الدرس الثاني ..
1- نزول القرآن
تعريف النزول فقد ذكر الدكتور زاهر الألمعي في كتابه دراسات في علم القرآن معاني لكلمة النزول فيقول يُطلق النزول في اللغة على معنيين الأول : الانحدار من علو إلى أسفل كما يقال نزل فلان من فوق الجبل ونزل من فوق الدابة وهذا المعنى الأصل في مادة نزل فهي كلمة صحيحة تدل على هبوط شيء ووقوعه .
والثاني : الحلول بالمكان . فيقال نزل فلان بمدينة كذا .
كما قال تعالى : ((وقل ربي أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين )) والمعنيين حقيقان لمعنى النزول لذلك ذكرهما الزمخشري في أساس البلاغة .
ذكر الشيخ بداية النزول القرآن قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر:1) (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ(3)فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4) (الدخان:3-4) . (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)(البقرة: الآية 185) .
فكيف الجمع بين هذه الآيات ؟
قال في الأولى ليلة القدر ، وفي الثانية ليلة مباركة وفي الثالثة شهر رمضان
ذكر العلماء أن ليلة القدر هي الليلة المباركة التي في شهر رمضان .
الجمع واضح في هذه الآيات الثلاث ،
لكن هنا قال (( أنزلناه )) كلمة أنزلناه
فهل نزل القرآن جُملة أو مُفرق ؟
للعلماء في هذا مذهبان أساسيان ومذهب ثالث لكنه ضعيف ..
المذهب الأول الذي قال به ابن عباس رضي الله عنه وجماعة جمهور العلماء أم المراد بنزول القرآن في تلك الآيات الثلاث نزوله جُملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا تعظيما لشأنه عند ملائكته ثم نزل بعد ذلك مُنجما أي ( مفرقا ُ ) ، على رسولنا صلى الله عليه وسلم في 23 سنة حسب الوقائع والأحداث منذ بعثته حتى وفاته صلى الله عليه وسلم حيث أقام في مكة بعد البعثة 13 سنة والمدينة بعد الهجرة 10 سنوات ..
[وهذا المذهب هو الذي جاءت به الأخبار الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنه في عدت روايات]
المذهب الثاني هو الذي روي عن الشعبي " أن المراد بنزول القرآن في الآيات الثلاث ابتداءا نزوله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقد ابتدأ نزوله في ليلة القدر في شهر رمضان وهي الليلة المباركة ثم تتابع نزوله بعد ذلك متدرجا مع الوقائع والأحداث في قرابة 23 سنة فليس للقرآن سوى نزول واحد وهو نزوله مُنجم أي مفرق على رسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا الذي جاء به القرآن واستدل بأدلة
[بأدلته مع صحته والتسليم بها ولا تعارض مع المذهب ]..
وهناك مذهب ثالث يرى أن القرآن أنزل في 23 ليلة قدر في كل ليلة منها ما يقدر الله به في كل سنة ولا دليل عليه
والراجح أن القرآن الكريم له تنزلان
الأول : له نزوله جملة واحدة في ليلة القدر إلى بيت العزة إلى السماء الدنيا ..
والثاني : نزوله من السماء الدنيا إلى الأرض مفرقا في 23 سنة ..
:: كم كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه القرآن ؟ ::
وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم أول ما نزل عليه أربعين سنة على المشهور عند أهل العلم ، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعطاء وسعيد بن المسيِّب وغيرهم . وهذه السِّن هي التي يكون بها بلوغ الرشد وكمال العقل وتمام الإدراك . كما قال سبحانه وتعالى : (( حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ،))[الأحقاف:15] وذكر أن بلوغ الأشد هو تمام الأربعين ..
:: من الذي كان ينزل بالقرآن ؟ ::
والذي نزل بالقرآن من عند الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، جبريل أحد الملائكة المقربين الكرام ، قال الله تعالى عن القرآن: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ(193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ(194)بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195) (الشعراء:192- 195) .
:: ما هي صفات الملك الذي أكرمه الله تعالى بإنزال هذا القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم ::
وقد كان لجبريل عليه السلام من الصفات الحميدة العظيمة ، من الكرم والقوة والقرب من الله تعالى والمكانة والاحترام بين الملائكة والأمانة والحسن والطهارة ؛ ما جعله أهلاً لأن يكون رسول الله تعالى بوحيه إلى رسله قال الله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ "(19)ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِين(21ٍ) ،مُطاع : بمعنى محترم . ومكين : بمعنى ذو مكانة .
(التكوير:19- 21) . وقال : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5) )، الذي هو جبريل ، (( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى(6) ) ذو مرة أي حسن الهيئة . (( وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى(7) (لنجم:5-7) .
وقال : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:102) وقد بين الله تعالى لنا أوصاف جبريل الذي نزل بالقرآن من عنده
:: علام يدل اختيار جبريل ::
وتدل على عظم القرآن وعنايته تعالى
فإنه لا يرسل من كان عظيما إلا بالأمور العظيمة.
2- أول ما نزل من القرآن
أول ما نزل من القرآن على وجه الإطلاق قطعا ً الآيات الخمس الأولي من سورة العلق، وهي قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4) عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5) (العلق:1- 5) .
وهناك قول آخر أن أول ما نزل سورة المدثر لما رواه الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال سألت جابر بن عبد الله : أي القرآن أنزل قبل ؟ قال : (( يا أيها المدثر )) ، قلت (( اقرأ باسم ربك )) . قال أحدثكم ما حدثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جاورت في حراء فلما قضيت جواري هبطت ...) فذكر الحديث وفيه : ( فأتيت خديجة فقلت : دثروني ، وصبوا علي ماء بارداً ، وأنزل علي : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (المدثر:1) إلى قوله :(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر:1-5) ).
فهذه الأولية التي ذكرها جابر رضي الله عنه باعتبار أول ما نزل بعد فترة الوحي ، أو أول ما نزل في شأن الرسالة ؛ لأن ما نزل من سورة اقرأ ثبتت به نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما نزل من سورة المدثر ثبتت به الرسالة في قوله ( قُمْ فَأَنْذِرْ) (المدثر:2)
ولهذا قال أهل العلم : إن النبي صلى الله عليه وسلم نبئ ب(اقْرَأْ) (العلق:1) وأرسل ب الْمُدَّثِّرُ) (المدثر:1)
وآخر ما نزل من القرآن اختلف فيه ولكن آخر ما نزل ((وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) .
وقيل آخر ما نزل كان نزول مخصوص وكان في الربا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ*)
وقيل آية الدين ، وقيل آية الكلالة ، وقيل آخر ما نزل ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ)) وقيل يجمع بين هذه الرويات نزلت كتركيبة واحدة ..وهناك نزول ذكره الشيخ نزول اعتباري أي اعتبار مُعين .
أو تسمى في بعض المباحث اوائل موضوعية ,,
:: 3- نزول القرآن ابتدائي وسببي ::
ينقسم نزول القران إلى قسمين :
الأول : ابتدائي : وهو ما لم يتقدم نزوله سبب يقتضيه ، وهو غالب آيات القران، ومنه قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (التوبة:75)
وأكثر القرآن ينزل على أنه بدون سبب كثير من الآيات تنزل ابتداءا ً ..
ذكر الشيخ قصة ثعلبة ابن حاطب وقد قيل أن هذه القصة باطلة وقد أبان العلماء ببطلان هذه القصة أي متنها شرعا وضعف المحققون ضعف سندها
القسم الثاني : سببي : وهو ما تقدم نزوله سبب يقتضيه . والسبب :
1_ إما أن تكون حادثة .. الحادثة أن تكون خصومة كا حدث بين الأوس والخزوج أو يكون خطأ فاحش ، أو تكون أمنية أو سؤال.
2_ أما أن يكون سؤال عن الماضي مثل سؤالهم عن ذي القرنين وعن أهل الكهف .
3_ أما أن يكون سؤال عن الحاضر سؤال عن الأهلة .
4_ إما أن يكون سؤال عن المستقبل مثل سؤال عن الساعة
وما يُعتمد عليه في سبب النزول ؟
العلماء يعتمدون على صحة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة .
:: ما فوائد معرفة أسباب النزول ::
1_ بيان أن القرآن نزل من الله تعالى وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الشيء فيتوقف عن الجواب أحيانا حتى ينزل عليه الوحي أو يخفي الأمر الواقع فينزل الوحي مبينا ً له .
2_ بيان عناية الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم في الدفاع عنه . قوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان:32) وكذلك آيات الإفك ؛ فإنها دفاع عن فراش النبي صلى الله عليه وسلم وتطهير له عمّا دنسه به الأفاكون .
3_ بيان عناية الله تعالى بعباده في تفريج كرباتهم وإزالة غمومهم . مثال ذلك آية التيمم ، ففي " صحيح البخاري " (9) أنه ضاع عقد لعائشة رضي الله عنها ، وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأقام النبي صلى الله عليه وسلم لطلبه ، وأقام الناس على غير ماء ، فشكوا ذلك إلى أبي بكر ، فذكر الحديث وفيه : فأنزل الله أية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن حضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر . والحديث في البخاري مطولاً .
4_ فهم الآية على الوجه الصحيح . مثال ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)(البقرة: الآية 158) أي يسعى بينهما ، فإن ظاهر قوله : (فَلا جُنَاحَ عَلَيْه)ِ (البقرة: الآية 158 ) أن غاية أمر السعي بينهما ، أن يكون من قسم المباح ، وفي صحيح البخاري " (10) عن عاصم بن سليمان قال : سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الصفا والمروة ، قال : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله تعالى : ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (البقرة: الآية 158) إلى قوله : (أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) (البقرة: الآية 158) وبهذا عرف أن نفي الجناح ليس المراد به بيان أصل حكم السعي ، وإنما المراد نفي تحرجهم بإمساكهم عنه ، حيث كانوا يرون أنهما من أمر الجاهلية ، أما أصل حكم السعي فقد تبين بقوله:(مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(البقرة:الآية 158)
عموم اللفظ وخصوص السبب :
1_ إما أن يكون السبب عام والمنزل عام .
(( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ... ))
2_ إما أن يكون السبب خاص والمنزل خاص .
3_ إما أن يكون السبب خاص والمنزل عام .
وهذا ما وقع عليه خلاف عند العلماء وقد ذكرها الشيخ في الرسالة مثال
وقد ذكرها الشيخ في الرسالة .
والعبرة بعموم اللفظ لا خصوص السبب ..
مثال : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) إلى قوله ( إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(النور: 6- الآية 9) هذه نزلت بسبب قذف هلال بن أمية لإمرأته لكن حكمها شامل له ولغيره .
ففي صحيح البخاري " (11)من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : البينة أو حد في ظهرك ، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرء ظهري من الحد ، فنزل جبريل ، وأنزل عليه : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)(النور: الآية6) فقرأ حتى بلغ (إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(النور: الآية9)
والعبرة والذي يترجح بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
انتهى الدرس الثاني