عرض مشاركة واحدة
قديم 25-08-08, 01:10 PM   #19
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
Icon59 تابع الشريط الرابع .....

المتن :




الأمر السابع عشر :


تلقي العلم عن الأشياخ:


الأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين والتلقي عن الأساتيذ، والمثافنة للأشياخ، والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف وبطون الكتب، والأول من باب أخذ النسيب عن النسيب الناطق، وهو المعلم أما الثاني عن الكتاب، فهو جماد، فأنى له اتصال النسب؟




شرح الشيخ :



هذا أيضا مما يدعو طالب العلم مراعاته , أن يتلقى العلم عن الأشياخ , لأنه يستفيد بذلك فوائد :


1": اختصار الطريق , بدل أن يذهب ويقلب في بطون الكتب وينظر ما هو القول الراجح وما سبب رجحانه وما هو القول الضعيف وما هو سبب ضعفه , بدل من ذلك يمد إليه المعلم هذه لقمة سائغة , يقول له اختلف العلماء على قولين أو أكثر والراجح كذا والدليل كذا ...


وهذا لا شك نافع لطالب العلم .



2": السرعة


إذا كان الانسان يقرأ على عالم , فإنه مدرك بسرعة أكثر مما لو ذهب يقرأ بالكتب ,


لأنه لو ذهب يقرأ بالكتب ربما يقرأ العبارة أربع أو خمس مرات ولا يفهمها أو أنه يفهمها على وجه خطأ .



3" : الرابطة بين طالب العلم ومعلمه , يكون هناك ارتباط بين أهل العلم من الصغر الى الكبر .



وسبق أن قلنا أن الواجب على الانسان أن يختار من العلماء : القوي الأمين , يعني عنده علم وإدراك وليس علمه سطحيا , وعنده أمانة , وكذلك أيضا إذا كان عنده عبادة فإن الطالب يقتدي به .




المتن :



وقد قيل:”من دخل في العلم وحده؛ خرج وحده"[1]؛ أي: من دخل في طلب العلم بلا شيخ؛ خرج منه بلا علم، إذ العلم صنعة، وكل صنعة تحتاج إلى صانع، فلا بد إذاً لتعلمها من معلمها الحاذق.



شرح الشيخ :



هذا صحيح , وقد قيل من كان دليله كتابه فخطؤه أكثر من صوابه , وهذا الغالب بلا شك , لكن قد يندر من الناس من يكرس جهوده تكريسا عظيما , ولا سيما إذا لم يجد من يتلقى العلم عنده , فيعتمد اعتمادا كاملا على الله عز وجل ويدأب ليلا ونهارا , فهو يحصل من العلم ما يحصل وان لم يكن له شأن .




المتن :



وهذا يكاد يكون محل إجماع كلمة من أهل العلم؛ إلا من شذ مثل: علي بن رضوان المصري الطبيب (م سنة 453هـ)، وقد رد عليه علماء عصره ومن بعدهم.


قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمته له[2]:


"ولم يكن له شيخ، بل اشتغل بالأخذ عن الكتب، وصنف كتاباً في تحصيل الصناعة من الكتب، وأنها أوفق من المعلمين، وهذا غلط"1هـ.



وقد بسط الصفدي في ”الوافي” الرد عليه، وعند الزبيدي في ”شرح الإحياء” عن عدد من العلماء معللين له بعدة علل؛ منها ما قاله ابن بطلان في الرد عليه[3]



السادسة: يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم، وهى معدومة عند المعلم، وهى التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ، والغلط بزوغان البصر، وقلة الخبرة بالإعراب، أو فساد الموجود منه، وإصلاح الكتاب، وكتابة ما لا يقرأ، وقراءة ما لا يكتب، ومذهب صاحب الكتاب، وسقم النسخ، ورداءة النقل، وإدماج القارئ مواضع المقاطع، وخلط مبادئ التعليم، وذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة، وألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة، كالنوروس، فهذه كلها معوقة عن العلم،


وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته على المعلم، وإذا كان الأمر على هذه الصورة، فالقراءة على العلماء أجدى وأفضل من قراءة الإنسان لنفسه، وهو ما أردنا بيانه 00 قال الصفدي: ولهذا قال العلماء: لا تأخذ العلم من صحفي ولا من مصحفي، يعنى: لا تقرأ القرآن على من قرأ من المصحف ولا الحديث وغيره على من أخذ ذلك من الصحف 000”ا هـ.



والدليل المادي القائم على بطلان نظرة ابن رضوان: أنك ترى آلاف التراجم والسير على اختلاف الأزمان ومر الأعصار وتنوع المعارف، مشحونة بتسمية الشيوخ والتلاميذ ومستقل من ذلك ومستكثر، وانظر شذرة من المكثرين عن الشيوخ حتى بلغ بعضهم الألوف كما في ”العزاب” من ”الإسفار” لراقمه.


وكان أبو حيان محمد يوسف الأندلسي (م سنة 745 هـ)[4] إذا ذكر عنده ابن مالك، يقول:”أين شيوخه ؟”.


“وقال الوليد[5]:


كان الأوزاعي يقول: كان هذا العلم كريماً يتلقاه الرجال بينهم، فلما دخل في الكتب، دخل فيه غير أهله.


وروى مثلها ابن المبارك عن الأوزاعي.


ولا ريب أن الأخذ من الصحف وبالإجازة يقع فيه خلل، ولا سيما في ذلك العصر، حيث لم يكن بعد نقط ولا شكل، فتتصحف الكلمة بما يحيل المعنى، ولا يقع مثل ذلك في الأخذ من أفواه الرجال، وكذلك التحديث من الحفظ يقع فيه الوهم، بخلاف الرواية من كتاب محرر” اهـ.


ولابن خلدون مبحث نفيس في هذا، كما في ”المقدمة” [6]له.


ولبعضهم:

من لم يشافه عالماً بأصوله فيقينه في المشكلات ظنون


وكان أبو حيان كثيراً ما ينشد:


يظن الغمر أن الكتب تهدى أخاً فهم لإدراك العلـــوم

وما يدرى الجهول بأن فيها غوامض حيرت عقل الفهيم


إذا رمت العلوم بغير شيخ ضللت عن الصراط المستقيم


وتلتبس الأمور عليك حتى تصير أضل من ”توما الحكيم”





شرح الشيخ :



هذه الكلمات هي ما أشرنا إليه من قبل , أن الأخذ عن العلماء والمشايخ أفضل من الأخذ من الكتب , وبين ما نقله هنا في الرد على ابن بطلان , قال :


يوجد في الكتب أشياء تصد عن العلم وهي معلومة عند المعلم , وهى



التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم النقط ,


وكانوا فيما سبق يكتبون بدون نقط ,


فيخطئ الانسان , فربما تجد كلمة مثلا :


اشتريت بزا ً بصاع ٍ من تمر بدون مقايضة .


إذا لم يكن في كلمة بَز نقطة , تصبح بُر ومعلوما أنك إذا اشتريت برا بتمر بدون مقابرة فالبيع غير صحيح , فتختلف الأحكام باختلاف النقط .



كذلك الغلط في زوغان البصر ,


يعني يزيغ البصر فيرى الكلمة على صورة غير حقيقتها , لا سيما إذا كان الكتاب غير جيد .


فمثلا بعض الناس إذا كتب كلمة زين , ربط طرف النون بطرفها الأول فتكون كأنها زيه , فيحصل الخطأ .



كذلك قلة الخبرة في الإعراب


,والإعراب له أثر في تغيير المعنى مثلا :


* وكلم الله موسى تكليما *


قرأها انسان ما يعرف الإعراب , والكلمة لم تشكل , فيقرؤها :


* وكلم اللهُ موسى تكليما ً *




او فساد موجود منه ( الإعراب ) أو إصلاح كتاب ,


كتابة ما لا يقرأ , قراءة ما لا يكتب ,


كل هذا يعتري من يأخذ العلم من الكتاب




كذلك مذهب صاحب الكتاب ,


ربما يكون مذهبه مذهبا معتزلا , أو غيره , وأنت ما تدري



كذلك السقم بالنسخ , ورداءة النقل، وإدماج القارئ مواضع المقاطع ,


كل هذا خلل عظيم , وإدماج القارئ مواضع المقاطع يعني أن تكون الكلمة التي تقف عليها يقرأها مع ما بعدها ويختلف المعنى ,




بداية الوجه الثاني من الشريط الرابع :




طيب ,خلط مبادئ التعليم ,


بحيث لا يميز بعضها عن بعض أي أن الكاتب لا يكون متقنا في تحرير الكتاب فيخلط هذا مع هذا , والمبتدئ لا يعرف .




ذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة ,


مثلا في مصطلح ( معضل, منقطع ) , إذا لم يكن لديه علم أشكل عليه هذا , يقول ألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة , كالنوروس ,


ما هو النوروس ؟؟


لعله يكون اسم علم من العلوم ..


يقول هذه كلها معوقة عن العلم،


وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته على المعلم،، وإذا كان الأمر على هذه الصورة، فالقراءة على العلماء أجدى وأفضل من قراءة الإنسان لنفسه، وهو ما أردنا بيانه




ثم نقل عن بعض العلماء , قال بعضهم :


: لا تأخذ العلم من صحفي ولاعن من مصحفي، يعنى: لا تقرأ القرآن على من قرأ من المصحف ولا الحديث وغيره على من أخذ ذلك من الصحف



وهذا كله فيما إذا كانت الكتب التي يقرأ منها ليس فيها بيان , أما التي فيها بيان كالموجود من المصاحف الآن فهو أفضل





ولبعضهم:

من لم يشافه عالماً بأصوله فيقينه في المشكلات ظنون



يعني إذا وردت أي مشكلة وقال الحكم كذا وكذا يقينا فهو ظن , حتى يكون عن عالم




وكان أبو حيان كثيراً ما ينشد:


يظن الغمر أن الكتب تهدى أخاً فهم لإدراك العلـــوم

وما يدرى الجهول بأن فيها غوامض حيرت عقل الفهيم


إذا رمت العلوم بغير شيخ ضللت عن الصراط المستقيم


وتلتبس الأمور عليك حتى تصير أضل من ”توما الحكيم”



من هو الغمر ؟



الصغير ...


توما الحكيم مشهور بالغباوة لكنه يدعي العلم , وقال على حاله بعض الشعراء :


قال حمار الحكيم توما لو أنصف الدهر كنت أركب


لأنني جاهل بسيط وصاحبي جاهل مركب



كنت أركب : يعني الحمار يركب على صاحبه ,وليس العكس , والبيت الذي بعد تلك الأبيات



وتلتبس الأمور عليك حتى .....تصير أضل من ”توما الحكيم”


تصدق بالبنات على رجال ....يريد بذاك جنات النعيم



يعني أنه يزوج بلا مهر , يعني إذا رأى شاب فقير ليس عنده مهر قال تصدقت عليك بهذه الفتاة , قال كما أنك تتصدق بالمهر الذي ندرك به الزوجة فتصدق عليه بالزوجة بدون مهر ,


وهذا لا يجوز ,



لأنه الله تعالى يقول في القرآن الكريم


* وامرأة مؤمنة أن وهبت نفسها لنبي إن أراد أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين*




ولهذا لو شرط على الزوج أن لا مهر عليه , فللعلماء في هذه المسألة قولان :


-- القول الأول أنه يثبت مهر النساء


-- القول الثاني لا يصح النكاح أصلا , وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية


لأن الله تعالى يقول :


* وأحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين *




ما في صدقة بالنساء , أما لو أردنا أن نعطي الشاب الفقير المهر يتزوج به يكون أفضل .




تم بحمد الله الفصل الثاني من الحلية





[1] -”الجواهر والدرر” للسخاوي (1/58).
[2] -”سير أعلام النبلاء”(18/105). وانظر:”شرح الإحياء”(1/66)، و”بغية الوعاة” (1/131،286)، و”شذرات الذهب (5/11)، و”الغنية” للقاضي عياض (ص16-17).
[3] -”شرح الإحياء”(1 / 66).
[4] - مقدمة التحقيق لكتاب ”الغنية” للقاضى عياض (ص16 – 17).
[5] -”السير”(7 / 114).
[6] - (4 / 1245).



توقيع إيمان مصطفى عمر
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس