عرض مشاركة واحدة
قديم 12-08-08, 05:53 PM   #6
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
Icon62 " , الشريط الثالث -- الوجه الأول , "



بسم الله الرحمن الرحيم

المتن :
11" - الإعراض عن مجالس اللغو:
لا تطأ بساط من يغشون في ناديهم المنكر، ويهتكون أستار الأدب، متغابياً عن ذلك، فإن فعلت ذلك، فإن جنايتك على العلم وأهله عظيمة.
شرح الشيخ :
اللغو نوعان : لغو ليس فيه فائدة ولا مضرة , ولغو فيه مضرة .
أما الأول فلا ينبغي للعاقل أن يذهب وقته فيه , لأنه خسارة .
وأما الثاني فإنه يحرم عليه أن يمضي وقته فيه لأنه منكر , والمؤلف حمل اللغو على المعنى الثاني
لا شك أن المجالس التي تجتمع على المحرم لا ينبغي للانسان أن يجلس فيها
لأن الله تعالى يقول :
وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم
فمن جلس مجلس منكر وجب عليه أن ينهى عن هذا المنكر , فإن استقامت الحال فهذا المطلوب , وإن لم تستقم وأصروا على المنكر فالواجب أن سنصرف . خلافا لما يتوهمه البعض بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :
فإن لم يستطع فبقلبه
وأنا كاره لهذا المنكر بقلبي , وهو جالس معهم , فيقال له :
لو كنت كاره لهذا حقا ما جلست معهم لأن الانسان لا يمكن أن يجلس على مكروه إلا إذا كان مكرها , أما ان تجلس باختيارك في شئ تكرهه , فان كراهتك له ليس بصدق .
أما قوله : ، فإن جنايتك على العلم وأهله عظيمة.
أما كونه جناية على نفسه فالأمر ظاهر , يعني أن طالب العلم يجلس مجالس اللهو والمنكر , فإن جنايته على نفسه واضحة . لكن كيف تكون جناية على العلم وأهله ؟
لأن الناس يقولون هؤلاء طلبة العلم , هؤلاء العلماء , هذا نتيجة العلم , وما أشبه ذلك , فيكون قد جنى على نفسه وعلى غيره .
المتن :
12" - الإعراض عن الهيشات:
التصون من اللغط والهيشات، فإن الغلط تحت اللغط ، وهذا ينافي أدب الطلب.
شرح الشيخ :
الهيشات : أي هيشات الأسواق , لأنها تشتمل على اللغط والسب والشتم .
وبعض طلبة العلم يقول أنا أدخل الأسواق من أجل أن أرى ما يفعل الناس وما يكون بينهم , فنقول هناك فرق بين الاختبار والممارسة , يعني لو ذكر أن في السوق الفلاني كذا وكذا , فهنا لا حرج عليك أن تذهب وتختبر بنفسك . لكن لو كان جلوسك في هذا السوق مستمرا , كل عصر تروح للسوق , لكان هذا خطأ بالنسبة لك لأنه إهانة لك ولطلبة العلم عموما وللعلم الشرعي أيضا
المتن :
ومن لطيف ما يستحضر هنا ما ذكره صاحب ”الوسيط في أدباء شنقيط” وعنه في ”معجم المعاجم”:
“أنه وقع نزاع بين قبيلتين، فسعت بينهما قبيلة أخرى في الصلح، فتراضوا بحكم الشرع، وحكموا عالماً، فاستظهر قتل أربعة من قبيلة بأربعة قتلوا من القبيلة الأخرى، فقال الشيخ باب بن أحمد: مثل هذا لا قصاص فيه. فقال القاضي: إن هذا لا يوجد في كتاب. فقال: بل لم يخل منه كتاب. فقال القاضي: هذا ”القاموس” يعنى أنه يدخل في عموم كتاب فتناول صاحب الترجمة ”القاموس” وأول ما وقع نظره عليه: ”والهيشة: الفتنة، وأم حبين[1]، وليس في الهيشات قود”، أي: في القتيل في الفتنة لا يدرى قاتله، فتعجب الناس من مثل هذا الاستحضار في ذلك الموقف الحرج”أ هـ ملخصاً.
شرح الشيخ :
هؤلاء النقباء جرى بينهم فتنة فقتل من إحدى القبيلتين أربعة رجال فحضروا الى القاضي ,
والشيخ اسمه باب بن أحمد فقال : مثل هذا لا قصاص فيه , قال القاضي : إن هذا لا يوجد في كتاب . فأين الدليل على أنه لا قصاص فيه ؟ لا يوجد في أي كتاب أن لا قصاص في ذلك ,
فقال الشيخ : بل لم يخل منه كتاب , فقال القاضي : هذا القاموس ,
لأن الشيخ قال :منه كتاب . وكلمة كتاب عامة تشمل كل الكتب , لذلك قال القاضي : هذا القاموس . والقاضي الآن واثق من نفسه بأن الحكم غير موجود هنا لأنه ليس كتاب فقه وإنما كتاب لغة , فتناول صاحب الترجمة ”القاموس” وأول ما وقع نظره عليه: ”والهيشة: الفتنة، وأم حبين[2]، وليس في الهيشات قود”،
وقصتهم فتنة وليس في الفتنة قود : أي قصاص , فأخذ الحكم من هنا , وكان حكم القاضي بأن يقتل من القبيلة الأخرى أربعة خطأ , فتعجب الناس
طبعا الهيشة : الفتنة , وأم حبين : نوع من الحشرات تشبه الخنفسة ,
المتن :
13" - التحلي بالرفق:
التزم الرفق في القول، مجتنباً الكلمة الجافية، فإن الخطاب اللين يتألف النفوس الناشزة.
وأدلة الكتاب والسنة في هذا متكاثرة.
شرح الشيخ :
هذا من أهم أخلاق طلبة العلم , سواء طالبا أو معلما , كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ان الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله .
وما كان الرفق في شئ إلا زانه , وما نزع من شئ إلا شانه .
لكن لا بد أن يكون الانسان رفيقا من غير ضعف , أما أن يكون رفيقا ممتهن ولا يؤخذ بقوله ولا يهتم به , فهذا خلاف الحزم , فكن رفيقا في مواطن الرفق وعنيفا في مواطن الحزم . ولا أحد ارحم بالخلق من الله عز وجل , ومع هذا يقول :
"" الزاني و الزانية اجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله .""
لكل مقام مقال ,لو أن الانسان عامل ابنه بالرفق في كل شي حتى في مواضع الحزم , ما استطاع أن يربيه , مثلا الابن لو كسر الزجاج وشق الثياب و... ثم جاء الأب ووجده على هذه الحال فقال له : يا ولدي لا يصلح هذا وتكلم معه ... هل هذا يكفي ؟
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر .
لكن إذا دار الأمر بين الرفق والعنف , فما الأفضل ؟ طبعا الرفق , فإن تعين العنف صار هو الحكمة .
قوله : فإن الخطاب اللين يتألف النفوس الناشزة
أقول :الكلام اللين يغلب الحق البين , يعني تليين الكلام للخصم ولو كان الحق معه ,فإنه يتنازل عن حقه . وليس معناه أن الكلام اللين يبطل الحق , يغلب الحق البين يعني فيما جاء به الخصم , لأنك إذا ألنت له الكلام لانَ لك , وهذا مُشاهد , إذا نازعت أحدا فإنه سيشتد عليك ويزيد وإذا ألنت له الكلام فإنه يقرب منك , ولهذا :
قال الله تعالى لموسى وهارون :
فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى
المتن :
14" - التأمل:
التحلي بالتأمل، فإن من تأمل أدرك، وقيل:”تأمل تدرك”.
وعليه، فتأمل عند التكلم: بماذا تتكلم؟ وما هي عائدته؟ وتحرَّز في العبارة والأداء دون تعنت أو تحذلق، وتأمل عند المذاكرة كيف تختار القالب المناسب للمعنى المراد، وتأمل عند سؤال السائل كيف تتفهم السؤال على وجهه حتى لا يحتمل وجهين؟ وهكذا.
شرح الشيخ :
وأيضا تأمل عند الجواب , كيف يكون جوابك : هل هو واضح ؟ ليس فيه لبس أو مبهم .
وهل هو مفصل أو مجمل .. حسب ما تقضيه الحال .
وقوله التأمل : يريد بذلك : التأني , وأن لا تتكلم حتى تعرف ما ذا تتكلم وماذا تكون النتيجة , ولهذا لا تضع قدمك إلا حيث تعرف السلامة , يعني عندما تخطو لا تكمل حتى تعرف أين تضع قدمك .
فالتأمل هذا مهم , لا تتعجل , إلا إذا دعت الحاجة الى ذلك ,
يقول الشاعر الناظم :
قد يدرك المتأني بعض حاجته .. وقد يكون مع المستعجل الزلل .
وربما فات قوم جلُّ أمرهم ..مع التأني وكان الرأي لو عجبوا .
فإذا دار الأمر بين أن أتأنى وأصبر وبين أن أتعجل وأقدم , فالأول أقدم أولا , لأن القولة أو الفعلة إذا خرجت منك لا يمكن ردها لكن إذا لم تقل أو تفعل فأنت حر . فتأمل بماذا تتكلم به , وما هي فائدته
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت .
تحرز في العبارة والأداء وهذا أيضا من أهم ما يكون , يعني لا تطلق العبارة على وجه تؤخذ عليه , بل تحرز ,إما بقيود تضيفها الى الإطلاق وإما بتخصيص تضيفه الى العموم , وإما بشرط وما أشبه ذلك
ولكن نقول دون تعنت أو تحذلق أي دون أن تشق على نفسك , او تدعي انك حاذق ,
يقول وتأمل عند المذاكرة كيف تختار القالب المناسب للمعنى المراد لعله أراد إذا كنت تذاكر غيرك وتناظره في شئ , فخذ القالب المناسب للمعنى المراد , وتأمل عند سؤال السائل كيف تتفهم السؤال على وجهه حتى لا يحتمل وجهين؟ وهكذا. وكذلك أيضا في الجواب وهو اهم لأن السؤال يسهل على المسؤول أن يستفهم من السائل , لكن الجواب إذا وقع مجملا فإنه يبقى عند الناس على تفاسير متعددة , كل انسان يفسر هذا الكلام بما يريد ويناسبه .
المتن :
15" - الثبات والتثبت:
تحل بالثبات والتثبت، لا سيما في الملمات والمهمات، ومنه: الصبر والثبات في التلقي، وطي الساعات في الطلب على الأشياخ، فإن ”من ثبت نبت”.
شرح الشيخ :
اهم ما يكون من الآداب هو التثبت , التثبت فيما ينقل من أخبار , والتثبت فيما يصدر منك من الأحكام , والأخبار إذا نقلت لا بد أن تثبت أولا , ثم إذا صحت فلا تحكم وتثبت الحكم لانه ربما يكون الخبر الذي سمعته مبني على أصل تجهله , فتحكم بأنه خطأ , والواقع غير ذلك . فكيف العلاج في هذه الحال ؟ العلاج هو الاتصال بمن نسب إليه الخبر . وتقول له نقل عنك كذا وكذا , ثم تناقشه . فقد يكون استنكارك ونفور نفسك منه لأول وهلة سمعته فيها لأنك لا تدري ما سبب هذا الموضوع , ويقال إذا عرف السبب بطل العجب .
فلا بد أولا من التثبت ,
الثبات معناه الصبر والمصابرة وألا يمل ويضجر وأن لا يأخذ من كل كتاب نتفة ومن كل فن قطعة ,لان هذا هو الذي يضر الطالب , يقطع عليه الأيام من غير فائدة , فلا يثبت على شئ , تجده مرة في الآجرومية , ومرة في متن القطر , ومرة في الألفية , ومرة في ألفية العراقي , ويتخبط في الفقه .....وهكذا ...
هذا في الغالب أنه لا يحصل العلم , ولو حصل علما فإنما يحصل مسائل لاأصول لها ,
وتفصيل المسائل كالذي يلتقط الجراد واحدة تلو الاخرى , لكن التأصيل والرسوخ والثبات هذا هو المهم . أثبت بالنسبة للكتب التي تقرأ أو تراجع , واثبت أيضا بالنسبة للشيوخ الذين تتلقى عنهم , لا تكن ذواقا كل أسبوع عند شيخ , قرر أولا من الذي ستتلقى عنده العلم , ولا بأس أن تجعل لك شيخا في الفقه وتستمر معه في الفقه , وشيخا آخر في العقيدة وتستمر معه في العقيدة ... وهكذا .. المهم أن تستمر لا ان تتذوق وتكون كالرجل المطلاق كلما تزوج امرأة أيام تركها وذهب الى اخرى هذا يبقى طول عمره لم يتمتع بزوجة ولم يحصل على اولاد في الغالب ,
والتثبت من اهم الامور , التثبت فيما ينقل عن الغيب , لان أحيانا ينقلون ما يشوه سمعة المنقول عنه , قصدا وعمدا , وتارة لا تكون لهم مراد سيئ , لكنهم يفهمون الشئ على خلاف معناه الذي أريد به , ولهذا يجب التثبت , فإذا ثبت بالسند ما نقل فحينئذ يأتي دور المناقشة مع الذي نُقل عنه , قبل ان تحكم على هذا القول , بانه خطأ أو غير خطأ , وذلك لأنه ربما يظهر لك بالمناقشة ان الصواب مع هذا الذي نقل عنه الكلام وإلا من المعلوم أن الانسان لو حكم على شئ بمجرد السماع من اول وهلة لكان منقضي عنه أشياء تنفر منها النفوس , عن بعض العلماء الذين يعتبرون منارات للعلم . لكن عندما يتثبت ويتامل ويتصل بهذا الشيخ مثلا يتبين له الامر
يقول وطي الساعات في الطلب على الأشياخ، فإن ”من ثبت نبت”.
انتهى الفصل الاول
<<<<<يتبع الفصل الثاني
كيفية الطلب والتلقي .

[1] - هي دويبة.

[2] - هي دويبة.



توقيع إيمان مصطفى عمر
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس