عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-09, 11:31 AM   #2
عبد السلام بن إبراهيم الحصين
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: 08-02-2007
المشاركات: 867
عبد السلام بن إبراهيم الحصين is on a distinguished road
افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أسأل الله أن يزيدك علما وفقها..
وهذا التنبه لما بين السؤالين من الروابط مهم..
وموطن اجتماع المصلحة والمفسدة في فعل واحدة هو أدق المواطن التي تضطرب فيها الأقوال تصويرًا وتحقيقًا.
وأما قولي: لكن يبقى الكلام في المصلحة التي تتحقق بهذه الشهادة، وهل يمكن أن يكون في هذه الشهادة أخذ حق لأحد، أو ظلم لأحد؟
فإني أردت به الإشارة إلى مسائل من هذا الجنس، تتعارض فيها المصلحة والمفسدة،، وهي إذا كان الشخص لا يستطيع أخذ حقه إلا بدفع مال؛ فإنه يدفعه ولا يكون رشوة، ويكون الذنب والإثم على الآخذ، ولكن هذه المسألة ليس فيها كذب، ولا شهادة زور.
وقد ذكر أهل العلم أنه إذا لم يستطع أن يتوصل لأخذ حقه إلا بإقامة شهادة كاذبة فإنه لا يجوز له ذلك، ولا يجوز لأحد أن يشهد بصدق أحد إلا بما علمه.
وهذا لأن مصلحة حصوله على الحق أقل من مفسدة الكذب والشهادة بغير علم.
ولكن ذكر أهل العلم أنه يجوز الكذب في حالات، قال النووي في رياض الصالحين: باب بيان ما يجوز من الكذب: إعلم أن الكذب وإن كان أصله محرما فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك: أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا، فإذا اختفي مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وأخفي ماله وسئل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائها، والأحوط في هذا كله أن يوري، ومعنى التورية: أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبا في ظاهر اللفظ وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب، ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال، واستدل العلماء بجواز الكذب في هذا الحال بحديث أم كلثوم رضي الله عنها: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا)) متفق عليه، زاد مسلم في رواية: قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث؛ تعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. انتهى كلامه رحمه الله.
والمشكل في هذا الكلام هو قوله: إن كان المقصود مباحًا كان الكذب مباحًا، فقد يكون يفهم منه جواز الكذب في المباحات، وليس هو المقصود، وإنما مقصوده إذا كان ما يتوصل بالكذب إليه محمود مطلوب الإيجاد، ولكنه مباح وليس بواجب.
وقد يعارض هذا: ما ذكرته من تحريم إقامة شهادة كاذبة للوصول إلى ماله وحقه.
وهي مسألة تحتاج إلى مزيد عناية وبحث.
فهذه المسائل مما تتعارض لدى المفتي عند نظره في واقعة من هذه الوقائع التي يكون لصاحبها مقصود صحيح، ولا يتوصل إليه إلا بالكذب.
ولكن قد يلتبس على بعض الناس المقصود الصحيح أو المحمود، فيدخل فيه رغبته ومصالحه الخاصة ويظن أنها من المقاصد المحمودة التي يباح الكذب لها.
والموفق من أعانه الله وسدده.
والله أعلم..
عبد السلام بن إبراهيم الحصين غير متواجد حالياً