عرض مشاركة واحدة
قديم 30-05-10, 10:51 PM   #2
ام محمد الظن
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 06-02-2010
المشاركات: 280
ام محمد الظن is on a distinguished road
افتراضي

ماسرّ إضافة العباد إلي الله( عزَّ وجلّ _في هذه الآية؟
بعض الواعظين سئل في مجلس وعظه عن سر الإضافة في قوله تعالي:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾(الزمر:53) .
الإضافة إضافة العباد إلى الله:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ ﴾ ، قال له: سُئِلَ عن سر إضافة العباد إلى الله في هذه الآية ؟ فأجابه ببيتين من الشعر ضج المجلس بالبكاء بعد سماع هذين البيتين ، قال له ذلك الواعظ:

وهان عليَّ اللومُ في جنبِ حُبِّها
وقولُ الأعادي إنَّهُ لخليـعُ
أصمُّ إذا نوديتُ باسمــي وإنني
إذا قيل لي يا عبدَها لسميعُ
هذان البيتان تحتهما معنىً كبير ، يقول :
أصمُّ إذا نوديتُ باسمــي وإنني
إذا قيل لي يا عبدَها لسميعُ
إذا قلت له يا فلان لا يسمع ,هذا يدل على تمام عبوديتها لها ، وطبعًا هذا الواعظ قصد معنىً آخر ، حتى الشعراء في هذا الباب الذين يتكلمون في المحبة وغيره ، إنما يقصدون محبة الله ، إنما يضربون المثل بالكلام عن بين آدم .
إذا قيل لي يا عبدَها لسميعُ.
كأنما يريد أن يقول أنا تركت حظ نفسي لهواها ، تريد أن تفعل الشيء الذي تحبه أنت ، لكن حبيبك يكرهه ، قانون الحب يأبى عليك أن تفعل ضد ما يريد حبيبك ، وكما قلت هذا قانون إنما رُكز في الطبع .
أنظر مثلًا سِنون بن احمد الذي يسمى سِنون المحب ، لكثرة كلامه في المحبة قال بيتين من الشعر في منتهى الجمال في هذا المعني ، يقول:
ولو قِيل طأ في النار أعلمُ أنه
رضًا لك أو مدنٍ لنا من وصالك
لقدمت رجلي نحوها فوطأتها
سرورًا لأني قد خطرتُ ببالــك
يقول: ولو قِيل طأ في النار أعلمُ أنه: أي ضع قدمك في النار ، أنا على استعداد بشرط أن يكون ما أفعله رضًا لك ، أو على الأقل يقربني منك ، أو مدنٍ لنا من وصالك
لقدمت رجلي نحوها فوطأتها
سرورًا لأني قد خطرتُ ببالــك
مجرد أن يخطر اسمي على بالك هذا كافٍ عندي أن أضع قدمي في النار ، وهو يريد بهذا معنيً أكبر من هذا طبعًا .
يريد أن يقول: يا ربي لو أنني أعلم أنني مذكورٌ عندك في الملأ الأعلى وقلت لي ضع قدمك في النار لوضعتها ، شريطةَ أن أضمن أنني مذكور عندك ، وقد ورد هذا في كلام الله- سبحانه وتعالي-:﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا(النساء:66-68) .
الشاهد من الآية:يقول ربنا - عز وجل- في هذه الآية ولو أني قلت لواحد من هؤلاء العباد أقتل نفسك ، أو اخرج من دارك لم يستجيب لأمري إلا قليلٌ من البشر ولو أن واحدًا منهم استجاب لما أقول لكان خيرًا له وأشد تثبيتًا ، وإذًا لأتيته من لدني أجرًا عظيمًا ، ولهديته صراطًا مستقيمًا ، فجعل الخروج من الدار مساويًا للقتل ، أقول هذا لتعلموا فضل الصحابة الأوائل الذين تركوا ديارهم وأموالهم وملاعب صباهم وهاجروا إلى الله ورسوله .
فضل الصحابة الأوائِل.
في آية في سورة النساء قال الله- عز وجل-:﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (النساء:100)،
سبب نزول الآية: رجلٌ كبير في السن كان يسكن في مكة بعد هجرة النبي- عليه الصلاة والسلام- إلي المدينة ، ونحن نعلم أن الله – عز وجل – قد وضع وجوب الهجرة عن الرجال الكبار وعن النساء وعن الصبيان وأوجبها على كل قادر ، فهذا رجل معذور ، عذره الله لكبر سنه .
لكنه لم يتحمل برودة الكفر في مكة ويتخيل الصحابة وكيف يصلون خلف النبي- صلي الله عليه وسلم- وكيف يصافحون وجهَهُ كل يوم ، لم يتحمل أن يعيش في مكة ، فخرج من مكةَ إلى المدينة ، ومن مكةَ إلى المدينة قرابة أربعمائة وخمسين كيلو متر ، وهي مسافة طويلة وكثير منكم ذهب إلى الحج أو ذهب إلى العمرة ويعلم المسافة من مكة إلى المدينة ، وبينما هذا الرجل يسير في الطريق بعدما قطع مرحلةً منه إذ أدركته الوفاة سيموت ، وشعر بدنو منيته ، فماذا فعل هذا الرجل ؟ ضرب كفًا بكف ، لم يضرب كفًا بكف ندمًا على ما فعل كما نفعل نحن مثلًا إذ لم يعجبنا شيئًا نضرب كف بكف أي ضاعت أو راحت .
لا ، ضرب كفًا بكف ، ضرب الكف الأولى هكذا وقال: اللهم هذه بيعتي لك ، وضرب كفه الأخرى وقال: اللهم هذه بيعتي لنبيك ، فنزلت الآية:
ملحوظة: هنا بكي شيخنا حرَّم الله عينك علي النار ياشيخنا وأدخلك الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب.
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ لم يعين له جزاءًا ولا أجرًا ، أنما قال: أجره عليَّ أنا.
إبهام الأجر دلالة على عظم الجزاء .
كما قال- صلي الله عليه وسلم-:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمريء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها " .
لم يقل فهجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، إنما قال:" فهجرته إلى ما هاجر إليه " للدلالة على تحقير ما هاجر إليه ، بخلاف الشطر الأول " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله " لم يقل فجزاؤه جنات عدن أو جنة الفردوس لم يعين له جزاءًا ، اتحد الشرط والجزاء للدلالة على عظم الجزاء مبهم .
﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ ، لا تضع رقمًا ، لا تضع جزاءًا ، فهذا الرجل إنما خرج من مكة إلى المدينة ليلتحق بركب المؤمنين .
أرجع فأقول الركن الأول من أركان المحبة من أركان العبودية هو: تمام الحب الحب يعطيك قوة ويعطيك ثقة .
ألم تري إلى عنترة بن شداد وكان مشهوراً بالشجاعة والجرأة والإقدام ، لما أراد أن يستلهم قدرةً على القتال والجلد فيه ذكر حبيبته في ميدان القتال يقول عنترة:
ولقد ذكرتُكِ والرماحُ نواهلٌ مني
وبيضُ الهندِ تقطُرُ من دمي
فودِدتُ تقبيلُ السيوفِ لأنــها
بَرِقت كبارقِ ثغركِ المتبسمِ
أخذ قوة بذكر من يحب ، هذا المعني الذي هو في طبع بني آدم مذكور في القرءان ، ذُكِر في كلام الله- تبارك وتعالي- ، قال الله- عز وجل-:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾(الأنفال:45)
لأن ذكر الله- عز وجل- في موطن الخوف هو عز الأمن .
فالإنسان إذا ذكر من يحب اكتسب قوةً ذاتية ، وإذا عرف كما قال القائل: (من عرف شرف ما يطلب هان عليه ما يبذل )



توقيع ام محمد الظن
http://tafregh.a146.com/index.php
مكتبة التفريغات الإسلامية تحميل مباشر

التعديل الأخير تم بواسطة ام محمد الظن ; 30-05-10 الساعة 11:04 PM
ام محمد الظن غير متواجد حالياً