ملتقى طالبات العلم

ملتقى طالبات العلم (https://www.t-elm.net/moltaqa/index.php)
-   مكتبة طالبة العلم الصوتية (https://www.t-elm.net/moltaqa/forumdisplay.php?f=15)
-   -   هدية رمضان--قلوب الصائمين-لشيخنا الشثري-لأول مرة مفرغ -تابعوا السلسلة (https://www.t-elm.net/moltaqa/showthread.php?t=37185)

طالبة الرضوان 20-07-10 11:58 PM

هدية رمضان--قلوب الصائمين-لشيخنا الشثري-لأول مرة مفرغ -تابعوا السلسلة
 

بسم الله الرحمن الرحيم

قلوب الصائمين

سعد ابن ناصر ألشتري

فضائل رمضان
الحمد لله رب العالمين ..فعّال لما يريد ..لا رادَّ لما قضى ولا معقّب لما حكم .. يتصرف في أحوال العباد وجوارحهم كيف يشاء ..إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون ..وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، تتوجه قلوب الموحدين إليه وحده بعباداتهم وسؤالهم وتضرّعهم ..وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله كان يكثر في دعاءه من قول اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ..صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرا ..


أما بعد فإخواني الكرام ..


أهنئكم دخول شهر رمضان .. شهر الخير والبركة ..شهر زراعة التقوى في قلوب الصائمين ..


وابتدئ معكم في هذا البرنامج في الحديث عن القلوب التي عليها معوّل كبير كما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم } رواه مسلم .. واسمع لقول الله تعالى: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنفال: ٧٠ولذلك حرص المؤمنون على دعاء الله تعالى بإصلاح قلوبهم ، فكان من دعائهم { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } وكان من دعائهم { اللهم حبب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا } ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :{ اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، اللهم يا مصرف القلوب اصرف قلبي لطاعتك } وذلك لأن تثبيت قلب العبد على الدين وانصرافه إلى الحق من أعظم أسباب النجاة والفلاح ، والعصمة عن كثير من الذنوب ، ويدلّك على أهمية الاعتناء بالقلب ما يأتي :


أولا ً: أن القلب مصدر الأعمال والاعتقادات قال تعالى( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :{ ألا إن في القلب مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب } .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :[ المقصود بالدعوة وصول العباد إلى ما خُلقوا له من عبادة ربهم وحده لا شريك له ، والعبادة أصلها عبادة القلب المستجمع للجوارح .. فإن القلب هو الملك والأعضاء جنوده ].


وثانيا ً: أن الأجر والثواب يكون على مقدار ما في القلب من النيّة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى } .


وثالثا ً: أن القلب سريع التقلّب كما ورد في الحديث { إن قلوب بني آدم بين أصبُعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء } . قال ابن عمر :[ كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم ــــــــــــــــــ ومقلّب القلوب ] ، وفي حديث أنس : [ مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة تقلّبها الرياح ] .


ورابعا ً: أن الشياطين تُلقي الوساوس في قلوب العباد ، فتؤثر على عمل العبد ومعتقده وتصوراته ، قال تعالى(وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)


و قال: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)الأنعام: ٤٣. قال ابن عباس :[ إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس ].


وخامسا ً: أن القلب أداة يتمكن الإنسان بها من الفهم الصحيح ، والتفريق بين الحق والباطل ،قال تعالى (قلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ" وفي المقابل قال تعالى : (لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون ﴿26الأحقاف: ٢٦



وقال : (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون)الأنعام: ١٢٥


وسادساً : أن الله تعالى سيسأل العبد يوم القيامة عن قلبه كما قال تعالى : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ))الإسراء: ٣٦.
وللصوم تأثير عجيب في القلوب ،وذلك لأن الصوم فيه كسر لشهوة البطن والفرج الموجبة لتصفية القلب ، ثم إن الصائم يبتعد عن المعاصي فيؤثر ذلك في صفاء قلبه ، قال أبو سليمان : [ الرين والقسوة زماما الغفلة ودواءهما إدمان الصوم ] ، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يستطع الباءة والزواج من الشباب بالصوم وقال { فإنه له وجاء } ..


ومن هنا كان للصائم دعوة لا ترد لما في الصوم من كسر الشهوة وحضور القلب والتذلل للرب ، قال ابن القيّم رحمه الله :[ وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لأهل المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها ، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما سلبته منها أيدي الشهوات ، فهو أكبر العون على التقوى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ الصوم جُنّة } والمقصود أن مصالح الصوم لمّا كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا ً إليهم وحمية ًلهم وجُنّة ، وقال : إن الصائم ليتصور بصورة من لا حاجة له في الدنيا إلا في تحصيل رضا الله ، وأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة التي تكسر الشهوة وتقنع النفس وتُحي القلب وتفرحه وتزهّده في الدنيا وشهواتها وترغّبه فيما عند الله ]..
وقال بعضهم :[ في الصوم غذاء للقلب ، كما يغذي الطعام الجسم ولذلك أجمع مجرّبة أعمال الديانة من اللذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه على أن مفتاح الهدى والصحة هو الجوع لأن الأعضاء إذا وهنت لله نوّر الله القلب .. وصفّى

النفس .. وقوّى الجسم ليظهر أمر الإيمان بقلب العبد ...


أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن حصّل التقوى بصيامه .. وأسأله جلَّ وعلا أن يتقبّل منا ومنكم الصيام وأن يعيننا في هذا الشهر الكريم على عبادته ...
اللهم اجعل قلوبنا في هذا الشهر الكريم ممن استحضرت عظمتك ، ووجلت منك ورجت ما لديك ..

اللهم يا حي يا قيّوم أصلح شأننا كله .. هذا والله اعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
...




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ







بســم اللــه الـرحــمـن الـرحـيــم

قــلـــوب الصـــائــمــيــــن

فــضــيــلــة الشــيــخ سـعــد ابــن نــاصــر الشــثـــري

التقـــــــــــــوى


الحمد لله رب العالمين .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..و أشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا ..
أما بعد ...
فإن التقوى تصدر أصالة من القلب ..كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ التقوى ها هنا ، التقوى ها هنا } وكان يشير إلى صدره صلى الله عليه وسلم ، وقد أمر الله تعالى بالتقوى فقال ) واتقُوا اللهَ واعلَمُوا أنَّ اللهَ شَديدُ العِقَاب ( وقال ) وتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيرَ الزَادِ التَقوَى واتَّقُونِي يَا أُولِي الألبَاب ( وقال ) قُل يَا عِبَادِيَ الّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُم للَِّذِينَ أحسَنُوا فِي هَذِهِ الدُنيَا حَسَنة وأرضُ الله ِوَاسِعَة( ، بل إن التقوى هي وصية الله للأمم السابقة ، والأمم اللاحقة ) وللهِ مَا فِي السَمَاواتِ ومَا فِي الأرضِ ولَقَد وَصّينَا الّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وإيَّاكُم أنِ اتّقُوا الله ( .

ومن أجل التقوى ..
بيّن الله الآيات والأحكام ، قال تعالى ) كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللهُ آيَاتِهِ للِنّاسِ لَعَلّهُم يَتَّقُون ( ، والتقوى وضع وقاية بين العبد وغضب الله ، وبينه وبين النار بفعل الطاعات ، وترك الذنوب ، وقد فسّر طلق ابن حبيب التقوى بقوله :{ التقوى العمل بطاعة الله ، على نور من الله ، رجاء رحمة الله ، والتقوى ترك معاصي الله ، على نور من الله ، مخافة عذاب الله }.

ومن أسباب التقوى ..
الصوم ، قال تعالى ) يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعلَّكُم تَتَّقُون (


قال السمعاني :
{ الصوم وصلة إلى التقوى ،لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات } وقال ابن تيمية :{ مقصود الصوم التقوى } .

وقد أمر الله بالصيام لأجل التقوى ..
وقد قال صلى الله عليه وسلم :{ من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه } ، فإذا لم يحصل له مقصود التقوى ، فينقص من أجر الصوم بحسب ذلك ، وقال غيره :{ في الصوم قتل الشهوة حسّا ، وحياة الجسد معنى ، وطهارة الأرواح بطهارة القلوب وفراغها للتفكّر ، والخشية الداعية للتقوى } ،

وقال الشيخ السعدي :
{ ذكر الله تعالى حكمة مشروعية الصوم فقال" لعلّكم تتقون "، فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى ، لأن فيه امتثال أمر الله ، واجتناب نهيه ، فمما اشتمل عليه من التقوى أن الصائم يترك ما حرّم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها من الأمور التي تميل إليها نفسه ، متقرباً بذلك إلى الله ، راجياً بتركها ثوابه ، فهذا من التقوى }.
ومنها أن الصائم يدرّب نفسه على مراقبة الله ، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه ، لعلمه باطلاع الله عليه .

ومنها
أن الصيام يضيّق مجاري الشيطان ، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فبالصيام يضعف نفوذه وتقل منه المعاصي .

ومنها
أن الصائم في الغالب تكثر طاعته ، والطاعات من خصال التقوى .

ومنها
أن الغني إذا ذاق ألم الجوع ، أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين ، وهذا من خصال التقوى .

ما الذي يدفعنا إلى التقوى ..
ما الذي يجعلنا نحرص على أن نكون من أهلها ، ما الذي يدفعنا إلى ذلك ؟! يدفعنا تلك الثمرات التي نحصل عليها بسبب التقوى ، فالتقوى سبب لرضا رب العالمين عن العبد ، ومحبته له ) واللهُ يُحِبُّ المُتَّقِين ( .

التقوى سبب للفهم ، والهداية ، والعلم ،
قال تعالى) ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيهِ هُدَىً لِلمُتَّقِين ( وقال ) إن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَل لَكُم فُرقَانَا ويُكَفِّر عَنكُم مِن سَيئَاتِكُم ويَغفِر لَكُم ( .

التقوى سبب دخول الجنّة ،
قال تعالى ) وسَارِعُوا إلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّة ٍعَرضُهَا السَمَاواتِ والأرض أُعِدَّت للمُتَّقِين(.

البرّ والفلاح معلق بالتقوى ،
قال تعالى) ولَكَّنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى واتُوا البُيُوتَ مِن أبوَابِهَا واتَّقُوا اللهَ لَعلّكُم تُفلِحُون( .

التقوى سبب لعون الله للعبد ونصرته ،
كما قال تعالى ) واعلَمُوا أنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِين ( ، التقوى سبب للخروج من المآزق وسبب لرغد العيش ) ومَن يَتَّقِي اللهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجَا ويَرزُقُهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِب ( .

التقوى سبب للمغفرة والرحمة
) أولَئِكَ الّذِينَ امتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُم لِلتَّقوَى لَهُم مَغفِرَةٌ وَأجرٌ عَظِيم واتَّقُوا اللهَ لَعَلّكُم تُرحَمُون إنَّ أكرَمَكُم عِندَ اللهِ اتقَاكُم ( .

التقوى سبب للبركة في الأرزاق
) وَلَو أنَّ أَهلَ القُرَىَ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفتََحنَا عَلَيِهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاء ِوالأرض( ، ما ظنك بمن كان الله معه )إنَّ اللهَ مَعَ الّذِينَ اتَّقَوا وَالّذِينَ هُم مُحسِنُون ( .

ولئن أصاب المتقين ما أصابهم ..
إلا أن العاقبة الحميدة لهم ، قال تعالى )والعَاقِبَةُ للِتَّقوَى( وقال ) إنَّ الأرضَ للهِ يُورِثُهَا من يَشَاءُ مِن عِبَادِه والعَاقِبَةُ للِمُتَّقِين ( وقال ) واللهُ وَلِيُ المُتَّقِين(،) ومِن يَتَّقِي اللهَ يَجعَل لَهُ مِن أمرِهِ يُسرَا ( .

فالدافع الّذي يحرك المؤمنين لاستجلاب التقوى أسباب عديدة.. منها :

أولاً : أن الله أمر بها ، والمؤمنون يبادرون إلى امتثال أمر الله ،قال تعالى) واتَّقُوا اللهَ الّذِي أنتُم بِه مُؤمِنُون ( وقال ) يا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلَّا وأنتُم مُسلِمُون ( .

وثانيا ً:
عظم الفوائد المرتبة على التقوى في الدنيا والآخرة ،) ومَن يُطِع اللهَ وَرَسُولَهُ ويَخشَىَ اللهَ ويَتَّقِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُون( ، قال الله تعالى ) ويُنَجِّي اللهُ الّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِم لا يَمَسُّهُمُ السُوءُ ولا هُم يَحزَنُون ( وقال ) فَأمَّا مَن أعطَىَ واتَّقَىَ وصَدََّقَ بِالحُسنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى ( .

وثالثاً :
أننا نستشعر بتقوى الله ، مراقبة الله لنا ، فنستحي أن يطلع منّا على ما يخالف التقوى ، قال تعالى) واللهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِيِن( وقال سبحانه ) واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَات ِالصُدُور( . ونحن نعلم أننا عمّا قريب ، سنرجع إلى الله كما قال تعالى ) واتَّقُوا اللهَ واعلَمُوا أنَّكم مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤمِنِين( وقال سبحانه ) واتَّقُوا اللهَ الّذِيِ إليهِ تُحشَرُون( .

ورابعها :
أن التقوى صفة أولياء الله ، الّذين يحبهم الله ويتولّاهم ، ويكونون تحت ولاية الله ، قال تعالى) ألا إنَّ أَولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم ولا هُم يَحزَنُون الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون لَهُمُ البُشرَىَ فِي الحَيَاةِ الدُنيَا وفِي الآخِرَة لا تَبدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيم ( .

لكن .. كيف نحصّل التقوى ؟!


تحصيل التقوى ، يكون بالاتصاف بصفات المتقين ،
قال تعالى) أُعِدّت للِمُتَّقِين الّذينَ يُنفِقُونَ فِي السرَّاءِ والضَرَّاءِ والكَاظِمِينَ الغَيظَ والعَافِينَ عَن النّاسِ واللهُ يُحِبُ المُحسِنين ( ، احصل على التقوى لأنها سبب دخول الجنّة )ولَنِعمَ دَارُ المُتَّقِين جَنَّاتُ عَدن ٍ يَدخُلُونَهَا تَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَار لَهُم فِيهَا مَا يَشَاءُون كَذَلِكَ يَجزِي اللهُ المُتَّقِين( )لَكن الّذِينَ اتَّقَوا رَبَّهُم لَهُم غُرَفٌ مِن فَوقِهَا غُرَفٌ مَبنِيّة تَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَار ( ) إنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وعُيُون ادخُلُوهَا بِسَلام ٍآمِنِين ونَزَعنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِن غِلٍّ إخوَانا ًعَلَى سُرُر ٍمُتَقَابِلِين لا يَمَسّهُم فِيهَا نَصَبٌ ومَا هُم مِنهَا بِمُخرَجِين( .

تحصل التقوى بتدبر القرءان ، وتفهّم معانيه
) واذكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلّكُم تَتَّقُون ( ) ولَقَد ضَرَبَنَا لِلنّاسِ فِي هَذَا القُرءَانِ مِن كُلِّ مَثَل ٍلَعَلّهُم يَتَذَكَّرُون قُرءَانَاً عَرَبِيَّا ًغَيرَ ذِي عِوج ٍلَعَلَّهُم يَتََّقُون( .

تحصل التقوى بالتفكّر في أحوال أهل النار الذين يقول الله فيهم
) لَهُم مِن فَوقِهِم ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ومِن تَحتِهِم ظُلَل ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بهِ عِبَادَه يَا عِبَادِي فَاتَّقُون(.

ومن سبل تحصيل التقوى .. التعاون من المؤمنين على الخير ،
قال تعالى ) وتَعَاوَنُوا عَلَى البرِّ والتَّقوَى ( .

بإمكانك أيها العبد ..أن تحصّل تقوى الله باستشعار أن الله هو الذي خلقك) اتَّقُوا رَبَّكُمُ الذِي خَلَقَكُم مِن نَفس ٍوَاحِدَه (.

احصّل التقوى بالنظر في نعم الله عليك
) واتَّقُوا اللهَ الّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعلَمُون أَمَدَّكُم بِأنعَام ٍوبَنِين وَجَنَّات ٍوَعُيُون( .
احصل على التقوى من خلال تذكرك ليوم القيامة وأهواله )اتَّقُوا رَبَّكُم إنَّ زَلزَلَةَ السَاعةِ شَيءٌ عَظِيم ( ، تحصل التقوى بسؤال الله ودعاءه أن يجعلك من المتقين ، فإن التقوى نعمة من الله للعبد قال تعالى) ونَفس ٍومَا سَوَّاهَا فَألَهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقوَاهَا ( .

اللـــهم أجعلنـــــــا مـــن المتــــــقين .. اللــــــهم أجعلنـــــا من المتقين
وصلى الله على نبينا محمد ...


من بريدي

النفس الأبية 21-07-10 03:25 AM

شكرا أختي الكريمة والله يعطيكي الف عافيه

اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان .

طالبة الرضوان 21-07-10 12:45 PM

آمين،،بارك الله فيك أختي منى..

طالبة الرضوان 21-07-10 12:50 PM

الإخـــــــــــــــــــــلاص
 
بسم الله الرحمن الرحيم



قلوب الصائمين



فضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري



الإخـــــــــــــــــــــلاص



الحمد لله رب العالمين .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله علبه وعلى أصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيرا ..
أما بعد ..فإن من أعمال القلوب .. الإخلاص ..
قال تعالى في الحديث القدسي :{ أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه } وفي لفظ :{ فأنا منه بريء وهو كله للذي أشرك } ، قال تعالى) مَن كَانَ يُريدُ الحَيَاةَ الدُنيَا وزِينَتَهَا نُوفّي إلِيهِم أعمَالَهُم فيهَا وهُم فِيهَا لا يُبخَسُون أُولَئِكَ الّذِينَ لَيسَ لَهُم فِي الآخِرَةِ إلّا النّار وحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعمَلُون (.
(2) أن النافع الضار ، هو رب العزّة و الجلال ..فكيف نقصد بأعمالنا غيره طلباً للنفع ، قال تعالى) أمِ اتخَذُوا مِن دُونِ اللهِ شُفَعَاء قُل أوَلَوا كَانُوا لا يَملِكُونَ شَيئَاً ولا يَعقِلُون قُل للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعَا لَهُ مُلُكُ السَّمَاواتِ والأرض ِثُمَّ إليهِ تُرجَعُون (.
(3) أن الأجر والثواب على مقدار النيّة والإخلاص { وإنما لكل امرىء ما نوى } .
(4) أن من التمس رضا الله ، رضي الله وأرضى عنه الناس , ومن التمس رضا الناس بسخط الله ، سخط الله عليه ، واسخط الله عليه الناس .
(5) أن الإخلاص يمسح وساوس القلوب ، ويعجز الشيطان أن يصل معه إلى القلب ، فقد قال الشيطان ) فَبِعِزَّتِكَ لأُغوِيَنَّهُم أجمَعِين إلّا عِبَادَكَ مِنهُمُ المُخلَصِين (.
(6) أن المخلصين يبعدهم الله عن المعاصي ، ويعصمهم من الذنوب ، قال تعالى في قصة يوسف عليه السلام ) كَذَلِكَ لِنُصرِفَ عَنهُ السُوءَ والفَحشَاءَ إنَّهُ مِن عِبَادَنَا المُخلَصِين (.
(7) أن الإخلاص سبب لمغفرة الذنوب ، وفي الحديث أن الله تعالى يقول :{ يا ابن آدم لو لاقيتني بملئ الأرض خطايا لا تشرك بي شيئا لاقيتك بملئ الأرض مغفرة } ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :{ إخلاص الدين لله ،هو الدين الذي لا يقبل الله سواه ، وهو الذي بعث الله به الرسل ، وأنزل به جميع الكتب ، واتفق عليه أئمة أهل الإيمان ،وهذا هو خلاصة الدعوة النبوية ، وهو قطب القرءان الذي تدور عليه رحاه }.
ويتجلّى الإخلاص في الصيام ، إذ إن الصيام ينطلق من النيّة ، فلا صيام لمن لم يبيّت الصوم ولم ينويه بالليل ، والصوم إمساك عن المفطرات بنيّة التقرب لله ،ولا يطّلع على ذلك ولا على الامتناع من المفطرات ،لا يطلع عليه حقيقة إلا رب العزَّة و الجلال ، ولذلك قال الله عز وجل في الحديث القدسي :{ كل عمل ابن آدم له ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف،إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ،يدع طعامه وشرابه وشهوته من اجلي } أنظر إلى قوله من أجلي ،ولذلك اختص الله بالصيام ورتّب عليه مضاعفة الأجر والثواب .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :{ من صام رمضان إيماناً واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه } فانظر إلى قوله "إيماناً واحتسابا "فلا تحصل مغفرة الذنب إلا لمن صام رمضان إيماناً واحتسابا ، ولا تحصل مغفرة الذنب إلا لمن قام رمضان إيماناً واحتسابا ، ولا تحصل مغفرة الذنب إلا لمن قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا ، فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم "إيماناً واحتسابا "المراد بذلك أن يؤمن العبد أن الله شرع هذا العمل ، وأن يقصد العبد بصومه احتساب الأجر عند الله تعالى ،[ فإيمانا ]أي تصديقاً وإيقانا ً بأن الله هو الذي شرعه وأن الله هو الذي أمر به ، وقوله [ احتسابا ] يعني أن ينوي بعمله الأجر الأخروي، يرغب في ثوابه عند الله تعالى ، قال ابن القيم رحمه الله :{ العامل بغير إخلاص ولا اقتداء ، كالمسافر يملئ جرابه رملا ينقله ولا ينفعه }.
إن للصوم أثراً عجيبا ..في جعل قلب العبد يخلص لله تعالى ، فإن العبد متى انقطعت عنه المواد التي تغذي قلبه بالأمور الفاسدة ، والمعتقدات غير المرغوب فيها ، بدأ يفكر في الإخلاص ،وتوجه قلبه إلى ربه جلَّ وعلا ، خصوصاً أن الصيام يجعل العبد يتفكر في قدرة الله عليه ، ويتفكر في مقارنة العبد لنفسه بغيره ،ثم إنه بعد ذلك يستشعر حاجته لله فيخلص في أعماله .
ثم إن الصيام يجعل مجاري الشيطان تضيق ، فإنه قد ورد في الحديث {أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فإذا ضيّق العبد مجاري الدم بالصوم ، لن يتمكن الشيطان من ولوج بدنه } فمن هنا تصفّد الشياطين في هذا الشهر، ويستحضر العبد في أعماله نيّة الإخلاص لله تعالى .
فيا أيُّها المؤمنون..أخلصوا نياتكم لله ، في جميع أعمالكم ،إذا أحضرتم طعاماً لأبنائكم فانووا به التقرب لله ،إذا أفطرت يا أيها المؤمن ، فانوي بإفطارك التقرب لله ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا أكلت أكلة السحر فانوي بذلك التقرب لله جلَّ وعلا ..
اللهــــــم إنا نسألك يا ربنا .. أن ترزقنا جميعاً الإخلاص في جميع الأعمال ..
اللهـــــــم اجعلنا لا نريد بأي عمل نعمله غير وجهك الكريـــــــــــم ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعـــــــــــــــين

طالبة الرضوان 25-07-10 07:31 PM

الزهد
 
بسم الله الرحمن الرحيم



قلوب الصائمين



فضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري

الزهد


الحمد لله الذي جعل الدنيا مزرعة الآخرة ، نحمده سبحانه ونشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا


أما بعـــــــــــــد ...


فإن من عبادات القلوب التي يتقرب بها المؤمنون إلى ربهم -جل وعلا - عبادة الزهد ..


والزهد / عدم رغبة القلب فيما لا ينفع في الدار الآخرة ، بينما الورع / ترك ما يضر في الآخرة .


قال أبو واقد الليثي - رحمه الله تعالى -" تابعنا الأعمال أيها أفضل ، فلم نجد شيئا أعون على طلب الآخرة من الزهد في الدنيا "


وقال الحسن البصري :" ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ، وإضاعة المال ، ولكن الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك ، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب بك منها فيما لو لم تصبك "


الزهد هو النظر في الدنيا بعين الزوال، بحيث تصغر الدنيا في عينيك فيسهل عليك الإعراض عنها .


الزهد سفر القلب من وطن الدنيا ، وأخذه في منازل الآخرة .


ومتعلق الزهد ستة أشياء لا يستحق العبد اسم الزهد حتى يزهد فيها :-


* يزهد العبد في المال ، ويعلم أن المال ليس مقصودا لذاته ، وإنما هو وسيلة لغيره .


* يزهد في الصور وفي الرياسة وفي الناس وفي النفس و كل ما دون الله ، وليس المراد بالزهد في الدنيا أن يرفض العبد الدنيا بكمالها ، وأن لا يتملكها ، فقد كان سليمان وداوود -عليهما السلام - من أزهد أهل زمانهما


ومع ذلك كان لهما من المال والملك والنساء مالهما .


وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق ، ومع ذلك كان له تسع نسوة .


* العلم مع الزهد والعبادة يلطف القلب ويرققه ، ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة .


* يشمل الزهد ، الزهد في الحرام وهو فرض عين بحيث يعرض المرء عن المعاصي والذنوب .


* ويشمل الزهد ، الزهد في الشبهات وله مراتب عديدة يختلف حكمها .


* ويشمل الزهد ، الزهد في الفضول بترك ما لا يعني من الأقوال ، وأعمال الجوارح ، وما لا ينفع في الآخـرة .


* ويشمل الزهد ، الزهد في النيات والإرادات بأن يقصد المرء بعمله كله وجه الله والدار الآخرة .


قال سفيان الثوري : " الزهد في الدنيا قصر الأمل، وليس بأكل الغليظ ، ولبس العباءة "


وقد أمر الله بالزهد في مواطن كثيرة من كتابه :


كما قال سبحانه : { وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى }[طه : 131]


وقال تعالى :{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص : 80]


وقال سبحانه :{ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ * مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ }[الشورى : 19،20]


وقال: { مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } [النساء : 134].




وفي الســــــــــنن :-


قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من كانت الدنيا همه ، فرق الله عليه أمره ، وجعل فقره بين عينيه ، ولن يأتيه من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله أمره ، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة "


وفي الصحيح : " إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة ، إلا من أعطاه الله خيرا ، فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه وخلفه ، وعمل فيه خيرا كثيرا "


** ويعين على الزهد أن يعرف المرء أن الدنيا زائلة عما قريب ، وأنها لن تبقى ،ولذلك حذرنا الله من الاغترار بها، وفي الحديث " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تزهد في الدنيا ، وتذكر الآخـرة "


** ومما يعين على الزهد أن يكون المرء صادق اليقين ، تام الإيمان بالدار الآخرة ، المحتوية على النعيم المقيم ، والشقاء الدائـم ، مما يجعل المرء يزهد فيما يقلل مشيته إلى جنة الخلد .


وفي الحديث الصحيح " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ، ثم يقال : يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا والله يا ربي ، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا


من أهل الجنة ، فيصبغ صبغة في الجنة ، فيقول الله له :يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول : لا والله يا ربي ما مر بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط .



** ومما يعين على الزهد أيضا أن يعرف العبد أن الزهد لا يمنع من نعم الله في الدنيا ، بل زهده فيها يجعل الدنيا تأتيه وهي راغمة .


فالزهد لا يمنع من استعمال الدنيا في مراض الله ، والزهد لا يمنع من وصول نعم الله إلى عبد الله ، بل زهده في الدنيا يكون من أسباب تنعم الله على العبد


ولا يمنع الزهد من وصول ما كتبه الله إلى العبد ، كما أن حرص العبد على الدنيا لا يجلب له من الدنيا ما لم يقدر له فيها ..


ولذلك علينا أن نكون من الزاهدين ، بحيث نعمل الأسباب تقربا لله لا محبة في الدنيا ، ونكتسب رغبة في أن نغني أنفسنا عن خلق الله ، لا محبة للفخر والرياء والرفعة في الدنيا .


** ومما يعين على الزهد أن يعرف العبد حقيقة الدنيا ، وأن يتلفت إلى ما حوله من النعم ، وأنها عما قريب منتقلة عنه ، فكم من صاحب مال كثير زال عنه ماله ، وكم من صاحب شركات عظيمة زالت عنه شركاته


قال تعالى : {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ} [النحل : 96].



* ويعين على الزهد أن يقارن العبد بين الدنيا والآخرة ، فإن نعيم الآخرة دائم ، ونعيم الدنيا زائل ، ونعيم الآخرة صاف غير مكدر ، ونعيم الدنيا مكدر بالمصائب ، قال تعالى : {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى} [النساء : 77].


وفي سنن ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس ".


والزهد فيما ينفع في الدار الآخرة ليس من الدين في شيء ، فإن بعض الناس يعتقد أن ترك نعم الله وتحريم المباحات من الزهد ، وهذا فهم خاطئ ، مغاير لدين الإسلام ليس من الدين في شئ ، بل صاحبه قد اعتدى على شرع الله بتحريم ما أحل الله ، فيكون داخلا في قول الله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة : 87]


قال محمد بن كعب القرضي :" إذا أراد الله بعبد خيرا أزهده في الدنيا ، وفقهه في الدين ، وبصره عيوبه ، ومن أوتيهن فقد أوتي خيرا كثيرا في الدنيا والآخـرة "


قال الله تعالى : {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ : 37]


فمن كانت دنياه معينة على طاعة الله ، سببا من أسباب الإقدام على أنواع القربات ، فإنه حينئذ يكون من الزاهدين ، لأنه لم يقصد الدنيا وإنما قصد بما اكتسبه الآخرة ، أما من كان مراده الدنيا ليفاخر الناس ، وليباهي بما عنده


فإنه حينئذ ليس من الزهد في شئ ...


أسأل الله - جلا وعلا - أن يجعلنا وإياكم من الزاهدين ..


اللهم يا حي يا قيوم عرفنا بحقيقة الدنيــا ، واجعلنا يا حي يا قيوم ممن استعمل الدنيا لتكون سلما لرفعة الدرجة في الآخرة .


هذا والله أعلم وصلى الله على نبيه محمد وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الديـــــــن ..




محبة العلم والعلماء 25-07-10 07:51 PM

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ولو انني اوتيت كل بلاغة ... وافنيت بحر النطق في النظم و النثر.
لما كنت بعد القول الا مقصرا... ومعترفا بالعجز عن واجب الشكر.

شكر الله لك صنيعك
وجعله المولى في ميزان حسناتك

دمت بود

الراجية رضى الرحمان 26-07-10 03:28 AM

قال علي رضي الله عنه:

((التقــوى هي الخــوف من الجليــــل،والعمــل بالتنزيــل،والقــناعــة بالقليــل،والإستــعداد ليــوم الرحيــــل))

وقال سفيــان الثوري رحمــه الله:

إنمــا سمـوا متقــين لأنهم اتقــوا ما لا يتــقى

قال أبو العلاء المعري:

تحلّــى بــتـقـوى أو تحـلّــى بعــفةٍ **** فذلك خيــــر من ســوار وخــلخــال


بـــوركت جهــودك أختــاه وجــزاكِ الله خيـــــراً

طالبة الرضوان 30-07-10 11:21 PM

محبة العلم والعلماء ،الراجية رضى الرحمن بارك الله فيكما عزيزتاي..

طالبة الرضوان 30-07-10 11:26 PM

الإنــــابـــــة
 
بســم اللــه الــرحـمــن الـرحــيـم


قــلـــــــــوبـــ الصـائــمــيـن


فـضـــيلـــة الشــيـــخ ســعـــد ابــن ناصــــــر الشــثــري


الإنــــابـــــة



نحمد الله بقلوبنا ،وننيب إليه بأفئدتنا ..ونصلّي ونسّلم على رسول الله المنيب إلى ربه...

أما بعد..

فإن من عبادات القلوب ، الإنابة إلى علاّم الغيوب،

و الإنابة إقبال القلب على الله عزّ وجلّ وحده ، وانجذاب دواعي القلب لمراضي الله .

قال قتادة :{ المنيب هو التائب المقبل على الله} ،

وقال ابن زيد:{ الإنابة هي الرجوع إلى الطاعة والنزوع عمّا يُضادّها من معاصي الله}.

ومن أنواع العبادة .. الإنابة وهي التوجه إلى الله ،وهي التوبة النصوح ، وهي الرجوع إلى الله تعالى ، وفي المسند من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا :{ لا تمنوا الموت ، فإن هول المطلع شديد ، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة}.

إنابة أولياء الله .. هي إنابة لإلهيته ، إنابة عبودية ومحبة ، وتتضمن أربعة أمور :

·محبة الله .

·والخضوع له .

·والإقبال عليه .

·والإعراض عمّا سواه .

فلا يستحق اسم المنيب الا من اجتمعت فيه هذه الأربع الخلال .

الإنابة .. هي عكوف القلب على الله عزّ وجل ، كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه ، وحقيقة ذلك .. عكوف القلب على محبة الله ، وعلى ذكره بالإجلال والتعظيم له ، مع عكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة .

كثيرا ً ما يتكرر في القرآن ذكر الإنابة والأمر بها ، والإنابة هي الرجوع إلى الله ، وانصراف دواعي القلب ودواعيه إليه ، وهي تتضمن المحبة والخشية ، فإن المنيب محباً لمن أناب إليه .. خاضع إليه ، خاضع له ، خاشع ذليل.

وقد أمر الله عزّ وجل بالإنابة ..وحثّ عليها ، كما قال سبحانه ) وأنِيبُوا إلىَ رَبِّكُم وَأسلِمُوا لَه مِن قَبلِ أن يَأتِيَكُمُ العَذاب ثُمَّ لا تُنصَرُون (.

الإنابة إلى الله : صفة أولياء الله وأنبياءه وأصفياءه ..قال تعالى)إنَّ إبرَاهِيمَ لَحَلِيم ٌأوّاهٌ مُنِيب ( ،)وَقَالَ شُعَيب إن أُرِيدُ الا الإصلاحَ مَا استَطَعت ومَا تَوفِيقِي الا بِالله عَلَيهِ تَوكلّتُ وإليهِ أُنِيب (.

الإنابة إلى الله : سبب من أسباب صفاء الذهن , وقدرته على الاعتبار والتفكّر ، فإن الله تعالى لما ذكر الآيات الكونية في سورة ق ، ذكر منها ) أفَلَم يَنظُرُوا إلىَ السَمَاءِ كَيفَ بَنينَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوج ( إلى قوله سبحانه )تبصِرَة ً وذِكرَى لكلِّ عَبدٍ مُنِيب ( ، فالعبد المنيب ينفعه الله ـ جلّ وعلا ـ بالذكرى ، وقال سبحانه ) هُوَ الذِي يُرِيِكُم آياتِهِِ وَيُنَزّلُ لَكُم مِن السَمَاء ِرِزقَا وَمَا يَتَذَكّرُ إلا مَن يُنِيب ( ، وقال) أفَلَم يَرَوا إلى مَا بَينَ أيدِيهِم وَمَا خَلفَهُم مِنَ السَمَاء ِوالأرض إن نَشَاء نَخسِف بهُمُ الأرض أو نُسقِط عَلَيهِم كِسَفَاً مِنَ السَمَاء ِإنَّ في ذَلِكَ لآيةً لِكلِّ عَبدٍ مُنِيب(.

الإنابة إلى الله : من أسباب دخول الجنّة ، قال تعالى) وأُزلِفَتِ الجَنّةُ لِلمُتقِينَ غَيرَ بَعِيد* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُل ِأوَّابٍ حَفِيظ* مَن خَشِيَ الرَّحمَنَ بِالغَيبِ وَجَاءَ بِقَلبٍ مُنيِب* ادخُلُوهَا بِسَلام ٍذَلِكَ يَومُ الخُلُود (.

الإنابة إلى الله .. سبب للهداية ..وطريق من طرق الاستقامة ..قال تعالى) قل إن الله يُظّلُ مَن يَشَاء ويَهدِي إليهِ مَن أَنَاب (، وقال سبحانه)اللهُ يَجتَبِي إليهِ مَن يَشَاء وَيهدِي إليهِ مَن يُنيِب (.

صلاح القلب وفلاحه وسعادته معلّق بالإنابة إلى الله ..الإنابة إلى الله ، سبب لخيري الدنيا و الآخرة ، وقد بشّر الله تعالى أصحاب الإنابة فقال سبحانه ) والّذينَ اجتَنَبُوا الطَاغُوتَ أن يَعبُدُوهَا وَأنَابُوا إلى الله لَهُم ُالبُشرَى فَبَشّر عِبَاد (.

وقد ذكر الله في كتابه العظيم في غير موضع ، أن من تمام نعمة الله على عباده المؤمنين .. أن ينزل بهم الشدّة والضر مما يلجأهم إلى توحيده ، فيدعون الله مخلصين له الدين ، ويرجون الله ـ جلَّ وعلا ـ لا يرجون أحداً سواه ، وتتعلق قلوبهم بالله وحده لا بغيره ، وحينئذ ٍ ، يحصل لهم من التوكل عليه ، ومن الإنابة إليه ، ومن حلاوة الإيمان وذوق طعمه ، والبراءة من الشرك ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض أو الخوف أو الجذب ، أو حصول اليسر وزوال العسر في المعيشة ، فإن تلك الأمور لذّات بدنية ، ونعم دنيوية قد يحصل للكافر منها ، أعظم مما يحصل للمؤمن .

وأما ما يحصل لأهل التوحيد المخلصين في دينهم ، فأعظم من أن يتمكن مرء من الحديث عن وصفه ، أو أن يعبّر عن كنهه مقال ، أو يستحضر تفصيله بال ، وكل مؤمن له من ذلك نصيب بقدر إيمانه .

وأصل الإنابة .. محبة القلب وخضوعه وذله للمحبوب المراد .. وكمال الإنابة يكون بالفرح والسرور بالقرب منه جلّ وعلا .

الإنابة إلى الله من أحب أنواع العبودية لله .. وإنما تتحقق الإنابة إلى الله ببذل النفس لله.. وتقديم محبة الله على كل ما سواه .

والعلم يورث الخشية ..والزهد يورث الراحة ..والمعرفة تورث الإنابة ..

ومن أعظم أسباب انشراح الصدر..أن ينيب العبد إلى ربه سبحانه وتعالى ، وأن يقبل عليه ، فحينئذٍ لا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك .

والناس في إنابتهم إلى الله على درجات متفاوتة ...* فمنهم المنيب إلى الله بالرجوع إليه من المخالفات والمعاصي ، وهذه الإنابة مصدرها مطالعات الوعيد .. والحامل عليها العلم والخشية والحذر.

*ومن الناس من يكون منيبا إلى الله بالدخول في أنواع العبادات والقربات.. فهو ساع ٍ فيها بجهده ، قد حبب إليه فعل الطاعات وأنواع القربات ، وهذه الإنابة مصدرها الرجاء ومطالعة الوعد ..ومصدرها استحضار الإنسان للثواب ، ومحبة الكرامة من الله ، وهذا القسم ابسط نفوساً من أهل القسم الأول ، وأشرح صدورا .. وجانب الرجاء ومطالعة الرحمة والمنّة أغلب عليهم ، و الا فكلّ واحد من الفريقين منيب بالأمرين جميعا .

*ومن العباد من يكون منيب إلى الله بالتضرع والدعاء والافتقار إلى الله ، والرغبة إليه سبحانه ، وسؤال الحاجات كلها منه .. ومصدر هذه الإنابة هو شهود الفضل والمنّة والغنى التام والكرم والقدرة الكاملة .

فمن كان عارفاً بأن الله ـ جلَّ وعلا ـ متصف بذلك ، فإنه سينزل بالله حوائجه ، ويعلّق به آماله ، فإنابة هذا القسم من هذه الجهة مع قيامهم بالأمر .

ولكن إنابتهم من هذه الجهة قاصرة ،لأن الإنابة ينبغي أن تكون من جهة الخوف ، و من جهة الرجاء ، ومن جهة التضرع ، ومن جهة المحبة .

ولذلك فإن من ينيب إلى الله في وقت الشدائد .. فإنه لم يرزق الإنابة الخاصة ..وحينئذٍ تكون إنابة هذا القسم إنابة اضطرار لا اختيار .

* وأما أعلى أنواع الإنابة ..فإنابة الروح بجملتها إلى الله في جميع الأوقات ، بحيث يكون العبد دائم الاتصال بالله ، دائم الرجوع إليه سبحانه ..اعترافاً بنعمه ، وأملاً في فضله ،وخوفاً من عقابه ، ورجاءاً لكرمه ، مع تضرعه بإزالة ما يحصل لديه من المصائب ، ومن أنواع المكروهات ..



أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا و إياكم منيبين إليه سبحانه .. ممن يستحضر نعمة الله عليه ..ويستحضر قدرة الله عليه في جميع أوقاته .

هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

طالبة الرضوان 31-07-10 12:22 PM

بســم اللـه الــرحـمــن الــرحــيـم

قـــلـــوب الصـــــــائــميـــن


فــضــيلــة الشـيـخ سـعــد ابـن نـاصــر الشــثـري


تـــدبــّر القـــــــــــــرءان

الحمد لله الذي أنزل القرآن شفاء لما في الصدور .. وهدى وموعظة للمتقين .. وأشهد أن لا إله إلا الله كلامه صدق وحق مبين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد ..

فإن من عبادات قلوب المؤمنين ، تدبر القرآن ، وخصوصاً في شهر رمضان ، قال تعالى
) شهرُ رَمَضَان الّذي أُنزِلَ فِيهِ القُرآن هُدىً لِلنّاسِ وَبيّناتٍ من الهُدَى والفُرقَان(.


ومن أعظم القُربات
، وأعظم المواعظ ، وأفضل أسباب حياة القلوب .. تدبر القرآن ، والتفكّر في قصصه ومواعظه ، وحججه وبيّناته وأدلّته
) لَو أنزَلنَا هَذَا القُرءَانَ عَلَى جَبَل ٍلَرَأيتَهُ خَاشِعَاً مُتَصَدِّعَاً مِن خَشيَةِ الله (.


أيها المؤمن
.. اسمع ربك وخالقك المتصرف في الكون يقول ) وكَم أهلَكنَا قَبلَهُم مِن قَرن ٍهُم أشدُّ مِنهُم بَطَشَا فَنَقّبُوا فِي البلادِ هَل مِن مَحِيص إنَّ في ذَلِكَ لَذكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أو ألقَى السَمعَ وَهُوَ شَهِيد(.


قال ابن القيّم رحمه الله في تفسير هذه الآية
:{ الناس ثلاثة رجال : رجل قلبه ميت ، فذلك الذي لا قلب له ، فليست هذه الآية ذكرى في حقّه ، وهو بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر . والثاني رجل له قلبه حي مستعد ، لكنه غير مستمع للآيات المتلّوه التي يخبر الله بها عن الآيات المشهودة ، إما لعدم ورودها إليه ، أو لوصولها إليه وقلبه مشغول عنها بغيرها ، فهذا أيضاً لا تحصل له الذكرى ، مع استعداده ووجود قلبه ، فهو بمنزلة البصير الذي يشاهد جهة غير الجهة التي يستفيد من النظر إليها والثالث رجل قلبه حي ،حي القلب ، مستعد ، تُليت عليه الآيات ، فأصغى بسمعه وألقى السمع وأحضر القلب ، ولم يشتغل بغيره ، فهو شاهد القلب ، مُلقى السمع ، فهذا الذي ينتفع بالآيات المتلُوة والمشهودة .}


فمن كان له قلب وقّاد
، يستخرج العبر ويتفهّم المعاني من الكتاب العزيز، فهذا الذي يكون للآيات القرآنية نور في قلبه وهؤلاء هم أكمل خلق الله ، وأعظمهم إيماناً وبصيرة .

وقال تعالى) أفلا يَتَدَبّرُونَ القُرآن أم عَلَى قُلُوبٍ أقفَالُهَا ( وهذا إنكار على من يعرض عن تدبر القرآن ، وقال )أفَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآن ولَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيهِ اختِلافَاً كَثيرَا(.
وقال ) أفَلَم يَدبّرُوا القَولَ أم جَاءَهُم مَا لَم يَأتِي آبَاءَهُمُ الأوَلِين( وقال ) كِتَابٌ أنزلنَاهُ إليكَ مُبَارَكٌ لِيَدَبّرُوا آيَاتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أولُوا الألبَاب(.

وقد ذم الله جلَّ وعلا المعرض عن هذا القرآن
، بما يشمل المعرض عن تدبّره ، قال تعالى) ومَن أظلَمُ مِمّن ذُكِّرَ بِآياتِ رَبّهِ فَأعرَضَ عَنهَا ( وقال) ومَن أظلَمُ مِمّن ذُكّرَ بآياتِ رَبّهِ ثُمَُّ أعرَضَ عَنهَا ( .

ومن لم يشتغل بتدبّر آيات هذا القرآن العظيم ، أي لم يشتغل بتفهّمها وإدراك معانيها والعمل بها ، فإنه معرض عنها ، غير متدبر لها ، فيستحق الإنكار والتوبيخ المذكورة في هذه الآيات .

وترك تدبر القرآن من أنواع هجر القرآ
ن الداخل في قول الله تعالى
) وَقَالَ الرَسُولَ يَا رَبّي إنّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهجُورا(.


قال العلّامة الشنقيطي
:{ الحق الذي لا شك فيه ، أن كل من له قدرة من المسلمين ، على التعلم والتفهم وإدراك معاني الكتاب والسنّة ، يجب عليه تعلمهما ، والعمل بما علم منهما }.


إن من أعظم ما يدعو الإنسان إلى التدبر في كتاب الله
، ما احتواه هذا الكتاب من الخير العظيم ، قال تعالى
) يا أيُّهَا النّاسُ قَد جَاءَكُم بُرهَانٌ مِن رَبِّكُم و أَنزَلنَا إليكُم نُورَاً مُبِينَا ( وقال )قد جَاءَكُم مِنَ اللهِ نُورٌ وكِتَابٌ مُبِين يَهدِي بهِ اللهُ مَنِ اتّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السّلام ويُخرِجُهُم مِنَ الظُلُمَاتِ إلى النورِ بِإذنِهِ ويَهدِيهِم إلى صِرَاطٍ مُستَقيم ( وقال )ما كُنتَ تَدرِي مَا الكِتابُ ولا الإيِمَان ولَكَن جَعلنَاهُ نُوراً نَهدِي بِه مَن نَشَاءُ مِن عِبَادِنَا ( ، فإذا كان القرآن نورا .. فكيف تعمى بصيرة عاقل عن الاستضاءة بذلك النور .


ومن فضل الله علينا في عصرنا الحاضر
، أن استجد لنا من وسائل التقنية وألآت الاتصال ، ما يمكّن المرء من قراءة القرءان وسماعه ، وتدبره في أي مكان ، مما يسهّل عليه فهم القرءان وتدبره .


قال الثعالبي
:{ تدبر القرءان كفيل لصاحبه بكل خير }


وقال ابن سعدي
:{ كتاب أنزلناه إليك مبارك ، فيه خير كثير وعلم غزير ، فيه كل هدى من ضلالة ، وشفاء من داء ، ونور يستضاء به في الظلمات ، وفيه كل حكم يحتاج إليه المكلفون ، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب ، ما كان به أجلَّ كتاب طرق العالم منذ أنشئه الله ، ليدبروا آياته (أي هذه الحكمة من إنزاله ) ليتدبر الناس آياته فيستخرجوا علمها ، ويتأملوا أسرارها وحكمها ، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه ، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة ، تدرك بركته وخيره }.

وهذا يدل على الحث على تدبر القرءان وأنه من أفضل الأعمال ، وأن القراءة المشتملة على التدبر، أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود .

وبحسب لب الإنسان وعقله
.. يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب .


وقال ابن القيم
:{ فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته ، من تدبر القرءان وإطالة التأمل فيه ، وجمع الفكر على معاني آياته ، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها ، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل أهلهما ، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة ، والعلوم النافعة ، وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه ، وتريه أيام الله في الأمم السالفة ، وتبصّره بمواقع العبر ، وتشهده عدل الله وفضله ، وتعرّفه ذاته وأسماءه وصفاته ، وأفعاله وما يحبه وما يبغضه ، وصراطه الموصل إليه }. ومفتاح حياة القلوب ، تدبر القرءان ، والضراعة بالأسحار ، وتوبة العبد وتركه للذنوب .


والذي يدعوا لتدبر القرءان عدد من الأمور .. منها :


أولاً
: طاعة أمر الله جلَّ وعلا الذي أمر بتدبر القرءان ، قال تعالى) إنّا جَعَلنَاهُ قُرءَانَاً عَرَبِيَاً لَعَلّكُم تَعقِلُون (.

وثانيها : أن تدبر القرءان ،يعرف العبد بمعالم الخير والشر ، وطرقهما وثمراتهما ، ومآل أهلهما ، وكيفية التمييز بينهما .
وثالثها : أن تدبر القرءان ، يثبّت الإيمان في القلب ، ويرسّخه بقواعد متينة .
ورابعها : أن تدبر القرءان ، يزيد في عقل الإنسان ، من خلال مطالعة عواقب الأمور ،ومعرفة ما حلّ بالأمم السابقة .
وخامسها : أن بتدبر القرءان ، يعرف المرء معاني أسماء الله الحسنى ، ويتعرف على ما يحبه الله ويرضاه ، ويستجلب بذلك رضا رب العالمين وخير الدنيا وال آخرة .
وسادسها : أن المرء بتدبر القرءان ، يتمكن من تطبيق القرءان على نفسه ، بل وتعرّفه صفات نفسه ، ليتمكن من معالجتها بما يناسبها . وبتدبر القرءان ، تزول كثير من وساوس الشياطين ، ويتمكن المرء من صد هذا العدو عنه .
وأما الوسائل المعينة على تدبر القرءان ..فترتيل القرءان ، وحسن قراءته ، واختيار الأوقات المناسبة لقراءته ، وتفريغ القلب من المشكلات وقت قراءته ، ومراجعة تفسيره من السنّة النبوية ، وكلام أهل اللغة وما كتبه المفسّرون الموثوقون .
وأعظم من ذلك كله .. ســــــــؤال العـبد لـربه أن يـفـهمـه مـعـاني كـتـابـه .

وأما ثمرات تدبر القرءان
..فحدّث ولا حرج .. ثمرات تدبر القرءان ، أعظم من استيعابها من مثلي ،إذ إنني أُعلن عجزي عن استتمام ذكرها



فتدبّر القرءان إن رمت الهدى

فالعلم تحت تدبر القرءان
أسأل الله ـ جلَّ وعلا ـ أن يرزقنا وإياكم قلوباً تفهم كتاب الله .. وتعرف معانيه وتدرك أسراره .. كما أسأله ـ جلَّ وعلا ـ أن يفتح علينا وعليكم من أبواب فهم القرءان ما يقربنا إلى رضاه ، ويرفع درجاتنا عنده ، ويعلي منزلتنا في جنته ، ويجعلنا من المقربين عند رسله ، كما أسأله جلَّ وعلا أن يفتح لنا أسرار كتابه .

هذا ، والله أعلم ..

وصلّى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ....

طالبة الرضوان 04-08-10 09:47 PM

الحــــــــــــــــزن
 
بسمالله الرحمن الرحيم



قــلـــوب الصـــائــميـــن



لفضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري



الحــــــــــــــــزن



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..

أما بعد...فإن من الأمور التي ترد إلى القلوب ..الحزن ،



والحزن هو ألم القلب لوقوع مكروه ، أو فوات محبوب في الماضي ، والحزن لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة ، فلا فائدة فيه .. وإذا لم يقترن بالحزن محرم ، فإنه يُعفى عنه لقول النبي صلّى الله وسلم : [ إنّ الله لا يؤاخذ على دمع العين ولا حزن القلب ، ولكن يؤاخذ على هذا أو يرحم ] وأشار إلى لسانه صلّى الله عليه وسلم .



وقد نهى الله المؤمنين عن الحزن ، فقال سبحانه ) ولا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوَنَ إنْ كُنتم مُؤمِنِين ( أي لا تضعف أبدانكم ولا تحزن قلوبكم بسبب ما أصابكم من المصائب ، فإن الحزن زيادة مصيبة .. وسببٌ لاستظهار عدوكم عليكم ، بل تشجعوا واطردوا عن قلوبكم الحزن ، إذ لا يليق بالمؤمن الحزن ، إذ أن المؤمن هو الأعلى الذي يرجو نصر ربه في الدنيا ، وهو الذي يؤمل رفعة الدرجة في الآخرة ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم لأبي بكر الصدّيق : [لا تحزن إنّ الله معنا ] لما كانوا في الغار في ليلة الهجرة ..



إن الشيطان يحرص على إيقاع الأحزان في قلوب أهل الإيمان ، كما ورد في الحديث ( لو، تفتح عمل الشيطان ) أي تفتح الحزن والجزع ،وهذا يضر ولا ينفع ، قال الله تعالى ) إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشَيطَانِ لِيَحزَُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيسَ بِضَارِّهِم شَيئَاً الا بإذنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَليَتَوكّل ِالمُؤمِنُون (.


ومن الرؤيا المنامية ما يكون تحزيناً من الشيطان كما ورد ذلك في الصحيحين .

والنهي عن الحزن .. لأن الحزن يُضعف القلب ، ويوهِن العزم ، ويضرّ بالإرادة .



فالحزن مرض للقلب يمنعه من القيام ببعض وظائفه ، وإن كان الحزن ليس من اختيار العبد ، وإنما يقع في قلبه في أحيان كثيرة بدون أن يقصده ، وإنما المراد أن يحاول العبد رفع الحزن الحاصل في قلبه .



والحزن نوع من أنواع المصائب التي يكفّر الله بها الذنوب ، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم : [ ما يصيب المسلم من نصب "أي تعب " ، أو وصب "أي مرض" ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ،حتى الشوكة يشاكها الا كفّر الله بها من خطاياه .] متفق عليه ، وعلى العبد إذا وقع الحزن في قلبه أن يتجنب التسخّط من أقدار الله .



إن المؤمن حريص على إبعاد الحزن عن قلبه ، ولذلك كان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم :[ اللهم إنّي أعوذ بك من الهم والحزن ] ، وفي الحديث :[ التلبينة تجمّ فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن ] والتلبينة هي الحساء أو الشوربة من البرّ أو الشعير وربما وضع معهما شيء من العسل أو اللبن .



والحزن فد يعرض لبعض عباد الله الصالحين ، كما قال تعالى ) حَزَنَاً ألاّ يَجدُوا مَا يُنفِقُون ( ولما جاء خبر موت أهل مؤتة ،جلس النبي صلّى الله عليه وسلم يُعرف فيه الحزن ، وقال صلّى الله عليه وسلم :[ إنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون] .

و الأولى بالعبد أن يسعى جهده في إزالة الحزن عنه ، فإن الحزن مضعف للقلب ، موهن للعزيمة ،لا يردّ من قضاء الله شيئا .



وإذا أصاب الحزن قلب المؤمن .. شكاه إلى ربه القادر على كل شيء ، كما قال تعالى عن يعقوب عليه السلام ) إنّمَا أَشكُوا بَثي وَحُزنِي إلى اللهِ وَاعلَمُ مِنَ اللهِ مَا لا تَعلَمُون ( .



ويمتنّ الله تعالى على بعض عباده بإبعاد الحزن عنهم ؛ كما قال سبحانه ) الا إنَّ أولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُون الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتقون لَهُمُ البُشرَى في الحَيَاةِ الدُنيَا وَفي الآخرة ( ، فالإيمان والتقوى من أسباب إبعاد الأحزان عن القلوب ..



ومن طرق إبعاد الحزن عن القلب إتباع هدي الله الوارد في كتابه ، كما قال سبحانه ) فَمَن اتّبَعَ هُدَاي فَلا خَوفٌ عَلَيهم وَلا هُم يَحزَنُون (.



إنّ الدار الخالية من الأحزان هي الجنّة ..كما قال تعالى ) الأخلاءُ يَومَئذٍ بَعْضُهم لِبعض ٍعَدو الا المُتّقِين يَا عِبَادي لا خَوفٌ عَلَيكُم اليَومَ ولا أنتم تَحْزَنُون ( ، وقال تعالى عن أهل الجنّة ) وَقَالُوا الحَمدُ للهِ الّذِي اَذهَبَ عَنّا الحَزَن إنّ رَبّنَا لَغَفُورٌ شَكُور(، وقال ) إنَّ الّذِينَ قَالُوا رَبُنَا الله ثُمّ استَقَاموا تتنزّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَة الا تَخَافُوا ولا تَحزَنُوا وابشِرُوا بِالجَنّةِ الّتِي كُنتم تُوعَدون(..



ومن هنا جاءت الشريعة بالنهي عن الحزن الذي قد يعتري بعض قلوب المؤمنين ، من أجل صدود غير المؤمنين عن دعوة الإسلام ، أو افتراءهم الكذب على المسلمين ، كما قال تعالى) قَد نَعلمُ إنّهُ لَيَحزُنُكَ الّذي يَقُولُون فَإنَهم لا يُكَذِبُونَك وَلَكنَّ الظَالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجحَدُوُن ( وقال ) ولا يَحزَنُكَ قَولُهم إنَّ العِزّةَ للهِ جَمِيعَاً هُوَ السَمِيعُ العَلِيم ( وقال ) يَا أيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحزَنُكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بِأفوَاهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلُوبَهم ( وقال ) واصّبِر وَمَا صَبرُكَ الا باللهِ ولا تَحزَن عَلَيهِم وَلاَ تَكُ في ضَيق ٍمِمّا يَمكُرُون ( وقال ) ومَنْ كَفَرَ فَلا يَحزُنُكَ كُفرُه إليَنَا مَرجِعَهم فَنُنَبِئَهُم بِمَا عَمِلُوا إنّ اللهَ عليمٌ بِذاتِ الصُدُور( ، وقال ) فَلا يَحزُنُكَ قَولُهم إنَّا نَعلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعلِنُون( وقال ) قُل سِيرُوا فِي الأرضِ فَا انظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجرِمِين ولا تَحزَن عَلَيهم وَلا تَكُ في ضَيق ٍمِمّا يَمكُرُون ( وقال ) فَلا تَذهَب نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَرَات( وقال ) لَعَلّكَ بَاخِعٌ نَفسَكَ الا يَكُونُوا مُؤمِنِين(.

إنّ المؤمنين لا يحزنون إذا حصل انتصار مؤقت لأعدائهم عليهم ، فإن الآخرة خالصة لهم ، وإنّ العاقبة الحميدة في الدنيا تكون لهم ، وما حصل ذلك الانتصار لأعداء الإسلام ، الا لينقّي الله المؤمنين ويُصَفّيهم ، كما قال تعالى ) ولا تَهِنُوا وَلاَ تَحزَنُوا وَأنْثُمُ الأعَلَونَ إن كُنتم مُؤمِنِين* إن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقد مَسّ القَومَ قَرحٌ مِثلُه وتِلكَ الأيامُ نُدَاوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعلَمَ اللهُ الذين آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنكُم شُهَداء واللهُ لا يُحبُ الظَالِمِين* ولِيُمَحِّصَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا وَيَمحَقَ الكَافِرين* أم حَسِبتُم أنْ تَدخُلُوا الجَنَّة وَلَمّا يَعلَم ِاللهُ الّذينَ جَاهَدُوا مِنكُم ويَعلَمَ الصَّابِرِين ( .



لم يرد في الشرع الأمر بالحزن المنافي لتمام الرضا أبداً ، إذ لا فائدة في الحزن ، بل قد يكون فيه مضرّة ، لكنه يُعفى عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله ..وقد يقترن بالحزن ما يجعل صاحبه يثاب عليه ويحمد عليه ويكون محموداً من تلك الجهة، كمن يحزن على مصيبة في دينه ، أو يحزن بسبب المصائب التي تصيب إخوانه المسلمين .. فهنا يُثاب العبد على هذا الحزن لما فيه من محبة الخير للآخرين وبغض الشرّ لهم ..

أسأل الله جلَّ وعلا أن يوفقنا وإياكم للخير ..أن يبعد عنا وعنكم الحزن ..هذا والله أعلم ..وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

طالبة الرضوان 04-08-10 09:54 PM

بســم اللــه الــرحــمــن الــرحــيـم
قــلــوب الصـائــميــن
فــضــيلـة الشـيـخ سـعـد ابـن نـاصـر الشـثـري
التـــفــاؤل
الحمد لله فارج الكُرُبات ..وأشهد أن لا إله الا الله مجيب الدعوات ..وأشهد أن محمد عبده ورسوله عليه أتم التسليم وأفضل الصلوات ، أما بعد ..
فإن من أعمال قلوب الصائمين ..التي يتقربون بها لله أن يتفاءلوا .. بحيث يتفاءل المرء بأن يغفر الله له في هذا الشهر الكريم ،شهر رمضان ، ويتفاءل بأن يستجاب له دعاءه ، ونتفاءل أيضا أن يمحّص الله ذنوبنا في شهر رمضان ،وأن يتقبل الله منا عباداتنا .

تأميل الناس في فضل الله عز وجل:
إذا أمّل الناس في فضل الله ، ورجوا إحسانه جلَّ وعلا عند كل سبب ضعيف أو قوي ، فهم على خير ولو غلطوا في جهة الرجاء ، فإن الرجاء خير لهم .

وإذا قطع العباد أملهم من الله ، وقطعوا رجاءهم من الله كان ذلك من أعظم الشرّ عندهم ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:{قال الله ـ عزَّ وجل ـ أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء} وجاء في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:{لا طيره وخيرها الفأل ، قالوا :وما الفأل ؟!قال :الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم}.
وفي الحديث { لا طيره ، وأحب الفأل الصالح }،وفي الترمذي أن رسول الله صلّى الله عليه و سلم كان يعجبه إذا خرج لحاجه أن يسمع ( يا راشد ، يا نجيح )، وفي السنن من حديث بريده ،أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء ، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه فإذا أعجبه فرح به ورؤيا بشر ذلك في وجهه ، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح بها ورؤيا بشر ذلك في وجهه.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلم قيل له :{ منّا رجال يتطيرون ، فقال : ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنهم }..وجاء في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلم قد ذكر أن سبعين ألفاً من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب ، وقد وصفهم النبي صلّى الله عليه وسلم بأنهم لا يسترقون ، ولا يتطيرون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون .

فقوله "ولا يتطيرون" أي لا يتشاءمون ، فإذا نهي عن التشاؤم ، دل ذلك على مشروعية ضد الا وهو التفاؤل .

وليس في الإعجاب بالفأل ومحبته شيء من الشرك ، بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة ، ومن حب الفطرة الإنسانية ، التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها ، والله تعالى فد جعل في غرائز الناس الإعجاب بسماع الاسم الحسن ومحبته ، وميل نفوسهم إليه .
وكذلك جعل فيها الارتياح والاستبشار والسرور باِسم الفلاح والسلام ، والنجاح والتهنئة والبشرى ، والفوز والظفر ونحو ذلك ..

فإذا قرعت هذه الأسماء الأسماع ، استبشرت بها النفس.. وانشرح لها الصدر ..وقوي بها القلب ، وإنما كان صلّى الله عليه وسلم يعجبه الفأل ، لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق.

أما التفاؤل ..فإنه حسن ظن بالله سبحانه وتعالى ، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال .
وإذا كان التفاؤل محبوباً محموداً عند الله ـ عزّ وجل ـ فإن الذي يقابله التشاؤم ، وهو من الأمور المذمومة ، ومن أمثلة ذلك ..أن يتشاءم الإنسان بالأعداد أو الطير أو المرضى ..وهذا من الأمور المحرمة في الشرع .
والتطيّر إنما يضرّ من أشفق منه وخاف ، وأما من لم يبالي به ولم يعبأ به شيئا فإنه لا يضره البتة .
والطيرة باب من أبواب الشرك .. ومن إلقاء الشيطان الوساوس في قلوب العباد، فهو من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته ..ولهذا يعظم شأنه ويكبر عند من يكثر العناية به .
فمن تطير .. زاده التطير شرّاً وشؤما ، والمتطير متعب القلب .. منكّد الصدر .. كاسف البال .. سيء الخلق .. يتخوف من كل ما يراه ويسمعه ، فهو أشدّ الناس وجلا ، وأنكدهم عيشا ، وأضيقهم صدرا ، وأحزنهم قلبا .
كم حرم نفسه بذلك من حظ ، وكم منعها من رزق ، وكم قطع عليها من فائدة .
واعلم .. بأنه ليس شيء أضر بالرأي ، ولا أفسد بالتدبير من اعتقاد الطيرة ..
ومن ظن أن خوار بقرة .. أو نعيق غراب .. يرد قضاء أو يدفع مقدوراً فقد جهل .وفي السنن (الطيرة شرك) ، وفي المسند ( من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك ) .

وقد عاب الله تعالى على بعض الأمم السابقة التطير ، فقال سبحانه) وإن تُصِبهُم حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِندِ اللهِ وإن تُصِبهُم سَيئة يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِندك قُل كلٌّ مِن عِندِ الله فَمَا لِهَؤلاءِ القوم ِلا يَكَادُونَ يَفقَهُونَ حَدِيثَا (وقال ) فَإذَا جَاءَتُهمُ الحَسَنَة َقالُوا لَنَا هذه وإن تُصِبهُم سَيئة يَطَيّرُوا بمُوسَى ومَن مَعَه ألا إنمَا طَائِرُهم عِند الله ولكنّ أكثَرَهُم لا يَعلَمُون) وقَومُ صَالح ٍقَالُوا اِطيّرنَا بِكَ وبِمَن مَعَك قَالَ طَائِرُكُم عِند الله بل أنتُم قَومٌ تُفتَنُون( فكان عاقبتهم سوء العاقبة دنيا وآخرة ،) وأصحَابُ القَرية ِقَالُوا إنّا تَطيّرنَا بِكم فَردَّ عَليهِم أنبَيَاءهُم قَالُوا طَائِركُم مَعَكم أئِن ذُكِّرتُم بَل أنتُم قَومٌ مُسرِفُون( .

وعلاج الطيرة يكون بحسن التوكل على الله ، والاعتماد عليه ، ومعرفة أنه لا يحدث شيئاً الا بتقدير الله وخلقه ،وأن القدر سابق على هذه الحادثة التي تشاءم منها .
خرج عمر ابن عبد العزيز في سفر فقيل له :{ القمر في الدّبران ، وكانوا يتشاءمون من ذلك ..فقال : إنّا لا نخرج بسمش ولا بقمر ولكنّا نخرج بالله الواحد القهّار }.

التطيّر ينافي التوكل .. ويدلّ على قلة العقل ، ويورث اضطراب النفس ، ويؤدي إلى الكسل وترك العمل ، وكثرة الفشل .

التطيّر ... سيء العاقبة دنيا وآخرة ..فيا أيها المؤمنون اجتنبوا التطيّر في جميع شؤونكم ، واتصفوا بصفة التفاؤل في كل أحوالكم ، والله جلَّ وعلا عند حسن ظن عبده به ، والله جلَّ وعلا قد عوّدكم الجميل ، وبين لكم أنه ينصر أولياءه المؤمنين ، فتفاءلوا بنصر الله تجدوه ...

هذا ... والله جلَّ وعلا أسأله أن يوفقنا وإياكم بخيري الدنيا والآخرة .. وأن يصلح أحوالنا جميعا .. وأن يردّنا إلى دينه ردّاً حميدا .. هذا والله أعلم .

وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....

طالبة الرضوان 07-08-10 02:26 PM

بـــســـم اللـه الــرحــمــن الــرحــيــم


قــــــــلـــــوب الصائــــميـــــــــن


فـضيـلــة الشـــيخ ســعــد ابـن نـاصـر الشـثــري


الــــــــرجــــــــــــاء



الحمد الله الرؤوف الرحيم .. المؤمل بكشف الملمات .. والمرجو برفع الدرجات .. وأشهد أن لا إله إلا الله نرجو رحمته ونخاف من سوء أعمالنا .. وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما ً كثيرا .

أما بعد ..

فإن من عبادات القلوب ..رجاء رحمة علاّم الغيوب ، قال تعالى) أولئكَ الّذينَ يَدعُونَ يَبتَغُونَ إلىَ رَبّهِمُ الوَسِيلَة أيّهُم أقَرَب وَيَرجُونَ رَحمَتَه وَيَخَافُونَ عَذَابَه ( وفي الصحيح يقول النبي صلّى الله عليه وسلم :{ لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه ويقول :{ قال الله عزّ وجل : أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء }.


قال ابن القيم :{ الرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدار الآخرة }، أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل ، كرجاء المطيع لثواب ربه ، أو رجاء كائد لمغفرته وعفوه .

الرجاء ضروري للمريد السالك ، والعارف لو فارقه لحظة لتلف أو كاد ، فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه ، وعيب يرجو إصلاحه ، وعمل صالح يرجو قبوله ، واستقامة يرجو حصولها ودوامها ، وقرب من الله وعلو منزلة عنده يرجو وصوله إليها.


الرجاء من الأسباب التي ينال العبد بها ما يرجوه من ربه .. بل هو أقوى الأسباب ، وفي قوله تعالى ) إن الّذينَ آمَنُوا والّذينَ هَاجَرُوا وجَاهَدُوا في سَبيلِ اللهِ أولئكَ يَرجُونَ رَحمَةَ الله ( دليل على أن الرجاء لا يكون إلا بالقيام بالأعمال ، وأما الرجاء المقارن بالكسل فهو غرور وأمن من مكر الله وهو دال على ضعف الهمّة ، ونقص العقل ، وفي الآية دلالة على أن العبد لا يعتمد على عمله ، ولا يعّول عليه ، بل يرجو رحمة ربه .

حسن الظن ..وعظم الرجاء .. أحسن ما تزود به المؤمنون لقدومهم على ربهم جلَّ وعلا .. قوة الرجاء بالله أمان لكل خائف ، ومما يدعو إلى زيادة الرجاء في الله وفي فضله التعرف على أسماء الله ، التي تجعل القلب يرجو رحمة الله جلَّ وعلا فهو سبحانه البر الرحيم ، وهو سبحانه الغفور الرحيم ، وهو سبحانه العفو الكريم ، وهو سبحانه المحسن الحليم ، وهو سبحانه المعطي الجواد ، وهو سبحانه الوهاب الرزاق .


إذا علم العبد أن رحمة الله واسعة ، دعاه ذلك إلى أن يكون قلبه معلّقاً برجاء الله ، قال تعالى) إنَّ رَحمَتِي وَسِعَت كُلّ شَيء ( وفي الحديث الصحيح قال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ لما قضى الله الخلق ، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي }.

إن استشعار العبد لعبوديته لربه ، وفقره إليه ، وحاجته لما يرجوه من ربه ، ويستشرفه من إحسانه ، وأنه لا يستغني عن فضل الله وإحسانه طرفة عين ، يدعوه إلى أن يملئ قلبه من رجاء الله تعالى .

إذا عرف العبد أن الله تعالى يحب العبد متى رجاه وسأله ، فإنه سيكون من الراجين السائلين ..

من أسباب تحصيل الرجاء .. أن يشاهد العبد عظم فضل الله عليه ، وعموم إحسانه في نفسه وعلى غيره ، فكم من نعمة أنعمها عليك ربك أيها العبد ، وكم من خير أوصله إلى غيرك ، قال تعالى )وإمّا تُعرِضنَّ عَنهُم ابتِغَاء رَحمَةٍ مِن رَبّكَ تَرجُوهَا فَقُل لَهُم قَولاً مَيسُورَا( .


ومن أسباب تحصيل رجاء الله تعالى .. أن يستحضر المؤمن وعد الله للمؤمنين بخيري الدنيا والآخرة ، قال تعالى )وبَشّرِ المُؤمِنِينَ بِأنَّ لَهُم مِن اللهِ فَضَلاً كَبِيرَا ( وقال سبحانه ) و الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحَات فِي رَوضَاتِ الجَنّات لَهُم مَا يَشَاءُونَ عِندَ رَبّهِم ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِير( .


ومن أسباب تحصيل العبد لرجاء الله تعالى .. أن يعلم أن الله تعالى يغفر ذنوب العباد التائبين مهما تعاظمت ، قال تعالى )قُل يَا عِبَادِي الّذينَ أسرَفُوا عَلَى أنفُسِهِم لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ الله إنَّ اللهَ يَغِفرُ الذُنُوبَ جَمِيعَا (.


إذا لاحظ العبد سنّة الله في الكون، بنصر أولياءه المؤمنين ، ازداد قلبه رجاءاً لله تعالى( أليس الله بكافٍ عبده )،(ومن يتوكل على الله فهو حسبه )، وإذا لاحظنا أن الله تعالى يجيب دعاء الداعين على اختلاف أزمانهم وأماكنهم ، وعلى تنوع لغاتهم وألسنتهم ، زادنا ذلك رجاءاً في الله تعالى ، ثم إن الثمرات العظيمة التي تحصل من رجاء الله تعالى ، تدعونا إلى أن نملئ قلوبنا من رجاء الله .



· فمن ثمرات الرجاء .. أن الرجاء من أسباب مغفرة الذنوب ، كما ورد في الحديث القدسي :{ يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي .}

· الرجاء من أسباب رضا الله عن العبد ومحبته له وقربه منه .


· الرجاء ينشّط النفس على طاعة الله ، فإن من عرف قدر مطلوبه ، هان عليه ما يبذله فيه ، قال تعالى) فَمَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ رَبّهِ فَليَعمَلَ عَمَلاً صَالِحَاً ولا يُشركَ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أحَدا( ، وقال تعالى ) أمّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الّليلِ سَاجِدَا ً وَقَائِمَا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُوا رَحمَةَ رَبّهِ قُل هَل يَستَوي الّذينَ يَعلَمُونَ والّذِينَ لا يَعلَمُونَ إنّمَا يَتَذَكّرُ أولُوا الألبَابِ ( .


· الرجاء يجعل العبد يتلذذ بأنواع الطاعات ، فكلما طالع القلب ثمرات الطاعات ، وحسن عاقبتها ، إلتذَّ بها.



· الرجاء يبثّ الطمأنينة في النفس ، ويبعد عنها الوساوس والخطرات ، ويهّون عليها المصائب ، إذ النفس ترجو زوال ما حلَّ بها من مصيبة ، وبذلك يقوى العبد على أعداء الله ، قال تعالى ) ولا تَهِنُوا فِي ابتِغَاءِ القَوم إن تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإنّهُم يَألَمُونَ كمَا تَألَمُون وَتَرجُونَ مِن اللهِ مَا لا يَرجُون وكَانَ الله عَلِيمَاً حَكِيمَا (.


لولا التعلق بالرجاء تقطعت ~~ نفس المحب تحسّراً وتمزقا
لولا الرجاء يحدو ألمطي لما سرت ~~ يحدو لها لديارهم ــــــــــ اللقاء




رجاء الله ورجاء ثوابه .. يحدو العبد إلى متابعة النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم ، والسير على طريقة عباد الله الصالحين )لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُول ِالله ِأسُوَةٌ حَسَنَة لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ واليَومَ الآخِرَ وذَكَرَ اللهَ كَثيرَا( ، لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر .


الرجاء من أكبر أسباب تحصيل الأجور العظيمة ،)إن الّذين يتلُونَ كِتابَ اللهِ وأقَامُوا الصَّلاة وأنفَقُوا ممّا رَزَقنَاهُم سِرّاً وَعَلانِيَة يَرجُونَ تِجَارةً لَن تَبُور لِيُوفيهُم أجورَهُم ويَزيدَهُم مِن فَضلِه إنَّه غَفُورٌ شَكُور(.


الرجاء سبب لتحصيل منافع الدنيا والآخرة .. وفي الحديث{ أن النبي صلّى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت ، قال : كيف تجدك ؟ قال : والله يا رسول الله إني لأرجو الله ، وإني أخاف ذنوبي . فقال صلّى الله عليه وسلم :لا يجتمعان في قلب عبد ، في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمّنه مما يخاف .}


وما أعظم ما ينجز الرجاء.. من انتظار رحمة الله ، وتوقع فضل الله ، الذي يعلّق القلب بالله


طالبة الرضوان 07-08-10 02:32 PM

بـســم اللـه الـرحــمــن الــرحــيـم

قــلــوب الصــائـــمـيــــــــن
فــضيــلــة الـشيــخ سـعــد ابـن نـاصـر الشــثــري
الــخــــــــــوف
الحمد لله رب العالمين .. الحمد لله القوي العزيز.. صاحب البطش الشديد ..فعّال لما يريد،كم أهلك من أمة كافرة ، وكم أخذ من جماعة ظالمة ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
أما بعد ..
ففي لقاءنا هذا في برنامج قلوب الصائمين نتحدث عن امتلاء قلوب المؤمنين بالخوف من رب العالمين ، قال الله تعالى ) فَليَحذَرِ الّذينَ يُخَالِفُونَ عَن أمرِهِ أن تُصِيبَهُم فِتنَة أو يُصِيبَهُم عَذَابٌ ألِيم (.


من الأمور التي تدعوا العبد إلى زيادة الخوف من الله تعالى كثرة المعاصي التي فعلها العبد ، ويخاف من سوء عاقبتها ، فإذا كان أنبياء الله صلوات الله عليهم وسلامه يقولون) إنّي أخَافُ إن عَصَيتُ رَبِّي عَذَابَ يَومٍ عَظِيم ( فكيف بغيرهم من أفراد الناس .


ومن طرق تحصيل خوف الله تعالى ..تصديق الله في وعده ووعيده ، وذلك أن المرء يخاف أن يدخله الله نار جهنّم ويعذبه بها ، كما قال تعالى) قُل إنَّ الخَاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوا أنفُسَهُم وأهلِيهِم يَومَ القِيامَة الا ذَلِكَ هُوَ الخُسرَان المُبين لَهُم مِن فَوقِهِم ظُلَل من النّارِ ومِن تَحتِهِم ظُلَل ذَلِكَ يُخَوّفُ اللهُ به عِبَاده يَا عِبَادِي فَتّقُون ( .


ومما يزيد الخوف في قلب العبد من ربه جلّ وعلا .. معرفة تلك العقوبات العظيمة ، التي أنزلها الله بالأمم السابقة ، فإن من تأملها وتفكّر فيها ، زاده ذلك خوفا من الله تعالى ، قال سبحانه ) قَالُوا إنّا أُرسِلّنَا إلى قَوم ٍمُجرِمِين لِنُرسِلَ عَلَيهِم حِجَارَةً مِن طِيِن مُسَوَّمَةٍ عِندَ رَبّكَ لِلِمُسرِفِين( إلى قوله سبحانه ) وتَرَكنَا فِيهَا آيةً للّذِينَ يَخَافُونَ العَذَابَ الألِيم ( .


ثم إن العبد يخشى من ربه أن يوقع عليه العقوبات في الدنيا بسبب سوء عمله ، قال تعالى في وصف من يتوسل إليه التوسل المشروع ويخافون عذابه ) إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحذُورَا وإن مِن قَريَةٍ إلّا نَحنُ مُهلِكُوهَا قَبلَ يَوم ِالقِيَامَة أو مُعَذِبُوهَا عَذَابَاً شَدِيدَا كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسطُورَا ( .


من أسباب تحصيل للخوف من الرب تبارك وتعالى :

ملاحظة الآيات الكونية
، وما قدّره الله من المخلوقات العظيمة ، يزرع الخوف من الله في قلب العبد ، قال تعالى) هُوَ الّذِي يُريِكُمُ البَرقَ خَوفَاً وطَمَعَا ويُنشئُ السَّحَابَ الثِقَال ويُسَبِحُ الرَّعدُ بِحَمدِهِ والمَلائِكَةُ مِن خِيفَتِهِ ويُرسِلُ الصَواعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُم يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَال ( ، وقال سبحانه) ومَا نُرسِلُ بِالآياتِ إلّا تَخويِفَا (.



إن تحصيل العلم الشرعي ينتج الخوف في قلب العبد ، قال تعالى) إنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاء ( .
ومن أسباب تحصيل خوف الله جلّ وعلا أن يستشعر العبد أن الله يراقبه ولا يخفى عليه شيء من أحواله ، قال سبحانه) إنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُم فَحذَرُوُه (.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية :{ من طلب من العباد العوض ثناءاً أو دعاءاً أو غير ذلك لم يكن محسناً إليهم ، ومن خاف الله فيهم ، ولم يخفهم في الله ، كان محسناً إلى الخلق ، محسناً إلى نفسه ، فإن خوف الله يحمله على أن يعطيهم حقهم ، ويكف عن ظلمهم ، ومن خافهم ولم يخف الله فيهم ، فهذا ظالم لنفسه ولهم ، حيث خاف غير الله ورجاه ، لأنه إذا خافهم دون الله احتاج أن يدفع شرّهم عنه بكل وجه إما بداهنتهم أو مراءاتهم ، وإما بمقابلتهم بشيء أعظم من شرهم أو مثله ، فإذا رجاهم لم يقم بحق الله فيهم ، وإذا لم يخاف الله فهو مختار للعدوان عليهم ، فإن طبع النفس الظلم لمن لا يظلمها فكيف بمن ظلمها .
ستجد هذا الضرب من الناس ..كثير الخوف من الخلق ، كثير الظلم إذا قدر، مهين ذليل إذا قُهر ، فهو يخاف الناس بحسب ما عنده من ذلك ، وهذا مما يوقع الفتن بين الناس ، وكذلك إذا رجاهم وهم لا يعطونه ما يرجوه منهم فلابد أن يبغضهم ، فيظلمهم إذا لم يكن خائفاً من الله .


والإنسان إذا لم يخف من الله اتبع هواه ، ولا سيّما إذا كان طالباً ما لم يحصل له ، فإن نفسه تبقى طالبة لما تستريح به ، وتدفع به الغم والحزن عنها ، وليس عندها من ذكر الله وعبادته ما تستريح إليه ، فتظن أن راحتها في المحرمات ، من فعل الفواحش وشرب المسكرات ، وقول الزور واللهو والعبث ، ومخالطة قرناء السوء ، ولا تطمئن نفسه إلا بعبادة الله .


قال ابن حزم :{ وقد علم الله تعالى أن كل مسلم لولا خوف الله تعالى لأحب الأكل إذا جاع في رمضان ، والشرب فيه إذا عطش ، والنوم في الغدوات الباردة عن الصلوات ، وفي الليل القصير عن القيام إلى الصلوات المندوبات ، ووطئ كل جارية حسناء يراها المرء ، ولكن مخافة الله تمنع المؤمن من ذلك }.


إن الخوف من الله تعالى ينتج عنه فوائد عظيمة ..منها ترك الذنوب والمعاصي ، روى الحاكم بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة ، فمن تركها من خوف الله ،أثابه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه ، ومن ترك المعاصي خوفاً من الله أجر وأثيب } .


الخوف من الله سبب لرفع الدرجات في الجنّة ، قال تعالى ) ولِمَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان ( وقال ) وأمَّا مَن خَافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهَىَ النَّفسَ عَنِ الهَوَى فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى ( ، وفي حديث السبعة الّذين يظلهم الله يوم القيامة : { رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال إني أخاف الله }.


من استحضر مخافة الله في دعاءه ، كان ذلك من أسباب



إجابة الدعاء ، قال تعالى ) وادعُوهُ خَوفَاً وَطَمَعَا إنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنين ( وقال) تَتَجَافَىَ جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ ربَّهُم خَوفَاً وَطَمَعَا وَمِمَّا رَزقنَاهُم يُنفِقُون فَلا تَعلمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أعيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعمَلُون ( .


مخافة الله سبب للتمكين في الأرض ، قال تعالى) ولَنُسكِنَنَّكُم الأرضَ من بَعدِهِم ذَلِكَ لِمَن خَافَ مَقَامِي وخَافَ وَعِيد(


مخافة الله سبب للاتعاظ والتذكر ، قال تعالى) فَذَكّر بِالقُرءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيد (.
مخافة الله في قلب العبد تدفعه للإقدام على الطاعات ، وفي الحديث { من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، الا إن سلعة الله غالية .. الا إن سلعة الله الجنّة }.
إذا استحضر المرء مخافة الله في كل وقت ، دعاه ذلك لأن يكون مخلصاً لله في كل أعماله .


من خاف الله لم يتكبّر على خلقه ولم يتجبّر على عباده .

وخوف الله يحمل العبد إلى إعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم .

من خاف الله حقيقة ، لم يخف من غيره ، قال تعالى) إنّمَا ذَلِكُمُ الشَيطَانُ يُخَوّفُ أولِيَاءَه فَلا تَخَافُوهُم وخَافُونِي إن كُنتُم مُؤمِنِين( ، فإذا اتحد مصدر الخوف ، أطمئنت النفس ، وفي بعض الآثار :[ من خاف الله .. خوّف الله منه كل شيء ، ومن لم يخاف الله ..خوفه الله من كل شيء ].


مخافة الله سبب لمغفرة الذنوب ، ففي الحديث :{ أن رجلاً وصى أبناءه بحرق بدنه ، وسحقه وذرّه في الريح العاصف ، فأمر الله بجمع بدنه وقال له : ما حملك على ذلك . فقال : مخافتك يا ربي ، فغفر الله له ذلك }.
لقد حرص سلف الأمة على الترغيب في الخوف والاتصاف به ، قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه :{ أيها الناس .. لو نادى منادي من السماء "أيها الناس إنكم داخلون الجنّة كلكم إلا رجلاً واحدا " لخفت أن أكون أنا هو } ، قال الحسن البصري :{ لقد مضى بين يديكم أقوام لو أن أحدهم أنفق عدد هذا الحصى ، لخشي ألا ينجو من عظم ذلك اليوم } .
قال ابن مسعود :{ إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل يخشى أن ينقلب عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا فطار } قال ابن عباس :{ وعد الله المؤمنين الّذين خافوا مقامه وأدّوا فرائضه الجنّة }


وقال
عمر
ابن عبد العزيز :{ من خاف الله ..أخاف الله منه كل شيء } قال وهب ابن كمنبه :{ ما عبد الله بمثل الخوف }.


وقال الداراني :{ أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عزَّ وجل } ، وكل قلب ليس فيه خوف ، فهو قلب خرب .


قال ابن تيمية :{ الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله } ، وقال بعضهم :{ إذا سكن الخوف القلب ، أحرق مواضع الشهوات منه ، وطرد الدنيا عنه } .

هذا ، والله أعلم ..

وصلى الله على نبينا محمد....



طالبة الرضوان 07-08-10 02:41 PM

بــســم الــلــه الرحــمــن الرحـيـم


قــــلـــــوب الصــائــمــيـــن


فـضـيلــة الشـيــخ سـعــد ابـن نـاصر الشـــثـري

التـــــــــواضـــــــــــع



الحمد لله الذي خضع لعظمته الجبابرة .. وذل لسطوته الظلمة العصاة .. وأشهد أن لا إله الا هو سبحانه ، لا ينازعه أحد الا قصمه .. وأشهد أن محمد عبده ورسوله .. أشدّ الناس تواضعا ، حتى اختار أن يكون عبداً رسولا ، لا ملكاً نبيا ، وكان من تواضعه أنه يكون في خدمة أهله ، وقال :{ لا تطروني إنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله }صلّى الله عليه وسلّم تسليما


أما بعد ...



فإن من أخلاق قلوب الصائمين .. التواضع ، التواضع أن لا يرى الإنسان لنفسه على غيره فضلا مهما علت منزلته ، ومهما قدّم من إحسان لغيره ، وقد فسّر النبي صلّى الله عليه وسلّم الكبر بأنه {بطر الحق "أي جحده "، وغمط الناس "أي احتقارهم"} .



متى تصح درجة التواضع؟

ولا يصح للعبد درجة التواضع ، حتى يقبل الحق ممن يحب وممن يبغض ، فيقبله من عدوّه كما يقبله من صديقه ، وإذا لم تردّ عليه حقا فكيف تمنعه حقا ً له قِبَلك ، ومن أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته ، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته حقاً كانت معذرته أو باطلا ، وتكل سريرته إلى الله تعالى ، كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنافقين الّذين تخلّفوا عنه في الغزو ، فلما قدم جاءوا يعتذرون إليه فقبل أعذارهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى .


وعلامة التواضع والكرم .. أنك إذا رأيت الخلل في عذره فلا توقفه عليه ، ولا تحاجّه ، ولا تبيّن له أنك فد اطلعت على كذبه في عذره .


إن أعظم درجات التواضع .. أن تتواضع مع الله ، بأن تعرف مقدار نفسك ، وأن تستجيب لأمر ربّك ، طاعة له سبحانه ، لا استجابة لعاده ولا تحقيقاً لهوى ومحبة ، فلا ترى لنفسك حقاً على الله لأجل عملك ، وإنما تتواضع لربك بأن تعرف أن الله جلَّ وعلا قد تكرّم عليك .


لقد أمر الله تعالى بالتواضع في آيات قرآنية عديدة .. وجاء الأمر بالتواضع في أحاديث كثيرة ، ومما ورد في ذلك قول الله تعالى) واخفِض جَنَاحَكَ لِلمُؤمِنِين( وقوله سبحانه )ولا تَمشِي فِي الأرضِ مَرَحَا إنَّكَ لَن تَخرِقَ الأرضَ ولن تَبلُغَ الجِبَالَ طُوُلا( وقوله جلَّ وعلا ) ولا تَمشِي فِي الأرضِ مَرَحَا إنَّ اللهَ لا يُحِبُ كُلَّ مُختَالٍ فَخُوُر ( وقال سبحانه ) وعِبَادُ الرّحمَنِ الّذينَ يَمشُونَ عَلَى الأرضِ هَونَا (.


قال ابن عباس :{ بالعفاف ، والطاعة ، والتواضع } وفي الحديث يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :{ إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد }:{ ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله } أخرجه مسلم .وفي حديث أبي سعيد ألخدري عند ابن حبّان أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال :{ من تواضع لله درجة ، رفعه الله درجة حتى يجعله في أعلى عليين ، ومن تكبّر على الله درجة ، وضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين ، ولو أن أحدكم يعمل في صخرة صمّاء ليس عليه باب ولا كوّة لخرج ما غيّبه للناس كائناً من كان } . رواه مسلم .


وقال صلّى الله عليه وسلّم في التواضع مصلحة الدين والدنيا ..

فإن الناس لو استعملوا التواضع في الدنيا ، لزالت بينهم الشحناء ، ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة .


التواضع سلّم الشرف .. ثمرة التواضع ، انتشار المحبة في قلوب الخلق ، فمن تواضع للناس أحبوه وأحبه الله تعالى .

من أحسن الأخلاق أن تكون سجيّة العبد التواضع .. ومن أحسن الأفعال ، الإحسان إلى من أساء إليك .


قوله صلّى الله عليه وسلّم ( تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ) يبين أن التواضع المأمور به .. يضاد البغي والفخر ، التواضع ضد التكبر ، وسبب التواضع شيئان :


· التحقق في مقام العبودية لله .

· ومعرفة الإنسان بعيوب نفسه.


قال ابن حجر : [ الأمر بالتواضع نهي عن الكبر فإنه ضده ] ، وفي الصحيح مرفوعا قال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ قال الله عزّ وجل : الكبرياء رداءي ، والعظمة إزاري ، من نازعني واحداً منهما ألقيته في جهنم } وقد قال الله تعالى ) أفا كُلّمَا جَاءَكُم رَسُولٌ بمَا لا تَهوىَ أنفُسِكُم استكبَرتم فَفَرِيقَاً كَذّبتُم وفَرِيقَاً تَقتُلُون( .


فالكبر سبب لردّ الحق وعدم قبوله ، قال تعالى) سَأصرِفُ عَن آيَاتِيَ الّذينَ يَتكَبّرُونَ فِي الأرض ِبِغَيرِ حَق( وقال سبحانه ) ويلٌ لِكُلِّ أفَّاك ٍ أثِيم يَسمَعُ آياتِ اللهِ تُُُتُلى عَليهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُستَكبِرَا كأن لم يَسمَعهَا فَبَشِرّهُ بِعَذَابٍ ألِيم ( .

الكبر من أسباب غضب الرب على العبد ، وعدم محبته له ، قال تعالى) إنّهُ لا يُحِبُّ المُستَكبِرِين (، الكبر من أسباب نزول العقاب ، قال الله تعالى )وأمَا الّذينَ استَنكَفُوا واستَكبَرُوا فَيُعَذِبُهُم عَذَابَاً ألِيمَاً ولا يَجِدُونَ لَهُم مِن دُونِ اللهِ وَلِيّاً ولا نَصِيرَا ( ،

وقال) والّذينَ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا واستَكبَرُوا عَنهَا أولَئِكَ أصحَابُ النّارِ هُم فِيهَا خَالِدُون (وقال ) اليَومَ تُجزَونَ عَذَابَ الهُونِ بمَا كُنتُم تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيرَ الحَقّ و كُنتُم عَن آيَاتهِ تَستَكبِرُون (وقال) فَادخُلُوا أبَوابَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فلَبئسَ مَثوى المُتَكبِرِين(، وفي الحديث { لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر }.


المتكبر ذليل يوم القيامة ، ففي السنن أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال :{ يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال ، يغشاهم الذل من كل مكان }، وفي الصحيح :{ بينما رجل يتبختر في برديه قد أعجبته نفسه ، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة } وقال :{ من جرّ ثوبه خيلاء ، لم ينظر الله إليه يوم القيامة }.


وانظر إلى إبليس.. لما تكبّر أخرج من الجنّة ، وغضب الله عليه ، قال تعالى )فَمَا يَكُونُ لَكَ أن تَتَكَبّرَ فِيهَا فَاخرُج إنّكَ مِن الصَاغِرِين (.


أما عن مظاهر الكبر .. وترك التواضع .. فمنها رؤية الإنسان لنفسه أنه أفضل من غيره ، وترفعه عن من يماثله ، وتقدمه على أقرانه ، ومن مظاهره المفاخرة ومدح الإنسان لنفسه .


يحسن بالمسلم أن يكون صيامه من أسباب تواضعه بين يدي الله ، وتواضعه لعباد الله ، فإن الذي منع العبد من بعض النعم في الصوم ، قادر على سلب النعم كلها بالكبر وعدم التواضع .



الصوم .. يجعل الذهن يخلو من المشغلات عن التفكير .. فيتأمل الإنسان في أصل خلقته ، ويتأمل مدى ضعفه وقدرة الله عليه ، ويتأمل مساواته لغيره في أحكام الله ، فكيف يتكبر على من كان مساوياً له ، ويتذكر وقوفه بين يدي الله ، ومحاسبته له على أعماله ، ويتأمل بحسن عاقبة التواضع وسوء عاقبة الكبر ، قالت عائشة :{ تغفلون عن أفضل العبادة التواضع }.

أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من المتواضعين.. والبعد عن التكبر وأهله .


هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...


طالبة الرضوان 10-08-10 02:42 PM

بســـم اللـــه الرحمـــن الرحيـــــــم



قـــــلــــــــوب الصائمـــــــــــــين



لفضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري



التــــــــفكّـــــــر





أحمده سبحانه... وأشهد أن لا إله الا هو وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد..





فإن من عبادات القلوب التي يتقرب بها المؤمنون إلى ربهم ، التفكّر والاعتبار ..



والتفكر هو تأمل القلب في المعاني لإدراك العواقب وفهم الحقائق..



والاعتبار قياس حال النفس بحال الغير ، إذ ما حلّ بغيرك سيحلُّ بك ، متى كانت أسباب ذلك حاصلة عندك ، والسعيد من وعظ بغيره



ومما تكرر في القرآن ، مدح المتفكّرين .. وفتح الباب للتفكّر والاعتبار ، والأمر الجازم بذلك ، قال تعالى) فَاعتَبِرُوا يَا أُولِي الأبصَار (كأنه قال : ( انظروا إلى فعل هؤلاء الّّذين نزلت بهم العقوبات ، فاجتنبوا فعلهم ، لئلا ينزل بكم عقاب مثل عقابهم ).



وأصل الخير والشر:.. من قبل التفكّر ، فإن الفكر مبدأ الإرادة والطلب في الزهد ، والترك والحب والبغض .



كثر الحث في كتاب الله تعالى على التدبّر ، والاعتبار والنظر والافتكار ، ولا يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار.. ومبدأ الاستبصار ، وهو شبكة العلوم ، ومصيدة المعارف والفهوم ،وأكثر الناس قد عرفوا فضل التفكّر ورتبته ، ولكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره .



إن التفكّر في آيات الله الكونية والشرعية: مفتاح الإيمان ، وطريق العلم والإيقان ) فَإنَها لا تَعمَى الأبصَار ولَكن تَعمَى القُلُوبُ التي في الصُدُور إنَّ في ذَلِكَ لآيات لقوم ٍيعقِلُون( أي يستفيد من التفكّر في ذلك ، من لهم عقول يستعملونها في التدبر و التفكّر فيعرفون ما هم مهيئون له ، فيُفارقون حال الغافلين ، الّذين يكون استعمالهم لحواسّهم مماثلاً لحظ البهائم ، إذ لا يجعلون إحساسهم سبب للتفكّر والتأمل .



التفكّر والاعتبار يكون في أمور عديدة ..



منها الاعتبار بنصر الله لأولياءه المؤمنين ،قال تعالى)قَدْ كَانَ لَكُم آيةٌ فِي فِئَتَينِ التَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتلُ فِي سَبِيل ِ اللهِ وَأُخرَى كَافِرة يَرَونَهم مِثلَيهم رَأيَ العَين ِواللهُ يُؤيّدُ بِنَصرِه ِمَن يَشَاء إنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لِأُولِي الأبصَار(..



كذلك الاعتبار: بالعقوبات التي نزلها الله على الأمم المكذّبة السابقة ، قال تعالى) هُوَ الّذِي أخرَجَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِم لأوّل ِالحَشر مَا ظَنَنتُم أن يَخرُجُوا وَظَنّوا أنَّهُم مَانِعَتُهُم حُصُونُهُم مِنَ اللهِ فَآتَاهُمُ اللهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعب يُخرِبُونَ بِيُوُتَهُم بِأيدِيِهِم وَأيدِي المُؤمِنِينَ فَاعتَبِروا يَأولِي الأبصَار ( ، وقال تعالى عن فرعون) فَكَذّبَ وَعَصَى* ثُمّ أَدبَرَ يَسعَى*فَحَشَرَ فَنَادَى *فَقَالَ أنَا رَبُّكُمُ الأعلَى *فَأخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآخِرة ِوالأُولَى*إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرَةً لِمَن يَخشَى( ،وقال ) أفلم يهد ِ لَهُم كَم أهلَكنَا قَبلَهُم مِنَ القُرُونِ يَمشُونَ فِي مَسَاكِنِهِم إنَّ فِي ذَلِكَ لآيات ٍ لأولي النُهَى( ، )وكَذَلِكَ أخذُ رَبّكَ إذَا أَخَذَ القُرَى وَهيَ ظَالِمَة إنَّ أَخذَهُ أليمٌ شَدِيد إنَّ فِي ذَلِكَ لآية لِمَن خَافَ عَذَابَ الآخِرة(.



كذلك الاعتبار: بالمخلوقات العظيمة التي خلقها رب العزّة والجلال : قال تعالى ) يُقلّبُ اللهُ الليلَ والنّهَار إنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لأُولِي الأبصَار( ،وقال ) أولَم يَرَوا إلى الأرض ِكَم أنبَتنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوج ٍكَرِيم إنّ في ذَلِكَ لآية ومَا كَانَ أكثََرُهُم مُؤمِنِين( ..



كذلك الاعتبار: في إخراج الله للمخلوقات من بين الأمور المتضادات ، قال تعالى) وإنّ لَكُم في الأنعام ِلَعِبرة نُسقِيكُم مِمّا في بُطُونِهِ مِن بينِ فَرث ٍودَم ٍ لَبَنََاً خَالِصَاً سَائِغَاً للِشَارِبين* ومِن ثَمَرَات ِالنّخِيل ِوالأعنَاب ِتَتّخِذُونَ مِنُه سَكَرَاً ورِزقَاً حَسَنَا إنّ في ذَلِكَ لآيةً ًلِقومٍ يَعقِلُون( ، فانظر كيف أخرج اللبن من بين الفرث والدم ،وانظر كيف فرّق بين السكر والرزق الحسن .



وكذلك الاعتبار بالتاريخ ، وقصص الأمم السابقة ، وخصوصاً ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، قال سبحانه ) لَقَد كَان فِي قَصَصِهِم عِبرَة لأولي الأبصَار مَا كَانَ حَدِيثَاً يُفتَرَى وَلَكن تَصديقَ الّذِي بَينَ يَدَيهِ وتفصيلَ كل شيء وهُدَىً ورحمة لِقوم ٍيُؤمنون( .



ومن ذلك الاعتبار والتفكّر:في أحوال قرابتك الّذين ماتوا ، وتركوا الدنيا ، يقول النبي صلّى الله عليه وسلم :{ زوروا القبور،فإن فيها عبرة } وفي لفظ {فإنها تذكركم الآخرة }..



ومن ذلك الاعتبار والتفكّر في أحوال الدنيا وتقلباتها...كم من غني أصبح فقيرا ، وكم من رئيس أصبح مرؤوسا ..بكى عمر ابن عبد العزيز يوما ،فسئل عن ذلك ، فقال : [فكّرت في الدنيا ولذّاتها ، وشهواتها ، فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي ، حتى تكدّرها مرارتها ، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر ، إن فيها لمواعظ لمن اذّكر] .



ومن ذلك تفكّر الإنسان: في خلق الله له ، ونقله من حال إلى حال ،( فَليَنظُر ِالإنسَانُ ممّا خلُِق *خُلِقَ مِن مَاء ٍدَافق )،(مَالَكُم لاَ ترجُونَ لله ِوَقَارَا*وقَد خَلَقَكُم أطوَارَا).



ومن ذلك تفكّر الإنسان ..في الأحوال التي مرّ عليها طعامه الذّي يأكله ، قال تعالى ) فليَنظُر الإنسانُ إلى طَعَامِهِ*أنّا صَبَبنَا المَاءَ صَبّا*ثمّ شَققَنَا الأرضَ شَقّا*فَأنبَتنَا فِيهَا حَبّا*وعِنَبَا ًوَقَضبا*وَزَيتُونَا ًوَنخلاً *وَحَدَائقَ غُلبَا *ًوَفَاكِهَة ًوأبّا* مَتَاعا ً لَكُم وَلأنعَامِكُم فمن نظر في هذه النعم أوجب له ذلك شكر ربه،وجعله يبذل الجهد في الإنابة إليه، والإقبال على طاعته والتصديق بأخباره .

لقد اشتمل كتاب الله على الأدلّة العقلية المقنعة في كل شأن مما عرض له كتاب الله ، فهل من متفكّر فيها !!



فوائد التفكر:

إذ في الاعتبار بذلك ، تقوية الإيمان والزيادة له ..في الاعتبار، زيادة الخوف من الله والرجاء له ..في الاعتبار تعريف الإنسان بحقائق المخلوقات ومعرفة الإنسان بحقيقة نفسه .. في الاعتبار، معرفة الدنيا وحقيقتها وزوالها وتذكر الآخرة مع الاستعداد لها .

في الاعتبار بذلك ، قناعة العبد بما رزقه الله ، وسعادة قلبه ، وطمأنينة نفسه ... بالاعتبار تزيد البصيرة ، وتقوى الفراسة ،وتزيد الحكمة .

بالاعتبار و التفكّر .. يدرك المرء عواقب الأمور .. بالتفكّر ،يدرك المرء قدرة ربه ، وعظمته ، ويدرك عدله ورحمته ، وحكمته وتمام ملكه ، وتفرّده بالتصرف في المخلوقات ، مع مشاهدة مقدار بعض نعم الله على العبد.

بالتفكّر والاعتبار... ينتقل العبد إلى حمد الرب وشكر النعم ، والاستعداد ليوم المعاد .. وإذا غذي القلب بالتذكر، وسُقي بالتفكّر، وسلم من الآفات ، رأى العجائب وأُلهمَ الحكمة ..



أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من المتفكّرين .. والله أعلم ، وصلّى الله على نبينا محمد..






طالبة الرضوان 10-08-10 08:15 PM

بسـم اللـه الرحمـن الرحـيـم



قــــلــــوب الصــــائـــمــين



فـضـيــلــة الشــيـخ سعــد بـن نـاصــر الشثري


الـــرضــــــا



أما بعد ...
فإن من الأعمال العظيمة الفائدة ،الكبيرة الأثر ،العميمة الثمرة ،الواسعة النفع ،أن يرضى العباد بقضاء الله ، وأن ترضى القلوب بأمر الله ونهيه ، بحيث تكون القلوب مبتهجة بذلك كله ..راضية به ، فترضى بقضاء الله ، وترضى بأوامر الله ،إذا جاء أمر من أوامر الله أو نهي من نواهيه ، رضيت القلوب بذلك ..



الرضا :سرور القلب بأوامر الله وأقداره ولو كانت مؤلمة ..



الرضا :عدم الجزع مما قضاه الله وقدّره ، فأهل الإيمان يرضون عن الله ، ويرضون بأحكام الله ، فيُسلّمون لها تمام التسليم ، ولا يوجد في قلوبهم أي اعتراض عليها ، سواءً كانت من الأحكام الشرعية أو الأحكام القدرية .



رضا العبد عن الله.. أن لا يكره ما يجري به قضاءه ، وأن لا يسخط شيئاً من أوامره ، كان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم ( اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء ) ، وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال : { ذاق طعم الإيمان ،}وقال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ من قال حين يسمع النداء: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، غفرت له ذنوبه } ،وفي سنن ابن ماجه { ما من مسلم أو إنسان أو عبد يقول حين يمسي وحين يصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا الا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة فهذه الأحاديث عليها مدار عظيم من مقامات الدين ، وإليها ينتهي منزلة عالية من منزلة هذه الشريعة ، فقد تضمنت هذه الأحاديث الرضا بربوبية الله جلَّ وعلا وألوهيته سبحانه ، وتضمنت أيضا الرضا برسول الله صلّى الله عليه وسلم والانقياد له ، وتضمنت أيضا الرضا بدين الله مع التسليم له ،ومن اجتمعت له هذه الأمور ، فهو الصدّيق حقّا ، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا



فالرضا بإلوهية الله يتضمن:



الرضا بمحبته وحده ، وخوفه ورجاءه ، والإنابة إليه ،، مع امتداد قوى القلب كلها لله وحده ،، ولا يحب الا لله ، وذلك فعل الراضي كل الرضا بمحبوبه ، وهذا يتضمن عبادة الله والإخلاص له وحده والتبتل إليه سبحانه بحيث لا يريد العبد الا الله ..



وأما الرضا بربوبية الله فيتضمن الرضا بتدبيره لعبده ..



ويتضمن أن العبد يرضى بكل ما قدّره الله عليه ، ولو كان من المصائب ، ويتضمن إفراد الله بالتوكّل عليه ، وبالاستعانة به ،، وأن يكون المرء راضيا ً بكل ما يفعله الله به ، فالنوع الأول يتضمن رضا العبد بما يؤمر به، والنوع الثاني يتضمن رضا العبد بما يقدّره الله عليه والثقة به والاعتماد عليه.



وأما الرضا بنبيه رسولا ..



فيتضمن كمال الانقياد له ، والتسليم المطلق إليه ، بحيث يكون أولى به من نفسه ، فلا يتلقّى الهدى الا من مواقع كلماته صلّى الله عليه وسلم ،ولا يحاكم الا إليه وإلى كتاب ربه ، ولا يحّكم غيره ،ولا يكون راضيا ً بحكم غيره ، لا في شيء من أحكامه الظاهرة أو الباطنة ، فإن عجز عن العثور على حكمه ، كان تحكيمه لغيره من باب الاضطرار كالمضطر لا يجد طعاما ً الا الميتة والدم .



وأما الرضا بدين الله ..


فإذا قال شرع الله سلّم له ، ورضي به ، أو حكم الله أو أمر أو نهى .. رضي كل الرضا بذلك ، ولم يبقى في قلبه حرج من حكمه ، وسلّم له تسليما ولو كان مخالفا ً لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلّده أو شيخه أو طائفته، وثمرة الرضا بذلك .. الفرح والسرور بالرب تبارك وتعالى .



من كمال عبودية العبد..



علمه بأن وقوع البلّية عليه من تقدير المالك الحكيم ، الذي هو أرحم بك يا أيها العبد منك بنفسك ،فيوجب له ذلك الرضا بالله والشكر له على تدبيره ولو كان مكروها ً له ..قال تعالى ) قُل لَن يُصِيبَنَا الا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَولانَا وَعلَََى اللهِ فَليَتوكّلِ المُؤمِنُون( أي هو متولي أمورنا الدينية و الدنيوية ، ولذلك فهو لا يقدّر لنا الا ما كان أحسن لنا ، فعلينا الرضا بأقداره .



عدم رضا القلب .. يوجب قلق القلب واضطرابه وهمّه وغمّه ، ومن ارتقى إلى الرضا في المصائب ، علم أن الرضا جنّة الدنيا ، ومستراح العابدين ، وباب الله الأعظم ، ورأى ذلك نعمة لما فيه من صلاح قلبه ، ودينه ، وقربه إلى الله ، وتكفير سيئاته ،ومما يجعله يصدّ عن ذنوب تدعوا إليها شياطين الإنس والجن ، قال الله تعالى ) هذا يَومُ يَنفَعُ الصَادِقينَ صِدقهُم لَهُم جَنَّاتٌ تَجِرِي مِن تَحتِهَا الأنهار خَالِدينَ فِيهَا أبَدَا رَضيَ اللهُ عَنهُم ورَضُوا عنه ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيم ( وقال )والسَابِقُونَ الأَوّلُونَ مِن المُهَاجِرِينَ و الأنصَار والّذينَ اتّبَعُوهُم بإحسَان ٍرَضِيَ اللهُ عَنهُم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ( ، وقال) إنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحاَت أولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيّة جَزَاءُهُم عِندَ رَبّهِم جَنَّاتُ عَدن ٍتَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَار خَالدِِين فِيهَا أبَدا رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنه ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ رَبّه( .



إن الصبر والإكثار من الصلوات والأذكار ، يجعل العبد يشعر بالرضا ، قال تعالى) فاصبر عَلَى مَا يَقُولُون وَسَبّح بِحَمدِ رَبّكَ قَبلَ طُلُوع ِالشَمس وَقبل غُرُوبِهَا وَمِن آنَاءِ الليلِ فَسَبّح وَأطرَاف النّهَار لَعَلّكَ تَرضَى كتب عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (الخير كله في الرضا ، فإن استطعت أن ترضى و الا فاصبروفي حديث علي :{ إن الله يقضي بالقضاء ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط قال الربيع ابن أنس:{علامة الشكر ، الرضا بقدر الله والتسليم لقضائه}.



وليعلم العبد بأنّ دعاءه لله وتضرعه بين يديه ،لا ينافي الرضا ، وأن بذله للأسباب التي تكشف ما يكرهه ، ليس مما ينافي الرضا ..



أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن رضي بقدر الله وأمره .. هذا والله أعلم ، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...


طالبة الرضوان 10-08-10 08:20 PM

بسم الله الرحمن الرحيم



سلسلــة قلوب الصائمين

لفضيلة الشيخ: سعد بن ناصر الشثري

======================

القناعـــة



الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ..

أما بعد ، أسأله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن رُزق القناعة في كل شأنه ..إن من عبادات القلوب التي يتقرب المؤمنون بها إلى ربهم عبادة القناعة.



القناعة: أن يقنع الإنسان بما قدر له الله من الرزق، والقناعة رضا العبد بالمقسوم من الأرزاق مع عدم تطلع القلب إلى غير ما في يدي صاحبة ..القناعة نعمة عظيمة ينعمها الله على بعض عباده ، فتهنأ نفوسهم وترتاح قلوبهم وقد بشّرت الحياة الطيبة بقوله تعالى ) فَلَنُحِييَنَّهُ حَيَاةً طَيبَةً ( بالقناعة والرضا والرزق الحسن .

إن كثرة مال المرء لا تعني غناه ولا سعادته، وإنما الغنى في القناعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ] .متفق عليه.



ومن أسباب القناعة عدم تطلع الإنسان إلى من فضّله الله عليه في أمور الدنيا وإنما يطالع من كان أقل منه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [أنظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ] وبذلك يحصل للمرء القناعة و الرضا بما رزقه الله فيكون من أهل العفاف،يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ومن يستعفف يعفّه الله ومن يستغني يغنه الله] متفق عليه.



إن القناعة كما يحصل بها راحة البال وهدوء النفس.. يحصل بها الفلاح والنجاح دنياً وآخرة، في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنّعه الله بما آتاه] ،عند ابن حبّان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنّعه الله به] ،وفي الحديث الاخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [من أصبح معافىً في بدنه آمناً في سربه، عنده قوت يومه وليلته،فكأنما حيزت له الدنيا].



عند ترك الإنسان للقناعة تنشأ الخصومات الجالبة للسوء في الدنيا والآخرة، جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخاف أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم] فجعل الدنيا المبسوطة هي المهلكة ، بسبب حبها وشدّة الحرص عليها والمنافسة فيها والجزع من أجلها،فما أشنع آثار ترك القناعة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[ ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص الرجل على المال والشرف لدينه ] .



كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يجعله من أهل القناعة، فقد ورد أن من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بين الركنين ( ربي قنعّني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف عليا كل غائبةٍ بخير..).



القناعة لا تعني أن يرد العبد ما يصل إليه من أرزاق الله أو من الهدايا والهبات..ولكن القناعة عدم تطلع العبد إلى ما لم يقّدره الله له وعدم حزنه على فوات بعض الأرزاق عليه..



فمن كان كذلك فما أعظم بركة الله عليه، جاء في حديث حكيم ابن حزام قال:[ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه،ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع ].

قال سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه : { يا بني ، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة ، فإنها مال لا ينفذ ، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر وعليك باليأس ،فإنك لم تيأس من شيء قط إلا أغناك الله عنه.}.



ولن يترك المرء القناعة إلا لأحد أمرين

إما حرص وجشع وإما لخفة ومهانة وإضاعة ...



إن القناعة لا تعني أن يترك الإنسان سبل الاكتساب ، أو أن لا يبذل المرء الأسباب لتحصيل الأرزاق، فذلك ليس من القناعة في شيء ، بل هذا من الكسل وعدم القيام بما رغب الله فيه من الاتّجار ، قال أنس رضي الله عنه : [ أربع من الشقاء .. جمود العين ، و قساوة القلب ، وطول الأمل ،والحرص .] :[] ولذا قيل القناعة كنز لا يفنى ..وأطيب العيش القناعة . فإن الحرص والجشع مما يضاد القناعة .. قال ابن القيم الحرص هو الكَلَبُ على الدنيا رأس كل خطيئة، وأصل كل بلية، وأساس كل رزيّة



قال بعضهم : أول ذنب عصي الله به نتج من الحرص والكبر والحسد ، فالحرص من آدم و الكبر من إبليس والحسد من قابيل ..



وقال ابن القيم عن سوء الخاتمة :[ لسوء الخاتمة أسباب أعظمها الانكباب على الدنيا وطلبها ،والحرص عليها والإعراض عن الآخرة ..] .



إن القناعة تجعل العبد يؤدي حقوق الله المالية ، بل تجعله ينفق في الطاعات من غير الواجبات ، فيعظم بذلك أجره ويخلف الله عليه ما أنفقه ،فإن الله قد وعد المنفقين بالخلف)وَمَا أَنْفَقَُتم مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفه وَهُوَ خَيرُ الرّازِقِين(وفي الحديث القدسي (يا ابن آدم أنفق أُنفِقُ عليك}،وفي الحديث النبوي :[ ما من صباح ٍإلا ويُنادي فيه مُنادِيان يقول أحَدهما اللهم أعطي مُنفقاً خلفا ويقول الأخر اللهم أعطي مُمسِكاً تَلَفا ] .

ومما يعين العبد على تحصيل القناعة .. العلم بأن الأرزاق بيد الله كما قال سبحانه )يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِّن عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ (



ومما يعين على ذلك أن يعلم العبد أن الله قد تكفّل بإيصال الأرزاق إلى العباد ،وتكفّل بإيصال ما قُدّر لكل عبد إليه كما قال سبحانه ) وما منْ دَابّةٍ في الأَرضِ إِلّا عَلَى اللهِ رِزقُها( وفي الحديث :[ إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله ].



إن الحرص ينقص من قدر المرء عند الله وعند الخلق ، إن الحرص لا يستجلب رزقا ولا يؤثّر في قضاء الله وفي الخبر[ لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبدٌ ليموت حتى يبلغ آخر رزق له ، فأجملوا في الطلب ، خذوا ما حلّ ودعوا ما حرم ].



إن الحرص مؤثّرٌ سلباً على قلب المرءِ وتصوراته، فإنه يمنعه من تمام العلم وكمال التصور، فالحرص يمنع من الاستمتاع بنعم الله والقناعة تورث الطمأنينة القلب وانشراح الصدر، بينما الجشع يورث قلق القلب واضطرابه وهمّه وغمه .

إن ترك القناعة يؤدي إلى الشح والبخل والظلم وهي أفعال مذمومة شرعا ، فإن أصل الشح شدّة الحرص فيتولد عنه البخل والظلم ، قال تعالى )ومنْ يوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُون ( ، أباح الله لبني إسرائيل الصيد في جميع أيام الأسبوع إلا يوم السبت ، فلم يدعهم حرصهم وجشعهم حتى تعدّوا إلى الصيد فيه ، فعاقبهم الله بالحرمان التام مع تحويلهم قردة وخنازير ، ولذا فيترك المرء مجالسة أهل الحرص على الدنيا لعله يسلم مما هم فيه .



أسأل الله جل ّ وعلا أن يرزقنا وإياكم القناعة وان يبعد عنا الحرص و الجشع ، هذا والله أعلم ..وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....

طالبة الرضوان 10-08-10 08:26 PM

بسم الله الرحمن الرحيم



سلسلــة قلوب الصائمين

لفضيلة الشيخ: سعد ابن ناصر الشثري

======================

اليــقيــــــن



الحمد لله على نعمة الإيمان و اليقين ، وأشهد أن لا إله إلا الله صدقاً نجزم به جزم اليقين ، والصلاة و السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ...

أما بعد ...فإن من الأعمال الصالحة التي تتقرب القلوب بها إلى باريها جلّ وعلا أن تحصِّل اليقين وتبتعد عن الشبهات .

واليقين طمأنينة القلب واستقرار العلم فيه ، وضد اليقين الريب و الشك الذي يتضمن الاضطراب وكثرة الحركة ..

واليقين مبني على علم ٍ للقلب وجزم ٍ منه مع عمل القلب بذلك الجزم ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : {خير ما ألقي في القلوب اليقين }وقال :{ اليقين الإيمان كله }.

وعلامة اليقين وفائدته أن صاحبه إذا وردت عليه شبهه أو حصلت له فتنة وابتلاء ، فإنه يثبت ولا ينجرف معها ولا يتبع كل ناعق ، قال الحسن: { باليقين طُلبت الجنة ، وباليقين هُرب من النار ، وباليقين أُدّيت الفرائض ، وباليقين صُبر على الحق }.

اليقين مع الصبر من أسباب نيل الإمامة في الدين ، كما قال تعالى ) وَجَعلنا مِنهم أَئِمّةً يَهدُونَ بِأَمرِنا لَمّا صَبَروا وَكَانوا بِآياتِنَا يُوقِنُون ( ، وانظر لموقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقوله تعالى )( .. الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكم فَا اخْشَوهم فَزَادَهم إيماناً وَقَالوا حَسبُنَا اللهُ وَنعمَ الوَكِيل

أهل اليقين هم الّذين يستفيدون من الآيات ويتفكرون فيها ، كما قال سبحانه ) وفي الأَرضِ آياتٌ لِلمُوقِنين ( جاء في الحديث عن أنس رضي الله عنه أنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك }، فالدعاء من أسباب تحصيل اليقين ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: {اللهم أرزقني من اليقين ما تُهّون به عليّ مصائب الدنيا } ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ سلوا الله العافية و اليقين فإن اليقين نعمة من الله }، قال بعض العارفين : [ اليقين واردات ترد على النفوس ، تعجز النفوس عن ردها ] ...

إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب ، طلب العلم الشرعي مع الاهتداء بالكتاب والسنة ، قال سبحانه : )ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيه هُدىً لِلمُتقين ( وقال جلّ وعلا) يُفصِّلُ الآياتِ لَعلََّكم بِلِقاءِ رَبِكم تُوقِنون ( ..

إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب أن يعمل المرء بما لديه من العلم ، كما قال سبحانه ) قَد جَاءَكم مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِين يهدي به اللهُ مَن اتّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السّلام ( ..

إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب أن يتفكّر العبد في آيات الله الكونية ، وأن يعرف أنها من الله وأن ينظر إلى ما فيها من العجائب ، قال تعالى ) سنُرِيهِم آياتِنا فِي الآفاق ِوفي أَنفُسِهِم حَتى يتبيّنَ لَهم أَنّهُ الحقََّ أو لم يكفي بِرَبِكَ أَنّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ شَهِيد ( .

إن من أسباب تحصيل اليقين .. أن يتخفف العبد من الذنوب ، بتركها قبل فعلها أو بالاستغفار والتوبة منها بعد حصولها ، وقد ورد في الحديث { أن للقلوب صدأ ً كصدأ النحاس وجلاءها الاستغفار} .

ومن أسباب تحصيل اليقين .. أن يعرف المرء عادة الله جلّ وعلا في نصر أولياءه المؤمنين ، وإنزال العقوبة بأعداءه المجرمين ، قال تعالى ) وكُلاً نَقُصُّ عَلَيكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُسُلِ مَا نُثَبِتُ به فُؤَادَك ( .

إن من أسباب تحصيل اليقين .. أن يتأمل المرء في عجز الأمم عن الإتيان بمثل هذا القرآن ، قال تعالى ) وَإِن كُنْتُم فِي رَيبٍ مِمّا نَزّلنَا عَلَى عَبدِنَا فَأتُوا بِسُورةٍ مِن مِثلِه ( ، إن الإقبال على المعاصي والاستجابة لمضلّات الفتن من أسباب زوال اليقين كما في الحديث : { تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا ، فأي قلب أُشربها نكتت فيه نكتةٌ سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتةٌ بيضاء ، حتى تصير على قلبين.. قلب ابيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السموات و الأرض ، والآخر أسود مربادا لا يعرف معروفا و لا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه } .

إن عدم التزام الإنسان بما أمر الله به من فعل الطاعات من أسباب زوال اليقين ، قال تعالى ) فَأَعَقَبَهم نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِم إلى يَومِ يَلقَونَهُ بِمَا أَخلَفُوا اللهَ مَا وَعَدوه وبِمَا كَانُوا يكذِبُون ( ، إن لدى أهل الإسلام من اليقين ما ليس لغيرهم ، ولدى أهل السنة من اليقين ما ليس لأهل البدع ، ولدى علماء أهل السنة من اليقين ما ليس لعوامّهم ، وهكذا الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد .

وليحذر الإنسان من أن يعاقبه الله تعالى فيزيل اليقين من قلبه ، فإن الله قادر على ذلك كما قال سبحانه ) فَإِن يشَاءِ اللهُ يَختِمُ عَلَى قَلبِك ( ، وقال ) وَاعْلَمُوا أنَّ اللهَ يَحُولُ بَينَ المرءِ وَقَلبهِ ( ، وقال )( وَكَذَلِكَ يَطبَعُ اللهَُ علَى قلوبِ المُعتَدين

وقال ) وَكَذَلِكَ نَسلُكُهُ في قُلُوبِ المُجرِمِين لا يُؤمِنُونَ به حَتى يَرَوا العَذَابَ الأليم (.

لقد سمع الله قول أولئك الّذين ضعف يقينهم بسبب ما حصل لديهم من المرض مرض القلب ، ووصفهم بقوله (في قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضَا ) ، فترى اّلذين في قلوبهم مرض يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ..

إن عدم اليقين من أسباب دخول جنهم ، قال الله تعالى حاكياً عمن دخل النار (وَمَا نَحنُ بِمُستَيقِنِين ) ، إن مما يجعل بعض الناس لا يوقن بوعد الله الصادق .. تلك الأماني الكاذبة ، والدعاوي الباطلة التي تغرّ الإنسان وتجعله يغفل عن المطالب القطعية والمسائل اليقينية ، قال تعالى ) يَا أَيُّها الإنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّك الكَرِيم ( ، وقال سبحانه ) أَمّن هَذَا الذِي يَنصُرُكم مِن دُونِ الرّحمَنِ إنِ الكَافِرُونَ الا في غُرُور ( ، قال ابن مسعود : { كفى بخشية الله علما ، وكفى بالاغترار بالله جهلا } .

ومما يبعد اليقين ..الغرور بالدنيا ، بحيث تخدع الأمور الدنيوية الإنسان ، فيظن أنها المقصود الأساسي ، فيغفل عن الآخرة ، قال تعالى )الّذِينَ اتَخَذوا دِينَهم لَهُواً وَلَعِبَا وَغرّتُهُمُ الحَياةِ الدُنيا فَاليومَ ننسَاهم كَما نَسُوا لِقَاءَ يَومِهِم هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنا يَجحَدُون ( ، وقال ) وَذَرِ اللذين اتْخَذُوا دِينَهُم لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرّّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا ( ، وقال ) يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّ وَعدَ اللهِ حق فلا تَغُرَّنَكمُ الحياةُ الدنيا ولا يغُرّنَّكم بِاللهِ الغَرور (.

إن مما يصد عن اليقين.. الغرور بوعود الشيطان الكاذبة، قال تعالى) وَمَا يَعِدهُمُ الشَيطَانُ الا غُرُورا ( ، ومن ذلك أن يغترّ بعض الناس بما أعطي الكفار من متاع الحياة الدنيا ، قال تعالى )لا يغُرّنَّكَ تَقلُّبُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي البلاد متاعٌ قليل ثُمَّ مَأواهم جهَنّم و بئس المهاد( ، وقال) مَا يُجَادِلُ فِي آياتِ اللهِ الا الّذِينَ كَفَروا فَلا يَغرُركَ تَقلُّبِهِم فِي البلادِ(،

وممّا يصد عن اليقين..
الاغترار بالدعاوى الزائفة التي تطلقها جماعات مبطلة ، يحاولون نشر أكاذيبهم وأباطيلهم ليوهموا الناس وليُموِّهوا على الناس ، قال تعالى ) وَكَذَلِكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبيٍ عَدُواً شَياطِينَ الإنسِ والجنِ يُوحِي بَعضَهُم إلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرُورا وَلو شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرهم وَمَا يَفتَرُون( ، وقال سبحانه ) ذَلِكَ بِأَنّهم قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ الا أيَّامَاً مَعْدُودَات وَغَرَّهُم في دِينِهِم مَا كَانُوا يفتَرُون (، وقال ) بَل إن يَعدُ الظَالِمُونَ بَعضُهم بَعضَاً الا غُرُورَا (.

ومما يصد عن اليقين.. اغترار الإنسان بما أعطاه الله من نعم ، وغفلته عن قدرة الله على إزالتها )( وقال ) وَقَالوا نَحنُ أكثَرُ أموالاً وَأولاداً وَمَا نَحنُ بِمُعذَّبِين ( ، اسمع قول الله تعالى ) وَيِِلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَة الّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدّدَا يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أخلَدَه كلاَ لَيُنْبَذَنَّ فِي الحُطَمَة ( .. فَأَمَّا عَادٌ فَاستَكْبَرُوا فِي الأرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أشَدُّ مِنَّا قُوة أَوَلمْ يَرَوا أنَّ اللهَ الذِي خَلَقَهم هَوَ أشَدُّ مِنهم قُوة وَكَانوا بِآياتِنَا يَجحَدُون

أسأل الله جلّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من أهل اليقين .. اللهم برّد قلوبنا باليقين ..هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....




طالبة الرضوان 11-08-10 09:32 PM

بسـم اللـه الـرحـمـن الـرحـيـم


قــلـــوب الصـــائــميـــن


لفــضيـلــة الشـيـخ سـعـد ابـن نـاصـر الشـثـري


الاعـتـراف بـفـضـل الـلـه ونـعـمـه


الحمد لله المنعم المتفضل .. أنعم علينا فأجزل ..وأعطانا فأكثر..ما أعظم منّة الله علينا ، وما أكثر فضائله الواصلة إلينا ، ومن أعظم نعم الله علينا أن جعلنا من أتباع محمد صلّى الله عليه وسلم ..


أما بعد ..
فإن من أعمال القلوب الاعتراف بفضل الله ونعمه , وخصوصاً بما أنعمه الله علينا في شهر رمضان ، من إنزال كتابه ، ومن تعظيم الأجر والثواب على الأعمال فيه ، ومن وجود ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر .


وقد ذكّرنا الله بنعمه في مواطن عديدة من كتابه ، كما قال سبحانه) ألَم تَرَوا أنّ اللهَ سَخّرَ لَكُم مَا فِي السَماوَاتِ وَمَا فِي الأرض وأسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَه( وقال) الّذي جَعَلَ لَكُم الأرضَ فِرَاشَا ًوالسَمَاء ِِبِناَءَ وأنزَلَ مِنَ السمَاء ِمَاءً فَأخرَجَ به منَ الثَمَرَاتِ رزقَاً لَكُم ( .


وقد أمرنا الله تعالى بتذكر نعمه ، فقال سبحانه ) يا أيُّهَا النّاسُ اذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم( وقال) واذكُرُوا نِعمَةَ الله ِعَلَََيكُم ومِيثَاقَهُ الّذِي وَاثَاقَكُم بِه ِإذ قُلتُم سَمِعنَا وأطَعنَا ( ، فأمر الله المؤمنينبتذكر نعمه الدينية والدنيوية ، ومنذلك تذكر هذه النعم بالقلوب ، وبذلك يزول أعجاب الإنسان بنفسه ، ويعرف أن ما عنده من النعم فإنه فضل من الله جلَّ وعلا .


ومن نعم الله العظيمة .. التي أنعم بها علينا أن جعلنا من أهل الإسلام والقرآن ، فلابد أن يعرف القلب ذلك ، وأن يفرح به ، قال تعالى) يا أيَّهَا النّاسُ قَد جَاءَتُكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُدُور وهُدَىً ورَحمَةٌ لِلمُؤمِنِين قُل بِفَضل ِاللهِ وبِرَحمَتِهِ فَبذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُون ( .


وأعظم ذلك .. نعمة التوحيد ، بإفراد الله بالعبادة ، وعدم صرف شيء منها لغير الله ، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام )مَا كَانَ لَنَا أن نُشرِكَ بِاللهِ مِن شَيء ذَلِكَ مِن فَضلِ الله ِعَلَينَا وعَلَى النّاس ولَكنَّ أكثَرَ النَّاس ِلا يَشكُرُون ( .


وقد كرر الله في كتابه التذكير بأن الله وحده :هو الذي ينفرد بجلب النعم ، ودفع النقم .. ومن عرف أن النعم كلها الظاهرة والباطنه ، القليلة والكثيرة إنما يتفضل الله بها وحده ، وأنه ما من نعمة الا منه ، ولا من نقمة ولا شدّة ولا كربة الا والله هو المنفرد بدفعها ، وان الخلق لا يملكون لأنفسهم فضلاً عن غيرهم جلب نعمة ولا دفع نقمة .


من عرف ذلك .. كان من عبّاد الله ـ جلَّ وعلا ـ بقلبه ، قال تعالى) وإن يَمسَسكَ اللهُ بِضُرّ فَلا كَاشِفَ لَهُ الا هُوَ وإن يُرِدكَ بخَير ٍفَلا رَادّ لِفَضلِه يُصِيبُ بهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادهِ وهُوَ الغَفُورُ الرّحِيم ( وقال) مَا يَفتَح ِالله لِلنّاسِ مِن رَحمَةٍ فلا مُمُسِكَ لَهَا وَ مَا يُمسِك فَلا مُرسِلَ لَهُ مِن بَعدِه ( وقال ) ومَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ الله ( .


والمؤمن معترف بأن الله هو الذي أوجده من العدم ، وأمدّه بأسباب الحياة ، وواصل عليه النعم ونقله من طور إلى طور حتى سوّاه وجعله رجلاً كامل الأعضاء والجوارح المحسوسة والمعقولة ، وبذلك يسّر له من الأسباب ، وهيّأ له من نعم الدنيا ،ولم يحصل ذلك بقوة العبد ولا بقدرته ولا بحيلته ، بل حصل بنعمة من الله وفضل ، قال تعالى ) وأمّا بِنعمَةِ رَبّكَ فَحَدّث( أي فليتحدّث القلب واللسان بنعم الله تعالى ، وقال) وَذَكِّرهُم بأيّامَ الله( قال ابن عبّاس :{ بنعم الله }.



وجاءت النصوص تحذّر من الاغترار بنعم الله .. وإمهال الله للعبد ، قال تعالى) ولَئِن أَذقنَاهُ نَعمَاءَ بَعدَ ضَرّاءَ مَسّته لَيقُولَنَّ ذَهَبَ السَيئَاتُ عَنّي إنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُور ( وقال) وإذَا أنعَمنَا عَلَى الإنسَانِ أعرَضَ ونَاءَا بجَانِبه( وقال) واللهُ لا يُحِبُّ كُلّ
مُختَالٍ فَخُور( أي متكبر معجب بنفسه ،فخور بنعم الله ينسبها إلى نفسه وــــــــــــــــ وتلهيه تلك النعم .



كما أن العبد يحذر من إضافة نعم الله إلى من كان سبب فيها ، لأن السبب لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا، ولا يستقلّ بإيجاد تلك النعم ، قال الله تعالى) يَعرِفُونَ نِعمَة َالله ِثُمّ يُنكِرُونَهَا (فإنهم لما أضافوا النعمة إلى غير الله ، فقد أنكروا نعمة الله بنسبتها إلى غيره ، فإن الذي يقول هذا .. جاحد لنعمة الله عليه ، غير معترف بها . فهو كالأبرص والأقرع اللذَين ذكرهما الملك بنعم الله عليهما فأنكراها وقالا :{ إنما ورثنا هذا كابرا ًعن كابر }.


وكون النعم موروثة عن الآباء ، أبلغ في إنعام الله عليهم ، إذ أنعم بها على آبائهم ، ثم أورثهم إياها ،فتمتعوا هم وآباءهم بنعم الله .


إن اعتراف القلب بفضل الله .. يكسب رضا الله ومحبته ، اعتراف القلب بفضل الله .. من أسباب حفظ النعمة وزيادتها وعدم زوالها ، فيحسن أن تعالج القلوب غير الشاكرة بأن تعرف وتعرّف بأن النعمة إذا لم تشكر زالت ولم ترجع ، قال الفضيل ابن عياض :{ عليكم بملازمة الشكر على النعم ، فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم }.


والنعم كالحيوانات الوحشية ..لا يمكن تقييدها الا بالشكر ..


إن اعتراف القلب بأن النعم من الله ..يوجب تعلق القلب بالله ..ومحبته له ، والتأله له وحده لا شريك له . إن اعتراف القلب بنعم الله ركن من أركان شكر نعم الله ، وفي الخبر من أسديت إليه نعمه ، فذكرها فقد شكرها ، ومن سترها فقد كفرها .

وقد أمر الله بشكر النعم فقال) فَاذكُرُونِي أذكُركُم واشكُرُوا لِي و لا تكفُرُون ( وقال) لَعَلّكُم تَشكُرُون(،


إن عدم اعتراف القلب بنعمة الله على العبد ، سبب من أسباب نزول العقوبات الدنيوية ، قال تعالى) فَلَمّا نَسُوا مَا ذُكِرُوا به ِفَتَحنَا عَليهِم أبوابَ كلّ شَيءٍ حَتى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أخَذنَاهُم بَغتَة فَإذَا هُم مُبلِسُون فَقُطِعَ دَابِرَ القَومِ الّذينَ ظَلَمُوا والحَمدُ لله ِرَبِّ العَالَمِين( .


اعتراف القلب بنعم الله يكون على الإجمال بمعرفة أن جميع النعم من الله ، واعتراف القلب بنعم الله يكون بالاعتراف بما حضر في القلب من نعم الله بأنها تفضل منه سبحانه .لأن القلب لا يتمكن من الإحاطة بنعم الله لأن نعم الله كثيرة وأقسامها واسعة عظيمة ، وقدرات العباد قاصرة عن الإحاطة بمبادي نعم الله فضلاً عن غاياتها وكمالها ، كما قال تعالى )وإن تَعُدّوا نِعمَةَ الله ِلاَ تُحصُوهَا ( فيدل هذا على أن العباد لا يعرفون نعم الله على سبيل التمام و الكمال ، وإذا كان كذلك فلن يتمكّنوا من الاعتراف بجميع تلك النعم ، وهذا يدل على أن طاعة العبد وشكره لن يوازي نعم الله على العبد .


ولينظر الإنسان في بدنه .. كم من جزء لا يعرف الإنسان نعمة الله عليه فيه الا إذا ظهر فيه أدنى خلل يجعله يتنغّص في عيشه ، ويتمنى إنفاق جميع الدنيا لإزالة ذلك الخلل ، مع أن الله تعالى يدبر أحوال الإنسان على الوجه الأكمل الأصلح ، ومع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك الجزء ، ولا بكيفية جلب مصالحه ، ولا كيفية دفع مفاسده .


ومن أسباب جعل العبد يعترف بنعم الله عليه .. أن يتفكّر في أحوال أولئك الّذين سلبت نعم الله منهم ، من المرضى والفقراء وأهل المعاصي ، وكيف أن الله ـ جلَّ وعلا ـ تفضّل على العبد فلم يجعله مماثلا ً لهؤلاء الّذين سلبت منهم نعم الله ـ جلَّ وعلا .


ولذلك على العباد أن يعترفوا بأن الخيرات والنعم الواصلة إليهم هي فضل من الله جلَّ وعلا وأنه سبحانه هو المتكرّم بها ، وأنها لم تحصل بسبب من العبد ، وأنها لم تحصل بفعل العبد ، وإنما حصلت بكرم من رب العزّة والجلال ..


أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من الشاكرين لنعمه .. المعترفين بها .. ممن كانت قلوبهم تضيف تلك النعم إلى الله وحده .

هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...


طالبة الرضوان 11-08-10 09:35 PM

بـسـم الـله الـرحـمـن الـرحــيــم


قـلـوب الصـائـمـيــن


فـضـيـلـة الشـيـخ سـعــد ابن نـاصـر الشـثــري

التـسـليـم للـنـصـوص الشـرعــيـة



الحمد لله الّذي أنزل كتابه ليكون حجة على العالمين .. فمن آمن به وسلّم له ، و انقاد لأمره ، كان من الناجين المفلحين ، ومن عارضه ولم يستجيب له ، كان من المستحقين للعقوبات الشديدة دنيا وآخرة ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله ..المذعن لأمر ربّه ..
أما بعد ..فإن من أعظم أعمال القلوب أجراً وثوابا .. التسليم للنصوص الشرعية ، وعدم معارضتها ، وليكن من أسهل الأمور على العبد ..أن لا يقبل قلبه ما يخالف الكتاب والسنّة ، سواءً كان رأياً له أو قولاً لغيره .


قال الإمام الشافعي : { أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، لم يحلَّ له أن يدعها لقول أحد } .


وقال عمر ابن عبد العزيز :{ لا رأي لأحد مع سنّة سنّها رسول الله صلّى الله عليه وسلم }


وقال ابن عبّاس :{ يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتقولون قال أبوبكر وعمر }.
وهناك نقولات عديدة عن كثير من السلف الصالح ، تؤكد على التشديد فيما إذا ترك المرء النصوص الشرعية ، وعارضها بالرأي أو بتقليد الرجال ، ومن هنا فإنه يجب على كل مؤمن أن ينقاد لما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأن يستسلم له ، وأن يُذعن له ، فلا يعارض النصوص الشرعية بما يسمّى المعقولات ، كما يقوله بعض المتكلمين ، الّذين يجهلون حقيقة بعض الأمور ثم يزعمون أن العقل يدّل على نفيها .


وكذلك لا يعارض المؤمن النصوص الشرعية بالأقيسة الفاسدة ، ولا يعارض النصوص بما يقع في النفس أنه أمر الله كما يفعله بعض المتصوفة ، ولا يعارض النصوص الشرعية بما يزعم بعضهم أنه السياسة وإصلاح أحوال العامّة كما يفعله بعض أصحاب الولايات .
فإن أعلى درجات السياسة .. وأعلى ما يصلح أحوال الخلق .. هو اتباع النصوص الشرعية ، فإذا ورد عليك دليل شرعي أيها المؤمن فسلّم له ، ولا تتهم الدليل ولا تصادمه بعقل ولا بقياس ، ولا بسياسة . ومتى عرض لك شيء من ذلك ،فأتهم فهمك ، ولتعرف بأن السبب منك .


وكذلك يجب على المؤمن .. أن يقدم النصوص الشرعية على أراء الرجال ، بحيث لا تخالف يا أيها المؤمن أي نص شرعي لا بباطنك ولا بظاهرك ، لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك ، لا بفعلك ولا بحالك ، قال الله تعالى ) ومَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَة ٍإذَا قَضَى اللهُ ورَسُولُهُ أمراً أن يَكُونَ َلهُمُ الخِيَرَةُ مِن أمرِهِم ( وقال سبحانه ) إنَّمَا كَانَ قَولُ المُؤمِنِينَ إذَا دُعُوا إلى اللهِ ورَسُوُلِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أن يَقُولُوا سَمِعنَا وَأطَعنَا ( وقال سبحانه ) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أنفُسِهِم حَرَجَاً مِمَّا قَضَيت ويُسَلّمُوا تَسلِيمَا ( وقال جلَّ وعلا )اتّبِعُوا مَا أُنزِلَ إليكُم مِن رَبِّكُم ولا َتتبِعُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء قَلِيِلاًَ مَا تَذَكّرُون(وقال جلَّ وعلا ) وَقَد آتَينَاكَ مِن لَدُنّا ذِكرَا * مَن أعرَضَ عَنهُ فَإنّهُ يَحمِلُ يَومَ القِيامَةِ وِزرَا* خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُم يَومَ القِيَامَةِ حِملَا ( .


إن النصوص الشرعية .. قد احتوت على المعاني العظيمة ، والمصالح الكبيرة .. لكن إذا لم يذعن العبد لها فلن يعرف مقدارها ، ولن تتضح له معانيها ، ولن يفتح الله قلبه لفهم أسرارها ، قال تعالى ) ومَن أعرَضَ عَن ذِكرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَة ًضَنكاً وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَة ِأعمَى ( .
تلى الإمام أحمد قوله سبحانه ) فَليَحذَرِ الّذينَ يُخَالِفُونَ عَن أمرِه أن تُصِيبَهُم فِتنَة أو يُصِيبَهُم عَذَابٌ ألِيم (فقال : { أتدري ما الفتنة ؟َ! الفتنة الشرك .. لعلّه إذا رد بعض قوله ، أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلك }.


إن ترك التسليم للنصوص الشرعية وعدم اعتقاد ما تضمنته :، إنما ينشئ من اتباع الهوى وطاعة الشيطان ، وذلك من أسباب الضلال .. اسمع الله تعالى يقول ) واتلُوا عَلَيهِم نَبَأَ الّذي آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلخَ مِنهَا فَأتبَعَهُ الشَيطَان فَكَانَ مِن الغَاوِين وَلَو شِئنَا لَرَفَعنَاهُ بِهَا وَلَكّنَّهُ أخلَدَ إلى الأرضِ وَاتّبعَ هَوَاه فَمَثَلُهُ كَمثَلِ الكَلب إن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أو تَترُكَهُ يَلهَث ( وقال الله جلَّ وعلا)وأنِ احكُم بَينَهُم بِمَا أنزَلَ الله ولا تتَبِع أهوَاءَهُم وَاحذَرهُم أن يَفتِنُوكَ عَن بَعض ِمَا أنزَلَ اللهُ إليك فَإن تَوَّلوا فَاعلَم أنّمَا يُريدُ اللهِ أن يُصِيبَهُم بِبعضِ ذُنُوبِهِم وإن كَثِيرَاً مِن النّاسِ لَفَاسِقُون أفَحُكمَ الجَاهِليةِ يَبغُون ومن أحسَنُ مِنَ اللهِ حُكمَا ً لِقَوم يُوقِنُون( وقال سبحانه) ثم ّجَعَلنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِن الأمر فَا اتّبِعهَا ولا تتبَع أهَواءِ الّذينَ لا يَعلمُون ( .


صاحب الهوى .. يعميه الهوى و يصمّه ، فلا يستحضر ما لله ولا ما لرسوله في الأمر ولا يطلبه أصلا ، ولا يرضى لرضا الله ورسوله ، ولا يغضب لغضب الله ورسوله ، فليس قصده أن يكون الدين كله لله وان تكون كلمة الله هي العليا .. بل قصده الحميّة لنفسه أو طائفته ، أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه ، أو لغرض من الدنيا ، فلم يكن لله غضبه ، ولم يكن مجاهداً في سبيل الله . وجميع المعاصي تنشئ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله .


إن ترك النصوص مع اتباع الهوى من أنواع الضلال ، كما قال جلَّ وعلا ) وإنَّ كَثِيرَاً ليُضِلّونَ بِأهوَائِهمِ بِغَيرِ علمٍ إنَّ رَبّكَ هُوَ أعلمُ بالمُعتَدِين( وكما قال ) ومِن أضلُّ مِمّنِ اتّبعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدَىً مِنَ اللهِ إنّ الله لا يَهدِي القَومَ الظَالِمِين ( وقال) أفَرَأيتَ مَن اتخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأضَلّهُ الله عَلَى عِلم وَخَتَمَ عَلى سَمعِهِ وَقلبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوة فَمَن يَهدِيهِ من بَعدِ اللهِ أفَلا تَذكّرُون (.
جاء في حديث أبي برزة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال :{ إنّ مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم و مضلّات الهوى } وفي حديث أنس :{ ثلاث مهلكات :شحٌّ مطاع ، وهوىً متّبع ، وإعجاب المرء بنفسه }.


موسم رمضان .. من أحسن المواسم لربط القلوب بالقرآن والسنّة ، قال تعالى) شَهرُ رَمَضَانَ الذي أُنزِلَ فيهِ القُرآن (، وكان النبي صلّى اللُه عليه وسلّم يدارس جبريل القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان ، فإن قيل ما الحكمة في مدارسته القرآن في رمضان ، قال العيني :{ ذلك لتجديد العهد واليقين }.

هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .....

طالبة الرضوان 11-08-10 09:38 PM

بسم الله الرحمن الرحيم


قلوب الصائمين



فضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري


التـــوكــــــــــل





الحمد لله رب العالمين .. ينعم على عباده ، يصرف شؤونهم .. نحمده سبحانه ونشكره ونثني عليه بما هو أهله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلم تسليما كثيرا ..



أما بعد ..فإن من عبادات القلب التي يعظم أجرها ، ويكثر ثوابها ، حسن التوكل على الله ..



والمراد بالتوكل على الله ، صدق اعتماد القلب على الله ـ عزَّ وجل ـ باستجلاب المصالح ودفع المظالم من أمور الدنيا والآخرة ، مع تفويض الأمور إلى الله ، وتحقيق الإيمان بأنه النافع الضار ، لا يعطي ولا يمنع ، ولا يضر ولا ينفع أحد سواه ، مع فعل الأسباب .



فالتوكل على الله .. هو الثقة بما عند الله ، الثقة بما وعد الله به ، والتوكل يكون المؤمن في جميع أعماله عليه ، وفي جميع شؤون حياته متوكل على الله ، ومن أمثلة ذلك :



إذا هم الإنسان بأداء عمل بتحقيق هدف معين , توكل على الله في تحقيق تلك الأهداف ، قال سبحانه) وشَاورهُم فِي الأمرِ فَإذَا عَزمتَ فَتَوكّل عَلَى اللهِ إنّ الله يُحِبُّ المُتَوَكِلِين (.

وعند تكالب الأعداء على المسلم ، يتوكل المسلم على ربه في دفع شرورهم مع بذل الأسباب في ذلك ، فينجيه الله تعالى من شرورهم ، قال تعالى ) واللهُ يَكتُبُ مَا يُبيّتُون فَأعرِض عَنهُم وتَوَكّل علَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلا( وقال ) قُل لَن يُصِيبَنَا إلا ما كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَولانَا وعَلَى اللهِ فَليَتَوكّلِ المُؤمِنُون ( وقال ) ومَاَلَنَا ألّا نَتَوكّلَ عَلَى اللهِ وقَد هَدَانَا سُبُلُنَا و لَنَصّبِرَنَّ عَلَى مَا آذِيتُمُونَا وعَلَى اللهِ فَليَتَوكّل المُتَوَكّلُون (.

وعند إعراض المدعوين عمّا تدعوهم إليه من الخير والفضيلة ، توكل على الله ، قال تعالى ) فَإن عَصَوكَ فَقُل إنّي بَرِيءٌ مِمّا تَعمَلُون وَتَوكّل عَلَى العَزيزِ الرَحِيم ( وقال ) فَإن تَولّوَا فَقُل حَسبِيَ اللهُ لا إلهَ إلاّ هُو عَلَيهِ تَوكّلتُ وهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظِيم (.



وعند مقابلة العدو في القتال ، وحصول القتال ، يشرع تذكر أن النصر من عند الله ، ويشرع التوكل على الله لينصر الله دينه ، ويعلي كلمته ، قال تعالى) إن يَنصُرُكُم الله فَلا غَالِبَ لَكُم وإن يَخذُلكُم فَمَن ذَا الّذِي يَنصُرُكُم من بَعدِه وَعَلَى اللهِ فَليتَوكّلِ المُؤمِنُون( .



وعند حلول المصائب ، يتوكل المؤمن على ربه ، فينجيه الله منها ، قال تعالى)والّذينَ هَاجَرُوا في اللهِ مِن بَعدِ مَا ظُلِمُوا لنُبَوِءَنَّهُم في الدُنيا حَسَنَةً ولَأجرُ الآخِرَةِ أكبَر لَو كَانُوا يَعلَمُون الّذينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكّلُون ( .



وعند التنازع والاختلاف ، يتوكل المؤمن على ربه ، ويعود إلى كتابه العزيز ، قال تعالى )ومَا اختَلَفتُم فِيهِ مِن شَيءٍ فَحُكمُهُ إلى اللهِ ذَلِكُم ُالله رَبِّي عَلَيهِ تَوَكّلت وإليهِ أُنِيب ( ، فتتوكل أيها المؤمن على الله ، أن يعينك على طاعته ، وأن ييسر لك أمر دنياك وآخرتك ، وأن يهديك لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، وتتوكل على الله في دفع شرور الأعداء ، وكبت ما يريدونه بك من سوء .



ومن فوائد التوكل على الله .. أن التوكل من أسباب محبة الله للعبد ، قال تعالى ) فَتَوكّل عَلَى اللهِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوكِّلِين ( والتوكل سبب لنعيم الآخرة ) ومَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأبقَىَ لِلّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكّلُون ( .

ومن فوائد التوكل ، طرد الشياطين عن المؤمن المتوكل ، قال تعالى) فَإذَا قَرَأتَ القُرآنَ فَاستَعِذ بِاللهِ مِن الشَيطَان ِالرَّجِيِم إنَّهُ لَيسَ لَهُ سُلطَانٌ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُون إنَّمَا سُلطَانَهُ عَلَى الّذِينَ يَتَوَلَّونَهُ والّذِينَ هُم بِه مُشرِكُون (، وفي الحديث قال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على الله ،لا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له : هديت وكفيت ووقيت ، فتتنحّى عنه الشياطين ، فيقول شيطان لآخر : كيف لك برجل قد هُديَ وكُفيَ ووقي }.



ومن فوائد التوكل ،أنه من أسباب الرزق ، ولذا قال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل ، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا ً وتروحوا بطانا} ، وقال :{ من نزلت به فاقه ، فأنزلها بالله ، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل }.

ومن فوائد التوكل .. راحة البال ، وطمأنينة النفس ، وهداآت القلب .



ومن فوائد التوكل ..عصمة العبد من معاصي الله ، والتوكل من أسباب دخول الجنّة بلا حساب ولا عذاب مع السبعين ألفا .



ومن فوائد التوكل .. وقاية الله لعبده المتوكل من مصائب الدنيا والآخرة ، قال تعالى)الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزَادَهُم إيمَانَا وَقَالُوا حَسبُنَا اللهُ ونِعمَ الوَكِيل فانقَلَبُوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضل لَم يَمسَسهُم سُوء وَاتبَعُوا رِضوَان اللهِ واللهُ ذُو فَضلٍ عَظِيِم ( ، وقال الرجل المؤمن من آل فرعون) وأُفَوّضُ أمرِي إلىَ اللهِ إنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَاد فَوَقَاهُ اللهُ سَيئَاتِ مَا مَكَرُوا (.



وتتعدّد الأسباب التي تجعل المؤمن يتوكل على ربه .. ومن ذلك .. أن الأمور كلها بيد الله ، فهو سبحانه الذي يتصرف في خلقه بما يشاء ، قال تعالى) وللهِ غَيبُ السَمَاواتِ والأرضِ وإليهِ يَرجَعُ الأمرَ كُلّهُ فَاعبُدهُ وتَوكّلَ عَلَيه ومَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعمَلُون ( وقال ) إنِّي تَوَكّلتُ عَلَى اللهِ رَبِّي ورَبِّكُم مَا مِن دَابَّةٍ إلّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتَهَا إنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُستَقِيِم (.



ومن أسباب التوكل ، أن الله مطلع على أحوال الخلق ،لا يخفى عليه شيء منها ، قال تعالى ) وتَوَكَّل عَلَى العَزِيزِ الرَّحِيم الّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ فِي السَاجِدِين (.



والمؤمن الذي يكون على الحق ، ينتظر معونة الله فيتوكل عليه) فَتَوَكَّل عَلَى اللهِ إنّكَ عَلَى الحَقِّ المُبِين (.



إن الله جلَّ وعلا وعد من توكل عليه بأن يكفيه ، قال تعالى ) ولا تُطِع ِالكَافِرِينَ والمُنَافِقِينَ ودَع أذَاهُم وتَوَكّل عَلَى اللهِ وكَفَىَ باللهِ وَكِيلا ( وقال )ومَن يَتَوَكّل عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُه إنَّ اللهَ بَالِغُ أمرِه قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرَا (.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية :{ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ} ، وفي حديث أبو موسى الأشعري المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن "لا حول ولا قوة الا بالله " هي كنز من كنوز الجنّة ( والكنز مال مجتمع لا يحتاج إلى جمع ) وذلك أنها تتضمن التوكل والافتقار إلى الله ، ومعلوم أنه لا يكون شيء إلا بمشية الله وقدرته ، وأن الخلق ليس منهم شيء إلا ما أحدثه الله فيهم . فإذا انقطع القلب للمعونة منهم ، وطلبها من الله وحده ، فقد طلبها من خالقها الذي لا يأتي بها إلا هو ) وإن يَمسَسكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلا هُو وإن يُرِدكَ بِخَير ٍفَلا رَادَّ لِفَضلِه (.



وقد حصر الله المؤمنين في المتوكلين ) إنَّمَا المُؤمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وإذَا تُلِيَت عَلَيهِم آيَاتُهُ زَادتُهُم إيمَانَاً وعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكّلُون ( مما يدل على أن المؤمن إنما يتوكل على الله وحده ، وهذا معنى قوله ( ألّا تتخذوا من دوني وكيلا ) ، روى ابن ماجه في إسناده [ أن من قلب ابن آدم بكل وادٍ شعبة ، فمن اتبع قلبه الشعب كلها ، لم يبالي الله بأي وادٍ أهلكه . ومن توكل على الله كفاه التشعب ] قال العز ابن عبد السلام :{ التوكل ناشئ عن معرفة تفرّد الرب بالضر والنفع ، والخفض والرفع ، والعطاء والمنع ، والإعزاز والإذلال ، والإكثار والإقلال }.



