عرض مشاركة واحدة
قديم 21-06-09, 01:36 AM   #5
د.سهيرالبرقوقي
نفع الله بك الأمة
c1 الأحاديث الضعيفة : هل يُعمل بها في فضائل الأعمال أم لا ؟ (2)

يتابع الشيخ العلاَّمة/ محمد ناصر الألبانى قائلاً:

واعلم أنه ليس لدى المخالفين لهذا الذى اخترته أى دليل من الكتاب والسنة ؛

وقد انتصر لهم بعض العلماء المتأخرين فى كتابه :

" الأجوبة الفاضلة "
فى فصل عقده لهذه المسألة (36-59 ) ؛

ومع ذلك فإنه لم يستطع أن يذكر لهم , ولا دليلا واحدا يصلح للحجة !! اللهم إلا بعض العبارات ؛ نقلها عن بعضهم؛ لاتنفق فى سوق البحث والنزاع , مع ما فى بعضها من تعارض ؛مثل قوله (ص41) عن ابن الهمام :

" الإستحباب يثبت بالضعيف غير الموضوع " !!

ثم نقل عن جلال الدين الدوانى أنه قال :

"اتفقوا على أن الحديث الضعيف لايثبت به الأحكام الخمسة الشرعية ؛ ومنها الاستحباب "

قلت (الألباني):-
وهذا هو الصواب :
لما تقدم من النهى عن العمل بالظن الذى يفيده الحديث الضعيف ؛ ويؤيده قول شيخ الإسلام ابن تيمية

فى : " القاعدة الجليلة فى التوسل والوسيلة " (1)

" ولايجوز أن يعتمد فى الشريعة على الأحاديث الضعيفة التى ليست صحيحة ولا حسنة ؛ لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء ؛ جوزوا أن يروى فى فضائل الأعمال مالم يعلم أنه ثابت ؛ إذا لم يعلم أنه كذب ,

وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعى , وروى فى فضله حديث لايعلم أنه كذب ؛ جاز أن يكون الثواب حقا , ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشىء واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف ؛ ومن قال هذا فقد خالف الإجماع "

ثم قال[ شيخ الإسلام ابن تيمية ] (1) :

" وما كان أحمد بن حنبل ؛ ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث فى الشريعة ؛ ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذى ليس بالصحيح ولا الحسن فقد غلط عليه ..."

وقال العلامة أحمد شاكر فى

" الباعث الحثيث " (ص101) (2)

{ وأما ماقاله أحمد بن حنبل , وعبد الرحمن بن مهدى , وعبد الله بن المبارك :

" إذا روينا فى الحلال والحرام تشددنا؛وإذا روينا فى الفضائل ونحوها تساهلنا "
فإنما يريدون به – فيما أرجح , والله أعلم - أن التساهل إنما هو فى الأخذ بالحديث الحسن الذى لم يصل إلى درجة الصحة , فإن الاصطلاح فى التفرقة بين الصحيح والحسن , لم يكن فى عصرهم مستقرا واضحا ؛ بل كان أكثر المتقدمين لايصف الحديث إلا بالصحة أو بالضعف فقط . }

قلت (الألباني):-

وعندى وجه آخر فى ذلك :

وهو أن يحمل تساهلهم المذكور على روايتهم إياها مقرونة بأسانيدها –كما هى عادتهم- هذه الأسانيد التى بها يمكن معرفة ضعف أحاديثها؛ فيكون ذكر السند مغنيا عن التصريح بالضعف ,وأما مايرووها بدون أسانيدها , ودون بيان ضعفها , كماهو صنيع جمهورهم , فهم أجل وأتقى لله-عزوجل- من أن يفعلوا ذلك والله تعالى أعلم .

# والمؤاخذة الأخرى :

هى أنه كان عليه أن يبين الشروط التى أشار إليها ؛ مادام أنه فى صدد تقريظ كتاب حوى مئات الأحاديث الضعيفة والموضوعة ؛ ليكون القراء على بينة من الأمر إذا ما اختاروا العمل بقوله المذكور ؛ فإنهم إذا لم يعرفوها عملوا بكل حديث قراؤه ؛ أو سمعوا به , فوقعوا فى مخالفته من حيث لايشعرون !!

ولذلك فإنى أرى لزامًا على بهذه المناسبة , أن أسجل هنا تلك الشروط من مصدر موثوق منه , ليرى مبلغ بعد الناس عن التزامها , الأمر الذى أدى بهم إلى توسيع دائرة التشريع والتكليف بالأحاديث الواهية والموضوعة .

قال الحافظ السخاوى فى

" القول البديع , فى الصلاة على الحبيب الشفيع " (3) .

سمعت شيخنا مرارا يقول : ( يعنى الحافظ ابن الحجر العسقلانى ) –وكتبه لى بخطه-

إن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة :

$ الأول : متفق عليه أن يكون الضعف غير شديد ؛

فيخرج من انفرد من الكذابين , والمتهمين بالكذب, ومن فحش غلطه .

$ الثانى : أن يكون متدرجا تحت أصل عام ؛

فيخرج مايخترع بحيث لايكون له أصل أصلا .

