الفصل الثاني
كيفية الطلب والتلقي
المتن :
كيفية الطلب ومراتبه:
“من لم يتقن الأصول، حرم الوصول”[1]، و”من رام العلم جملة، ذهب عنه جملة”[2]، وقيل أيضاً:”ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم”[3].
وعليه، فلا بد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه، بضبط أصله ومختصره على شيخ متقن، لا بالتحصيل الذاتي وحده، وخذاً الطلب بالتدرج.
قال الله تعالى:
(وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً).
وقال تعالى:
(وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً).
وقال تعالى:
(الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته).
شرح الشيخ
نعم حلية الطلب , وهذه أيضا مهمة , يبني الانسان طلبه على أصول ولا يتخبط خبط عشواء ,
يقول : من لم يتقن الاصول حرم الوصول , وقيل بعبارة أخرى : منفاته الأصول حرم الوصول , والأصول هي العلم والمسائل كأصل الشجرة وأغصانها , إذا لم تكن الأغصان على أصل جيد فإنها تذبل وتهلك , فلا بد للانسان أن يبني علمه على أصول .
فماهي الأصول ؟ هل هي الأدلة الصحيحة ؟ أو هي القواعد والضوابط ؟ أو هذا وهذا ؟
الثاني هو المراد , تبني على أصول من الكتاب والسنة , وتبني على قواعد وضوابط مأخوذة بالتتبع والاستقراء من الكتاب والسنة ,وهذه من اهم ما يكون لطالب العلم .
مثلا المشقة تجلب التيسير , هذا أصل من الأصول مأخوذ من الكتاب والسنة
يقول تعالى : وما جعلنا عليكم في الدين من حرج
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين :
صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب
وقال : إذا ما أمرتم بأمر فآتوا منه ما استطعتم .
لو جاءتك ألف مسألة بصور متنوعة لأمكنك أن تحكم على هذه المسائل بناء على هذا الأصل , لكن إن لم يكن عندك هذا الأصل وتأتيك مسألتان لأشكل عليك الأمر .
يقول : من رام العلم جملة ذهب عنه جملة , إذا أراد الانسان أن يأخذ العلم جميعا فإنه يفوته العلم جميعا , لابد أن تأخذ العلم شيئا فشيئا , كسلم تصعد عليه من الأرض الى السطح , فليس العلم مأكولا كتبت فيه العلوم تأكله وتقول خلاص هضمت العلم , العلم يحتاج الى مرونة وصبر وثبات وتدرج .
وقيل أيضا ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم , يعني كثرة ما تسمع من العلوم توجب أن تضل في فهمها , فالانسان إذا ملئ سمعه وبصره مما يقرأ ربما تزدحم العلوم عليه ثم تشتبه و يعجز عن التخلص منها
يقول : وعليه، فلا بد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه، بضبط أصله ومختصره على شيخ متقن...
فالشيخ المتقن أعلم منك بقليل , لأن بعض الناس إذا رأى طالبا من الطلبة يتميز عنه بشئ من التميز جعله شيخه وعنده شيوخ أعلى بهذا بكثير ولكن يجعل هذا الصغير شيخه لأنه أفاده بمسألة من المسائل , وهذا غير صحيح , بل اختر المشايخ ذوي الإتقان
وأيضا نضيف الى الاتقان وصف آخر , وهو الأمانة , لأن الاتقان قوة والقوة لا بد لها من أمانة , ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) , ربما يكون عالم عنده قاتقان وسعة علم وعنده قدرة على التقسيم والتفرق وعنده كل شئ لكنه ليس عنده أمانة فيضلك من حيث لا تشعر .
قوله : ، لا بالتحصيل الذاتي وحده، وخذاً الطلب بالتدرج.
: أي لا تأخذ العلم بالتحصيل الذاتي , يعني أن تقرأ الكتب دون أن يكون لك شيخ معتمد , ولهذا قيل : من دليله كتابه خطؤه أكثر من صوابه , أو غلب خطأه صوابه .
وهذا هو الأصل . من اعتمد على التحصيل الذاتي في قراءة الكتب يجد بحرا لا ساحل له , ويجد عمقا لا يستطيع التخلص فيه , أما من أخذ عن شيخ فإنه يستفيد فوائد عظيمة :
الأولى : قصر المدة , والثانية : قلة التكلف , والثالثة : أن ذلك أحرى للصواب .
لان هذا الشيخ تعلم ورجح وفهم فيعطيك الشئ ناضجا وإذا كان عنده أمانة فإنه يمرنك على المطالعة والمراجعة.
أما من اعتمد على جهوده لا بد أن يكرس جهوده ليلا ونهارا , ثم إذا طالع الكتب التي يقارن فيها بين أقوال العلماء,فما الذي يدله على ان هذا أصله , فيبقى متحيرا , ولهذا نرى أن ابن القيم عندما يناقش قولين لأهل العم , فانه إذا ساق أدلة هذا القول وعلله , فتقول خلاص هذا هو القول الصواب , ولا يجوز العدول عنه بأي حال من الأحوال, ثم ينقض ويأتي بالقول المقابل ويذكر أدلته وعلله فتقول هذا هو القول الصواب ,
الأول ما عنده علم لكن لا بد أن تكون قراءتك على شيخ متقن وأمين .
قال : وآخذا الطلب بالتدرج ثم استدل بالآيات :
قال الله تعالى:
(وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً).
وقال تعالى:
(وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً).
قوله" لولا نزل عليه القرآن جملة واجدة "
المعروف كلمة ( نزّل ) لما ينزل شيئا فشيئا , وأن ( أنزل ) لما نزل جملة واحدة , فلم وردت كلمة نزّل وليس أنزل ؟
يقول : قالوا ذلك باعتبار واقع القرآن , أنه منزل شيئا فشيئا , وقوله ( كذلك ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف والتقدير أنزلناه كذلك , وجملة ( نثبت ) تعليل متعلق بالفعل المحذوف ,
وقال تعالى :
" الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به "
ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ,
الذين آتيناهم الكتاب : أي أعطيناهم إياه , وأنزلناه إليهم , يتلونه حق تلاوته ,
والتلاوة هنا تشمل التلاوة اللفظية والتلاوة الحكمية .
التلاوة اللفظية : أن يقرؤوه بألسنتهم , التلاوة الحكمية : أن يصدقوا بأخباره ويلتزموا بأحكامه ,
وقوله : ( حق تلاوته ) من باب إضافة الصفة الى الموصوف ,
[1] -”تذكرة السامع والمتكلم”(ص144).
[2] - “فضل العلم” لأرسلان (ص144).
[3] - “شرح الإحياء”(1/334).
يتبع الوجه الثاني >>>>>