عرض مشاركة واحدة
قديم 13-12-09, 03:34 PM   #2
زياد عوض
حفظه الله تعالى
 
تاريخ التسجيل: 15-02-2009
المشاركات: 152
زياد عوض is on a distinguished road
افتراضي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ،
قال الله تعالى :( لا يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي ايْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ ) (المائدة : 89) ، واللغو عند أهل اللغة: هو ما لا يُعتد به من كلام وغيره ، ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع، ولغو الكلام: هو ما يبدر من اللسان ولا يراد معناه، ولغو اليمين: هو الذي لم يعقد عليه القلب، مثل قول القائل: لا والله وبلى والله ، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة قالت : "نْزِلَتْ هَذِهِ الايَةُ : ( لا يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي ايْمَانِكُمْ ) فِي قَوْلِ الرَّجُلِ : لا وَالله . وَبَلَى وَالله , وقد اختلف أهل العلم في بيان حقيقة يمين اللغو , فذهب الشافعية إلى أنَّها التي يسبق لسان المرء إليها من غير قصد منه , وذهب الحنفية , والمالكية إلى أنَّ يمين اللغو هي أن يحلف المرء على أمر ماض أو حاضر على ظنِّ أنه كذلك، وهو بخلاف ما ظنَّه، ويرى بعض أهل العلم أنَّ يمين اللغو هي أن يحلف المرء اليمين على أمر ماض أو حاضر يرى أنه كذلك أو يحلف فلا يعقد قلبه على شيء أو التي سبق إليها لسانه من غير قصد إليها، وإليه ذهب بعض متأخري الحنفية، وهو رواية عن الإمام أحمد قال بها جمهور أصحابه، وهو قول الظاهرية، وقد اتفق جمهور الفقهاء على أن يمين اللغو لاتجب فيها كفارة ، قال ابن قدامة في المغني مَسْأَلَةٌ ؛ : ( وَالْكَفَّارَةُ إنَّمَا تَلْزَمُ مَنْ حَلَفَ يُرِيدُ عَقْدَ الْيَمِينِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي تَمُرُّ عَلَى لِسَانِهِ فِي عَرَضِ حَدِيثِهِ ، مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهَا ، لَا كَفَّارَةَ فِيهَا ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ . نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ : اللَّغْوُ عِنْدِي أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْيَمِينِ ، يَرَى أَنَّهَا كَذَلِكَ ، وَالرَّجُلُ يَحْلِفُ فَلَا يَعْقِدُ قَلْبَهُ عَلَى شَيْءٍ .وَمِمَّنْ قَالَ : إنَّ اللَّغْوَ الْيَمِينُ الَّتِي لَا يَعْقِدُ عَلَيْهَا قَلْبَهُ ؛ عُمَرُ ، وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ ، وَالْقَاسِمُ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالشَّافِعِيُّ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ ، قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ، يَعْنِي اللَّغْوَ فِي الْيَمِينِ : { هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ ، لَا وَاَللَّهِ .وَبَلَى وَاَللَّهِ } .أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد .قَالَ : وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَمَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ,
مَوْقُوفًا .وَرَوَى الزُّهْرِيُّ ، أَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ ، أَيْمَانُ اللَّغْوِ ، مَا كَانَ فِي الْمِرَاءِ ، وَالْهَزْلِ ، وَالْمُزَاحَةِ ، وَالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَأَيْمَانُ الْكَفَّارَةِ كُلُّ يَمِينٍ حَلَفَ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْأَمْرِ ، فِي غَضَبٍ أَوْ غَيْرِهِ ، لَيَفْعَلَنَّ ، أَوْ لَيَتْرُكَنَّ ، فَذَلِكَ عَقْدُ الْأَيْمَانِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيهَا الْكَفَّارَةَ .وَلِأَنَّ اللَّغْوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْكَلَامُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ .وَهَذَا كَذَلِكَ .وَمِمَّنْ قَالَ : لَا كَفَّارَةَ فِي هَذَا ؛ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَأَبُو مَالِكٍ ، وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى ، وَالْحَسَنُ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَمَالِكٌ .وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ .وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ، انتهى كلامه رحمه الله تعالى
أمَّا إذا حلف الإنسان على غيره أن يفعل شيئا ما أو يتركه قاصدا عقد اليمين فهي اليمين التي تجب فيها الكفارة في حال عدم الوفاء بها عند جمهور أهل العلم ، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (7|293) ما نصُّه : " ومن حلف على غيره أن يفعل معصية أو يترك واجبا لم يجز إبراره , بل يجب تحنيثه ; لحديث : ( لا طاعة لأحد في معصية الله تبارك وتعالى، ومن حلف على غيره أن يفعل مكروها أو يترك مندوبا فلا يبره، بل يحنثه ندبا، لأن طاعة الله مقدمة على طاعة المخلوق ).
ومن حلف على غيره أن يفعل مندوبا أو مباحا، أو يترك مكروها أو مباحا فهذا يطلب إبراره على سبيل الاستحباب، وهو المقصود بحديث الأمر بإبرار القسم الذي رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام) وظاهر الأمر الوجوب، لكن اقترانه بما هو متفق على عدم وجوبه - كإفشاء السلام - قرينة صارفة عن الوجوب، ومما يدل على عدم الوجوب أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر رضي الله عنه، فقد روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما حديثا طويلا يشتمل على رؤيا قصها أبو بكر رضي الله عنه وجاء في هذا الحديث ( أنه قال لرسول الله بأبي أنت وأمي: أصبت أم أخطأت؟ فقال: أصبت بعضا وأخطأت بعضا، قال: فوالله لتحدثني بالذي أخطأت، قال: لا تقسم)، فقوله صلى الله عليه وسلم " لا تقسم " معناه لا تكرر القسم الذي أتيت به ; لأني لن أجيبك , ولعل هذا الصنيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز , فإنه عليه الصلاة والسلام لا يفعل خلاف المستحسن إلا بقصد بيان الجواز، وهو يدل على أن الأمر في الحديث السابق ليس للوجوب، بل للاستحباب ".وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - بين الحلف على من يظنُّ أنَّه يطيعه، والحلف على من لا يظنُّه كذلك، فقال : من حلف على غيره يظنُّ أنَّه يطيعه فلم يفعل، فلا كفارة لأنُّه لغو، بخلاف من حلف على غيره في غير هذه الحالة، فإنَّه إذا لم يطعه حنث الحالف ووجبت الكفارة عليه وهو الصواب ، والله تعالى أعلم .
زياد عوض غير متواجد حالياً