عرض مشاركة واحدة
قديم 29-11-09, 10:11 AM   #2
أثر الخير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

يتبع
وعندما نُهمِل هذا الجانب تنشأ عندَهُ فعلاً الناحية الفردية و قد تستمر معهُ و نجني يعني الثمار الغير طيبة عندما لا نجدَهُ مُتعاوِناً ، لا نجدَهُ مُطيعاً ، لا نجدَهُ مُتفاهِماً ، لا نجدَهُ مُحترِماً و مُقدِّراً للآخرين ، ينشأ فرد كل شيء لهُ ، رأيُهُ هو الصواب ، لا يأخذ الحق من الآخرين.
فالفردية من خصائص الطفل في أول المرحلة ، فإذا وُفِّقَ لبيئةٍ تُربِّيه و تُعَوِّدُه و تُحاول أن تُخرجَهُ من فرديتهِ إلى مجال التعاون و التعامل مع الآخرين و تقدير وجهات نظرهم فإنه يمكن أن ينشأ فرداً واعياً وفاهِماً و مُدرِكاً و يعرف أنه واحد في الأسرة ، واحد في المُجتمع ، واحد من بين هؤلاء الناس، لابد أن يكون لهُ موقف مُتوازِن و مُتناسِب مع هذا الفهم .

ثم النقطة الأخيرة في إجابتنا على سؤال من هو الطفل : (( أن الطفل له حاجات )):
هذه الحاجات لابد من تلبِيَتِها ،إذا لم تُلبَّى له هذه الحاجات فإنَّ نُموَّهُ يتعرقل من ناحية ، ومن ناحيةٍ أخرى قد ينشأ بسلوكيات و طبائع سيئة ، ومن هذه الحاجات أُشير إلى ثلاث حاجات مهمة:
1. حاجة الطفل إلى الحُبِ و الأمن
2. و حاجتَهُ إلى التقدير و الثقة
3. و حاجته إلى الرُفقة
هذه ثلاث حاجات أُشير إليها ، الحاجات كثيرة لكن هذه الثلاث حاجات مُهمة جداً في تنشأة الطفل و توجيهه وجهةً صحيحة .

الحاجة الأولى : هي حاجته إلى الحُبِ و الأمن :
أن يكون محبوباً من أبويه ، يشعُر بحمايتهم لهُ ، يشعُر بعطفهم عليه ، يشعُر برحمتهم به .
وهذا الأمر من الأهمية بمكان ، لأنَّ الطفل إذا نَشَأَ بين أبوينِ لا يرحمانه ، لا يعطِفانِ عليه ، ليس هناك حُب ، لا يشعُر بالأمن بينهم ، فإنهُ حقيقٌ ألا يسمَع منهم ، و ألا يثق بكلامهما ، وكما ورد في حديث رواهُ البُخاري عن أنسِ بن مالكٍ رضى الله عنهُ قال : جاءت إمرأةٌ إلى عائشة رضى الله عنها فأعطتها عائشة ثلاث تمرات فأعطت كل صبيٍ لها تمرة و أمسكت لنفسِها تمرة فأكل الصبيان التمرتين و نظرا إلى أُمِهما فعَمَدَت إلى التمرة فشقتها فأعطت كل صبيٍ نصف تمرة ، فجاءَ النبيُ صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة فقال :<<وما يُعجِبُكِ من ذلك؟ لقد رحمها الله برحمتها صبِييها>> [1].
تصور يعني كم سيكون هذا مؤثر في نفسية الطفل عندما يحصُل على الرحمة و العطف ، و لا ينشأ في قسوة ، في صلابة ، في غِلظَة ، حتى لا يتصوَّر الطفل أن أبوه أو أمه عدوانِ له ، فلا يسمع منهما و لا يستجيب لهما.
و الآثار و الأحاديث في هذا كثيرة ، أنا لا أُريد هنا أن أُحيط بكل شيء ، من ذلك ما رواهُ أنس أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ابن له فقبله و أجلسَهُ على فخذه و جاءت ابنة له فأجلسها بين يديه فقال صلى الله عليه وسلم : << ألا سَوَّيْتَ بينهما>> [2] ، وهذا أيضاً يُشير إلى جانب آخر غير الحُب و هو أيضاً العدل ، وهو أيش؟ العدل أيضاً.
كما أشارت إليه أحاديث أُخرى ، وقُدوتنا في ذلك أيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم في عطفِهِ ورحمتِهِ حتى صار يُؤثِّر في أهلهِ وفي ولدهِ من بناتهِ ،وفي صحابتهِ رضوان الله عليهم أثراً عظيماً جداً من أهم أسبابه المحبَّة و الشفقة و الرحمة بهذه الأُمة ، من قَرُبَ منه ومن بَعُدَ منهُ صلى الله عليه وسلم .
روى الترمذي وغيره عن عبد الله بن بُرَيْده عن أبيه رضى الله عنهما أنه قال : رأيتُ النبيَ صلى الله عليه وسلم يخطُب فجاءَ الحسنُ و الحسين رضي الله عنهما وعليهما قميصانِ أحمرانِ يمشيان ويَعثُران فنزلَ النبي صلى الله عليه وسلم فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال : صدق اللهُ -عز وجل-{ إنما أموالكم وأولادكم فتنة }نظرتُ إلى هذين الصبيين يمشيان ويَعثُران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتُهُما [3].
فيا إخوان و يا أيها الأخوات يجب أن يكون هناك عطف ورحمة بالأطفال ، و إعطائهم للمحبة ليشعُر الطفل بأن أبواهُ يُحبَّانِه ، و أنَّ أمَّهُ تُحبه و تعطف عليه و تعطيه الحماية ، و تُعطيه الأمن مادام في هذا السن .
و لا أُريد أن استطرِد فهناك عدد من الآثار في هذا الموضوع.

و الحاجةُ الثانية : حاجة التقدير :
بمستوى الطفل نحن لا نُريد أن نقول طبعاً أنه ربما يتصور بعضُ الناس لما نقول أنه لابد من التقدير و الإحترام أنه أنا اعمل على التقدير و الإحترام بمِثلِ ما أُقدر و أحترم الكبار أبداً ، يعني ما ينبغي حقران الطفل ، أن تحقُرَهُ لا ينبغي ، لأن الحقران يُسبب عندَهُ نوع من عدم الثقة بالنفس ، نوع من اهتزاز النفس ، ولا ينشأ رجلاً شهماً.
و أيضاً أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا كثيرة ، يعني منها مثلاً ما رواهُ مُسلم عن سهل بن سعيد الساعِدي رضى الله عنه " أنّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بشرابٍ فشَرِبَ منه و عن يمينِهِ غُلام وعن يسارِهِ أشياخ فقال للغلام :<<أتأذنَ لي أن أعطي هؤلاء؟>> فقال الغلام: لا والله لا أُثِرُ بنصيبي منكَ أحداً [4].
فانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم و اعتباره لهؤلاء ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخاطِب الصغار يعني على قدر مستواهم لكن في نوع من إشعارهم بالمسئولية ، إشعارهم أنهم لهم قيمة ، إشعارهم بأن لهم قيمة ، حتى إنه ورد في الصحيحينِ عن أنسٍ رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ على صبيانٍ فسلم عليهم و قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعَلُه [5].
طيب كثير من الآن المُربِّين ، كثير أيضاً من الأُمة الآن يحتقِرْنَ الأطفال ، لا يهتمونَ بهم .

الحاجة الأخيرة من الحاجات المهمة أيضاً : وهيَ الحاجة إلى الرُفقة :
أتصور أنَّ هذه القضية من أوضح القضايا ، إن الطفل ما يُمكن يعيش معزول ، و دائماً العُزلة تُعتبر عِقاب ، كونك تعزل إنسان معنوياً أو مادياً أنتَ تُعاقب ، يعني إذا جاء مثلاً الأب زعلان مثلاً على الإبن أو الأم إذا زعلت على الإبن و قالت : جزاءاً لك تدخُل إلى هذه الغُرفة يوم أو يومين كاملين ما.. ، تأخذ فقط طعام وتشرب شراب و تُعزَل عنا ما تختلط بأحد ، بهذا أنت يعني إلى جانب يعني إفرازات كثيرة للعقاب بهذا النوع أيضاً عَزْلُكَ لهُ عن الرفقة و الصُحبة أو من يختلط بهم في البيت هو نوع من العقاب لأنك حَرَمْتَه من حاجة يحس بها في نفسه ، ولذلك أيضاً من أسباب كون السجن عقاباً بأنه أيضاً يعزِل الفرد عن المُجتمع ، يعزِلُه عن حاجة أساسية تُعتبر من الحاجات النفسية الضرورية ،و أيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم لما فرض الحصار المعنوي على الثلاثة الذين خُلِّفُوا ، ووضعهم في حصار أشد من السجن ، لأنهم في نفس المُجتمع وما أحد يتحدَّث إليهم ، و لا يُحَدِّثهم و لا يختلِط بهم و لا يجلِس إليهم ، فيعيش الواحد يذهب في الشارع ذهاباً و إياباً لا أحد ، عَزَلَ الثلاثة الذين خُلًِفُوا عزلاً معنوياً ، وفي الأيام الأخيرة في العشرة أيام الأخيرة عَزَلَهُم عن نسائِهم ، حتى يقول الله سبحانه و تعالى كما يُبين عن حالهم
(حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة : 118]التوبة: ١١٨.

[1]قال الألباني : (صـحـيـح) ، انظر الأدب المفرد / الجزء الأول - ص 45 ،حديث رقم 89.


[2]لفظ الرواية الصحيح :أخرجه البزار في " مسنده " ( 2 / 378 / 1893 ) عن عبد الله بن موسى ، و ابن الأعرابي في " معجمه " ( ق 182 / 1 ) و أبو القاسم الهمداني في " الفوائد " ( 1/ 3 / 2 ) كلاهما من طريق عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري عن أنس قال : كان رجل جالس مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءه ابن له فأخذه فقبله ثم أجلسه في حجره ، و جاءت ابنة له ، فأخذها إلى جنبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : << ألا عدلت بينهما>> يعني ابنه وبنته في تقبيلهما .
قال الشيخ الألباني : (صحيح) ، انظر السلسلة الصحيحة / الجزء السادس – ص897 ،حديث رقم 2883.


[3]حدثنا الحسين بن حريث حدثنا علي بن حسين بن واقد حدثني أبي حدثني عبد الله بن بريدة قال سمعت أبي بريدة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما السلام عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال: <<صدق الله { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما >>
قال الشيخ الألباني : (صحيح) ،انظر جامع الترمذي /الجزء5 –ص 658 ،حديث رقم 3774.

[4]لفظ الرواية الصحيح: " أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فشَرِبَ منه و عن يمينِهِ غُلام أصغر القوم والأشياخ عن يسارِهِ فقال << يا غلام أتأذن أن أعطيه الأشياخ ؟ >> فقال ما كنت لأوثر بفضل منك أحداً يا رسول الله فأعطاه إياه".
قال الشيخ الألباني : (متفق عليه) ، انظر مشكاة المصابيح / الجزء الثاني ، حديث رقم 4274.

[5]عن أنسٍ رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم " .
تحقيق الشيخ الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 5014 في صحيح الجامع.
و أيضاً :قال أنس رضي الله عنه : " مر النبي صلى الله عليه وسلم على صبيان يلعبون فسلم عليهم "
قال الشيخ الألباني : (صحيح) ، انظر الكلم الطيب – ص 157 ،حديث رقم 201.
أثر الخير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس