عرض مشاركة واحدة
قديم 24-02-07, 09:09 PM   #3
أم اليمان
~ ما كان لله يبقى ~
افتراضي

فالمصنف يدعو للقارئ أن يكون مباركاً في عمره وعمله وفي وقته وفي علمه وأن يكون نافعاً للعباد حيثما نزل وحيثما حل.و هذا فضل عظيم وكبير وجليل لمن حصل له، لأن من بورك له في وقته شغله بطاعة الله ولم يضيعه، واستغله فيما يعود عليه بالنفع.
ومن بورك له في علمه نفعه الله به ونفع به العباد. ولذلك قال عيسى {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (31) سورة مريم. إن من بورك له في وقته فهو الموفق فنسأل الله عز و جل أن يبارك لنا في أوقاتنا وفي أعمارنا وفي أعمالنا.

والمراد بالبركة هنا البركة السببية وليست ذاتية، لأنه ليس هناك أحد مبارك بركة ذاتية إلا الرسول صلى الله عليه و سلم. فإن الصحابة كانوا يتبركون بأبعاضه كأظفاره أو ثيابه.وإن من أعظم من بورك له في وقته الحبيب صلى الله عليه وسلم
ننظر...
يوم الفتح وقت المعركة وقت حرب معركة كبيرة والرسول عليه الصلاة والسلام قائد أمة ومع ذلك من بركة وقته يصلي الضحى ثمان ركعات. إن هذا لا شك من بركة وقته عليه الصلاة و السلام.
لأن بعض الناس لو يُشغل شغل قليل ترك كثير من العبادات قال "أنا مشغول أنا مرتبط"، وبعض الناس يُوفق له في عمره وفي عمله، فهذا النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه قائد أمة وقائد معركة، ومعروف للجميع أن القائد يكون مشغول جداً جداً ومع ذلك يجد وقتًا ليصلي الضحى ثمان ركعات.

نعم وممن بورك له في وقته وعمره الإمام النووي رحمه الله. فلم يتجاوز عمره الخمس و الأربعين ومع ذلك ألف مؤلفات عظيمة مع قصر حياته. بل كان عنده في اليوم الواحد اثني عشر درساً كما ذُكر ذلك في ترجمته.

فينبغي على الإنسان أو من أراد أن يبارك له في وقته فعليه بالإخلاص فهو أساس الأعمال وأساس القبول وأساس رفعتها عند الله عز و جل والإخلاص هو أعظم العبادات وأجلها.
ثانياً: دعاء الله بذلك (اللهم اجعلني مباركاً)، كان من دعاء بعض السلف لبعض: (أسأل الله أن يجعلك مباركاً).

قال المصنف: وَأَنْ يَجْعَلَكَ مِمَّنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أذَنبَ اسْتَغْفَرَ. فَإِنَّ هَؤُلاءِ الثَّلاثُ عُنْوَانُ السَّعَادَةِ.

أيضاً من دعاء المصنف للقارئ و الطالب أن يجعله ممن إذا أعطي شكر و إذا ابتلي صبر و إذا أذنب استغفر فإن هؤلاء عنوان السعادة.

لماذا هذه الثلاث عنوان السعادة؟
الجواب: لأن الإنسان في هذه الدنيا لا ينفك عن حال من هذه الحالات الثلاث. إما أن يعطى و إما أن يبتلى و إما أن يذنب و يقع في الذنب. فإن قام بوظيفة كل حالة فهو السعيد لأنه حقق عبودية الله عز وجل فيها.
لأن الإنسان إما أن يكون في نعمة، فما هي وظيفة هذه النعمة؟ ما هو واجبه تجاه هذه النعمة؟ شكرها والقيام بشكرها.
وإما أن يقع في ذنب ولا يسلم أحد من الذنوب، فما هو الواجب على من وقع في ذنب؟ الواجب عليه أن يستغفر ربه وأن يتوب وأن يعود إلى الله عز و جل.
وإما أن يكون في محنة وبلية ومصيبة، فما هو موقف المسلم إذا أصيب ببلاء أو مصيبة؟ موقفه الصبر والاحتساب-احتساب الأجر عند الله-.
فلذلك صارت هذه الثلاث من أعظم أسباب السعادة لأنه حقق العبودية لله على كل أحواله و هكذا المؤمن حقاً يسعى في رضى الله و تحقيق عبوديته على أي حالة يمر بها في حياته.
نعم واضح؟ ما السبب في أن هذه الثلاث هي أسباب السعادة؟
طيب نمر عليها سريعاً بشيء من التفصيل.

السبب الأول: إذا أعطي شكر نعم من أسباب السعادة أن يشكر الإنسان ربه على نعمه العظيمة الجليلة.
و الشكر تعريفه له أركان ثلاث من أراد أن يحقق الشكر لازم يحقق هذه الأركان، يكون بالقلب و يكون باللسان و يكون بالجوارح.
بالقلب: ما معنى الشكر بالقلب؟ هو إيمان القلب بأن النعمة من الله تعالى وأن له المنة في ذلك وأنه هو فقط سبب. أما النعمة والمنة من الله تبارك و تعالى هذا شكر القلب.
باللسان: التحدث بنعمة الله اعترافاً لا افتخاراً.
بالجوارح: الشكر بالجوارح القيام بطاعة المنعم. أن يطيع الله عز و جل بهذه الأعضاء. أعطاك اللسان تطيع الله في اللسان، أعطاك الأرجل تطيع الله في الأرجل، أعطاك الأيدي تطيع الله في الأيدي.

ولذلك جاء في الحديث في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه و سلم (كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه) فقالت له عائشة: (لم تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟) قال: (أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً؟)
هذه أركان الشكر فمن حققها فقد حقق الشكر. يقول الشاعر:
أفادتني منكم النعماء ثلاثةً****** يدي ولساني والضمير المحجبا
ذكر ثلاث أركان:
يدي: يعني الجوارح، لساني: القول بالثناء على الله بالنعمة، الضمير المحجبَ: الاعتقاد.
و الله عز وجل يُذكِّر عباده بنعمه عليهم و يدعوهم إلى تذكرها كما قال تعالى {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} (103) سورة آل عمران، و قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} (9) سورة الأحزاب.

والشكر له فضائل وثمرات نمر عليها سريعاً
أولاً: أن الله أمر به قال تعالى: { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (172) سورة البقرة وقال تعالى: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} (66) سورة الزمر.
ثانياً: الثناء على الشاكرين وأن الشكر سبيل رسل الله وأنبيائه كما قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (120-121) سورة النحل، و قال تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} (3) سورة الإسراء.
ثالثاً: أن الشكر نفع للشاكر نفسه قال: { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} (12) سورة لقمان، و قال تعالى: {سَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (144) سورة آل عمران. فالمستفيد أولاً و أخيراً من هو؟ الشاكر فإن الله يثيبه و يزيد نعمه فالمستفيد هو الشاكر. فالله عز و جل ليس بحاجة إلى طاعاتنا، فلا تنفعه طاعة الطائعين و لا تضره معصية العاصين.
رابعاً: أن الشكر مانع من العذاب كما قال تعالى: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ} (147) سورة النساء.
خامساً: أن الشكر سبب لزيادة النعم وبقائها كما قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمٌْ} (7) سورة إبراهيم.
سادساً: وأيضاً الصفوة المختارة وعباد الله الصالحين يسألون الله أن يوزعهم أن يوفقهم لشكر النعم كما قال تعالى عن سليمان: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} (19) سورة النمل.
سابعاً: أن الشاكرين قليل وهذا دليل على أن من شكر فهو من هؤلاء القلة و غالباً القلة هم الأفضل والأعظم قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (13) سورة سبأ.

كيف نحقق الشكر؟
أولاً: سؤال الله ذلك، نعم، بأن يوفقنا لشكره و نتضرع في ذلك، كما قال الله عن سليمان: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} (19) سورة النمل. والنبي صلى الله عليه و سلم معاذ فقال له -كما مر قبل قليل في الدعاء- أن يقول دبر كل صلاة: (اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك)

ثالثاً: أن ينظر إلى من هو دونه في أمور الدنيا، ينظر للفقراء ومن هم أقل منه، فإذا فعل ذلك استعظم ما أعطاه الله. ولذلك قال صلى الله عليه و سلم: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم).
نعم أحسن شيء لمن أراد أن يشكر نعمة الله أن يجالس الفقراء أن يجالس المساكين أن يجالس المرضى أن يجالس من هم أقل منه. إن من يجالس الأغنياء فإنه لن يرى نعمة الله عليه، فيقول (فلان سيارته أحسن من سيارتي، بيته أحسن من بيتي، وظيفته أحسن من وظيفتي، ماله أكثر من مالي) نعم فلذلك من أراد أن يحقق الشكر فلينظر من هو أقل منه.



توقيع أم اليمان
.....
قال نبينا -عليه الصلاة والسلام - : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، يقول الله تبارك وتعالى : تُريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تُبَيِّض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ، وتنجينا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل . رواه مسلم .
.....
أم اليمان غير متواجد حالياً