يتبع
نحن لا نتوقع الحقيقة إن عزل الطفل عن الرُفقة هو علاج ، تحرِمَهُ أنت من حاجة ضرورية ، الإنسان بطبعه يُحب الإجتماع بالأهل ، هذا هو الغالب ، و فيما نَدَر يكون إنحراف ، العُزلة فيما نَدَر إلا لأسبابٍ مُهمة و رئيسية يكون سلوك أو إنحراف أو تصرُّف غير سَوَي ، لكن ما هي الرُفقة التي يُوجِهَهُ إليها ؟ هنا السؤال ، هنا السؤال المهم جداً .
إذاً أُلخص كلامي عن قضية الطفل : من هو الطفل ؟
بأن أقول : من خصائص الطفل :
أولاً : الخاصية الأولى : القابِـلـِيَّة.
الخاصية الثانية : الماديَّة ، تفكيره مادي فيجب تقريب الأشياء إليه و عدم الشعور باليأس و الإحباط من استمرارية تربيته.
و الخاصية الثالثة : الفَرْدِيَّـة ، و إخراجه من الفردية إلى الجماعية.
و الخاصية الرابعة : أو الجانب الرابع :أن له حاجات لابد من إشباعهاو الإهتمام بها لِتنجح التربية، هذه الحاجات أشرت إلى ثلاث منها :
1. الحاجة الطفل إلى الحُبِ و الأمن.
2. و الحاجة إلى التقدير و الثقة.
3. و الحاجة إلى الرٌفقة.
####
ننتقل إلى الإجابة على السؤال الثالث :
@ كيــف نُرِبَّي الطفـل؟
انتهينا الآن – أقول لعلنا انتهينا- أنا أدري أن الموضوع واسع ومهم و خطير ، ولا يتَّضِح حقيقةً أيُها الإخوة و الأخوات لا يتَّضِح بمحاضرة واحدة أو بدرس واحد ولكن حَسبُنا أن نُحاوِل .
إذاً عرفنا واقع الطفل كما أشرت في البداية ، وعرفنا من هو الطفل أو إلى حدٍ ما عرفنا.
كيف نربِّي الطفل ؟
بأربعةِ أساليب ، أربع طُرُق للتربية ، أبدأ بأقلها أهمية ثم انتهي في الآخر إلى أهم الأساليب :
الأسلوب الأول : (( التربية بالتلقيـن ))
و الأسلوب الثاني : (( التربية بالتوجيه العاطفي و المعرفي ))
و الأسلوب الثالث : (( التربية بالتعزيز و التدعيم )) أو (( التربية بالثواب والعقاب ))
و الأسلوب الرابع : (( التربية بالملاحظة و التقليد )) و هذا الأخير هو أخطر أسلوب و أهم أسلوب.
و سأرجع لأشرح هذه الأساليب.
الأسلوب الأول : (( التربية بالتلقيـن )) :
هو أنك تقول للطفل أفعل أو لا تفعل ، و هو أضعفها و أقلَّها تأثيراً في الطفل ، تقول له أفعل أو لا تفعل ، يعني تقتصِر على هذا الأسلوب ، أنك تأمره و تنهاهُ فقط ، وهو أسلوب مستعمل ، ويمكن كثير من الآباء والأمهات يستعملون هذا الأسلوب ، لكن عاد ]ما مزجت وايض[ * ،كل أب طبعاً و كل أم تعرف المشكلة مع هذا الأسلوب ، في كثير من الأحيان لما مثلاً يأتيَ الأب و يقول : لماذا الولد يفعل كذا؟ لماذا وقع الولد؟ أنا قُلت له ، أَمَرْتَهُ بألا يفعل ، تعبت من الكلام ، من الأمر و النهى !! ، أو مثلاً حتى نحن الآباء للأسف الشديد نقول هذا الكلام عندما نلوم الآخرون على تربية أطفالهم .
التربية بالتلقين لا تكفي و لا تُجدِي لوحدها ، إلا عاد إذا كان في ولد الذي يعني يطلع يعني نادِرَة مُجرد ما تصدر له الأمر زي (مثل) الجندي في الميدان هذا عاد ما يتخَرَّج الأطفال هكذا ، لابد من أجل أن يكون للتلقين دور – الأمر و النهي دور – لابد من مُساعدة الأساليب الأُخرى ، لكي نُهَيِّئه ليتلقَّى الأوامر ، من أجل أن يتلقَّى الأوامر و يسمع و يُطيع لازم نُهَيِّئه ، فإذا تَهَيَّأ بذلك ممكن أن نستخدم أسلوب التلقين.
الأسلوب الثاني : (( التربية بالتوجيه العاطفي و المعرفي )):
في الأسلوب الأول و في الأسلوب الثاني لازلنا نحن في مُجرد إعطاء كلام ، توجيهات ، إما عاد أوامر أو توجيهات ،طبعاً التلقين نقصد به الأمر و النهي ،مُجرد إعطاء الأمر و النهي .
الأسلوب الثاني : لا ، نحن يعني خطونا خطوة أخرى ، الأم هنا ما تستخدِم التلقين فقط ، ما تقول له مثلاً : لا تكذِب يا بُني أو تقول له : اسكت ، أو تقول له : لابد أن تُطِيعَني ، الأسلوب الثاني ماتقول لهُ هذا الكلام فقط ، لا أيضاً تُوَجِّه : إما عاطفياً أو معرفياً.
1- عاطفياً : أي أنها تعِظُه و تنصَحُه بالترغيب و الترهيب ، بذكر طبعاً المُرغِبَات و المُرهِّبات كثيرة ، وهذا الأسلوب لا شك أنه يُؤثِّر على الطفل و له دور كبير جداً ، وهو أنجع و يُعتبر أسلوب مُساعد و ضروري لأسلوب التلقين .
لكن الأمر دائماً أو حتى بدون الأمر نَقرِنهُ بالتوجيه.
الطفل عصى ، طيب تعال يابني ، هذه معصية ،أتدري ماذا قال الله سبحانه وتعالى عنها؟ أتدري بماذا يُعذَّب الإنسان عندما يعصي الله سبحانه وتعالى؟ثم تُوعِّظهُ بالنار.
وأيضاً إذا عَمِلَ العملَ الطيب تطرح أمامهُ صُور النعيم ،صور الترغيب ، وهي صور متعددة وكثيرة جداً .
تقرن الأمر أو النهي بالتوجيه، التوجيه العاطفي ، مُخاطبة إحساساته الداخلية ،مشاعره الداخلية، هذا التوجيه لهُ أثر كبير على نفسية الطفل لأني كما قلت أن الطفل صفحة بيضاء ، والطفل أميل إلى العاطفية منهُ إلى أن يكون منطقي عقلاني ، فهذا التوجيه العاطفي بالقصة ،بالحادثة يُمكِن أن نُوجه الطفل ، يُمكِن أن نُنَشيء الطفل على أشياء كثيرة ممتازة جداً ،لو استخدمنا أسلوب القص ، أسلوب الحادثة ،ولذلك يقول سعدُ بن أبي وقاص رضي الله عنه :"كُنا نُعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نُعلمهم السورة من القرآن" [1].
طيب من منا يفعل هذا أيضاً؟مَن مِن الأمهات تجلس فتشرح لأبنائها وبناتها غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟أقول :مَن مِن الأمهات ومِن الآباء من يجلس إلى أبنائه وبناته فيشرح لهم مثلاً غزوة من غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وكم لها أثر وخصوصاً لمَّا تكون شيء مُرتب ، كل أسبوع ، كل مثلاً يوم ، كل يومين ،مؤثِر ،التوجيه مُؤثِـر.
2- التوجيه أيضاً المعرفي: ونقصد به التوجيه بالإقناع:
وهذا قد يكون أيضاً مُفيد أحياناً ولكنَّهُ خصوصاً في الفترات الأخيرة من هذا السن أن يكون هناك حوار، حوار بين الأم وبين الأبن ، بين الأم وبين البنت ،حوار بين الأب وبين الأبناء ،ما تكون المسائل مُجرد أوامر مُطلسِمة ،يكون في حوار ، في نقاش ،في نوع من الأقناع ، محاولة للإقناع.
هذا أيضاً من الأساليب التي يُمكِن أن تُستخدَم في التوجيه.
وهذه قضية طبعاً أيضاً كثيراً ما يهملها الآباء وتهملها الأمهات ، في جلسة تجلس تحاور الطفل ، تعمل معه حوار ونقاش ،هذا الطفل ولا يفهم شيء ويجب أن يمشي بالعصى وبس هذا غير صحيح ،الرسول صلى الله عليه وسلم ابن عباس وهو غلام صغير يُعطيه توجيهات ، خليه يسمع من التوجيهات ،وأحياناً يناقش بعض الأطفال .
فالأسلوب اللى قلته أسلوب التوجيه العاطفي والمعرفي ،هذا من الأساليب.
الأسلوب الثالث : وهو مانقول عنه أو ما نسميه (( التربية بالتعزيز و التدعيم )) أو (( التربية بالثواب والعقاب )):
كثير الحقيقة نحن في واقع الحياة ، في الحياة اليومية ، في تقلباتنا ، في يعني في حياة الأسرة ، في واقع الأسرة هناك قضايا كثيرة يمكن ان يستغلها الأب لكي يُربِّي قضايا مُعينة .
إستغلال المُكافآت والحوافز والأُعطيات والأشياء المرغوبة لدي الطفل إستغلالها لبناء أشياء أُخرى هذا ممكن ،يعني أنا ما أعطيه مثلاً والله مكافأة ما أعطيه حلوى إلا بعد ما أشوفه مثلاً عَمِل يعني سلك سلوك طيب ، فأربط السلوك الطيب الموجود عندَهُ بشيء مرغوب لديه في السابق ،وفي مرة ثانية ايضاً أربطه بشيء مرغوب حتى يَتَعَوَّد على أشياء معينة ، فربط بعض الأخلاق المعينة التي تُريد أن تُربِّي الطفل عليها، بعض الممارسات أو السلوكيات المعينة التي تُريد أن تُربِّي عليها الطفل ربطها بأشياء مرغوب عنده مُسبقاً بحيث لا تحدُث لهُ الأشياء المرغوبة هذه إلا بعد أن يعني يمارس ممارسات جيدة معينة ، هذا نُسميه بأسلوب التعزيز .
وهذا أيضاً ليس غريباً فدائماً الحقيقة تسلك الأم هذا السلوك لكن بغير تفكير منها ، ولو نظمتهُ تنظيماً جيداً لاستطاعت خلال فترة زمنية بإذن الله-سبحانه وتعالى- أن تُربِّي في ابنها شمائل طيبة جداً.
[1]روى الخطيب البغدادي في الجامع وابن عساكر في تاريخه عن زين العابدين علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، قال:" كنا نعلم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن" اهـ.
ورويا عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني قال:" كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدها علينا وسراياه، ويقول: يا بني هذه شرف آبائكم فلاتضيعوا ذكرها".
من كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد / الصالحي الشامي - الجزء4 ، ص 10.