ومما يدخل في مفهوم التوكل على الله ..إحسان الظن به سبحانه ، وانتظار الفرج ، وفعل الأسباب .


وأعظم أنواع التوكل .. التوكل على الله في جلب الهداية ونشر الدين وثبات الإيمان .


فتوكل على الله أيها المؤمن ، في أن يعينك على الصيام ، وتوكل عليه بأن يحفظ صيامك من المعاصي والآثام ، وتوكل عليه في أن يقبل صيامك وتؤجر عليه .


وتوكل عليه في أن يهيّئ لك من الطاعات في شهر رمضان ما يرضي ربك عنك ، وتوكل على الله في جميع شأنك .

والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد ..

طالبة الرضوان 11-08-10 09:42 PM

بــســم الــلــه الــرحــمــن الــرحـــيــــم


قــــلــــوب الصـــائـــمــــيـــن

فــضــيلــة الشــيــخ ســعــد بــن نــاصــر الشــثــري



الخـــــــشــــــيــــة



أحمده جلَّ وعلا ونخشاه ... ونصلّي ونسلّم على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلم ..أما بعد..

فإن من أعمال القلوب الخشية ، وهي من أعظم الأعمال أجرا ، وأكثرها ثوابا ، والخشية أخص من الخوف .


إذ الخشية خوف مقرون بعلم وتعظيم ، وقد أمر الله جلَّ وعلا المؤمنين أن لا يخشوا أحدا ًمن الخلق كائناً من كان ، وأن لا يخشوا أحداً من دون الله ، كما قال سبحانه ) اليَومَ يئسَ الّذينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُم فَلا تَخشَوهُم واخشَوَني ِ( ، وقال جلَّ وعلا ) فَلا تَخشَوا النَّاسَ واخشَوَنِي ( ،وقال تَخشَوَنَهُم فالله ُأحقُّ أن تَخشَوهُ إن كُنتُم مُؤمِنِين ( ، وقال ) والله ُأحقُّ أن تَخشَاه ( ، وقال سبحانه ) الّذينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَ يَخشَونَهُ وَلا يَخشَونَ أحَدَا ً الا الله وَكَفَى بالله ِحَسِيبَا ( .

جاء في سنن ابن ماجه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال :{ لا يحقر أحدكم نفسه . قالوا : يا رسول الله ، كيف يحقر أحدنا نفسه ؟! قال : يرى أمراً لله عليه فيه مقال ثم لا يقول فيه ، فيقول الله عزّ وجلّ له يوم القيامة : ما منعك أن تقول في كذا وكذا .. فيقول خشية الناس ، فيقول الله فإياي كنت أحق أن تخشى .}.

إن الخشية من الله .. هي شأن الأنبياء عليهم السلام ،
وفي مقدّمتهم نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم الذي قال :{إن الخشية شأن العلماء} ، كما قال سبحانه ) إنّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَاده ِالعُلَمَاء ( يعني إن الذي يخشى الله حق الخشية هم الّذين عرفوا الله ، فعرفوا الله بذاته ، وعرفوا شرعه وأمره ، والمراد بهذه الآية علماء الشريعة ، وقد وصف الله أولي الألباب بأنهم يخشون الله ، كما قال سبحانه )والذينَ يَصِلُونَ مَا أمَرَ اللهُ بهِ أن يُوصَل ويَخشَونَ رَبّهُم وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَاب(.


إن الخشية من الله .. شأن الملائكة الذين قال الله عنهم )وَهُم مِن خَشيَتِه ِمُشفِقُون( ، الخشية من الله .. شأن أهل التقوى ، كما قال سبحانه )وذِكرَى للِمُتقِين الّذينَ يَخشَونَ رَبّهم بالغَيبِ وَهُم مِنَ السّاعَةِ مُشفِقُون(.



ما أعظم أجر أهل الخشية .. أسمع الله تعالى يقول في ذلك) وَمَن يُطِعِ ِاللهَ وَرَسُولَه وَيَخشَىَ الله ويتقهِ فَأولَئكَ هُمُ الفَائِزُون( ، ويقول سبحانه) إنَّ الّذِينَ يَخشَوَنَ رَبَّهم بِالغَيبِ لَهم مَغفِرة ٌوأَجرٌ كَبِير( ، وقال جل وعلا)جَزَاؤُهُم عِندَ رَبّهِم جَنّاتُ عَدن ٍتَجرِي مِن تَحتِهَا الأنّهَار خَالِدينَ فِيهَا أبَدَا رَضيَ الله ُعَنهُم وَرَضُوا عَنهُ ذَلِكَ لِمَن خَشيَ رَبّه(، وقال سبحانه)وَأُزلِفَت ِالجَنّةُ لِلمُتَّقِينَ غَيرَ بَعِيد* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكلِّ أَوَّابٍ حَفِيظ * مَن خَشِيَ الرّحمَنَ بِالغيب ِوَجَاءَ بِقَلب ٍمُنيِب* أدخُلُوهَا بِسَلام ذَلِكَ يَومُ الخُلُود* لَهُم مَا يَشَاءُون فِيهَا وَلَدَينَا مَزِيد ( ، وفي الحديث { عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله }، وفي الحديث الآخر { لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع }..


ومن أسباب الخشية .. تدبر القرآن ، وتأمل معانيه ، قال تعالى )مَا أنزَلنَا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقَى* الا تَذكِرَة ًلِمَن يَخشَى( .


من أسباب حصول خشية الله تعالى في القلب .. أن يتأمل المرء، قصص الأمم السابقة التي عذبها الله ، وأنزل بها النكال بعد ما كانوا فيه من قوة وعزة ، قال تعالى عن فرعون ) فَأخَذَه ُالله ُنَكَالَ الآخِرَةِ والأولَى * إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرةً لِمَن يَخشَى(.

من أسباب حصول الخشية لله تعالى في القلب .. أن يتذكر المؤمن الموت ، وما بعده من الأهوال العظيمة يوم قيام الساعة ، و تذكر مصير الناس إلى جنة أو نار ، قال تعالى عن الساعة ) إنَّمَا أنتَ مُنذِرُ مَن يَخشَاهَا (.


من أسباب تحصيل الخشية في قلب العبد.. أن يتضرع المرء بين يدي الله وأن يدعه سبحانه من أجل أن ينيله خشيته ، وكان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم (اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة )، ومن دعاءه صلّى الله عليه وسلم : ( اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ) .


مستفيد مما يلقى من الخير والذكر، قال تعالى ) فذكّر إن نَفَعَتِ الذِكرَى*سيذَّكَّرُ مَن يَخشَى ( ، وقال ) إنما تُنذِرُ الّذينَ يخشَونَ رَبّهُم بالغَيب وأقَامُوا الصّلاة (، وقال سبحانه ) إنما تُنذِرُ مَن اتّبعَ الذِّكرَ وَخَشيَ الرّحمَنَ بِالغَيب فَبَشِّرهُ بِمَغفِرَة ٍ وأجر ٍ كريم ( ، قال عمر رضي الله عنه : { لا أمين الا من خشي الله } وقال { شاور في أمرك ، الّذين يخشون الله }، وقال ابن مسعود : {ليس العلم من كثرة الحديث ، ولكن العلم من الخشية }،وقال الحسن { إن المؤمن ،جمع إيمانا ً وخشية، وإن المنافق جمع إساءةً وأمنا}، وقال مسروق :{ كفى بالمرء علماً أن يخشى الله ، وكفى بالمرء جهلا ً أن يُعجب بعمله }.


أسأل الله جلَّ وعلا أن ينزل خشيته في قلوبنا وقلوبكم ، وأن يجعلنا ممن يخشاه جلَّ وعلا في ليله ونهاره ، وفي سائر أوقاته وجميع أحواله ، اللهم يا حي يا قيوم اغفر لنا ذنوبنا ،وزلّاتنا وإسرافنا ، وتجاوز لنا عن خطايانا .. اللهم باعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم اجعلنا ممن يخافك ويخشاك ، هذا والله أعلم ..وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....




طالبة الرضوان 11-08-10 09:47 PM

يسم الله الرحمن الرحيم


قــلــــوب الصــــــائـــمـــيـــن


لفضيلة الشيخ : سعد ابن ناصر الشثري



الرحـــــــــــــــــــمــــــــــة


الحمد لله يرحم الرحماء من عباده ، والصلاة والسلام على محمد ٍصلى الله عليه وسلم ، وصفه ربه بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ..

أما بعد ...

فإن من العبادات القلبية التي يتقرب المؤمنون بها إلى ربهم جلَّ وعلا ، أن يرحم بعضهم بعضا ..



والرحمة خلق فاضل يتضمن الرأفة والعطف والرقة والودَّ ، ومحبة وصول الخير للآخرين ..وهذه الرحمة من مقتضى الأخوة التي يقول عنها جلَّ وعلا) إنّمَا المُؤمِنُونَ إخْوَة ( .

وإنما جعل الله المؤمنين إخوة ليتعاطفوا ويتراحموا،

وقد عاب النبي صلَّى الله عليه وسلم على رجل فقال له :{ أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ..من لا يرحم لا يُرحم }.

ولما دمعت عينا النبي صلَّى الله عليه وسلم لموت أحد أسباطه أي أبناء بنته ، قال سعد ابن عباده :{ ما هذا يا رسول الله؟!} فقال :{ إنما هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء }، وفي الحديث الآخر{لا تُنزع الرحمة إلا من شقي } وقال صلَّى الله عليه وسلم :{ الراحمون يرحمهم الرحمن..ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء }..


ومن صفات النبي صلّى الله عليه وسلم أنه رحيم بالمؤمنين ، كما قال تعالى واصفاً نبيه صلَّى الله عليه وسلم )بِالمُؤمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيم ( أي شديد الرأفة و الرحمة بهم ، فهو أرحم بهم من أنفسهم ومن والدِيهم ، وقال تعالى ) فَبِمَا رَحْمَةٍ منَ اللهِ لِنتَ لَهم وَلَو كُنتَ فَضّاً غَلِيظَ القَلبِ لانفَضّوا مِن حَولِكَ (...


وقد وصف الله جلَّ وعلا نبيه محمد صلَّى الله عليه وسلم فقال) وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنين وَرَحمَةٌ لِلّذِينَ آمَنُوا ( وكان النبي صلَّى الله عليه وسلم يُجلِسُ الحسن و أسامه على فَخِذيه ويقول: { اللهم ارحمهما ..فإني ارحمهما } فصَّلى الله على هذا النبي الكريم الذي وصفه ربه بقوله ) لَقد جَاءَكُم رَسُولٌ منْ أنفُسِكم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتم حَرِيصٌ عَلَيكم بِالمُؤمِنينَ رَؤوفٌ رَحِيم ( ، بل إن الله جلَّ وعلا قد وصف أصحاب هذا النبي الكريم بهذه الصفة الفاضلة ، صفة الرحمة فيما بينهم ، يقول الله تعالى ) مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الكُفّارِ رُحَمَاءُ بَينَهم (.


لقد أوصى الله تعالى المؤمنين بالتراحم فيما بينهم ، فقال جلَّ وعلا واصفاً عباده المؤمنين) وَتَواصَوا باِلمَرْحَمَه(.

جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال : { مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم ، كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } , وخصوصا ً إذا كان هناك من هو أصغر منك ، فإنه يشرع لك أن ترحمه ..جاء في الحديث أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال :{ ليس منا من لم يرحم صغيرنا}، أما بالنسبة للآية السابقة التي فيها ) ثُمّ َكاَنَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا وَتوَاصَوا باِلصّبْرِ وَتوَاصَوا باِلمَرْحَمَة ( فالمراد بهذه الآية ،أنه قد أوصى بعضهم بعضا برحمة الخلق ، مما يُثمر إعطاء مُحتاجهم وتعليم جاهلهم والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه ، مع مساعدتهم لقضاء مصالحهم الدينية والدنيوية ، وأن يُحب المرء لإخوانه ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، ومن كان بهذه الصفة .. فهؤلاء هم الذين وفقهم الله لاقتحام العقبة وتجاوز النار إلى الجنة، وبالصبر تكون الشجاعة .. وبالمرحمة يكون الكرم والإحسان.


ومما يدخل في رحمة المؤمنين بعضهم لبعض ، أن يعفو بعضهم عن زلات بعضهم الآخر .. جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والوحوش والهوام ، فا بها يتعاطفون و بها يتراحمون و بها تعطف الوحش على أولادها ، وادّخَر تسع وتسعين رحمة لنفسه يرحم بها عباده } ، ولفظ البخاري :{جعل الله الرحمة مئة جزء ، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا ، وأنزل في الأرض جزءاً واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه } ،
قال مالك ابن دينار :( ما ضرب عبد بعقوبة ..أعظم من قسوة قلب ، وما غضب الله على قوم ، إلا نزع الرحمة من قلوبهم ) ..


ومن أسباب رحمة العباد بعضهم لبعض ..محبتهم لبعضهم ، قال الله تعالى ) إنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهمُ الرّحَمَنِ وُدّا ( أي يلقي بينهم المحبة ، فيحب بعضهم بعضا ، فيتراحمون ويتعاطفون بما جعل الله لبعضهم في قلوب بعض ٍ من المحبة ، وفي بعض الأحيان ..لا يرغب المرحوم وصول الرحمة له ، ويكرهها ..ومع ذلك ،يستحب للعبد أن يرحم من كان كذلك ولو بإيصال ما يكرهه مما ينفعه ، ومثال ذلك ..الوالد , فإنه يُؤمر بتأديب ولده وتعليمه رحمة به ، ولو كره الولد ذلك وشقّ عليه ..كالوالد .. يُلزم ابنه بشرب الدواء مع كراهيته له ، رحمة به وأملاً في شفاءه .


ولإبقاء التراحم بين المؤمنين ..نهت الشريعة عن أن يؤذي المسلم إخوانه المسلمين ، قال الله تعالى ) والّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكْتسَبوا فَقد احتمَلوا بُهتَانَاً وَإثمَاً مُبينَا ( .


إن تعاليم الشريعة ..كلها رحمة , و ليست رحمتها مختصة بالمسلمين , بل هي رحمة لجميع المخلوقين , كما قال تعالى) وَمَا أَرسَلنَاكَ إلا رَحْمَة ً لِلعَالَمِين ( , وفي الحديث أن النبي صّلى الله عليه وسلم قال :{ إنّا لم نُبعث طعّانين ولا لعّانين ، ولكنّا بُعثنا رحمة للعالمين } ، وقد ورد عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: { إنما أنا رحمة مهداة }, ومن هنا ..كان النبي صلّى الله عليه وسلم يحسن إلى الخلق , ومن جملة ذلك أن يرحم الخلق بتعليمهم وإرشادهم ودعوتهم وبيان ما ينفعهم وما يضرهم , ولهذا كان النبي صلّى الله عليه وسلم رحمة في حق كل أحدٍ من الناس بحسبه , حتى المكذبين له هو في حقهم رحمة ..ولهذا لما قال ملك الجبال :( دعني أُطبق عليهم الأخشبين , قال : لا ، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله )..


أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعل الرحمة في قلوبنا ...

هذا والله أعلم , وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .....

طالبة الرضوان 17-08-10 04:37 PM

تصــفيــة القـلــــوب
 
بسم الله الرحمن الرحيم



قلوب الصائمين



تصــفيــة القـلــــوب



الحمد لله رب العالمين .. أمر المؤمنين بتصفية قلوبهم بحيث تتمنى الخير للآخرين ، وترغب في حصول الجميع على ما ينفعهم في الدنيا والدين .. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ..



أما بعـــــــــد ...



فقد جاءت الشريعة بأمر المؤمنين بتمنّي الخير لجميع الخلق وخصوصا ًالمؤمنين ، ويدخل في الخير الذي يتمنّاه الإنسان لغيره الهداية لدين الله ، وتمسّكه بشعائر الإسلام والتزام أحكام الدين ، ويدخل في ذلك تمنّي حصول الجميع على منافع الدنيا وثمراتها وخصوصاً مع المؤمنين ،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } وفي لفظ { لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير} ، وليس هذا خاصا ً بالمؤمنين فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنّة فلتدركه منيّته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر وليأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه} فإن قال قائل كيف يقال بأن هذا يشمل الكافرين والشريعة قد أمرتنا بقتالهم وجهادهم ، قيل أن الشريعة قد أمرت بالإحسان إليهم قال تعالى)ولا تَزَالُ تَطّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنهُم إلّا قَلِيلًاً مِنهُم فَعفُوُ عَنهُم واصفَحْ إنَّ اللهَ يُحِبُالمُحسِنِين( وهذا معنى أعظم من تمنّي الخير لهم وقد جاء في الحديث { في كل كبد رطبة أجر} والله تعالى يقول )إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإحسَان( وهذا عامٌّ مع الجميع ، لكن ليُعلم إن من محبة وصول الخير إليهم أن نتمنى عدم تمكّنهم من الصد عن دين الله ، ومن ذلك أن نتمنى عدم قدرتهم على إيذاء المؤمنين ، فإن هذا يقلل من سيئاتهم ، وكذلك نرى مشروعية جميع الأعمال التي معهم من أجل تقليل شرّهم لتقلّ سيئاتهم ..



وبهذا نعلم الفرق الذي بين المؤمنين وبين غيرهم .. فالمؤمن يتمنى الخير لغيره ، قال تعالى )مَا يَودُّ الّذينَ كَفَرُوا مِن أهَلِ الكِتَابِ ولا المُشرِكِينَ أن يُنَزَّلَ عَلَيكُم مِن خَيرٍ مِن رَبِّكُم واللهُ يَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن يَشَاء( وقال سبحانه ) ودَّ كَثِيرٌ مِن أهَلِ الكِتَابِ لَو يَرُدُّونَكُم مِن بَعدِ إيمَانِكُم كُفَّارَا حَسَدَاً مِن عِندِ أنفُسِهِم مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقَّ( .

وفي المقابل حذّرت الشريعة من عدم تمني الخير للآخرين أو من تمني الشرّ لهم أو من تمني زوال النعم عنهم فإن هذا هو الحسد الذي جاء في سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ إيّاكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب }وفي حديث الزبير مرفوعا{ ـــــــــــ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين } ..



وقد عاب الله تعالى على أهل صفة الحسد فقال )أم يَحسُدُونَ النَّاسَ عَلَىَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ فَقد آتَيِنَا آلَ إبرَاهِيم الكِتَابَ والحِكمَة وآتينَاهُم مُلكَاً عَظِيِمَاً(،وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم { لا تنافسوا ولا تحاسدوا } وفي الصحيح { ولكن أخشى عليكم أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتُهلككم كما أهلكتهم } ، وقال تعالى ) ولا تَتَمنَّوا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكم على بَعض لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِمّا اكتَسَبُوا وَلِلنِسَاءِ نَصِيبٌ مِمّا اكتَسَبن واسألُوا اللهَ مِن فَضلِهِ إنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمَا (..



ومن أعظم ما يتمكن المرء به من دفع الحسد عن نفسه ..ومن دفع آثارالحسد السيئة أن يلتجئ إلى ربه جلّ وعلا دعاءً وتضرعاً وسؤالا ، بأن ينجيه من شر الحاسدين كما قال تعالى ) قُل أعُوذُ بِربِّ الفَلق من شَرِّ مَا خَلَق ومِن شَرِّ غاسقٍ إذا وَقَب ومِن شَرِّ النَفَّاثَاتِ في العُقَد ومِن شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَد( وكان من رقية النبي صلى الله عليه وسلم { بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك }..



إن المحسود يتمكن من دفع ضرر الحاسد عنه .. بالتعوذ بالله من شرّه وبتقوى الله ، فإن من اتقى الله حفظه الله كما في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يا غلام أحفظ الله يحفظك} ..



ومما يتمكن المحسود من دفع ضرر الحاسد عنه .. أن يقبل على الله عملا ًوإخلاصا ، وأن يتوكّل على الله جل وعلا ، فإن من توكّل على الله فهو حسبه أي كافيه شرور خلقه ..



يتمكن المحسود من دفع ضرر الحاسد عنه ..بالصبر عليه والإعراض عن أذاه وعدم اشتغال القلب بذكره مع التوبة إلى الله من الذنوب التي سُلّط عليه العدو بسببها ..



ومما يتمكن المحسود به من دفع ضرر الحاسد عنه .. أن يُكثر من الصدقة والإحسان وخصوصا ًأن يُحسن على الحاسد لأن ذلك يُطفئ حسده ..



من أعظم ما دُفع به الحسد .. إفراد الله بالعبادة وعدم صرف شيء من العبادات لغير الله ، فإن أهل التوحيد يقيهم الله شرور غيرهم ..



إن الحسد يُفسد الدين ، ويُضعف اليقين ، ويُذهب المروءة ، قال معاوية رضي الله عنه : [ ليس في خصال الشر أعدل من الحسد ، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود] وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : [ ما أكثر عبد ذكر الموت إلّا قلّ فرحه وقلّ حسده ] وقال الحسن رحمه الله : [ يا ابن آدم لما تحسد أخاك ، فإن كان الذي أعطاه لكرامته عليه فلما تحسد من أكرمه الله ، وإن كان غير ذلك فلما تحسد من مصيره إلى النار ] وقال بعضهم :[ الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له ، بخيل بما لا يملكه ، طالب بما لا يجده ] ..



يا حاسدا ً لي على نعمتي ~ أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في حكمه ~ لأنك لم ترضى لي ما وهب



وكذلك نهت الشريعة عن الغل .. وهو إضمار الشرّ للغير وكان من دعاء المؤمنين ( ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا ً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) .

ومما قد يلتبس بالحسد والغل .. الغيــــــرة .. فإن مما له تعلّق بذلك من أعمال القلوب الغيرة التي أصلها الأنفة وفي الاصطلاح الغيرة كراهية النفس مشاركة الآخرين للإنسان فيما يظن اختصاصه به ، وقد النبي صلى الله عليه وسلم :{ إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل ومنها ما يبغض سبحانه } ..

أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الإيمان والتقوى .. وأن يجعلنا ممن يحب الخير للآخرين ولا يحسد أحدا ً من خلق الله ..

هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....

طالبة الرضوان 17-08-10 04:39 PM

بسـم الـله الرحمـن الرحـيـم


قـلـــوب الصـــــائـمــيــــــن


الغــيــــــــــــــــــــــرة


الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ..

أما بعد ...

فإن من أعمال القلوب الغيــرة التي أصلها الأنفة .. ومعنى الغيرة في الاصطلاح كراهية النفس أن يشارك الآخرون العبد فيما يظن انه من اختصاصه .. والغيرة منها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم ، جاء في المسند والسنن من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل ومنها ما يبغض الله عز وجل ، فأما الغيرة التي يحب الله عز وجل فالغيرة في الريبة ، وأما الغيرة التي يُبغض الله عز وجل فالغيرة في غير ريبة } وفي حديث علي : { الغيرة غيرتان .. غيرة حسنة جميلة يُصلح بها الرجل أهله ، وغيرة تُدخله النار تحمله على القتل فيقتل } وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ المؤمن يغار ، والله أشدّ غيرة } وفي الصحيحين من حديث المغيرة أن سعد ابن عُباده قال :{ يا رسول الله لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تعجبون من غيرة سعد ؟! والله لأنا أغير منه ، والله أغير مني } .

ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة : { إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه } وورد في بعض الآثار [ الغيرة من الإيمان والمذاء من النفاق] والمذاء: الأذن باختلاط الرجال مع النساء الأجانب .

فمن الغيرة المشروعة أن يغار الإنسان على محارمه ، ومن ذلك أن يغار على أبناءه من أصدقاء السوء ، ومن ذلك أن يغار على شريعة رب العالمين أن يتكلم فيها من يريد صدّ الناس عنها وتحريف أحكامها . ومع مراعاة الغيرة المشروعة ، فإن العبد لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي تُخشى غوائلها ، لكن لا يبالغ في إساءة الظن والتعنّت والتجسس على البواطن ..

إن من الأمور التي ينبغي أن تُلاحظ أن الله تعالى يغار إذا توجّه العباد بعباداتهم لغيره أو كانت قلوبهم معلقة بغيره ، وإنما الواجب على العباد أن يجعلوا أعمالهم كلها لله جل وعلا بحيث يتوجهون بدعائهم وسائر أعمالهم لله جل وعلا ، ومن ذلك أن تحضر قلوبهم عند عبادتهم لله جل وعلا ..

ومما يدخل في معنى حضور القلب .. أن يمتلئ القلب من عظمة الله عز وجل مع الأنس بالقرب من الله ومناجاته و الحياء منه سبحانه أن يطلع على ما لا يرضى من الأقوال والأفعال ، خصوصاً حال المناجاة .إذ قبيح بالعبد في الصلاة مثلا أن يقول بلسانه ( الله أكبر) وقد امتلئ قلبه بغير الله .

إن حضور القلب في العبادات يعني أن يستشعر العبد أنه واقف بين يدي الله عز وجل ، ومن ثم يقف موقف العبد الخادم الخائف الوجل ، فيعرف معاني ما يتكلم به ، ويفهم مقاصد الأفعال التي يؤديها بين يدي سيّده ، وحينئذٍ يسكن لذلك قلبه ، وتطمئن نفسه ..

ومن أمثلة ذلك .. حضور القلب عند قراءة القرءان ، فإن الله يغار عندما يقرأ العبد القرءان ويكون قلبه في غير تأمل معاني كتابه ، ومن أراد أن ينتفع بما في القرءان من المعاني العظيمة والمصالح الجليلة فليُجمع قلبه عند تلاوته أو سماعه ، وليحضر بقلبه حضور من يخاطب به كأن الله يُكلّمك الأن ، قال تعالى ) إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكرَىَ لِمَن كَانَ لَهُ قَلب أو ألقَىَ السَمعَ وَهُوَ شَهِيد ( قال ابن القيم : [ إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيّته بكليّته على المطلوب وصادف وقتاً من أوقات الإجابة ، وصادف خشوعاً في القلب وانكساراً بين يدي الرب ، وذُلاً له وتضرّعا ورقةً ، واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله تعالى ، وبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم ثنّى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وقدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار وألحّ على الله في المسألة وتملّقه ودعاه رغبة ورهبة ، وتوسّل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده ، وقدّم بين يدي دعاءه صدقة ، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا ، ولا سيّما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظِنة الإجابة أو أنها متضمنة للاسم الأعظم ]..

في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع الله عز وجل ، وذلك منتهى العبادات ، فالدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل ، قال ابن رجب : [ من أعظم شرائط إجابة الدعاء حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى] كما ورد [ ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، وإن الله لا يقبل دعاء من قلبه غافل لاه ] وفي التذكرة [ الذكر لله له شرطان : حضور القلب في تحريره وبذل الجسد في تكثيره ] وقال غيره : [ إذا أردت استجلاب حضور قلبك الغائب ففرّغه من الشواغل مهما استطعت ] ..

من فوائد حضور القلب .. إجابة الله لدعاء المسلم إذا دعاه بقلب حاضر مع تعلق القلب بالله عز وجل ، مما ينتج عنه راحة النفس ونقاء القلب ، ضرب الحكيم الترمذي رحمه الله أمثالاً لمن كان غافل القلب في عباداته فقال : مثل المصلي الذي يسهو بقلبه عن ربه كمثل رجل جنا جناية في حق الأمير ثم ندم فاستجمع أتباعه وتوجّه إلى باب الأمير معتذرا من أجل أن يصفح عن سوء أدبه، فلما أذن له الأمير ووقف بين يديه ، وأقبل الأمير عليه بوجهه ليقبل عذره ويحسن إليه ، أعطى ذلك الرجل جنبه للأمير وبدأ يتحدّث مع أحد خدم الأمير ، فما ظنك بموقف الأمير حينئذٍ ، ألا يُعرض الأمير عنه ، ألا يقع في نفسه أن هذا متلاعب وليس بمعتذر ، بل هذا مستخفّ بحق الأمير ، ومن ثم فلن يعبئ الأمير بعذره ..

وضرب مثلا لمن يدعو بدون حضور قلب ولا رغبة ولا رهبة ، بمن يطرق باباً ويطلب من أهله المساعدة فلما فتحوا له الباب وعرض حاجته عليهم ، ودخلوا للبيت ليحضروا ما يقدّمونه له لم يلبث عند الباب ، بل مضى لسبيله ، فلما وصلت المساعدة للباب لم يجدوا ذلك الرجل الذي يطلب المساعدة ، فأدخلوها داخل البيت ، فكان الرجل ينتقل بين البيوت وهذا شأنه ، فلم يحصل على مساعدة ولن يجد معيناً له ..

ومثل لمن يثني على ربه بقلب غافل بمن جنا جناية فلم يعتذر حال الإفاقة ، بل لما شرب مسكرا وقف بين يدي المجني عليه وقبّل رأسه ومدحه ، فلم يلتفت المجني عليه إليه لعلمه بأنه لا يعقل ما يقول ..

أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإيّاكم ممن حضر بقلبه في عباداته .. فكان قلبه حاضرا في صلاته وفي دعاءه وفي مناجاته ، وفي ذكره وفي ثناءه على ربه .. هذا والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

طالبة الرضوان 22-08-10 04:19 PM

بـســــم اللـــــه الــرحــمـــن الـرحــيـــم


قــــلــوب الصـــــــــائــمـيـــن


النـــــــــــــــــدم


الحمد لله قابل توبة التائبين .. يغفر الذنوب جميعا .. ويتجاوز عن النادمين .. والصلاة والسلام على من يُحفظ له في المجلس الواحد سبعين مرة (أستغفر الله وأتوب إليه ) ..

أما بعـــــــــد ...

فإن من أعمال القلوب التي يعظم أجرها .. الندم على ما حصل من الذنوب ..

والنــدمركن التوبة ومبدأها ، وفي السنن بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ النــدم تـــــــوبة } ولا خلاف بين أهل العلم أن التوبة من الذنب لا تصح إلا بالندم على فعله ، والنــدم على المعاصي لا يكون توبة ولا قربة إلا إذا كان ندما ًلله ، فمن نــدم على فعل المعصية لما فيها من ضرر دنيوي أو مرض لم يكن تائبا ..

والنــدم يتضمن اعتقادا ًوجزما ، ويتضمن إرادة ً ورغبة ، ويتضمن ألما ًوحسرة ، فإن القلب إذا استشعر أنه فعل ما يضرّه حصل له معرفة ًواعتقاد بأن ما فعله كان من السيئات ، وحصل له كراهية ًلذلك الفعل ، وهذا من باب الإرادات ، ومن حصل له أذى وغم لإقدامه على معصية ربّه ، فالندم يتضمن ثلاثة أشياء :

أولها :اعتقاد قبح ما نــدم عليه .

وثانيها : بغضه وكراهته .

وثالثها :الألم الذي يلحقه بسبب ارتكابه للذنب .

إن النــدمقد يكون بسبب فعل العبد للمعاصي والسيئات ، وقد يكون بسبب فعل العبد للمكروهات ، والنـدم قد يكون بسبب ترك العبد للواجبات ، وقد يكون بتضييع الإنسان لوقته وعدم فعله للمندوبات ، وكذلك قد يكون النــدم بسبب ما حصل على العبد من اعتقادات باطلات .

قال ابن مفلح :[ التوبة هي النــدم على ما مضى من المعاصي والذنوب ، والعزم على تركها دائما ًلله عزّ وجل لا لأجل نفع الدنيا أو زوال أذى] ..

قال الحسن البصري في تفسير التوبة النصوح :[ هي نــدم بالقلب .. واستغفار باللسان ..وترك بالجوارح .. وإضمار ألا يعود] .

إن النــدم على ما كان من الذنوب والمعاصي له أســباب وثــمرات .. فمن ذلك :

أن الله تعالى غفور رحيم ، يغفر الزلّات ويعفو عن الخطيئات ، ويتجاوز عن أهل النــدم ، فمن استشعر ذلك أقدم على التوبة والنــدم فغفر الله ذنبه ، قال تعالى )واعَلَمُوا أنَّ الله يَعلَمُ مَا في أنفُسِكُم فَاحذَرُوُه واعلَمُوا أنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيم (وقال تعالى ) وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحمَةِ ( وقال ) ألَم يَعلَمُوا أنَّ اللهَ هُوَ يَقبَلُ التَوبَةَ عَن عِبَادهِ ( وقال ) وَهُوَ الّذِي يَقبَلُ التَوبَةَ عَن عِبَادِهِ وَيَعفُوا عَنِ السَّيّئاتِ ويَعلَمُ مَا تَفعَلُونَ ( .

إن النـدم والتوبة شأن عباد الله الصالحين ، فهذا إبراهيم عليه السلام يقول ) وتُب عَلَينَا إنّكَ أنتَ التَّوّابَ الَّرحِيم (وموسى يقول ) سُبحَانَكَ تُبتُ إلَيكَ وَأنَا أوَّلُ المُؤمِنِينَ ( وهكذا كتاب الله مليء من ذكر كلام أنبياء الله في تقديم التوبة بين يدي الله ..

أن التوبة سبب لمحبة الله للعبد التائب .. قال تعالى ) إنَّ اللهَ يُحبُّ التوّابين ( إن التوبة طريق الفلاح والنجاح كما قال سبحانه ) وتُوبُوا إلى اللهِ جَمِيعَا ًأيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعلّكُم تُفلِحُون ( .

إن التوبة إلى الله والنــدم على المعاصي... سبب لصفاء القلب ، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ إنّ العبد إذا أخطئ نُكت في قلبه نُكتة سوداء ، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صُقل قلبه ، وإن عاد زِيدَ فيه حتى تعلو قلبه } وهو الران الذي ذكر الله ) كَلّا بَل رَانَ عَلَىَ قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكسِبُون ( ..

النــدم على الذنوب .. سبب لمغفرتها كما قال سبحانه ) قُل يَا عِبَادِيَ الّذِينَ أسرَفُوا عَلَىَ أنفُسِهِم لا تَقنَطُوُا مِن رَّحمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ يَغفِرَ الذُنُوبَ جَمِيعَا ًإنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم (، وقد حكا جماعة من العلماء الإجماع على أن هذه الآية في التائبين ، وقال تعالى) ثم إنَّ رَبَّكَ للذِينَ عَمَلَوا السُوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعَدَ ذَلِكَ وأصلَحُوا إنَّ رَبَّكَ مِن بَعدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيم ( وقال )وإنِّي لَغَفّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَا ًثُمَّ اهتَدَى ( .

إن النــدم على المعصية الذي يعقبه عمل صالح .. يكون سبب لتبديل السيئات لتكون حسنات ، كما قال تعالى عن أهل المعاصي )إلّا مَن تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلا ًصَالِحَا فَأولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيّئَاتِهِم حَسَنَات وَكَانَ اللهُ غَفُورَا ًرَحِيمَا( .

النــدم على المعصية ينتج كثرة الاستغفار الذي يكون سببا ًلخيري الدنيا والآخرة قال تعالى ) وإنِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إليهِ يُمتِعّكُم مَتَاعَا ًحَسَنَاً ويُؤتِي كُلَّ ذِي فَضلٍ فَضلَه ( .

النــدم على المعصية .. سبب لمحبة الله للعبد وفرحه به وإقباله عليه ، كما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم :{ لله أفرح بتوبة أحدكم ممن ضلّ عنه بعيره وفي فلاة ، وقد آيس منه ، ثم أقبل عليه }.

النــدم والتوبة والاستغفار من أسباب طيب الحياة الدنيا ومن أسباب تفضّل الله على العبد بالنعم في هذه الدنيا قبل الآخرة ، كما قال سبحانه ) وأنِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إليهِ يُمتِّعُكُم مَتَاعَا ًحَسَنَا ًإلى أجَلٍ مُسَمَّى ويُؤتِي كُلَّ ذِي فَضلٍ فَضلَه ( .

يا من فاته الفوز في سباق الطاعات .. لا تفوتنّك ساعات النــدم في التوبة فما أعظم أثرها على النفس ، وما أكثر ثوابها عند الرب ..

إن من فضل الله على العباد أنه سبحانه يدعوهم إلى النــدم والتوبة ليُثيبهم ويأجُرهم ، ويمحو عنهم ذنوبهم وزلّاتهم ، فهل من عاقل يستجيب لدعوة الله ؟!! جاء في الحديث الذي رواه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ قال الله عز وجل : يا ابن آدم .. لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي } بل اسمع لما رواه الإمام مسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ والذي نفسي بيده.. لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يُذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم } .

علامة صـــدق النــدم على ما مضى من الذنوب ..شدّة تحفّظ العبد فيما بقي من عمره مع مواظبته لأنواع الطاعات بالجد والاجتهاد ، وكون العبد يرى أن ما يُؤديه من الطاعة قليل ، وأن ما يُنعم الله به عليه كثير ، مع رقة قلبه وصفاءه وطهارته ، وكثرة بكاءه وحزنه ، وتفويض الأمر إلى الله تعالى ..

فيا أيُّها المؤمنون .. شهر كريم .. شهر موسم للطاعات .. فالله الله .. انــدموا على ما حصل منكم من السيئات واعزموا على عدم العودة إليها ، فإن هذا الموسم مما يجعل المرء يستشعر فضل التوبة إلى الله ، ويجعله يقلع عن معاصي الله ، ويجعل الشياطين لا تتمكن من إيصال الوساوس إلى قلبه لأنها تُصفّد في شهـر رمـضــــان ..

فاستعملوا هذا الشهر في التوبة إلى الله جلّ وعلا ، والنــدم على ما حصل منكم من الذنوب ..

أسأل الله جل وعلا أن يغفر لنا ولكم .. وأن يهدينا وإيّاكم للتوبـــــــــة النصـــــــــــوح .. هذا والله أعلم ..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

طالبة الرضوان 22-08-10 04:24 PM

بسـم اللـه الرحـمــن الــرحــيــــم

قــلــوب الصــائـمـيــن

مــراقــبـــة اللـــه



الحمد لله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ..وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله..



أما بعــــــــــد ...



فإن قلوب المؤمنين العقلاء ، تستشعر أن الله تعالى يراقبهم ، قال تعالى
)واعلَمُوا أنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا فِي أنفُسِكُم فَاحذَرُوُه( وقال ) يَعلَمُ خَائِنَةَ الأعيّنِ وَمَا تُخفِي الصُدُور ( وقال )يَعلَمُ السِّرَ وَأخفَى( وقال ) ألم يَعلَم بِأنَّ اللهَ يَرَى ( ، جاء رجل إلى عبد الله ابن المبارك فقال له :[ أوصني ، فقال : راقب الله ، فقال الرجل : وما مراقبة الله؟! قال : أن تستحي من الله ، وكن أبدًاً كأنك ترى الله ] قال الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسير قوله تعالى )ألا حِينَ يَستَغشُونَ ثِيَابَهُم يَعلَمُ مَا يَسِرُّونَ وَمَا يُعلِنُون إنّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُدُور( قال :[ أعلم أن الله تبارك وتعالى ما أنزل من السماء إلى الأرض واعظا ً أكبر ولا زاجرا ًأعظم مما تضمنته هذه الآيات الكريمة وأمثالها في القرءان ، من أنه تعالى عالم بكل ما يعمله خلقه ، رقيب عليهم ليس بغائب عمّا يفعلون ، وضرب العلماء لهذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم مثلا ليصير به كالمحسوس فقالوا : لو فرضنا أن ملكا ً قتّالا ً للرجال ، سفّاكاً للدماء ، شديد البطش والنكال على من انتهك حرمته ظلما ، وسيّافه قائم على رأسه ، والنطع مبسوط للقتل ، والسيف يقطر دما ، وحول هذا الملك الذي هذه صفته جواريه وأزواجه وبناته ، فهل ترى أن أحدا ًمن الحاضرين يهمّ بريبة أو بحرام يناله من بناته أو أزواجه وهو ينظر إليهم ، عالم أنه مطّلع عليه ..كلا .. لا يحصل ذلك ، بل تجد جميع الحاضرين يكونون خائفين ، وجلة قلوبهم ، خاشعة عيونهم ، ساكنة جوارحهم ، خوفا ً من بطش ذلك الملك .. ولا شك ولله المثل الأعلى أن رب السماوات والأرض جلَّ وعلا أكثر علما وأكثر مراقبة ، وأشد بطشا وأعظم عقوبة ونكالا ً من ذلك ، وحِما الله محارمه .. فإذا لاحظ الإنسان الضعيف أن ربّه جل وعلا ليس بغائب عنه ، وأنه مطّلع على كل ما يقول ويفعل وما ينوي لان قلبه وخشي الله تعالى وأحسن عمله لله ..] .



ومن أسرار هذه الموعظة الكبرى
.. أن الله تبارك وتعالى صرّح بالحكمة التي خلق الخلق من أجلها وهي أن يبتليهم ويختبرهم أيهم أحسن عملا ، ولم يقل أيهم أكثر عملا ، فالابتلاء في إحسان العمل كما قال ) وَهُوَ الّذِي خَلَقَ السَمَاواتِ والأرضِ فِي سِتّةِ أيّام وَكَانَ عَرشُهُ عَلَىَ المَاءِ لِيَبلُوَكُم أيّكُم أَحسَنُ عَمَلا ( .



ولا شك أن العاقل إذا علم أن الحكمة التي خلقت هذه الأمور لأجلها هي أن يُبتلى ، أن يُختبر بإحسان العمل فإنه يهتم كل الاهتمام بالطريق الموصل إلى نجاحه في هذا الاختبار ، ولهذا سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك بمحضر من الصحابة
ليتعلّموا من ، فقال : { أخبرني عن الإحسان ؟ } وهو الذي خُلقت هذه المخلوقات لأجل الاختبار فيه ، فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الطريق إلى ذلك هو هذا الواعظ والزاجر الأكبر الذي هو مراقبة الله تعالى ، والعلم بأنه لا يخفى شيء عليه مما يفعل خلقه ، قال له : { الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك} وقال الله جل وعلا ) اللهُ يَعلَمُ مَا تَحمِلُ كُلُّ أنثَى وَمَا تَغِيضُ الأرحَاُموَمَا تَزدَاد وَكُلُّ شَيءٍعِندَهُ بِمقدَارعَالمُ الغَيبِ و الشَهَادةِ الكَبِيرُ المُتعَال سَوَاءٌ مِنكُم من أسَرَّ القَولَ ومن جَهَرَ بهِ ومَن هُوَ مُستَخفٍ بِاللّيلِ وسَارِبٌ بِالنَّهَار( وقال سبحانه) ومَا تَكُونُ فِي شَأن ٍ وَمَا تَتلُو مِنهُ من قُرءَان ولا تَعمَلُونَ مِن عَمَل ٍإلا كُنّا عَلَيكُم شُهُودَاً إذ تُفيِضُونَ فِيهِ ومَا يَعزُبُ عن رَبِّكَ مِن مِثقَالِ ذَرّةٍ فِي الأرضِ ولاَ فِي السَّمَاءِ ولا أصغَرَ مِن ذَلِكَ ولاَ أكبَر إلاَ فِي كِتَابٍ مُبِين ( ..



فلا تغفل أيها العاقل عن مراقبة من لا يعزب عنه أصغر من مثقال ذرّة ، ولا تشبع ولا تملّ من مراقبة الله فإنه تعالى لا يغفل عنها ، ينظر إليك ويطّلع على ضميرك ويُحصي عليك مثاقيل الذر وموازين الخردل حتى يجزيك بذلك
) إنّ اللهَ لا يَظلِمُ مِثقَالَ ذَرّةٍ وإن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفهَا وَيُؤتِي مِن لَدُنهُ أجرًاً عَظِيمَاً ( ..


ويا أيها المؤمن .. إذا كنت في خلوتك عملت أعمالا ً، فإذا حضرك صبي أقلعت عن فعلك ، وأحسنت جلوسك حياءً منه ، فما حالك إذا اطلع عليك أمير أو كبير ، فكيف إذا اطلع عليك ملك الملوك الذي يتصرّف في الكون كيف يشاء .. فراقب الله أيها العاقل في جميع حركاتك وسكناتك وخطراتك ولحظاتك ، واجعل عملك كله لله الذي يقول) واللهُ يَعلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُم وكَانَ اللهُ عَلِيمَاً حَلِيمَا ً( وفي قوله تعالى ) يَا بُنَّيَ إنَّهَا إن تَكُ مِثقَالَ حَبّة ٍ مِن خَردَل ٍ فتَكُن فِي صَخرَة ٍ أو فَي السَّمَاواتِ أو فَي الأرضِ يَأتِي بِهَا الله إنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِير (قال ابن سعدي :[ أي لطُف في علمه حتى اطلع على البواطن والأسرار وخفايا القفار والبحار ] والمقصود من هذا الحث على مراقبة الله والعمل بطاعته مهما أمكن ، والترهيب من عمل القبيح قلّ أو كثُر ، وقال بعضهم :[ من اتقى الله في ظاهره عن تناول الشبهات وأصلح باطنه بدوام مراقبة الله عز وجل ، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ..]، وقيل لأحدهم :[ متى يهشّ الراعي غنمه بعصاه عن مراتع الهلكة ، فقال : إذا علم أن عليه رقيبا ].

وقال الإمام الشافعي رحمه الله :

صبرا ًجميلا ً ما أقرب الفرجٍٍٍ[] من راقب الله في الأمور نجا

ومن صدق الله لم ينله أذى[] وما الرجاء يكون حيث رجا

وقال عمر ابن عبد العزيز :

ومن الناس من يعيش شقيّا[] جيفة الليل غافل اليقظة

فإذا كان ذا حياء ودين[] راقب الله واتقى الحفظة

إنما الناس سائر ومقيم[] والذي سار للمقيم عظة

قال ابن القيم :[ مراقبة الله تعالى في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر ، فمن راقب الله في سرّه حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته ، والمراقبة هي التعبّد لله باسمه الرقيب .. الحفيظ .. العليم .. السميع البصير .. فمن عقل هذه الأسماء ، وتعبّد بمقتضاها حصلت له المراقبة ] وقال :[ المراقبة دوام علم العبد وتيقّنه باطلاع الله سبحانه على ظاهره وباطنه ، فاستدامته لهذا العلم و اليقين هي المراقبة ، وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب عليه ، ناظر إليه ، سامع لقوله ، وهو مطلع على عمله كل وقت ، وكل لحظة ، وكل نفس ، وكل طرفة عين ..

والذي يدفع العبد إلى أن يستشعر مراقبة الله له أمــور عديـــــدة ، منها :

أولا ً: أن الله لا يخفى عليه شيء ، وقد وكّل بالعبد ملائكة يرصدون عليه جميع أقواله وأعماله )إنَّ عليكم لحافظين* كراما ً كاتبين * يعلمون ما تفعلون( .

وثانيها : عظم أجر المؤمن باستشعاره لمراقبة الله ، فمراقبة الله أكثر ثوابا ًمن قيام الليل ، وصيام النهار، وإنفاق المال في سبيل الله ..

وثالثها : أن مراقبة الله ينتج عنها الإقدام على الطاعات ، وترك الخطايا والسيئات ، والندم والتوبة على ما وقع من العبد من زلل ، قال تعالى ) إنَّ الّذينَ اتقَوَا إذا مَسّهُم طائِفٌ مِنَ الشَيطَانِ تذكّروا فإذا هُم مُبصِرُون (.

ورابعها : أن العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة مربوطة بمراقبة الله ، فمن راقب الله حفظه الله ، ومن أضمر خلافه خذله الله ، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ولسنا مع ذلك نأمن من حوادث الأمور وبغتات الأجل ..

فيا أيها المؤمن.. اعلم أن مراقبتك لله .. من أعظم أعمالك الصالحة .. ومن أعظم ما يقرّبك إلى الله ..ومن أعظم ما يجعلك تأمن من معاصي الله ، ويجعلك تُقدم على التوبة إلى الله ، ويجعل الشياطين تبتعد عنك بإذن الله ..

أسأل الله جل وعلا أن يجعل في قلوبنا جميعا ًمراقبته.. اللهم اجعلنا يا حي يا قيوم نراقبك في جميع أعمالنا .. هذا والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....


طالبة الرضوان 22-08-10 04:28 PM


بسم الله الرحمن الرحيم


قلوب الصائمين


الصبــــــــــــــــــــــر


الحمد لله يأمر وينهى ..ويقضي ويحكم .. لا رادَّ لما قضى ولا معقّب لما حكم .. والصلاة والسلام على رسوله..

أما بعــــــــــد ..



فإن من أعمال القلوب التي يتقرّب المؤمنون بها إلى ربهم جلّ وعلا ..الصبر وعدم الجزع ..



فإن الصبر من أخلاق النفوس الأبيّة ، ومن صفات القلوب المخلصة ، والصبر حبس النفس عن التجزّع سواءًفي أوامر الله الشرعية أو أقداره الكونية ، قال عبيد ابن عُمير:[ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب ، ولكنّ الجزع القول السيئ والظن السيئ ] وقد قال الله جل وعلا عن أم موسى )وَلَولا أن رَبَطنَا عَلَىَ قَلبِهَالِتَكُونَ مِنَ المُؤمِنِين( أي ثبتناها بالصبر وبإبعاد الجزع عنها فإن العبد إذا أصابته مصيبة فصبر ولم يجزع زاد ذلك من إيمانه ، فدلّ على أن استمرار الجزع مع العبد دليل على ضعف إيمانه ، وفي الخبر { إذا أحب الله قومًا ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع} .

ومن طرق علاج الجزع .. نسيان المصائب مع اليقين بأن ما عند الله أفضل وأبرك ، وعند الله جل وعلا الخلف لكل مصيبة .

ومن علاج الجزع .. التخلّق بخلق الصبر وعدم الشكوى إلى الخلق من أقدار الله المؤلمة ، وإنما يشكوا العبد إلى ربه جلّ وعلا .

ومن علاج الجزع .. ملاحظة صنع الله في عباده ، مما يتمكن المرء معه من علاج جزعه .

ومن طرق علاج الجزع .. أن يتذكر المرء مقارنة الظفر والفوز بالصبر، فإن الله جل وعلا قد وعد الصابرين بالفوز والظفر .

ومن أعظم علاج الجزع .. الإكثار من الصلاة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ، وقد قال الله تعالى ) إنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعَا إذَا مَسَّهُ الشَرَُ جَزُوعَا وإذا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعَا إلاالمُصَلّين الّذِينَ هُم عَلَىَ صَلاتِهِم دَائِمُون( وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ يا بلال أرحنابالصلاة} .

ومن أنواع علاج الجزع .. الإكثار من ذكر الله تعالى كما قال سبحانه ) ألا بِذِكرِ اللهِ تَطمَئِنُ القُلُوب ( .

وكذلك من طرق علاج الجزع .. الإيمان بالقضاء والقدر ، بأن يعلم العبد أن ما قدّره الله عليه فلا مناص له منه ،ولا مهرب منه مهما فعل من الأسباب .

ومن علاج الجزع .. أن يعرف العبد أن الجزع يضرّه ولا ينفعه ، وقد جاء في حديث محمود ابن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{إذا أحب الله قومًا ابتلاهم ، فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع} وكتب محمود ابن لبيد لمعاذ :[ إن احتسبته (يعني ولده الذي مات ) فاصبر ولا يُحبط جزعُك أجرك فتندم ، واعلم أن الجزع لا يردُّ شيئا ولا يدفع حُزنا ] ، وقال عمر ابن عبد العزيز :[ الصبر أقرب إلى الله وسيلة ، وليس الجزع بمحيي من مات ، ولا برادِّ ما فات ] .

وليعلم المصاب بأي مصيبة أن الجزع لا يرد المصيبة التي قدّرها الله ، بل إن الجزع يُضاعف المصيبة ، والجزع في الحقيقة يزيد في مصيبة العبد ، فالجزع يُشمت العدو ويسوء الصديق ، ويُغضب الربَّ ، ويُسرُّ الشيطان ، ويُحبط الأجر ، ويُضعف النفس .. ولذلك جاءت النصوص الشرعية بالأمر بالصبر .

إن لترك الجزع مع التخلّق بالصبر .. فــوائــــــــــد عـــظــيـمـــة : ـــ

1-فهو من صفات الصادقين المتقين كما قال سبحانه ) والصَابِرِينَ فِي البَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأس أولَئِكَ الّذِينَصَدَقُوا وَأولَئِكَ هُمُ المُتَّقُون( .

2-الصابر يعظم أجره عند ربه كما قال تعالى ) إنما يُوفَّىَ الصَابِرُونَ أجرَهُم بِغَيرِ حِسَاب ( .

3-الصابر محبوب عند الله ، كما قال سبحانه) واللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين ( ، ولذا كان من صفات المفلحين التواصي بالصبر كما قال جل وعلا ) وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وتَوَاصَوا بِالصَّبر( .

4-الإمامة في الدين إنما تُنال بصفات منها الصبر، كما قال سبحانه ) وَجَعَلنَا مِنهُم أئِمَّةٍ يَهدُونَ بِأمرِنا لَمَّا صَبَرُواوَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون ( .

5- وقد وعد الله الصابرين بأن يكون الله معهم مؤيدًا وناصرا ، قال تعالى ) يَا أيُّهَا الّذِينَآمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين ( وقال جل وعلا ) وَبَشِّرِ الصَّابِرِين( ، ومن هنا فقد بشّر الله جلّ وعلا الصابرين بالرحمة والهدى كما قال سبحانه ) وبَشّرِ الصَّابِرِين الّذينَ إذَا أصَابَتهُم مُصِيِبَةٌ قَالُوا إنَّا للهِ وإنَّا إلَيهِ رَاجِعُون أولَئِكَ عَلَيهِم صَلَوَاتٌ من رَبِّهِم وَرَحمَة وَأولَئكَ هُمُ المُهتَدُون ( .

6-الصبر من أسباب دخول الجنّة كما قال تعالى ) إنِّي جَزَيتُهُمُ اليَومَ بِمَا صَبَرُوا أنَّهم هُمُ الفَائِزُون ( وقال جل وعلا ) سَلامٌ عَلَيكُم بِمَا صَبرتُم فَنِعمَ عُقبى الدَار ( .

7-الصبر من أسباب الظفر والنصر في الدنيا ، جاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرا ، وأن النصر مع الصبر } .

8-الصابرون يجعلهم الله يُفكّرون في العواقب ، ويُدركون مآلات الأمور كما قال سبحانه ) إنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّصَبَّارٍ شَكُور (.

9-الصبر مع التقوى .. يحصل بهما فوائـــــد عــظيـــــمة ، وثمرات جزيلة كما قال سبحانه ) وإن تَصّبِرُوا وَتَتّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُور ( وقال) إنَّهُ من يَتَّقِي ويَصبِر فإنَّ اللهَ لا يُضيِعُ أجرَ المُحسِنِين ( وقال ) وإن تَصبِرُواوتَتَّقُوا لا يَضُرّكُم كَيدَهُم شَيئَا ( وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{من يصبر يُصبِّره الله ، وماأعطيَ العبد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر} متفق عليه ، وفي صحيح مسلم :{الصبر ضيــــــــاء} وقال سبحانه ) ولَمَن صَبَرَ وَغفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزمِ الأمُور (.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :{عجبًالأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إنأصابته سرّاء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له} كما رواه الإمام مسلم في صحيحه .



إن الجزع وترك الصبر يورد الإنسان المهالك ، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزِعَ فأخذ سكيناً فحزَّ بها يده فما رقئ الدم حتى مات ، فقال الله تعالى بادرني عبديبنفسه ، حرّمت عليه الجنة} .

أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإيّاكم الصبر .. وأن يبعد عنا الجزع ..
هذا والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

طالبة الرضوان 22-08-10 04:29 PM


بسم الله الرحمن الرحيم


قلوب الصائمين


الحيـــــــــــــــــــاء


الحمد لله لا يستحيي من بيان الحق وتوضيحه )إنَّ اللهَ لا يَستَحيِي أنْ يَضرِبَ مَثَلا ًمَا بَعُوضَة ً فَمَا فَوقَهَا(..والصلاة والسلام على أشرف أنبياءه ورسوله..

أما بعــــــــــــد...

إن قلوب المؤمنين تتصف بصفة الحيـــاء .. فهي تستحي من الله ، وتستحي من عباد الله .. والصــوم من الأعمال الصالحة التي تزيد من وجود الحيـــاء في القلوب ، وبالحيـــاء يعظم أجر الصائم ويكثر ثوابه .

الحيــــاء صفة تدفع إلى الإعراض عن القبيح ترفّعا ًعنه ، الحيـــاء مشتق من الحياة ، فإن القلب الحي يكون صاحبه حيّا ، فيه حياء ٌ يمنعه عن القبائح ، فإن حياة القلوب هي المانعة من القبائح التي تُفسد القلب ، إذ إنّ الحي يدفع ما يؤذيه بخلاف الميت الذي لا حياة فيه فإنه يُسمى وقحا ، والوقاحة الصلابة وهو اليبس المخالط لرطوبة الحيـــاء ، فإذا كان وقحا ًيابسا ًصليب الوجه لم يكن في قلبه حياء توجب حياءه وامتناعه من القبيح .

الحيـــــــــاء مادّة حياة القلب .. وهو أصل كل خير، وذهاب الحياء ذهاب الخير أجمع ، إن الذنوب تُضعف الحيـــاء عند العبد حتى ربما انسلخ من الحيـــاء بالكليّة بسبب الذنوب ، بحيث لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ..

من استحيى من الله عند معصيته .. استحيى الله من عقوبته يوم لقاه .. خلق الحيـــاء من أفضل الأخلاق وأجلّها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا ، بل إن خلق الحيـــاء هو خاصيّة الإنسانية ، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم .

ولولا خُلُقُ الحيـــاء الفاضل .. لم يكرم الضيف ولم يوفى بالوعد ولم تؤدّى أمانة ، ولم تُقضى لأحد حاجة ، ولا تحرّى الرجل الجميل فآثره ، ولا ستر لغيره عورة ، ولا امتنع من فاحشة .

كثير من الناس لولا الحيـــــــاء لم يؤدٍّ شيئا ً من الأمور المفترضة عليه ، ولم يرعَ لمخلوق حقّا ، ولم يصل رحما ًولا بر والدا ، لأن الباعث على هذه الأمور إما أن يكون دينيًا وهو رجاء عاقبتها الحميدة في الآخرة ، وإما أن يكون دنيويا ًعلويا وهو حيــاء فاعلها من الخلق ، فلولا الحيـــاء إما من الخالق أو من الخلائق لم يفعل صاحبها تلك الفضائل ..

إن الحيــــاء نور في قلب العبد .. يجعله ذلك الخلق يرى أنه واقف بين يدي ربّه ، فيستحي من الله في خلواته فضلا ًعن غيرها ، جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ إن مما ورث الناس من كلام النبوّة الأولى إذا لم تستحي ..فاصنع ما شئت } .

ومما يبعث على الحيـــاء .. أن الله عزّ وجل يحب الحيـــاء ويأمر به ، ففي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم :{الحيـــــــاء شعبـــة من الإيمــــان } ، وفيهما {الحيـــــاء خير كله } ..

ومما يدفع إلى الحيــاء .. أن يعلم العبد أن أنبياء الله عليهم السلام يتصفون بصفة الحيـــاء ، ففي الصحيح أن موسى عليه السلام كان حييّا ًستّيرا لا يُرى من جلده شيء استحياءً من الله ، وفي الصحيحين [ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ حيـــاءً من العذراء في خدرها ] يعني المرأة غير المتزوجة أو في ليلة زواجها في خدرها فإنه يكون في قلبها من الحياء ما الله به عليم .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان رضي الله عنه : { ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة } وقال أنس :{ كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحيـــــــاء}

من الأمــور الدافــــعـة إلى أن يتخلّق الإنسان بخلق الحيــــاء .. أن يرى العبد كثرة نعم الله عليه مع تقصيره في جناب ربّه ، فإذا قارن العبد بين نعم الله وبين تقصيره توّلد من ذلك الحيــــــاء من الله .

إن من أسباب وجود الحيــــــــاء في قلوب المؤمنين .. أن يستشعر العبد اطلاع الله عليه بحيث يجعله ذلك يستحيي من ربه ، فإن العبد متى علم أن الربّ جل وعلا ينظر إليه ويطّلع على جميع شأنه أورثه ذلك الحيـــــاء من الله .

إن شدّة محبة العبد لربه تجعله يستحيي من الله .. إذ إن نفس المؤمن لا تُطاوعه على إلقاء جلباب الحيـــــاء عند محبوبه جلّ وعلا .

ومن الأمور الدافــــعـة إلى التخلق بخلق الحيــــــــاء .. كثرة المنافع والفوائد التي يجلبها الحيـــاء ، ففي الصحيحين من حديث عمران ابن حصين رضي الله عنهما يقول النبي صلى الله عليه وسلم :{الحيـــاء لا يأتي إلا بخير } وفي السنن { ما كان الحيـــــاء في شيء قط إلا زانه } .

الحيــــــاء يجعل النفس تتحمل أعباء الطاعات ..

الحيـــــاء يُبعد العبد عن معاصي الله ..

الحيـــــــاء يكفّ النفس عن كل ما يشين ويقدح ..

الحيـــــــاء يُلبس العبد ثوب الوقار وثياب المروءة ..

قد يقترن بالكبيرة من الحيــــــــاء من الله والخوف منه سبحانه والاستعظام لذلك الذنب ما يُلحق تلك الكبيرة بالصغائر ، وقد يقترن بالصغيرة من قلّة الحيــــاء ما يلحقها بالكبائر ، بل قد يجعلها في أشنع رُتَبِهَا اعتبارا ًبما في القلب ، جاء في الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ استحيوا من الله حق الحيــــــاء ..فقالوا : يا رسول الله إنّا نستحيي والحمد لله . قال : ليس ذاك ، ولكن الاستحياء من الله حق الحيــــاء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوا ولتذكر الموت والبِلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحيـــــاء } ، وروى احمد في الزهد أن رجلا ًقال للنبي صلى الله عليه وسلم : { أوصني . قال : أوصيك أن تستحيا من الله كما تستحيي رجلا ًمن صالح قومك } ، قال عبيد ابن عُمير : [ آثر الحيـــــــــاء من الله على الحياء من الناس ] ..

الذنوب تُضعف الحيـــــــــــاء من العبد ، حتى ربما انسلخ من الحيـــــــاء بالكليّة ، حتى ربما لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ، ولا باطلاعهم عليه ، إن بين الذنوب وبين قلّة الحيـــاء وعدم الغيرة تلازما ًعجيبا ًمن الطرفين وكلٌ منهما يستدعي الآخر ويطلبه ..من استحيى من الله عند معصيته ، استحيى الله من عقوبته يوم يلقاه .

إن من الحيــــــــــاء نصيحة الخلق ..والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن حياءك من الله أعظم من خوفك من خلقه ، ترك ذلك عجز وخَوَر ليس من الحيـــاء المشروع في شيء .

ومن الحيـــاء أن تستحيّ أن تطلب غير مولاك ، وأن تعرض حوائجك على أحد سواه ، قال عمر رضي الله عنه :[ من قلّ حياءه قلّ ورعه ، ومن قلّ ورعه مات قلبه ] ، وقالت عائشة رضي الله عنها :[ خلال المكارم عشر تكون في الرجل ولا تكون في ولده ، وتكون في العبد ولا تكون في سيّده يجعلها إليه حيث يشاء :

أولها : صـدق الحديث ، وثانيها : صدق البأس ، وثالثها : المكافأة بالصنائع ، ورابعها : حفظ الأمانة ، وخامسها : صلة الرحم ، وسادسها : تذمم للجار ، وسابعها : التذمم للصاحب ، وثامنها : إعطاء السائل ، وتاسعها : إقراء الضيف، وعاشرهن قالت : ورأسهنَّ الحيـــــــــــاء] ، وقال أبو أيوب الأنصاري : [ أربع من سنن المرسلين.. التعطر والنكاح والسواك والحيـــاء] ..

أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإيّاكم لخيري الدنيا والآخرة .. وأن يجعلنا وإيّاكم من أهل الحيــــــــــــاء , اللهم أنشر الحيـــــــــــاء في أمة نبيك ..
هذا والله أعلم ....وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....

طالبة الرضوان 27-08-10 01:40 AM

بــســــم الــله الـــرحــمـن الـرحــيـــم


قــــلـــوب الصــــائـــمـــيـــن


محبـــــــــــــــة المؤمنــــــــــــيــــن




الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ..

أما بعــــــــــــد...



فإن من العبادات القلبية التي يؤجر العبد عليها .. محبــــــــــة المؤمنيـــــــــن .. بأن يكون بين العبد وبين غيره من المؤمنين مودّة ، يفرح بلقائهم ، ويستبشر برؤيتهم ، ويُسرُّ بوصول الخير إليهم ، ويتعاون معهم ..

جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم { ذكر أن رجلاً زار أخا له في قرية أخرى ، فأرصد الله على مدرجته (أي طريقه ) ملكا ، فلما أتى عليه قال الملك : أين تريد ؟ قال :أريد أخا ًلي في هذه القرية ، قال : هل لك عليه من نعمة تردّها إليه ؟ قال: لا ..غير أني أحببته في الله تعالى ، قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبّك كما أحببته فيه }.



إن الأخوّة الإيمانية ..تنطلق بين المؤمنين فتجعل بينهم المحبة والألفة ، ومن ثم يوجد بينهم الأخلاق الفاضلة وحسن العشرة وكريم الصحبة ، جاء في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ المؤمن مألفة ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف } .



إن من أسباب انتشار المحبة بين المؤمنين .. أن يفشوا السلام بينهم ، فيسلم المرء على من عرف ومن لم يعرف من المؤمنين ، جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ لا تدخلون الجنة حتى تُؤمنوا ، ولا تُؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟! أفشوا السلام بينكم}.



إن من أسباب وجود المحبة بين المؤمنين .. أن يُهدي بعضهم إلى بعض كما في الحديث { تهادَوا تحابّوا } جاء عند الطبراني مرفوعا { ثلاث يصفّين لك ودّ أخيك : تُسلّم عليه إذا لقيته ، وتُوسّع له في المجلس ، وتدعوه بأحب أسماءه إليه } وفيه عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ إن من عباد الله لأناس ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله .. قالوا : يا رسول الله تُخبرنا من هم ؟ قال : هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها ، فوا لله إن وجوههم لنور ، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس ، أولئك أولياء الله ، ثم قرأ ]ألا إنَّ أولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُون(.



جاء في سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله } روى الإمام مالك في الموطئ بسند جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ قال الله عز وجل : وجبت محبتي للمتحابين فيّا ، والمتجالسين فيّا ، والمتزاورين فيّا ، والمتباذلين فيّا ، فالمتحابون يُحبهم الرحمن متى كان تحابهم لله } .



محبة المؤمنين لبعضهم .. توجد حلاوة الإيمان في القلب ، كما في الصحيح { ثلاث من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ...} الحديث .



إن محبة المؤمنين لبعضهم .. من أسباب كونهم يستظلّون في يوم القيامة ، حيث تدنو الشمس من الرؤوس ،ويلجم العرق بعض العباد كما جاء في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وذكر منهم رجلين تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه} ، وفي صحيح مسلم :{ يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي .. اليوم أظلّهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي } وفي الترمذي بسند جيد :{ قال الله : المتحابون في جلالي لهم منابر من نور ، يغبطهم النبيون والشهداء } .



إن انتشار المحبة الإيمانية والتآلف بين المؤمنين من أكبر نعم الله تعالى على عباده المسلمين ، قال تعالى )واعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعَاً ولا تَفَرَّقُوا واذكُرُوا نِعمَتَ اللهِ عَلَيكُم إذ كُنتُم أعدَاءً فَألّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأصبَحتُم بِنِعمَتِهِإخوَانَا ( وقال سبحانه ) وإن يُريِدُوا أن يخدَعُوك فإنَّ حَسبَكَ الله هُوَ الّذِي أيّدَكَ بِنَصرِهِ وبِالمُؤمِنِين وألّفَ بَينَ قُلُوبِهِم لَو أنفَقتَ مَا فِي الأرضِ جَمِيعَاً ًمَا ألّفتَ بَينَ قُلُوبِهم ولَكنَّ اللهَ ألّفَ بَينَهُم إنّهُ عَزيزٌ حَكِيم ( .



ولنشر الأخوة والمحبة الإيمانية .. جاءت الشريعة بالترغيب في الأخلاق الفاضلة والأقوال الطيبة ، بل رغّبت الشريعة في الإصلاح بين المتخاصمَين كما قال سبحانه ] لا خَيرَ في كَثِيرٍ مِن نَجواهُم إلا مَن أمَرَ بِصَدقَةٍ أومَعروفٍ أو إصلاحٍ بَينَ النّاس ومَن يَفعَل ذَلِكَ ابتِغَاءَ مَرضَاةِ الله فَسَوفَ نُؤتِيهِ أجرَا ًعَظِيمَا( وقال سبحانه ) فاتَّقُوااللهَ وأصلِحُوا ذَاتَ بينِكُم( .

إن نعمة المحبة في الله منّة من الله وهبة منه سبحانه ، كما قال جل وعلا ) واذكُرُوا نِعمَتَ اللهِ عَلَيكُم إذ كُنتُم أعدَاءً فَألّفَبَينَ قُلُوبِكُم فأصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إخوانَا ( قال ابن مسعود :[ كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلمهم هؤلاء الكلمات : اللهم أصلح ذات بيننا وألّف بين قلوبنا ] .



إن المحبة الإيمانية .. تزيد في تماسك المسلمين وتآلفهم ، واجتماعهم وقوتهم ، وتجعل بعضهم يعين بعضهم الآخر على الخير ، وبذلك تسلم قلوبهم وتطمئن نفوسهم ، ويرضى عنهم رب العزّة والجلال .



إن من مقتضى المحبة الإيمانية .. أن يحب العبد المؤمن أن يصل لإخوانه الآخرين الخير ، كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ لا يؤمن أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه } .



إن من أسباب زوال المحبة الإيمانية .. أن يترك المؤمنون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن بني إسرائيل أول ما وقع فيهم النقص أنه كان الرجل يرى أخاه على الذنب فينهاه عنه ، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى أن يكون أكيله وشريبه وخليطه ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض .



جاء في الصحيح من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ، لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام } وما ذاك إلا لأن الشيطان حريص على إيجاد العداوة بين المؤمنين ، وإبعاد الأخوة الإيمانية ، وذلك بما يفعله الشيطان من بذل الأسباب المؤدية للبغضاء بينهم ، قال تعالى ) إنّمَا يُرِيدُ الشَيطَانُ أن يُوقِعَ بَينَكُمُ العَدَاوَةَ و البَغضَاءَ فِي الخَمرِ والميسِرِ ويَصُدّكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِالصَلاةِ فَهَل أنتُم مُنتَهُون( وقال سبحانه )وقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا التي هِيَ أحسَن إنَّ الشَيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُم إنَّالشَيطَانَ كَانَ للإنسَانِ عَدُوّاً مُبِينَا( .



جاء في السنن من حديث الزبير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء وهي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ، والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أنبئكم بما يثبّت ذلك لكم أفشوا السلام بينكم } .

فمن هنا يجب على المؤمنين أن يستشعروا التقرّب لله جل وعلا بإيجاد المحبة بينهم وبين إخوانهم المؤمنين ، فذلك من أعظم العبادات التي يتقرّب بها المؤمنون إلى ربهم جلّ وعلا ...



اللهم اجعل في قلوبنا محبة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها ..
هذا والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....
--

طالبة الرضوان 27-08-10 01:43 AM

بـــسـم اللــه الـرحــمــن الرحــيـــم


قـــلـــوب الصـــــــائــمــــيـــن


التــضــرَّع و الخضــوع




الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ..

أما بعـــــــــد..

فإن من الأعمال الصالحة التي تتقرب القلوب بها إلى الله جل وعلا ، وخصوصًا في هذا الشهر المبارك ، شهر رمضــــــــــان ..التضرع والخضوع بين يدي الله جل وعلا ..



والمراد بالتضرع.. التدلل لله تعالى والخضوع له ، والانكسار بين يديه محبًة وتعظيمًا ، فإن دين الإسلام مبني على هذا المعنى ، إذ إن تعريف الإسلام هو الاستسلام لله وحده ، فأصل الاستسلام يكون في القلب بالخضوع لله وحده ، وبعبادته سبحانه وحده دون من سواه .

ومن هنا ..فإن الناظر في النصوص الشرعية يجد أنها ترغبّ في التضرّع بين يدي الله والإخبات له سبحانه ، فالتضرّع يكون في الدعاء كما قال تعالى ) ادعُوا رَبَّكُم تَضَرُّعًاً وخُفيَة إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدِين (والتضرع يكونعند ذكر الله تعالى كما قال سبحانه) وَاذكُر رَبَّكَ فِي نَفسِكَ تَضَرُّعًا وخِيفة وَدُونَ الجَهرِ مِنَ القَولِ بِالغُدُوِّ والآصَالِ وَلا تَكُ مِنَ الغَافِلِين (،وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى أداء الصلاة أن يكون متضرّعًا خاضعًا ، وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنهما صفة النبي صلى الله عليه وسلم عند ذهابه لصلاة الاستسقاء ، وكان من ذلك أنه يذهب متخشّعًا متخضّعًا متضرّعا ..



إن الله تعالى يرسل المصائب للناس لعلهم يخضعون لربهم جل وعلا ، كما قال سبحانه ) وَلَقَد أرسَلنَا إلىَ أمَمٍ مِنقَبلِكَ فَأخَذنَاهُم بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُون فَلَولاَ إذ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكن قَسَت قُلُوبُهُم(وقال سبحانه) قُل مَن يُنَجِيكُم مِن ظُلُمَاتِ البَرِّ والبَحرِ تدعُونَهُ تَضَرُّعًا وخُفيَة لئِن أنجانَا مِن هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَاكِرِينقُلِ اللهِ يُنَجّيِكُم مِنهَا ومَن كُلِّ كَربٍ ثُمَّ أنتُم تُشرِكُون (وقال سبحانه) وَمَا أرسَلنَا فِي قَريَةٍ مِن نَبِي إلا أخذنَا أهلَهَابِالبَأسَاءِ والضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَضَّرَّعُون (وقال الله جل وعلا مبيناً ًحال أهل الإيمان عند وصول النصوص الشرعيةإليهم) وَليَعلَمَ الّذِينَ أتُوا العِلمَ أنَّهُ الحَقَّ مِن رَبِّك فَيُؤمِنُوا بهِ فَتُخبِتَ لَهُ قُلُوبُهُم وإنَّ اللهَ لَهَادِي الّذينَ آمَنُوا إلىَ صِرَاطٍمُستَقِيم (ويقول سبحانه مُبينًا ثمرات الإخبات إلى الله والخضوع له جل وعلا) إنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواالصّالِحَاتِ وَأخبَتُوا إلَىَ رَبِّهِم أولَئِكَ أصحَابُ الجَنّة هُم فِيهَا خَالِدُون (ويقول جل وعلا) وبَشِّرِ المُخبِتِين (..

قال ابن عباس :[ هم المتواضعون ] وقال غيره : [ المتضرعون ] .



الإخبات إلى الله .. يورث الطمأنينة ، والثقة بالله وحسن الظن به سبحانه ، والإخبات إلى الله يقطع تعلّق القلب بغير الله ..



ومن مظاهر الخضوع لله والإخبات بين يديه .. الركوع والسجود الّلذان يدلّان على غاية الخضوع لله ، الخاشع المتضرع يسأل الله مسألة المسكين الذليل الذي انكسر قلبه ، وذلّت جوارحه ، وخشع صوته حتى إنه لا يكاد تبلغ ذلّتُه ومسكنته وضراعته إلى أن ينكسر لسانه .



ومن أكبر الدواء لما يصيب الإنسان من البلاء .. التضرع لله وحده ، لا سيّما في أوقات الإجابة ..

إن قلوب العابدين تُحصّل في أوقات السحر من الرقة والتضرع وحلاوة العبادة ، ما يجعل العبد يحسّ بمخاطبته لربه ..



إن العبد المؤمن يحركه إلى التضرع والخضوع لله .. مشاهدة قدرة الله .. واستحضار عظمة الله وغناه .. مع معرفة العبد بشدّة حاجته إلى ربه جل وعلا ، وفقره إليه ، واضطراره لمعونته مع ما لدينا من نقص وتقصير..



إن التضرع بين يدي الله.. يجعل القلب حاضرا ًحال مخاطبتنا مع الله جل وعلا ، قال ابن القيم : [ إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب واجتماعه بكلّيّته على المطلوب ، وصادف وقتا ًمن أوقات الإجابة ، وصادف خشوعا ًفي القلب ، وانكسارا ًبين يدي الرب ، وذلّا ًله وتضرعا ًورغبة ، واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ، ورفع يديه إلى الله تعالى وبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم ثنّى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ، ثم دخل على الله وألحّ عليه في المسألة ، وتملّقه ودعاه رغبة ورهبة ، وتوسّل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده ، وقدّم بين يدي دعاءه صدقة ، فإن هذا الدعاء لا يكاد يُردُّ أبدا ولا سيما إن كان الدعاء بالأدعية المأثورة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها متضمنة للاسم الأعظم ] .



في الدعاء من الفائدة .. التضرع بين يدي الله جلّ وعلا ، وذلك منتهى العبادات ، فالدعاء يرد القلب إلى الله بالتضرع والاستكانة ، ولذلك كان أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، لأن الدعاء يرد القلوب إلى الله بالاستكانة والتذلل .



إن ترغيب الشارع في إخفاء بعض العبادات لتكون أعظم في التضرع بين يدي الله ، وأقرب إلى حضور القلب مع الله ، وأبعد عن الرياء والمباهاة ، وأعون على تدبر معنى ما يدعو به الإنسان أو يذكر به ربه ، فيكون ذلك سببا ًمن أسباب علوّ درجته في دنياه وأخراه .

أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من المتضرعين بين يدي الله في كل حين .. كما أسأله جل وعلا أن يصلح قلوبنا ، وأن يجعلها متعلقة بالله جل وعلا ..



هذا والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .....

طالبة الرضوان 27-08-10 01:46 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

قلوب الصائمين

السكينة والطمأنينة


الحمد لله ينزل الطمأنينة في قلوب المؤمنين ..فتسعد قلوبهم بأمر الله وتسكن نفوسهم لقدر الله .. والصلاة والسلام على محمد ابن عبد الله ، الذي تتجلجل الأرض حوله وهو مطمئن ساكن القلب بفضل الله ونعمته عليه ورحمته به..

أما بعد ..

فإن من القربات والأعمال الصالحات والنعم المجزيات ، التي تتصف بها القلوب المؤمنة الصائمة صفة السكينة والطمأنينة ..

والسكينة هي طمأنينة القلب مع اختلاف الأحوال ومشاهدة الأهوال .. فالسكينة ثبات المرء عند نزول المحن المقلقة والأمور الصعبة التي تشوّش القلوب وتزعج العقول وتضعف النفوس ، بحيث يبقى القلب ثابتا ًمستمرًّاً في إقامة أمر الله ، لا يشغله أمر عن ذلك ، بحيث أنه تشغله ملاحظة وعد الله بنصر أولياءه عن شدّة ما هو فيه من ألم وخوف ..

السكينة هي الطمأنينة والوقار.. والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه حال شدّة خوفه ، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه مما يوجب زيادة الإيمان وقوة اليقين والثبات .. إذا نزلت السكينة على القلب اطمئن بها وسكنت إليها الجوارح ، وخشعت واكتسبت الوقار ، وأنطقت اللسان بالصواب والحكمة ، وحالت بينه وبين قول الخنا والفحش ، واللغو والهجر،وكل باطل ..

إذا ترحّلت السكينة زال السرور ، وابتعد الأمن وفارق المرء الراحة ..

السكينة منّة من الله ، ونعمة من رب السماوات والأراضين كما قال سبحانه ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً )الفتح: ٤

وقالالأنفال: (إِذ يُوْحِي رَبُّك إِلَى الْمَلَائِكَة أَنِّي مَعَكُم فَثَبِّتُوا الَّذِيْن ءَامَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوْب الَّذِيْن كَفَرُوَا الْرُّعْب فَاضْرِبُوْا فَوْق الْأَعْنَاق وَاضْرِبُوْا مِنْهُم كُل بَنَان)
ِ


وقال:( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) الفتح 18

وقال تعالى : (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ )الفتح: ٢٦

وقال سبحانه ممتناً على المؤمنين: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ(آل عمران: ١٢٦..

انظر إلى حال أهل الكهف الذين قال الله عنهم: (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ )الكهف: ١٤ أي ثبتنا قلوبهم بالطمأنينة والسكينة حتى يطمئنوا ، فلا ينجزعوا ولا يخافوا من الناس ، وحتى يصدعوا بالحق ، وحتى يصبروا على فراق الأهل والنعيم عند فرارهم بدينهم ، في غار،و جبل لا أنيس فيه ولا ماء به ولا طعام ، ولا يخفى عليك خبر الهجرة حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما وحيدان أعزلان ، لا سلاح معهما ، يدخلان الغار ، وقريش بكمالها وما لديها من عدد وعُدّة يقفون على ذلك الغار ، بقلوب حانقة وسيوف مُسلّه وآذان مرهفة ، فيقول أبوبكر الصدّيق :[ لو نظر أحدهم تحت نعليه لأبصرنا ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غاية الطمأنينة ومنتهى السكينة : ما بالك باثنين الله ثالثهما ]..

وأعجب من ذلك في يوم بدر ..تأتي قوى الشر في خُيلائها وتكبّرها وعُدّتها وعتادها ، وأمامهم جند الله في قلّة من العدد وقلّة من السلاح ، فتنزل الطمأنينة على المؤمنين ويعقبها النصر المبين في تلك المواطن الخطيرة ..

هناك مواطن ورد في الشرع تأكيد الأمر بالسكينة فيها ، ومنها :

1-حال المشي إلى الصلاة.. كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وانتم تسعون ، وأتوها تمشون وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتمّوا }. ومن ذلك أثناء حال أداء الصلاة .. ففي صحيح مسلم من حديث جابر ابن سمُرة مرفوعا :{ أسكنوا في الصلاة} .. 2-ومن ذلك في مشاعر الحج ، قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من عرفة في الحج :{ أيها الناس السكينة.. السكينة ، قال جابر : ففاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة ، وأمرهم بالسكينة }

3-قال الإمام مالك:[ على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية ] .

4-السكينة والطمأنينة نعمة من الله للعبد في أوقات الشدائد التي تطيش لها الأفئدة ، وتكون الطمأنينة على حسب معرفة العبد بربه ..وثقته بوعده الصادق بنصر أولياءه ، وبحسب إيمانه وشجاعته ..

من أسباب تنزّل السكينة :

1-الاجتماع في طلب العلم وإقراء القرءان .. ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة ، وحفّتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده }.

2-ومن أسباب تنزّل السكينة في القلوب قراءة القرءان فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ تلك السكينة تنزّلت للقرءان } .

3- ومن أسباب السكينة الدعاء .. فقد جاء في الأثر أن الصحابة دعو [ فانزلن سكينة علينا ، وثبت الأقدام إن لاقينا] فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد هذه الكلمات في يوم الأحزاب مع الصحابة فنصرهم الله على عدوّهم ، وثبّت قلوبهم .
4-ومن أسباب الطمأنينة ..الإكثار من ذكر الله كما قال: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)


5-ومن أسباب تحصيل الطمأنينة .. ورع الإنسان عن المشتبهات ، ففي الحديث :{ البر ما سكنت إليه النفس واطمئن إليه القلب } وفي الآخر { البر ما اطمئن إليه القلب وسكنت إليه النفس ، والآثم ما حاك في صدرك وتردّد في قلبك وإن أفتاك الناس }.

6-من أسباب تحصيل الطمأنينة.. الصدق كما في الحديث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ الصدق طمأنينة والكذب ريبة }..

7-إن طاعة المرء لربّه ومسارعته في الاستجابة للوعظ من أسباب السكينة والطمأنينة ، فإذا سمعت داعيا ًيدعو إلى الله فاستجب له ، واستمع لكلامه ، وامتثل لتوجيهه ، يثبّتك الله كما قال تعالى:(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً (68 وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً (69)النساء: ٦٦ - ٦٩

ما أعظم أجر المطمئن ، اسمع لقول تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)الفجر: ٢٧ - ٣٠

وفي مقابل هؤلاء يزيل الله عن بعض العباد أمن القلوب ، ويرفع عنهم الطمأنينة ، ويمنع عنهم السكينة ، كما قال (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ )الحشر.2.

اللهم يا حي يا قيّوم ..أنزل السكينة والطمأنينة في قلوبنا .. هذا والله أعلم ..صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....


طالبة الرضوان 27-08-10 01:50 AM


بســـم اللــــه الرحـمــن الــرحـيــــم


قــلــــــــوب الصـــائـمــيــــــن


الخــشــــــــــــوع




الحمد لله عـظيــــم الشأن .. تخشع القلــــوب لعظمـــته ..وتذلّ الجوارح لسطوتــه..والصــلاة والســلام على رســـــــول الله..



أما بـعـــــــد..



فإن من أعظم عبادات قلوب الصائمين وغيرهم .. الخشــــــــوع لله ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : { اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع } ..



الخشــــــوع .. قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن من صفات المؤمنين الخشوع .



الخشــــــوع .. خضوع القلب و طمأنينته وسكونه لله ، وانكساره بين يدي الله ، ذُلّاً وافتقارا ، وإيماناً به وبلقائه .



الخشــــــوع.. معنىً يلتئم من التعظيم والمحبة والذل والانكسار ، أجمع العارفون على أن الخشــوع محلّه القلب ، وثمرته على الجوارح , وهي التي تُظهره .



الخشــــــوع .. اتصاف القلب بالذلّة والاستكانة ، والرّهب بين يدي الرب ، جاء في حديث ابن عمر في تفسير قوله تعالى ) الّذِينَ هُم فِي صَلاتِهِم خَاشِعُونَ ( قال : [كانوا إذا قاموا في الصلاة .. أقبلوا على صلاتهم ، وخفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم ، وعلموا أن الله يُقبِلُ عليهم ، فلا يلتفتون يميناً ولا شمالا ] .

قال الحسن البصري :[ كان خشوعهم في قلوبهم ، فغضّوا لذلك أبصارهم ، وخفضوا لذلك الجناح ] ، وقال قتادة :[ الخشــوع في القلب ..هو الخوف وغض البصر في الصلاة ] .



الخشـــــــوع .. هو السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع ، والحامل عليه الخوف من الله تعالى ومراقبته.



ويتضمّن الخشـــــوع معنيين : أحدهما التواضع والذل ، والثاني السكون والطمأنينة .



ولذلك فإن الخشـــوعيستلزم لين القلب المنافي للقسوة ، فخشوع القلب يتضمّن عبودية الله ، وطمأنينة القلب بالله ، ولهذا كان الخشوع في الصلاة يتضمّن التواضع والسكون .


الخشـــــــوع .. حالة في القلب تنشأ من الخوف والمراقبة ، والتذلل لعظمة المولى ، ويظهر اثر الخشـــوع على الجوارح بالسكون والإقبال على الله تعالى ، وعدم الالتفات إلى غيره مما يورث البكاء والتضرع .



أثنى الله على الخاشعين في صلواتهم ، فقال سبحانه ) إنَّ الّذِينَ أوتُوا العِلمَ من قَبلِهِ إذا يُتلَى عَلَيهِم يَخرُّونَ لِلأذقَانِ سُجَّداً0وَيَقُولُونَ سُبحَانَ رَبِّنَا إن كَانَ وَعدُ رَبِّنَا لَمَفعُولا0 وَيَخِرُّونَ لِلأذقَانِ يَبكُونَ ويَزِيدُهُم خُشُوعَا ( .

قال في السراج الوهاج :[ الخشـــوع في الصلاة لين القلب ، وكفُّ الجوارح ، فيستحضر المصلي أنه واقف بين يدي ملك الملوك يناجيه ، وأنه ربما ردَّ صلاته ولم يقبلها ].



الخشــــــوع .. هو روح الصلاة ، وبه يتفاوت أجرها كما ثبت في الحديث :{ أن الرجل يصلي ..فيكون له من صلاته نصفها ، ثلثها ، ربعها ....} الحديث ، وما ذاك إلا لتفاوت المصلين من جهة الخشوع وحضور القلب ، وقطع النظر عن ما سوى الله جلَّ وعلا .



وإذا كانت الجبال تخشع من خشية الله ، فكيف بابن آدم ؟!! ، قال تعالى]لَو أنزَلنَا هَذَا القُرءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأيتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِن خَشيَةِ اللهِ وَتِلكَ الأمثَالُ نضرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ [ ..



الخشـــــــوع.. من صفات الأنبياء ، كما قال سبحانه] إنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ ويَدعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وكَانُوا لَنَا خَاشِعِين [.

الفلاح والنجاح معلّق على الخشــــــوع في الصلاة .. قال تعالى ) قَد أفلَحَ المُؤمِنُون الّذينَ هُم فِي صَلاتِهِم خَاشِعُون ( ، وقد عدَّ الله الخشوع من صفات اللذين أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيما في قوله ) والخَاشِعِينَ والخَاشِعَاتِ ( .



أنبياء الله وأولياءه يتصفون بصفة الخشــــوع ، قال تعالى ) إنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ وَيَدعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين . (



عاب الله على أولئك اللذين لا يخشعون .. فقال سبحانه] ألَم يَأنِ لِلَذِينَ ءَامَنُوا أن تَخشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكرِ اللهِ ومَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ ولا يَكُونُوا كَالّذِينَ أوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ الأمَدُ فَقَسَت قُلُوبُهُم وَكَثِيرٌ مِنهُم فَاسِقُونَ( .



الخاشعـــــــون تسهل عليهم الطاعات، كما قال سبحانه)واستَعِينُوا بِالصَّبرِ والصَّلاةِ وَإنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلا عَلَى الخَاشِعِينَ( وذلك لأن الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب للعبد أن يفعل الطاعة ، منشرحًا صدره بما يترتب على ذلك من ثواب عظيم .



الخشــــــــوع في الصلاة .. سبب لتكثير الأجر الحاصل بها ، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيُحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفّارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأتي كبيرة وذلك الدهر كله }، وفي السنن { مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم الخاشع الراكع الساجد } .



الخشــــــــوع في الصلاة .. حضور قلب المصلي بين يدي الله ، مستحضرًا لقربه ، فيسكن لذلك قلبه وتسكن حركاته ، ويقل التفاته ، ويستحضر معاني ما يقوله ويفعله في صلاته ، فتنتفي عنه الوساوس ..



التعظيم لأمر الله يكون في الخشــــوع والتواضــع .. وذلك أصل التقوى وأصل الرحمة لعباد الله بالإحسان إليهم ، وهذان هما حقيقة الصلاة والزكاة ، فإن الصلاة متضمنة للخشوع لله ، والعبودية له والتواضع والذل له ، وليس كل من صلّى ببدنه يكون قلبه منوّرًا بذكر الله والخشوع وفهم القرءان ، وإن كان يثاب على صلاته ، ويسقط عنه الفرض في أحكام الدنيا ، وكل من خشع قلبه ..خشعت جوارحه .



فيا أيُّهَا المؤمــــــــــــن .. إذا أردت الخشـــــوع ، فأسأل الله أن يُعطيك إياه ، والتزم بآداب العبادات لتخشع فيها ، فإذا قرأت فالتزم بآداب قراءة القرءان ، وإذا صليت فالتزم بأحكامها وآدابها ، وإذا دعوت فالتزم بآداب الدعاء لتخشع فيه .



ومن أسباب الخشـــــوع .. استحضار العبد أنه بين يدي ربه مع تفكّره في معاني ما يقرأه ، مع اجتنابه ما يشغله ..



إذا أردت أن تعرف هل في قلبك خشـــــــوع لله ؟!! فانظر إلى قلبـــــــــــك عند ذكر الله وسماع آيات القرءان ،هل يوجل قلبك لذكر الله وهل يخاف ، قال الله تعالى )اللهُ نَزَّلَ أحسَنَ الحَدِيثَ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُم وَقُلُوبُهُم إلى ذِكرِ اللهِ ( ، وصــــــــــوم رمضـــــان يُفرِغ القلــب للخشــــــوع لله .. وشهـر رمضـــان موسم للصلاة التي يعظم أجرها ويبقى أثرها بحصول الخشـــــــوع فيها .. وشهـر رمضـان موسم للدعاء الذي يُستجاب للخاشع فيه .



هذا والله أعلم ... وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...



تــــــــــــــــم بحمــــــــــــــد الله

طالبة الرضوان 27-08-10 02:08 AM


الحمد لله
الذي منّ علينا باكتمال سلسلة قلوب الصائمين ،ونسأل الله أن ينفعنا بها ،وأن يجزي عنا شيخنا العلامة : سعد الشثري خير الجزاء وأن يضاعف له الأجر والمثوبة آمين ..
ونسأل الله عز وجل أن يجزي خيراً من قام بتفريغها،وأن يجعله مباركا أينما كان آمين..

أروى آل قشلان 01-06-15 11:58 AM

رائع جدا .. أسأل الله ان يبارك فيكِ ويعلي قدركِ
وأن يبارك في الشيخ الفاضل/ سعد الشثري وينفع بعلمه
حاولت جاهدة أن أحصل على رابط السلسلة صوتيا، فوجدت الروابط منتهية
من يتيسر لها من أخواتي الكريمات الوصول إليها فلترفقه لنا ، كتب الله لها الأجر.

ام عبد الله الاثرية 02-06-15 10:01 PM

مادة طيبة ماشاء الله

بارك الله فيك و جزاك خيرا و بارك الله في شيخنا و نفع يعلمه


الساعة الآن 03:59 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .