عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-07, 04:22 PM   #4
الغريـــبة
~ طوبى للغرباء ~
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضلّ الله له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..
"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون" [آل عمران:102]

ضمن دروس العقيدة, وضمن دروس الأصول فهذا هو الدرس السابع من هذه الدروس, نسأل الله علماً نافعاً وعملاً صالحاً.

وقد انتهى بنا الحديث عند قول المؤلف -رحمة الله تعالى عليه-:
" وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: -أي الإيمان- (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ). "

وقد سبق الكلام على أركان الإيمان, وبقي ما لم نشرحه عند قوله: "وتؤمن بالقدر خيره وشره"
أي من أركان الإيمان أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره, والقدر تعريفه كما قال العلماء: ما سبق به العلم, وجرى به القلم, مما هو كائن إلى الأبد, وأنه -عز وجل- قدّر مقادير الخلائق وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل, وعلم -سبحانه- أنها ستقع في أوقات معلومة عنده -تعالى- وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدرها -سبحانه وتعالى-.
والإيمان بالقدر من أركان الإيمان الستّة, فلا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بالقدر.
والإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور.. أو مراتبه أربعة:
1- الإيمان بأنّ الله علم بكلّ شيء جملة وتفصيلاً, أزلاً وأبداً, أي أنّ الله العالم بكل شيء, والآيات كثيرة:
"والله بكل شيء عليم"
"إنّ الله بكل شيء عليم"
2- الإيمان بأنّ الله كتب ذلك باللوح المحفوظ, والدليل على هذه والمرتبة التي قبلها, قوله -تعالى-:" ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير "
3- الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله, فلا يحدث شيء في الكون إلا بمشيئة الله -تبارك وتعالى- "وربك يخلق ما يشاء ويختار"
4- الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله, فالله -عز وجل- كما قال: "الله خالق كل شيء"

وحقيقة.. الإيمان بالقضاء والقدر له ثمرات ذكرها الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-, منها:
1- الاعتماد على الله -عز وجل- عند فعل الأسباب, بحيث لا يعتمد على السبب نفسه لأن كل شيء بقدر الله.
2- الّا يعجب المرء بنفسه عند حصول مراده, لأن حصوله نعمة من الله بما قدره من أسباب الخير والنجاح, وإعجابه بنفسه ينسيه شكر هذه النعمة.
3- الطمأنينة الراحة النفسية بما يجري عليه من أقدار الله –عز وجل-, فلا يقلق بفوات محبوب, أو حصول مكروه لأن ذلك بقدر الله, هناك حديث حقيقة عظيم ينبعي على المسلم والمسلمة أن يضعه أمام عينيه, حديث مشهور في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على ان يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.. رفعت الأقلام وجفت الصحف" هذه قاعدة.. حديث عظيم لكنها قاعدة, من وضعه أمام عينيه فلن يخاف وسينشرح صدره وسيكون سعيداً فرحاً مطمئناً غاية الاطمئنان.

قال المصنف –رحمه الله-:
" وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذِهِ الأَرْكَانِ السِّتَةِ: قَوْلُهُ -تعالى-: ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)[البقرة: 177].
ودليل القدر: قَوْلُهُ -تعالى-: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )[القمر: 49]. "

أي دليل هذه الأركان الستة -الإيمان بالله أن تؤمن بالله وملائكته....الخ- هذه الآية "ليس البرّ أن تولوا وجوهكم" كما هو معلوم أنه لما حُوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حدثت فتنة, فناس آمنوا وازداد إيمانهم من المؤمنين, وأهل الكتاب تكلموا, وأهل النفاق تكلموا, وارتدّ بعض الناس, وأهل الشرك تكلموا, فأخبر الله -عزّ وجلّ – أنه:
"ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب" يعني سواء بيت المقدس أو الكعبة, ليس البر كله ان تصلوا إلى البيت المقدس عندما حوَّل إلى الكعبة.
"ولكن البرّ من آمن بالله" أن يؤمن.. الإيمان.. العبرة بالإيمان.. أي بتفرد الله -تعالى- بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
"واليوم الآخر" كل ما يتعلق باليوم الآخر كما مر معنا في الدرس الماضي.. بالبعث والحساب والحشر والموت وعذاب القبر ودنو الشمس من الخلائق والجنة والنار إلى غير ذلك.
"والملائكة" أي بوجودهم, وأشرفهم السفرة, وأنهم عالم غيبي, معبودون لله -عز وجل-, لا يعصون الله ما أمرهم.
"والكتاب" أي بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء.
"والنبيين" أي وآمن بأنبياء الله من أولهم إلى آخرهم.

والقدر دليله على أنه من أركان الإيمان ولا يستقيم الإيمان إلا به: قول الله -عز وجل-: "إنا كل شيء خلقناه بقدر" فكل شيء في الكون بقدر الله -عز وجل-, نعم.. ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خير منها" قالت أم سلمة: فقلت هذا الحديث ثم قلت من خير من أبي سلمة رجل هاجر وقتل في سبيل الله؟, فأخلفها الله -سبحانه وتعالى- بمن؟ بالنبي –صلى الله عليه وسلم-.. الله أكبر..

قال المصنف:
" الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: الإِحْسَانُ, أركانه: وله رُكْنٌ وَاحِدٌ. كما فى الحديث: ( أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِن لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ). وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ -تعالى-: ﴿ إِنَّ اللّـهَ مَعَ الّـَذِينَ اتَّقَواْ وَّالّـَذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾[النحل: 128]. وقَوْلُهُ -تعالى-: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[الشعراء: 217 ـ 220]. "

نعم المرتبة الثالثة من مراتب الإيمان هي الإحسان, وقد سبق شرحها وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيها:
"أن تعبد الله كأنك تراه" نعم.. وإن هذه العبادة.. عبادة الإنسان ربه كأنه يراه من أجل العبادات, والإنسان في هذه العبادة يجد في نفسه حثاً على طاعة الله -عز وجل- لأنك تعبد الله كأنك تراه, فيعبده كأنه يراه فيعبده ويقصده وينيب إليه ويتقرب إليه, فهي عبادة جليلة من أعلى العبادات.
"فإن لم تكن تراه فإنه يراك" أي وإن لم تعبده على استحضار الدرجة الأولى, درجة المراقبة فاعلم أنه يراك سميع عليم بصير, مطّلع على جميع خفيّاتك, فهذه درجتان إحداهما اكمل من الأخرى, فإن لم تحصل عبادة الله كأنك تشاهده فاعبده على مرأى من الله وأنه سميع عليم بجميع ما تفعله.

نعم.. ثم ذكر المصنف –رحمه الله- :
" وَالدَّلِيلُ مِنَ السُّنَّةِ: حَدِيثُ جِبْرِيلَ الْمَشْهُورُ: عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـذات يوم إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ فَقَالَ: ( أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إلٰه إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا ). قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ:(أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ). قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ: ( أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ). قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: (مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ). قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا. قَالَ: ( أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ ). قَالَ: فَمَضَى، فَلَبِثْنَا مَلِيَّا، فَقَالَ: ( يَا عُمَرُ أَتَدْرُونَ مَنِ السَّائِلِ؟ ). قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ( هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُم ). "
فهذا الحديث يدل على أمور:
1- أن الإسلام غير الإيمان, وأن الأسلام الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة, ويدل ذلك أيضاً من القرآن , قوله -تعالى-: "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا".
2- أن مراتب الدين هي الثلاثة التي سبقت وهي: الإسلام والإيمان والإحسان, فإن جبريل لما سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- ما الإسلام؟ ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ قال النبي: "فإنه جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم" فسموه تعليم, فهذا يدل على أن مراتب الدين هي هذه الثلاثة.

وقبل أن ننتقل إلى الأصل الثالث.. هنا فائدة جليلة من حديث جبريل أذكرها وإن كانت ليست من الدرس, لكن كما عوّدناكم نذكر لكم بعض الفوائد المهمة.
في حديث جبريل فوائد كثيرة لكن أذكر أهمها:
1- استحباب السؤال في العلم, وقد قال الله –عز وجل-: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" وقد قيل: السؤال نصف العلم.
2- -هذه فائدة مهمة فانتبهوا إليها-.. ينبغي لمن حضر مجلس علم ورأى أن الحاضرين بحاجة إلى معرفة مسألة ما, ولم يسأل عنها أحد أن يسأل هو عنها, وإن كان هو يعلمها لينتفع أهل المجلس بالجواب, فقد كان غرض جبريل من أسئلته هذه أن يتعلم المسلمون, وهذا ما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: " فإنه جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم" فائدة عظيمة ينبغي أن ننتبه إليها, أحياناً الواحد منا يكون في مجلس, ويكون في طالب علم أو عالم وأعرف أن الناس لا يعلمون المسألة هذه, مثلاً مسألة من المسائل.. مثلاً لا يعرفون أن الغناء حرام, أو لا يعلمون مثلاً أن إتيان الكهان حرام, أنا أعرف لكن أسأل العالم سؤال وإن كنت أعلمه لكن من باب أن يتكلم الشيخ حتى يعلم الحاضرين, فهذا ينبغي أن ينتبه لها اللبيب الموفق أن ينتبه وأن ننظر إلى جبريل فإنه سأل النبي فإنما فقط جاء ليعلم الناس, فمن سأل وهو يعلم لكن قصده ان ينتفع الموجودين فإنه قدم لهم خيراً كثيراً, وقدم لهم علماً عظيماً.. فانتبهوا لهذه الفائدة.
3- أن حسن السؤال من أسباب تحصيل العلم,
قيل لابن عباس: بم بلغت العلم؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول.
وقال الزهري: العلم خزانة مفتاحها المسألة.
وسئل الأصمعي: بم نلت ما نلت؟ قال: بكثرة سؤالي وتلقفي الحكمة الشرود.


** الأَصْــــــــلُ الثَّالِــــــــــثُ **

قال المصنف -رحمه الله-:
" الأصل الثالث: وهو معرفة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-, وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، وَهَاشِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ، "

هذا هو الأصل الثالث الذي ينبغي على المسلم أن يعرفه, وهذا الأصل من الأصول التي يجب على الإنسان معرفتها, وهو النبي, لأنه –عليه الصلا ة والسلام- هو الواسطة بين الله وبين عباده, وعن طريقه يعرف الناس دينهم, وعن طريقه يعرف الناس أمور دينهم, فهو القدوة وهو الأسوة وهو المرسل من قبل الله -عز وجل- لنشر الحق, فلذلك ما دام الحق عن طريقه –عليه الصلاة والسلام- فلا بد أن نعرف هذا النبي.. معرفة مقتضاها التطبيق والعمل.
أما نسبه فكما قال ابن القيم: ( هو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق, فلنسبه من الشرف اعلى ذروة, وأعداؤه كانوا يشهدون بذلك, ولهذا شهد به عدوه آنذاك أبو سفيان بين يدي ملك الروم),
فهو -عليه الصلاة والسلام- محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم, وهاشم من قريش , وقريش من العرب, والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام, وهذا لا خلاف فيه, وقوله محمد هذا هو الاسم الأشهر وإلا فللنبي -صلى الله عليه وسلم- أسماء:
"أنا محمد, أنا أحمد, وأنا الحاشر, وأنا المقطّع, وأنا العاقب"
وأيضاً قوله محمد.. هذا ذكر في القرآن أربع مرات:
1- قال -تعالى- في سورة آل عمران:" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم"
2- وفي سورة الأحزاب قوله -تعالى-: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"
3- وأيضاً في سورة محمد قوله -تعالى-:" والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم"
4- وأيضاً في سورة الفتح: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم"

قال المصنف -رحمه الله-:
" وَلَهُ مِنَ العُمُرِ ثَلاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً"
نعم.. جاء في الحديث عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مات وله من العمر ثلاث وستون.

"مِنْهَا أَرْبَعُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَثَلاثٌ وَعِشْرُون َ نبياً رسولاً "
نعم.. أربعون قبل النبوة فقد جاء بالحديث عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنزل عليه وهو ابن اربعون سنة, فإذا كان عمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما مات ثلاث وستون سنة, وثبت في حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنزل عليه وهو ابن أربعون, فهذا يدل على أن مدة النبوة ثلاث وعشرون.

"نُبِّئَ بـ﴿اقْرَأ﴾"
أي كان نبياَ بماذا؟ بـ"اقرأ", بأوائل سورة العلق حين نزل عليه قوله -تعالى-: "اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الانسان من علق, اقرأ وربك الأكرم, الذي علم بالقلم" والحديث معروف حين جاءه الملك وهو في غار حراء وكان يحب الخلوة.

"وأرسل بالمدثر"
أي صار رسولاً حين أنزل عليه "يا أيها المدثر, قم فأنذر, وربك فكبر, وثيابك فطهر, والرجز فاهجر" فقام –عليه الصلاة والسلام- وأنذر وقام بأمر الله.
وفي قول المصنف:(نبئ باقرأ وأرسل بالمدثر) دليل على أن هناك فرق بين النبي والرسول, وهذا هو الحق لأنه المشهور عند الناس أن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه, والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه وهذا خطأ, الصحيح أن الرسول هو من أرسله الله أو أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه لقوم كفار, والنبي هو الذي أوحي إليه بشرع أو بشرع رسول قبله وأرسل إلى قوم مؤمنين أمر بتبليغه ولم يأت بشرع جديد, إذن ما الفرق بين الرسول والنبي: أن الرسول أتى بشرع جديد, بينما النبي جاء بشرع من قبله, وأما قضية أن النبي أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ لا, أرسل إليه وأوحي إليه.. إذن يبلغ , وقد جاء "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي " وفي الحديث قال -صلى الله عليه وسلم-:" يأتي النبي وليس معه أحد, وياتي النبي ومعه الرجل والرجلان"

قال المصنف -رحمه الله-:
" وبلده مكة"
أي الذي ترعرع فيها ونشأ بها, مكة المكرمة وهي أحب البقاع الى الله -تبارك وتعالى-, فقد جاء بالحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما تركها وهاجر منها قال:" والله لإنك لأحب البلاد إلي ولولا إني أخرجت منك ما خرجت " حتى قال ابن القيم:( ولا خلاف أنه ولد في جوف مكة.)

"وهاجر إلى المدينة"
وهذا أمر معلوم, فإنه لما قررت قريش قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزل جبريل وأخبره بذلك.. وأخبره بمؤامرة قريش, أذن الله له بالخروج, فخرج من مكة يوم الاثنين في شهر ربيع الأول وله آنذاك ثلاث وخمسون سنة ومعه أبو بكر الصديق –رضي الله عنه- وهي منقبة عظيمة "لا تحزن إن الله معنا" رفيق النبي -صلى الله علي وسلم-, فلعن الله من يلعن الصديق, ولعن الله من يلعن الصديقة بنت الصديق, وغضب الله على من يلعن الصديق, وغضب الله على من يلعن الصديقة بنت الصديق.

قال المصنف:
" بَعَثَهُ اللهُ بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ، وَبالَدْعُوة إِلَى التَّوْحِيدِ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾[المدثر: 1ـ7]. وَمَعْنَى: ﴿ قُمْ فَأَنذِرْ ﴾: يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ. ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾: أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ. ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾: أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ. ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾: الرُّجْزَ: الأَصْنَامُ، وَهَجْرُهَا: تَرْكُهَا، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلُهَا"
ذكر المؤلف -رحمه الله- جملة مما يعرف به النبي, وأعظمها وأعلاها معرفة ما بعث به النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه بعث بالنذارة من الشرك والدعوة إلى التوحيد, وهذه دعوة جميع الأنبياء "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" نعم.. والدليل على ذلك أنه أرسل وأمر أن يبلغ "يا أيها المدثر" هذي أول آية ارسل بها, وأول أمر طرق عليه في حال إرساله, نعم.. وذلك ان النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء بحراء حين أنزل عليه "اقرأ" رعب منه, فأتى أهله فقال: "دثروني دثروني"
فأنزل الله "يا أيها المدثر" يعني يا أيها المدثر بثيابه المستغشي بها من الرعب.
"قم فأنذر" أي قم من اندثارك فأنذرهم وحذرهم من عذاب ربك إن لم يؤمنوا, وبهذا حصل الإرسال, كما حصل بأول النبوة. والإنذار ما هو؟ هو الاعلان المقرون بالتخويف.
"وربك فكبر" اي عظّم ربك عما يقول عبدة الأوثان.
"وثيابك فطهر" أي نفسك طهرها من الذنوب, كنّ النفس بالثوب لأنها تشتمل عليه, وهذا قول المحققين من أهل التفسير, وإلا هناك قول آخر معنى "وثيابك فطهر" يعني الثياب العادية, يعني طهرها من النجاسة.
"والرجز فاهجر" أي اترك الأوثان ولا تقربها.
"ولا تمنن تستكثر" أي لا تمنن بعملك على ربك تستكثره, وهذا اختيار ابن جرير الطبري -رحمه الله-, لأن العلماء اختلفوا في معنى "ولا تمنن تستكثر" فقيل: لا تمنن بعملك على ربك فتستكثره.. الإنسان لا يمن بعمله, وقيل: لا تضعف أن تستكثر من الخير, وقيل: لا تعطي العطية تلتمس أكثر منها.. ورجحه ابن كثير.
"ولربك فاصبر" أي اصبر على طاعة الله وأوامره, أو على ما أوذيت به كأنه ما جاء نبي بمثل ما جاء به -عليه الصلاة والسلام- إلا ويُعذّب ويُتكلم عليه, وإلا يصاب من الابتلاءات ما هو معلوم.

"أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد"
أي أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيان التوحيد والدعوة إليه, وبيان الشرك والإنذار منه عشر سنين, قبل فرض الصلاة التي هي عماد الدين, نعم.. إذن فحقيقة بعثة الأنبياء كلهم رسلاً مبشرين ومنذرين يدعون إلى التوحيد والتحذير من الشرك "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" "وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون"

"وبعد العشر عرج به إلى السماء"
وهنا مباحث في قضية الاسراء والمعراج نرجو الانتباه لها:
1- الإسراء: لغة: السير بالشخص ليلاً, وشرعاً: سير جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى بيت المقدس.
والمعراج: لغة: الآلة التي تعرج بها وهي المصعد, وشرعاً: السلم الذي عرج به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الأرض إلى السماء.
2- الاسراء والمعراج ثابت في القرآن والسنة كما قالى -تعالى-:" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا " فوصفه في هذا المقام العظيم, وفي هذه الليلة العظيمة بحق النبي -صلى الله عليه وسلم-.. وصفه بماذا؟؟ بالعبودية, والأحاديث كثيرة جداً في الإسراء كما هو معلوم.
3- ملخص ما حدث في الإسراء, أوتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بالبراق وهي دابة حتى جاء بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء, فوجد في السماء الأولى آدم, وفي السماء الثانية عيسى ويحيى, وفي السماء الثالثة يوسف, وفي الرابعة إدريس, وفي الخامسة هارون, وفي السادسة موسى, وفي السابعة إبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور, وفرضت عليه الصلوات الخمس ثم رجع من ليلته. والاسراء والمعراج بالاتفاق كانت من مكة, وكان ذلك قبل الهجرة بالاتفاق, لكن ما يعرف متى, لكن بعض العلماء كالمؤلف يرى أنه قبل الهجرة بثلاث سنوات وبعضهم قبل الهجرة بسنة وبعضهم بسنتين.. والله أعلم.
4- والجماهير من أهل السنة والجماعة على أن الاسراء والمعراج كان بروحه وجسده يقظة مرة واحدة لا مناماً, نعم.. كان بروحه وجسده والدليل قوله -تعالى-:" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا" والعبد عبارة عن ماذا؟ عن مجموع الجسد والروح كما أن الانسان اسم لمجموع الجسد والروح فقوله "بعبده" دليل على أن الاسراء كان بروحه وجسد.
5- عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ليلته وفرضت عليه الصلوات الخمس, نعم.. فرض الله على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى أمته الصلوات الخمس في هذه الليلة.. ليلة الاسراء والمعراج, فإنه معلوم كما جاء في الحديث: " فرض الله علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة, قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك" الحديث معروف فما زال يراجع بين الله وبين موسى حتى "قال الله: يا محمد, إن هن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة" نعم فقال إنهن خمس صلوات , لكن الانسان يأخذ أجر خمسين صلاة.

وهنا فائدة اذكرها كما عودناكم اذكر لكم بعض الأمور التي رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الاسراء والمعراج.. فنرجو الكتابة والحرص على المراجعة..
مما رآه ليلة الاسراء والمعراج:
1- قال -صلى الله عليه وسلم-: " لقيت إبراهيم ليلة أُسريَ بي فقال: يا محمد, أقرئ أمتك مني السلام, وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة, عذبة الماء, وأنها قيعان, وأن غراسها: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر"
2- قال -صلى الله عليه وسلم-:" مررت ليلة أُسريَ بي على موسى فرأيته قائماً يصلي في قبره"
3- قال -صلى الله عليه وسلم-:" مررت بقوم لهم أظفار من نحاس, يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: اولئك الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم" عند أبي داود هذا الحديث.
4- قال -صلى الله عليه وسلم-:" رأيت ليلة أُسريَ بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت : يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء خطباء من أمتك, يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسكم وهم يتلون الكتاب" والحديث رواه احمد.
5- قال -صلى الله عليه وسلم-:" ليلة اسري بي مررت على جبريل في الملأ الأعلى كالحلس البالي من خشية الله" الله أكبر.. كالحلس البالي من خشية الله.

><>< يـ ـ ـتـ ـ ـبـ ـ ـع ><><




توقيع الغريـــبة
رباااه..
هل غير الدموع نستطيع أن نقدم لأمتنا؟!
سئمنا التفرج على مآسي أمتنا في صمت, ولكأننا في عرض مسرحي مؤثر.. نتابعه بشغف.. ثم نذرف دمعتين تأثراً.. وبعدها نصفق..
ثم تخرج من المسرح إلى حياتنا العادية..
وقد نسينا القضية.. ونسينا إخواننا وأخواتنا.. ونسينا كل شيء..!!!

التعديل الأخير تم بواسطة الغريـــبة ; 09-02-07 الساعة 04:28 PM
الغريـــبة غير متواجد حالياً