16-06-09, 06:48 PM
|
#2
|
نفع الله بك الأمة
|
تمهيد فى الأحاديث الضعيفة والمو ضوعة
من المصائب العظمى التى نزلت بالمسلمين منذ العصور الأولى انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بينهم؛ لا استثنى أحدا منهم , ولو كانوا علماءهم ؛ إلا من شاء من أئمة الحديث ونقاده ؛ كالبخارى , وأحمد , وابن معين , وأبى حاتم الرازى , وغيرهم .
وقد أدى انتشارها إلى مفاسد كثيرة ؛ منها ماهو من الأمور الاعتقادية الغيبية , ومنها ماهو من الأمور التشريعية ؛ وسيرى القارىء الكريم الأمثلة الكثيرة لما ندعيه فى كثير من الأحاديث الآتية إن شاء الله تعالى .
وقد اقتضت حكمة العليم الخبير –سبحانه وتعالى- أن لايدع هذه الأحاديث التى اختلقها المغرضون لغايات شتى؛ تسرى بين المسلمين دون أن يقيض لها من يكشف القناع عن حقيقتها ؛ ويبين للناس أمرها ؛أولئك هم أئمة الحديث الشريف , وحاملوا ألوية السنة النبوية الذين دعى لهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بقوله:
{نضرالله امرءا سمع مقالتى؛ فوعاها, وحفظها , وبلغها, فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه} (1)
(1) أخرجه أبو داود ؛ والترمذى وصححه – والسياق له- وابن حبان فى " صحيحه " عن ابن مسعود . وقد ثبت عن جماعة من الصحابة بنحوه ؛ فانظر "التعلق الرغيب " (1/ 63 ) , و" الصحيحة " (404) .
فقد قام هؤلاء الأئمة –جزاهم الله عن المسلمين خيرا- ببيان حال أكثر الأحاديث من صحة ,أو ضعف, أو وضع , وأصلوا أصولا متينة, وقعدوا قواعد رصينة من أتقنها وتضلع بمعرفتها أمكنه أن يعلم درجة أى حديث , ولو لم ينصوا عليه ؛ وذلك هو علم أصول الحديث ؛ أو مصطلح الحديث .
وألف المتأخرون منهم كتبا خاصة للكشف عن الأحاديث , وبيان حالها :
- أشهرها وأوسعها كتاب:" المقاصد الحسنة فى بيان كثير من الأحاديث المنتشرة على الألسنة " للحافظ السخاوى ؛
- ونحوها كتب التخريجات ؛
فإنها تبين حال الأحاديث الواردة فى كتب من ليس من أهل الحديث ؛ ومالا أصل له من تلك الأحاديث , مثل:
- كتاب : " نصب الراية لأحاديث الهداية " للحافظ الزيلعى ,
- و" المغنى عن حمل الأسفار فى الأسفار فى تخريج مافى الأحياء من الأخبار " للحافظ العراقى ,
- و " التلخيص الحبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير " للحافظ ابن حجر العسقلانى ,
- و" تخريج أحاديث الكشاف " له ,
- و" تخريج أحاديث الشفاء" للشيخ السيوطى ,
وكلها مطبوعة .
ومع أن هؤلاء –جزاهم الله خيرا- قد سهلوا السبيل لمن بعدهم من العلماء والطلاب؛ حتى يعرفوا درجة كل حديث بهذه الكتب المذكورة ؛ فإننا نراهم- مع الأسف الشديد-قد انصرفوا عن قراءة الكتب المذكورة ؛ فجهلوا بسبب ذلك حال الأحديث التى حفظوها من مشايخهم , أو يقرؤونها فى بعض الكتب التى لاتتحرى الصحيح الثابت .
ولذلك لانكاد نسمع وعظا لبعض المرشدين , أو محاضرة لأحد الأساتذة , أو خطبة من خطيب , إلا وتجد فيها شيئا من تلك الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
وهذا أمر خطير يخشى عليهم جميعا أن يدخلوا بسببه تحت وعيد قوله –صلى الله عليه وسلم-:{ من كذب على متعمدا (2) فليتبوأ مقعده من النار}.
( حديث صحيح متواتر) فإنهم ؛ وإن لم يتعمدوا الكذب مباشرة , فقد ارتكبوه تبعا , لنقلهم الأحاديث التى يقفون عليها جميعها , وهم يعلمون أن فيها ماهو ضعيف وما هو مكذوب قطعا ؛وقد أشار إلى هذا المعنى قول النبى-صلى الله عليه وسلم-:
{ كفى يالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع }.
(2) لفظة " متعمدا " صحيحة ثابتة فى الحديث ؛
وروى عن الإمام مالك أنه قال :
" اعلم أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع ؛ ولايكون إماما أبدا وهو يحدث بكل ماسمع " . وقال الإمام ابن حبان فى "صحيحه " ؛ (ص27) :
" فصل : ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشىء إلى المصطفى –صلى الله عليه وسلم- وهو غير علم بصحته" . ثم ساق بسنده عن أبى هريرة مرفوعا :" من قال على ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار " .
وسنده حسن ؛ وأصله فى الصحيحين بنحوه .
وعن سمرة بن جندب قال:
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- :
{ من حدث عنى حديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين } .
وهو حديث صحيح ؛ أخرجه مسلم فى " مقدمة صحيحه " (1/7) من حديث سمرة والمغيرة بن شعبة معا وقال : "إنه حديث مشهور " .
ثم قال ابن حبان : "ذكر خبر ثان يدل على صحة ما ذهبنا إليه " .
ثم ساق حديث أبى هريرة الأول .
فتبين مما أوردنا أنه لايجوز نشر الأحاديث وروايتها دون التثبت من صحتها ؛ وإن من فعل ذلك فهو حسبه من الكذب على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-
وقد قال-صلى الله عليه وسلم - :
" إن كذبا على ليس ككذب على أحد ؛ فمن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ". رواه مسلم وغيره.
ولخطورة هذا الأمر رأيت أن أساهم فى تقريب سبيل الاطلاع على الأحاديث التى نسمعها فى هذا العصر , أو نقرأها فى كتاب متداول ؛ مما ليس له أصل يثبت عند المحدثين ؛ أو له أصل موضوع ,
لعل فى ذلك تحذيرا وتذكيرا لمن يتذكر أو يخشى .
ولم أتقيد فى سوقها بترتيب خاص ؛ بل حسبما اتفق .
_ولذلك فإنى أبتدئها بذكر حديثين قرأتهما فى مقال نشر فى العدد (2404 ) من " جريدة العلم " الغراء لأحد المرشدين الفضلاء فى صدد بحث له مفيد فى إسراء النبى -صلى الله عليه وسلم- وعراجه إلى السماء ؛ والله ولى التوفيق .
دمشق , رمضان سنة 1374 ه
محمد ناصر الدين الألبانى
نتابع بإذن الله تعالى
_________________________
|
|
|