$ الثالث : أن لايعتقد عند العمل به ثبوته ؛

لئلا ينسب إلى النبى-صلى الله عليه وسلم- مالم يقله .

قال : والأخيران (الثاني والثالت) عن ابن عبد السلام , وعن صاحبه ابن دقيق العيد ,والأول نقل العلائى الاتفاق عليه " (4) .

قلت: (الألباني):-

وهذه شروط دقيقة وهامة جدا ؛ لو التزمها العاملون بالأحاديث الضعيفة ؛ لكانت النتيجة أن تضيق دائرة العمل بها ؛ أو تلغى من أصلها ,

وبيانه من ثلاثة وجوه :

$ أولا : يدل الشرط الأول على وجوب معرفة حال الحديث الذى يريد أحدهم أن يعمل به ؛

لكى يتجنب العمل به إذا كان شديد الضعف . وهذه المعرفة مما يصعب الوقوف عليها من جماهير الناس ؛

وفى كل حديث ضعيف يريدون العمل به , لقلة العلماء بالحديث , لاسيما فى العصر الحاضر ؛ وأعنى بهم أهل التحقيق الذين لايحدثون الناس إلا بما ثبت من الحديث عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وينبهونهم على الأحاديث الضعيفة , ويحذرونهم منها , بل إن هؤلاء هم أقل من القليل . فالله المستعان .

من أجل ذلك نجد المُبتَليِن بالعمل بالأحاديث الضعيفة ؛ قد خالفوا هذا الشرط مخالفة صريحة ,فإن أحدهم-ولو كان من أهل العلم بغير الحديث- لايكاد يقف على حديث فى فضائل الأعمال ؛إلا و يبادرإلى العمل به دون أن يعرف سلامته من "الضعف الشديد"

فإذا قيض له من ينبهه إلى ضعفه , ركن فورا إلى هذه القاعدة المزعومة عندهم :

" يعمل بالحديث الضعيف فى فضائل الأعما ل" ؛

فإذا ذُكِّر بهذا الشرط , سكت ولم ينبس ببنت شفة !!

[أي لاينطق بكلمة إذ أن الكلمة الشفة هي التي ولدتها]

ولا أريد أن أذهب بعيدا فى ضرب الأمثلة على ما قلت ؛ فهذا هو
العلامة أبو الحسنات اللكنوى ينقل فى كتابه السابق " الأجوبة" (ص37) عن العلامة الشيخ على القارى أنه قال فى حديث:

" أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة ؛ فهو أفضل من سبعين حجة" " رواه رزين "

" أما ماذكره بعض المحدثين فى إسناد هذا الحديث ؛ (أنه ضعيف ) فعلى تقدير صحته لايضر المقصود ؛

فإن الحديث الضعيف معتبر فى فضائل الأعمال "!! وأقره اللكنوى .

فتأمل أيها القارىء الكريم كيف أخل هذان الفاضلان با لشرط المذكور ؟ فإنهما حتما لم يقفا على إسناد الحديث المزبور ؛ وإلا لبينا حاله , ولم يسلكا فى الجواب عنه طريق الجدل :"فعلى تقدير صحته " أى صحة القول بضعفه !! وأنى لهما ذلك والعلامة المحقق ابن القيم

قد قال عنه فى "زاد الميعاد" (1/7) :

باطل لا أصل له عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ؛ولاعن أحد من الصحابة والتابعين".

ونحو ذلك ما نقله الفاضل المذكور (ص26) عن

"شرح المواهب" للزرقانى :

أخرج الحاكم و... عن على مرفوعا:

"إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده؛ فإن يك حقا كنتم شركاء فى الأجر وإن يك باطلا كان وزره عليه"

فإن هذا الحديث موضوع أيضا ؛ كما حققته فى " سلسلة الأحاديث الضعيفة" ؛رقم(822) .

ومع ذلك فقد سكت عليه الفاضل المشار إليه ؛ وذلك لأنه فى فضائل الأعمال !!

وهو فى الواقع من أعظم الأسباب المشجعة على نشر الأحاديث الضعيفة والموضوعة والعمل بها ؛

فكيف لا وهو يقول :

"فإن يك حقا كنتم شركاء فى الأجر ؛ وإن يك باطلا كان وزره عليه" !!

يعنى ولا وزر على ناقله , وهذا خلاف ما عليه أهل العلم أنه لا يجوز رواية الحديث الموضوع إلا مع بيان وضعه ,

وكذلك الحديث الضعيف عند أهل التحقيق كابن حبان وغيره على مابينته فى مقدمة "سلسلة الأحاديث الضعيفة "؛ وقد قال العلامة أحمد محمد شاكر بعد أن ذكر الشروط الثلاثة المتقدمة.(5)
"والذى أراه أن بيان الضعف فى الحديث الضعيف واجب فى كل حال ؛ لأن ترك البيان يوهم المطلع عليه أنه حديث صحيح ؛ خصوصا إذا كان الناقل له من علماء الحديث الذين يرجع إلى قولهم فى ذلك ؛ وأنه لافرق بين الأحكام , وبين فضائل الأعمال ونحوها , فى عدم الأخذ بالرواية الضعيفة بل لاحجة لأحد إلا بما صح عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- من حديث صحيح أو حسن " .


قلت: (الألباني):-

والخلاصة

أن التزام هذا الشرط يؤدى عمليا إلى ترك العمل بما لم يثبت من الحديث لصعوبة معرفة الضعف الشديد على جماهير الناس فهو فى النتيجة يجعل القول بهذا الشرط يكاد يلتقى مع القول الذى اخترناه .هو المراد .

$ ثانيا :

أنه يلزم من الشرط الثانى :
" أن يكون الحديث الضعيف مندرجا تحت أصل عام ..."؛

أن العمل فى الحقيقة ليس بالحديث الضعيف ؛ وإنما الأصل العام ؛ والعمل به وارد ,وُجد الحديث الضعيف أو لم يوجد , ولا عكس ,أعنى العمل بالحديث الضعيف إذا لم يوجد الأصل العام ؛ فثبت أن العمل بالحديث الضعيف بهذا الشرط شكلى ؛ غير حقيقى . وهو المراد.
$ ثالثا :

إن الشرط الثالث يلتقى مع الشرط الأول فى ضرورة معرفة ضعف الحديث ؛لكى لايعتقد ثبوته وقد عرفت أن الجماهير الذين يعملون فى الفضائل بالأحاديث الضعيفة لايعرفون ضعفها ؛ وهذا خلاف المراد .

جملة القول :

إننا ننصح إخواننا المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها ؛ أن يَدَعْو العمل بالأحاديث الضعيفة مطلقا ؛ وأن يوجهوا همتهم إلى العمل بما ثبت منها عن النبى-صلى الله عليه وسلم- ففيها ما يغنى عن الضعيفة .

وفى ذلك منجاة من الوقوع فى الكذب على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ؛لأننا نعرف بالتجربة أن الذين يخالفون فى هذا قد وقعوا فيما ذكرنا من الكذب لأنهم يعملون بكل ما هب ودب من الحديث ؛ وقد أشار –صلى الله عليه وسلم- إلى هذا بقوله :

"كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع "
(رواه مسلم فى مقدمة " صحيحه ") .

وعليه أقول : كفى بالمرء ضلالا أن يعمل بكل ما سمع !!.

وتحقيقا منى للنصح المذكور ؛ صنَّفت ولا أزال أصنِّف من الكتب ما به يستعين القراء على تمييز الصحيح من الضعيف ؛ والطيب من الخبيث مما يدور على ألسنة الناس ,أو سجل فى بطون الكتب من الحديث ومن ذلك هذان الكتابان اللذان نحن فى صدد التقديم لهما :

1-" صحيح الجامع الصغير وزيادته "
2- " ضعيف الجامع الصغير وزيادته " .

فالله تعالى أسأل ؛ أن يضع لهما وسائر مؤلفاتى القبول فى الأرض ؛ وأن يرفع ثوابها إليه فى السماء؛ ويدخره لى إلى يوم الدين ؛

{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)} (الشعراء )


دمشق 28 ذى القعدة سنة 1388
محمد ناصر الدين الألبانى


نتابع بإذن الله تعالى

_____________________________

الحاشية:

(1) ص 82 ؛ طبع المكتب الإسلامى وعليها تخريجات استاذنا الألبانى .

(2) فى شرحه لمختصر الباعث الحثيث ؛ وأصله للعلامة ابن كثير ( زهير)

(3) ( ص195 طبع الهند )

(4) قلت: (الألباني):- وأذكر أننى قرأت مثله فى أول رسالة الحافظ ابن حجر "تبيين العجب فيما ورد فى فضل رجب " وكنت أود أن أنقله منها ولكنى لم أطلها الآن مع الأسف .

يقول زهير : والكلام الذى أشارإليه شيخنا الألبانى

من كلام الحافظ ابن حجر ؛ وجدته ضمن مجموع مخطوط عندى فيه أرضه؛ وأرجو أننى نقلته صوابا ؛ والكلام هو :

{ ...ولكن اشتهر أن أهل العلم يسمحون فى إيراد الأحاديث فى الفضائل ؛ و إن كان فيها ضعف مالم تكن موضوعة .
[وعلى الهامش ما أظنه : ( أو شديد الضعف ) ]

وينبغى مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا ؛ وأن لايشهر ذلك ؛ لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف فيشرع ما ليس بشرع ؛ أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة .

وقد صرح بذلك أبو محمد بن عبد السلام وغيره ؛

وليحذر المرء من دخوله تحت قوله-صلى الله عليه وسلم-:

" من حدث عنى بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين " .

فكيف من عمل به ؟!! ولا فرق بين العمل بالحديث فى الأحكام أو فى الفضائل ؛ إذ الكل شرع . }

(5 ) مختصر الباعث الحثيث الصفحة 101



توقيع د.سهيرالبرقوقي
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}
http://www.tvquran.com/


{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }


التعديل الأخير تم بواسطة د.سهيرالبرقوقي ; 21-06-09 الساعة 01:42 AM سبب آخر: ضبط المقال
د.سهيرالبرقوقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس