عرض مشاركة واحدة
قديم 04-12-09, 02:25 PM   #18
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث الثالث عشر: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضها بعضاً)) وشبك بين أصابعه"‏ متفق عليه‏.‏
نعم في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏، وعادة أصحاب المختصرات أن يأتوا بالحديث الأول عن فلان، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأنه كلام جديد مستأنف، لم يسبقه كلام آخر، وتقدير ذلك أروي عن عمر بن الخطاب، ثم الحديث الثاني: وعن عائشة -رضي الله عنها- وعن ابن عمر، وعن ابن عمرو، وعن أبي موسى، كلها تعطف على ما تقدم، هذه هي الجادة، وعلى كل حال الأمر واضح ولا فيه لبس ولا فيه إشكال حتى لو حذفت الواو، عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((‏المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) وشبك بين أصابعه" يعني افترض أن شخصاً مؤمناً خالياً بنفسه ليس عنده أحد، ترجحت عنده العزلة واعتزل، أو كان من طبعه أنه لا يحب الخلطة فاعتزل مثل هذا يحصل النقص والخلل عنده الكبير في أمور الدنيا وهذا ظاهر، وفي أمور الدين أيضاً؛ لأن الناس يحتاجون إلى أن يشد بعضهم بعضاً، يشجع بعضهم بعضاً، يسند بعضهم بعضاً، حاجة فلان عند فلان فتقضى مقابل حاجة فلان عند فلان، فالمسلمون والمؤمنون كالبنيان، بلا شك يعني الخلل لو انفرد الإنسان بنفسه، مثل الخلل الذي يحصل عند انصداع الجدار، فحيث ينفرج بعضه عن بعض، لا شك أنه مآله إلى السقوط، فإذا اجتمع المؤمنون وتكاملوا، كل عنده مما يحتاجه غيره ما ليس عند غيره، لا شك أن الأمور تتكامل، والمؤمن أو الإنسان عموماً كما يقرر ابن القيم -رحمه الله تعالى- مدني بالطبع، يقرر ابن القيم في مواضع من كتبه، وإن كانت تنسب لابن خلدون؛ لكن ابن القيم قبل ابن خلدون، مدني بطبعه، لا يمكن أن يعيش بمفرده، هو بحاجة إلى أن يأكل، وإلى أن يشرب، وإلى أن يأنس، وإلى أن يتزوج وينجب ويتعامل ولذلك شرعت المعاملات؛ فكل إنسان بحاجة إلى ما في يد أخيه في البيع والشراء، ولذلكم أحل الله البيع، أما إنسان يقول: أنا لست بحاجة إلى الناس، نعم قد يحتاج إلى التقليل من مخالطة الناس ومعاشرتهم، هذا يمكن إذا رأى أن المصلحة في ذلك؛ لكن ينقطع انقطاعاً كلياً، وينفرد عن الناس حصل هذا لبعض الناس فوجدوا موتى، ولم يعلم أحد بموتهم إلا بعد مدة، فلا بد من الاجتماع، ولا بد من أن يشدّ المؤمن أزر أخيه المؤمن لا بد أن يقضي حاجة أخيه، لا بد أن يكون بيده مما يحتاجه أخوه والعكس، فالأمة بمجموعها متكاملة، هذا قوي ببدنه يعين، وهذا قوي بماله يعين، وهذا ضعيف يحتاج إلى إعانة، وهذا مريض يحتاج إلى طب، وهذا طبيب يطبب، وهذا معلم يعلم، وهذا متعلم يتعلم، والأمة كلها بهذه الطريقة مشتبكة، وهي كالبنيان، نعم تضع القاعدة ثم تضع اللبِن وتجعل ما يربط هذه اللبنة بالأخرى حتى يشتد البنيان، والترابط القوي المتين لا شك أنه يؤهل للعيش المتين القوي المستمر بإذن الله تعالى، لأنكم تجدون في البنايات القديمة من الطين والبن مئات السنين مترابطة؛ لكن لو شيدت لبنة واحدة فوق الأخرى بدون ترابط ما جلست ولا شهر، تجدون بعض الأبنية صروح عالية من الطين، ولا اسمنت ولا حديد وتضربها السيول قرون ومع ذلك ثابتة وباقية؛ لأنها يشد بعضها بعضاً، وهكذا حال المسلم والمؤمن ينبغي أن يكون عوناً لأخيه، غوثاً للمحتاجين، باذل، ولذا جاء مدح البذل والإحسان بينما جاء ذم الشح والبخل على الإنسان أن يبذل من بدنه لإعانة الآخرين ((من كان له فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له)) إذا كان يحسن شيء يحتاجه أخوه يقدم له، كثير من الناس يستصعب بعض الأشياء السهلة تدخل عند جارك، جارك ما يحسن شيء أخرق ما يحسن شيء عنده فيش بس يبي ربط، وأنت معك مفك اربطه وينتهي الإشكال، بينما نجد الآن يسود في دنيا الناس اليوم وهو موجود بين المسلمين مع الأسف الشديد العكس، يأتي صاحب السيارة، يجيب سيارته المسكين سطحة للورشة يشوفها المهندس يرى أن المسألة مسألة ربط سلك بسلك لا تأخذ ولا دقيقة ولا تكلفه شيء، يقول: السيارة تحتاج إلى أسبوع شغل؛ لأنه لو ربط سلك وقال: هات عشر ريالات، قال: والله على شان إيش عشر ريال؟ لكن لما يقول له: بعد أسبوع يجي يركنها ثم يربط هالسلك يقول: هات خمسمائة ريال، ويعطيه خمسمائة ريال والشكوى إلى الله، وفي الأصل أن مثل هذه الأمور يربط السلك وينتهي الإشكال، هذا إذا كان البناء مترابطاً، لكن الإشكال أن الناس سادهم الآن الشح والحسد والأنانية، كل شيء يريده لنفسه، ولا يريد لغيره ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)) لا شك أن مثل هذه التصرفات خلل في واقع المسلمين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) وشبك بين أصابعه" نجيب مثال يخص طلاب العلم، جيت إلى مكتبة وجدت كتاب ناقص جزء، هذا الجزء عندك تقدر تكمل هذه النسخة تقول له: بكم الكتاب يقول لك: بمائة ريال، يعني لو كان كامل يمكن بخمسمائة ريال، هل يمكن أن تقول له: عندي جزء يكمل هذه النسخة ثم أشتريها منك؟ يمكن أن تقول؟ ما تقول، جهاد نفس هنا، ما تقول، فلو قلت له: عندي جزء يكمل هذه النسخة قال: أعطيك قيمة الجزء وأبيع عليك نسخة كاملة، لكن ما دامت النسخة ناقصة بمائة ريال هذه فرصة، وين؟ بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كذا وكذا والنصح لكل مسلم، طبق الصحابة هذا الحديث بأروع الأمثلة، جرير بن عبد الله البجلي يشتري الفرس بكم؟ بثلاثمائة، يقول: اشتريت؛ لكن فرسك يستحق أكثر، طيب أربعمائة، قال: اشتريت؛ لكن فرسك يستحق أكثر، بخمسمائة إلى أن أوصله ثمانمائة، هل يسود بين المسلمين مثل هذا النصح؟ بما يوصف مثل جرير لو وجد في عصرنا؟ يوصف بإيش؟ يكفي أن يقال: مغفل؟ ما يكفي عند الناس أن يقال: مغفل؛ لأن الموازين مختلة، منقلبة الموازين، يأتي صاحب السيارة يحتاج إلى ثانية أو ثواني يربط السلك يقول له: توكل على الله هذه ما تكلف شيء، يقول السيارة يا لله تبي أسبوع شغل، ثم بعد ذلك مجرد ما يشد السلك يتوكل على الله، يعني هل هذا يقارب صنيع جرير أو هذا مناقضة تامة لصنيع الصحابة؟ والأصل أن المسلم للمسلم كالبنيان يعني إلى وقتٍ قريب لما كانت الدنيا ليست هدف للمسلمين، إنما المسلمون وجدوا للعبودية، يقف الشخص بحاجة إلى أن يبني بيت، وش أعظم من بناء البيت؟ الآن هم البيت، يجلس سنتين يعمر، يجلس عمره كله مدين بسبب البيت، يقف باب المسجد وقال: أعان الله من يعين، يالله لبنة طين، وينتهي يومين ثلاثة وينتهي البيت، ابن عمر -رضي الله عنهما- راوي حديث: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) يبني بيته بأسبوع، بنفسه، يبنيه بأسبوع، وكان ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" الهدف تحقيق العبودية، وأمور الدنيا ماشية، نعم الدين أنه ليس دين كسل ولا خمول ولا كذا، يحثنا على العمل؛ لكن يحثنا على العمل لما يترتب على هذا العمل كسب المال من أجل مساعدة المحتاجين والإنفاق على المعاويز، وعدم التعرض والحاجة إلى الناس، وتكفف الناس، وأن يكفي نفسه ومن يعول لتحقيق ما خلق من أجله، والآن تجد الإنسان سنتين ثلاث يعمر ثم ماذا؟ وكم سمعنا وعلمنا ورأينا من أخذ يعمر البيت خمس ست عشر سنين ثم يفرش ويموت ما سكن، قصص ليست واحدة ولا ثنتين ولا عشر، والأمر أهون من ذلك. ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) يعني ما يضيرك يا أخي أن تجد شيء وأنت من أهل الصنعة ومن أهل المعرفة والخبرة شيء يحتاج إلى ربطٍ يسير ما يكلفك شيء اربطه يا أخي، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كسب الحجام خبيث)) على شان إيش؟ يسود روح التعاون بين الناس، احجم للناس بلاش يا أخي، يتعاون الناس بمثل هذه الأمور السهلة اليسيرة، والله المستعان، وقل مثل هذا في كثير من الصنائع التي لا تكلف شيء، نعم الإنسان الأجرة ما فيها شيء، يعني تأخذ أجرة على صاحبك لكن أجرة مثل، لا تكلفه فوق ما يطيق، وشبك النبي -عليه الصلاة والسلام- بين أصابعه، وكثيراً ما يقرن الكلام النظري بالتطبيق العملي لكي يثبت، والله المستعان.




توقيع أم الخطاب78
كيف يكون هذا الود؟ وما هي أسبابه؟ وثمراته؟

أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس