المتن :
وللقصص في القرآن حكم كثيرة عظيمة منها :
1- بيان حكمة الله تعالى فيما تضمنته هذه القصص ؛ قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) (القمر:4) (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ) (القمر:5)
2- بيان عدله تعالى بعقوبة المكذبين ؛ لقوله تعالى عن المكذبين : ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّك)(هود: الآية 101)
3- بيان فضله تعالى بمثوبة المؤمنين ؛ لقوله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَر نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر ٍ) (القمر:34-35)
4- تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من المكذبين له ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) (فاطر:25) (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) (فاطر:26) .
5- ترغيب المؤمنين في الإيمان بالثبات عليه والازدياد منه ، إذ علموا نجاة المؤمنين السابقين، وانتصار من أمروا بالجهاد ، لقوله تعالى : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء:88) وقوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم:47)
6- تحذير الكافرين من الاستمرار في كفرهم ، لقوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) (محمد:10) .
7- إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فإن أخبار الأمم السابقة لا يعلمها إلا الله عز وجل ، لقوله تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود:49) وقوله: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ )(إبراهيم: الآية 9) .
شرح الشيخ :
يقول : وللقصص في القرآن حكما كثيرة عظيمة منها ,
اولا : بيان حكمة الله تعالى فيما تضمنته هذه القصص لقوله تعالى :
-( ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر )- [القمر/4]
-( حكمة بالغة فما تغن النذر )- [القمر/5]
جاءهم : يعني قريش
من الانباء : اخبار الامم السابقة
مافيه مزدجر : ازدجار من المعاصي والتكذيب
حكمة بالغة : اي الذي نجاهم حكمة بالغة مؤثرة ,
فما تغن النذر : استفهام ام نفي ؟ الظاهر انه الثاني ,اما الاول يؤيده قوله تعالى :
-( وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب )- [هود/101]
لكن الاستفهام أقوى , يعني اي شئ أغنت النذر , لم تغنهم شيئا
ثانيا : بيان عظمة عدله تبارك وتعالى لعقوبة المكذبين , لقوله تعالى :
-( وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب )- [هود/101]
بيان العدل التام .
الثالث : بيان فضله تعالى لمثوبة المؤمنين , لقوله تعالى :
-( إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر )- [القمر/34]
-( نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر )- [القمر/35]
رابعا : تسلية النبي عليه الصلاة والسلام عما أصابه من الكذبين له , لقول الله تبارك وتعالى:
-( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير )- [فاطر/25]
-( ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير )- [فاطر/26]
لا شك ان هذا تسلية , ومثل ذلك قوله تعالى :
-( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون )- [الذاريات/52]
يعني لا تتعجب يا محمد , كذلك قوله تعالى :
-( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين )- [الأنعام/34]
خامسا : ترغيب المؤمنين بالايمان والثبات عليه , اذا علموا نجاة المؤمنين السابقين وانتصار من أمروا بالجهاد , لقوله تعالى :
-( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين )- [الأنبياء/88]
ولهذا من قال هذه الكلمة :
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين , وهو في غم وهو مؤمن ان الله ينجيه بها , الا نجاه الله , لقوله تعالى :
-( وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )- [الأنبياء/87]
-( فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين )- [الأنبياء/88]
وقال تعالى
-( ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين )- [الروم/47]
اوجب الله على نفسه ان ينصر المؤمنين .
قد يقول قائل : ما الجمع بين هذه الآية وبين اخباره ان من الناس من قتل النبيين بغير حق ؟
نقول : النصر نوعان ,
نصر في الدنيا والآخرة
نصر في الآخرة دون الدنيا
فيكون هؤلاء الانبياء الذين قتلوا في الدنيا يكون نصرهم في الآخرة قطعا , وفي الدنيا ربما يكون نصرهم بنصر أقوالهم , وما دعوا اليه , لان هذا من أعظم النصر , الآثار التي تبقى بعد الانسان هي النصر
ولهذا قال أحد الشعراء :
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ماقاته
سادسا: تحذير الكافرين من الاستمرار في كفرهم, لقوله تعالى :
-( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها )- [محمد/10]
افلم يسيروا : سير اقدام ام سير قلوب ام الاثنان ؟
الاعم هو سير القلوب , لان سير القلوب تصل الى ما تصل اليه الاقدام ولان سير القلوب يكون حتى في الماضي ,
دمر الله عليهم : يعني أفسد عليهم أمرهم ولم ينجحوا
وللكافرين امثالها : يعني الكافرين الموجودين الآن أمثال ما كان للسابقين .
سابعا : اثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ,كيف ذلك ؟
لان اخبار الامم السابقة لا يعلمها الا الله عزوجل , لقوله تعالى :
-( تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين )- [هود/49]
وقوله :
-( ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله )- [إبراهيم/9]
فكون هذا النبي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب يخبر عن امم سابقة خبرا صادقا مطابقا للواقع , دليل على صحة رسالته صلى الله عليه وسلم , وان رسالته ثابتة .
هذه سبع فوائد لقصص في القرآن الكريم .
المتن :
تكرار القصص
من القصص القرآنية ما لا يأتي إلا مرة واحدة ، مثل قصة لقمان ، وأصحاب الكهف ، ومنها ما يأتي متكررا حسب ما تدعو إليه الحاجة ، وتقتضيه المصلحة ، ولا يكون هذا المتكرر على وجه واحد ، بل يختلف في الطول والقصر واللين والشدة وذكر بعض جوانب القصة في موضع دون آخر .
ومن الحكمة في هذا التكرار ؟
1- بيان أهمية تلك القصة لأن تكرارها يدل على العناية بها .
2- توكيد تلك القصة لتثبت في قلوب الناس .
3- مراعاة الزمن وحال المخاطبين بها ، ولهذا تجد الإيجاز والشدة غالبا فيما أتى من القصص في السور المكية والعكس فيما أتى في السور المدنية .
4- بيان بلاغة القرآن في ظهور هذه القصص على هذا الوجه وذاك الوجه على ما تقضيه الحال
5- ظهور صدق القرآن ، وأنه من عند الله تعالى ، حيث تأتي هذه القصص متنوعة بدو تناقص .
شرح الشيخ :
قسم لا يتكرر مثل قصة لقمان واصحاب الكهف
ياجوج ومأجوج : مكرر
منها ما يأتي متكررا , والمتكرر لا يأتي بصيغة واحدة , لا بد ان يختلف
مثلا :
-( قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين )- [الأعراف/60]
-( قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم )- [الشعراء/34]
, القصة الاولى ذكر قول اصحاب فوعون , والثانية ذكر قول فرعون
اذن التكرار بحسب ما تكون اليه الحاجة وتقتضيه المصلحة , فهي تختلف في الطول والقصر واللين والشدة ,
والحكمة من هذا التكرار :
اولا :التكرار يدل على العناية بها , وهذا واضح , اذا اخبرت صاحبك بخبر جيد , ثم جلست في مجلس آخر تعيده لانه قد اهمك
ثانيا : توكيد تلك القصة لتثبت في قلوب الناس , كلما كررت واعيدت زادت ثباتا في قلوب الناس واهتماما بها
ثالثا : مراعاة الزمن وحال امخاطبين بها , ولهذا تجد الاجازة والشدة في القصص في السور المكية والعكس فيما اتى في السور المدنية .
لو كانت القصة فيما نزل بالمدينة تجد اسلوبها مبسوطا لان المقام يقتضي ذلك
رابعا : بيان بلاغةالقرآن في ظهور هذه القصص على هذا الوجه وذاك الوجه على ما تقتضيه الحال . ولهذا ذكرنا لكم فيما مضى ان البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال .
خامسا : ظهور صدق القرآن وانه من عند الله , حيث تأتي هذه القصص متنوعة بدون تناقض , لان الغالب ان الكاتب اذا اعاد الكلام وجدت في كلامه اختلافا وتناقضا , فاذا لم نجد ذلك في أصل القرآن دل على انها من عند الله وانها حق .
يتبع >>>>>>>>>