عرض مشاركة واحدة
قديم 04-12-09, 02:21 PM   #16
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث الحادي عشر: عن معاوية -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏((‏من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)‏)[متفق عليه]‏.‏



نعم هذا حديث معاوية -رضي الله عنه- في الصحيحين وغيرهما ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) ((من يرد الله به خيراً)) (خيراً) نكرة في سياق الشرط فتعم جميع أنواع الخير، قد يقول قائل: نعم نكرة في سياق الشرط والأصل فيها أنها للعموم؛ لكن نشوف من تفقه في الدين بعضهم فقراء، ومن أسماء المال الخير {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} يعني مالاً، فكيف ((من يرد الله به خيراً)) وفقير ما عنده خير ما عنده مال؟ نقول: يا أخي هذا الخير وإن سماه الله -جل وعلا- خيراً بحسب ما تعارف عليه الناس إلا أنه بالنسبة لخير الآخرة كلا شيء؛ لأن بعض الناس يقول: ((من يرد الله به خيراً)) الخير المال، {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [(180) سورة البقرة)] ونجد بعض من تفقه في الدين لا مال له؟ هل نقول: أن هذا الخبر خالف الواقع؟ لا، خير الدنيا بالنسبة لخير الآخرة كلا شيء، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((من نفس عن مسلم كربةً من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة)) من قال: من كرب الدنيا والآخرة؛ لأن كرب الدنيا كلها لا شيء بالنسبة لكرب يوم القيامة، ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) والفقه الفهم، والمراد به ما يترتب عليه من العمل به؛ لأن الفقه والفهم والعلم إذا لم يقترن بالعمل لا قيمة له، بل هو وبال على صاحبه، فضلاً عن أن يقرن بشيءٍ من المخالفات من المعاصي، قد يقول قائل: نجد من فقهه الله في الدين وعنده مخالفات، بعض الفساق يحملون شيئاً من الدين، نقول: هذا ما يحمله الفاسق من الدين ومن الفقه ليس بعلمٍ ولا فقه في الحقيقة ((يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله)) فما يحمله الفساق وإن سماه الناس علماً وسموه فقهاً إلا أنه ليس بشيء؛ لأن الفقه في الدين إنما هو في الحقيقة ما نفع، أما الذي لا ينفع فليس بفقه، وليس بعلم ((يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله)) العدول الثقاة هم الذين يحملون العلم، العلم الحقيقي النافع، أما ما يحمله غيرهم وإن سمي علماً بمعنى أنه إدراك وتحصيل لبعض العلوم لكنه في الحقيقة ليس بعلم، ويشير إلى ذلك قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] إيش معنى بجهالة؟ هل معنى أن الإنسان إذا زنى وهو يعرف أن الزنا حرام ليست له توبة؟ إنما التوبة للشخص الذي يجهل الحكم؟ لا، يقول أهل العلم: كل من وقع في معصية فهو جاهل، إذاً العاصي جاهل، ولا يجتمع الجهل والعلم في وقتٍ واحد، لأنهما متضادان، فما يحمله الفساق ليس بعلم، وإن ادعي ذلك، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

قلت: ولابن عبد البر كل من عني *** بحمله العلم ولم يوهنِ
فإنه عدل بقول المصطفى *** يحمل هذا العلم لكن خولفا

رأي ابن عبد البر أن كل من عرف بحمل العلم فإنه عدل؛ لكن المطلوب العكس، أن كل عدل يحمل فهو عالم، بخلاف غير العدل فليس بعالم، وهو حث للعدول الثقاة بحمل العلم بحيث لا يترك المجال للفساق الذين يستغلون هذا العلم لصرف الناس عن دينهم بالتحريف والتأويل، وتضييع الناس، ولهذا يكثر المسخ في آخر الزمان في هذه الأمة كما ذكر ابن القيم وغيره، ويكون في طائفتين من الناس، للحكام الظلمة الذين يضلون الناس عن دينهم، وللعلماء الذين يبدلون شرع الله بالتأويل تبعاً لأهوائهم ومصالحهم.



المقصود أن الأمر خطير، يعني يميلك، نعم خير الفقه في الدين خير، لكن يبقى أنه لا بد من العمل بهذا العلم، والفقه أعم من أن يكون فقه الأحكام الشرعية العملية في العبادات والمعاملات ونحوها، بل أعظم منه وإن كان عظيماً الفقه الأكبر الذي هو الاعتقاد، وهو فقه وأيضاً جميع أبواب الدين كما يقول في الحديث: ((يفقهه في الدين)) يعني بجميع أبوابه، فيحرص الإنسان على دراسة كتاب الإيمان مثلاً، كتاب التوحيد، كتاب الطهارة، الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، البيوع، المعاملات، الأقضية، المناكحات، المغازي، السير، الشمائل، الفتن، الاعتصام، الدعوات، الأذكار، كل هذه أبواب الدين، بعض أبواب الدين يهملها كثير من طلبة العلم لا يلقون لها بالاً، أبواب الرقاق مثلاً، من منا صار ديدنه النظر في هذه الأبواب التي تدعو الإنسان إلى الوجل والخوف من الله -جل وعلا-؟ {إالَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [(2) سورة الأنفال] لكن الإنسان الذي حلال حرام وفقه وما أدري إيش؟ حاله خير ويعبد الله على بصيرة؛ لكن يبقى أنه ما الذي يحدوه إلى هذه الأحكام إلى مثل هذه الأبواب المهملة المهجورة، فعلينا أن ننتبه لهذا يا إخوان، ولذا قال: ((في الدين)) يراد به جميع أبواب الدين من العلوم النافعة، مما اشتمل عليه الوحيان، وأيضاً يعنى طالب العلم إضافةً إلى الوحيين من نصوص الكتاب والسنة إلى ما يخدم نصوص الوحيين، وما يعين على فهم نصوص الوحيين من الكتب الوسائل التي تعين على فهمهما من كتب الأصول وعلوم القرآن وأصول الحديث وأصول الفقه وعلوم الآلة، علوم العربية، وكلها تخدم الكتاب والسنة؛ لأنها تعين على فهم الكتاب والسنة، وبهذا إذا سلك الجادة ووفق بمعلمٍ ناصحٍ مشفق يدله على الطريق المناسب والجادة المطروقة عند أهل العلم، فبإذن الله يدرك ما يريد -إن شاء الله تعالى-.




توقيع أم الخطاب78
كيف يكون هذا الود؟ وما هي أسبابه؟ وثمراته؟

أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس