثم استعملها الاستعمال الجيد في موضعه اللائق ، ثم جعلها في نظم وسياق جيد

حصل له المطلوب بإذنه تعالى .

لكن لايخفى علينا أن التفاوت سنّة في الكون ، ولا يخفى علينا أن للطبائع والنفسيات والبيئة والمواقف والتعليم والتفكير أثرها على قوة الكتابة والتعبير .

ما عليك سوى تتبع خطوات الاكتساب وستجدين - بإذنه تعالى - مرادك .


أقدمي والله الميسر

غُربة
11-12-07, 02:48 PM
حياك الله أيتها الصديقة لا الغريبة ولا الغربة

الكتابة منها الموهبة ومنها المكتسبة ، ولكن برأيي ومن واقع تجرِبتي ، أن من قرأ الجيد المفيد وتتبع الألفاظ الفصيحة ثم اقتبسها وفهم معناها على وجه الدقة ثم استعملها الاستعمال الجيد في موضعه اللائق ، ثم جعلها في نظم وسياق جيد

حصل له المطلوب بإذنه تعالى .

بصراحة يا معلمتي الفاضلة ..لازلت جديدة في هذا العلم العظيم ،، أبحث وأبحث عمّا يعين القلم ليدخل عميقا إلى قلوب الإنسانية ويحمل عزة الإسلام ونصره ،،

اقتباساتك وتلخيصاتك لهذه الكتب قد أثرثنا حقّا ،و أعلم أنك تنتقين الأفضل والأسهل حتى نغدو طالبات أكفاء ،،

أحدثك عن نفسي بمحض الصدفة وأنا أتجول في هذا العالم وصلت لكتاب سحر البلاغة وسر البراعة لابن القيم ،، لذلك سألتك عن اقتباس التراكيب ..فهو كتاب ربما ليعين أصحاب القلم ..

ولكنني موقنة في ذات الوقت أنه يحتاج الخبرة أو الدراية بالألفاظ ،، فتلك الفصاحة تبهرني ،،

أنتظر يوم أن تلخصي لنا فوائد جديدة ،،
دمتي بعز يا معلمتي الفاضلة ..

أم هشام
13-12-07, 07:42 PM
نفعنا الله جميعا بما نتعلم ياغاليتي