عرض مشاركة واحدة
قديم 03-05-10, 12:35 PM   #36
|علم وعمل، صبر ودعوة|
افتراضي

و متع بصرك و بصيرتك بقراءة التراجم و السير لأئمة مضوا، ترَ فيها بذل النفس في سبيل هذه الحماية، لا سيما من جمع مُثُلا في هذا، مثل كتاب ((من أخلاق العلماء)) لمحمد سليمان رحمه الله تعالى، و كتاب ((الإسلام بين العلماء و الحكام)) لعبد العزيز البدري رحمه الله تعالى، و كتاب ((مناهج العلماء في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر)) لفاروق السامرائي. و أرجو أن ترى أضعاف ما ذكروه في كتاب ((عزة العلماء)) يسر الله إتمامه و طبعه. و قد كان العلماء يلقِّنون طلابهم حفظ قصيدة الجرجاني علي بن عبد العزيز (ت392هـ) رحمه الله، كما نجدها عند عدد من مترجميه، و مطلعها:
يقولون لي فيك انقباض و إنما :: رأوا رجلا عن موضع الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم :: و من أكرمته عزة النفس أكرما
و لو أن أهل العلم صانوه صانهم :: و لو عظموه في النفوس لعظما
شرح الشيخ رحمه الله :
هذا الضبط فيه نظر، و الظاهر: و لو عظموه في النفوس لعُظِّما؛ أي لكان عند الناس عظيما، لكنهم لم يعظموه في النفوس بل أهانوه و بذلوه بكل غالٍ و رخيص. و هذه مرت علي في البداية و النهاية لابن كثير في ترجمة الناظم الذي نظمها، و إن كانت توجد في غيرها.
المتـن:
47- صيانة العلم:
إذا بلغت منصبا فتذكر أن حبل الوصل إليه طلبك للعلم، فبفضل الله ثم بسبب علمك بلغت ما بلغت من ولاية التعليم أو الفتيا أو القضاء... و هكذا فأعط العلم قدره و حظه من العلم به و إنزاله منزلته.
و احذر مسلك من لا يرجون لله وقارا؛ الذين يجعلون الأساس حفظ المنصب، فيطوون ألسنتهم عن قول الحق و يحملهم حب الولاية على المجاراة، فالزم -رحمك الله- المحافظة على قيمتك بحفظ دينك و علمك و شرف نفسك بحكمة و دراية و حسن سياسة، احفظ الله يحفظك، احفظ الله في الرخاء يحفظك في الشدة.
شرح الشيخ ـ رحمه الله ـ :
إذا أراد بهذا الحديث فليس هذا لفظه، بل لفظه ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)) و الجملة الثانية ((تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)). يريد بهذا الأدب أن الإنسان يصون علمه فلا يجعله متبذلا؛ بل يجعله محترما معظما، فلا يلين في جانب من يريد الحق بل يبقى طودا شامخا ثابت، أما أم يجعله الإنسان سبيلا إلى المداهنة و إلى المشي فوق بساط الملوك و ما أشبه ذلك فهذا أمر لا ينبغي، و لا يكون الإنسان صائنا لعلمه إذا سلك هذا المسلك. و الواجب قول الحق، لكن الحق قد يكون في مكان دون مكان، و الإنسان ينتهز الفرصة فلا يفوّتها و يحذر الزلة فلا يقع فيها، فقد يكون من المستحسن ألا أتكلم في هذا المكان بشيء و أتكلم في موضع آخر؛ لأني أعلم أن كلامي في الموضع الآخر أقرب إلى القبول و الاستجابة، فلكل مقام مقال؛ و لهذا يقول "بحكمة و دراية و حسن سياسة"؛ بحيث يتكلم إذا كان للكلام محل و يسكت إذا كان ليس للكلام محل، ز قوله -صلى الله عليه و سلم- ((احفظ الله يحفظك)) يعني احفظ حدود الله؛ كما قال الله تعالى: ((الحافظون لحدود الله)) -التوبة:112-؛ فلا ينتهكونها بفعل محرم و لا يضيعونها بترك واجب.
...وقوله ((يحفظك)) يعني في دينك ودنياك وفي أهلك ومالك فإن قال قائل إننا نرى بعض الحافظين لحدود الله يصيبهم ما يصيبهم فنقول : هذا زيادة تكفير سيئاتهم ورفعة درجاتهم ولا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم ((أحفظ الله يحفظك .تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة )) قوله "يعرفك " لا تظن أن الله تعالى لا يعرف الإنسان إذا لم يتعرف إليه لكن هذه معرفه خاصة فهي كالنظر الخاص المنفي عمن نفى عنه كما في قوله تعالى {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مع أن الله لا يغيب عن نظره شئ لكن النظر , نظران:نظر خاص , ونظر عام .كذلك المعرفة :معرفة خاصة ومعرفه عامه والمراد هنا المعرفة الخاصة .
بقي أن يقال إن المشهور عند أهل العلم أن الله تعالى لا يوصف بأنه عارف يقال عالم ولا يقال عارف وفرقوا بين العلم والمعرفة بأن المعرفة تكون للعلم اليقيني والظني وأنها -أي المعرفة- انكشاف بعد خفاء .وأما العلم فليس كذلك فنقول ليس المراد بالمعرفة هنا ما أرادوه الفقهاء أو الأصوليون إنما المراد بالمعرفة هنا : أن الله تعالى يزداد عناية لك ورحمه بك مع علمه بأحوالك عز وجل
وأن أصبحت عاطلاً من قلادة الولاية وهذا سبيلك ولو بعد حين فلا بأس فإنه عزل محمدة ولا عزل مذمة ومنقصة
هذه قاعدة مهمة وهي أن الإنسان إذا أصبح عاطلا عن قلادة الولاية -وهذا سبيلك ولو بعد حين - يعني سوف تترك الولاية ولو بقيت في الولاية حتى الموت فإنك ستتركها لا بد وقوله :((فلا بأس فإنه عزل محمدة ولا عزل مذمة ومنقصة)) هذا أيضا ليس على عمومه ,لان من الناس من يعزل عزل محمدة وعزة لكونه يقوم بالواجب عليه من الملاحظة والنزاهة ,ولكن يضيق على من تحته فيحفرون له حتى يقع وهذا كثير مع الأسف ومن الناس من يعزل لأنه قد تبين أنه ليس أهلا للولاية فهل هذا العزل عزل محمدة أم عزل مذمة ؟ عزل مذمة لا شك
المتن :
ومن العجيب أن بعض من حرم قصداً كبيراً من التوفيق لا يكون عنده الالتزام والإنابة والرجوع إلى الله إلا بعد ( التقاعد ) فهذا وأن كانت توبته شرعيه لكن دينه ودين العجائز سواء إذ لا يتعدى نفعه أما وقت ولايته حال الحاجة إلى تعدي نفعه فتجده من أعظم الناس فجوراً وضرراً أو بادر القلب أخرس اللسان عن الحق فنعوذ بالله من الخذلان
شرح الشيخ ـ رحمه الله ـ :
من العجب أن بعض الناس إذا عزل عن الولاية وترك المسئولية ازداد إنابة إلى الله عز وجل لأنه عُزل في حالة يحمد عليها فلجأ إلى الله وعرف أنه لا يغنيه أحد عن الله عز وجل وعرف افتقاره إلى الله تبارك وتعالى فصلحت حاله وأن كان انفصاله إلى غير ذلك فربما يمن الله عليه بالتوبة لتفرغه وعدم تحمله المسئولية فيعود إلى الله تبارك وتعالى
وأما قوله (( وأما في وقت ولايته وقت تعدي نفعه فتجده من أعظم الناس فجورا وضرراً)) هذا موجود بلا شك لكنه ليس فساد الناس والحمد لله لكن من الناس من يكون متهاونا في أداء وظيفته فإذا تركها رجع إلى الله عز وجل .
المتـن :
48- المداراة لا المداهنة:
المداهنة خلق منحط أما المداراة فلا ، لكن لا تخلط بينهما فتحملك المداهنة إلى حضار النفاق مجاهرة والمداهنة هي التي تمس دينك .
شرح الشيخ ـ رحمه الله ـ :
لا بد أن تعرف ما الفرق بين المداهنة والمداراة
المداهنة : أن يرضي الإنسان بما عليه قبيله كأن يقول لكم دينكم ولي دين ويتركهم
وأما المداراة فهو أن يعزم في قلبه على الإنكار عليه ولكنه يداريه فيتألفه تارة ويؤجل الكلام تارة أخرى وهكذا حتى تتحقق المصلحة
فالفرق بين المداراة والمداهنة ,أن المداراة يراد بها الإصلاح لكن على وجه الحكمة والتدرج في الأمور
وأما المداهنة فإنها الموافقة ولهذا جاءت بلفظ الدهن لأن الدهن يسهل الأمور والعامة يقولون في أمثالهم :أدهن السيل يسير يعني أعط الرشوة إذا أردت أن تمشي أمورك
و المطلوب من طالب العلم المداراة
المتن :
49- الغرام بالكتب :
شرف العلم معلوم نفعه وشدة الحاجة إليه كحاجة البدن إلى الأنفاس وظهور النقص بقدر نقصه وحصول اللذة والسرور بقدر تحصيله ولهذا اشتد غرام الطلاب بالطلب والغرام بجمع الكتب مع الانتقاء ولهم أخبار في هذا تطول وفيه مقيدات في ((خبر الكتاب)) يسر الله إتمامه وطبعه وعليه فأحرز الأصول من الكتب واعلم أنه لا يغني منها كتاب عن كتاب ولا تحشر مكتبتك وتشوش على فكرك بالكتب الغثائيه لا سيما كتب المبتدعة
فإنها سم ناقع
شرح الشيخ ـرحمه الله ـ :
جمع الكتب مما ينبغي لطالب العلم أن يهتم به ولكن يبدأ بالأهم فألاهم فإذا كان الإنسان قليل الراتب فليس من الخير لا من الحكمة أن يشتري كتب كثيرة يلزم نفسه بغرامة قيمتها فإن هذا من سوء التصرف ولذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم
الرجل الذي أراد أن يزوجه ولم يجد شيئا وأن يقترض ويستدين
واحرص على كتب الأمهات الأصول دون المؤلفات الحديثة لان بعض المؤلفين حديثا ليس عنده علم راسخ ولهذا إذا قرأت كتابا
ما تجد انه سطحي قد ينقل الشيء بلفظه وقد يحرفه إلى عبارة طويلة لكنها غثاء
فعليك بالأمهات ، عليك بالأصل ككتب السلف فإنها خير وأبرك بكثير من كتب الخلف
ثم أحذر أن تضم مكتبتك التي ليس فيها خير لا أقول التي
فيها ضرر بل أقول التي ليس فيها خير لان الكتب تنقسم إلى ثلاثة أقسام خير وشر ولا خير ولا شر
فأحرص أن تكون مكتبتك خالية من الكتب التي ليس فيها خير أو التي فيها شر هناك كتب يقال أنها كتب أدب لكنها تقطع الوقت وتقتله
من غير فائدة هناك كتب غامضة ذات أفكار معينه ومنهج معين فهذه أيضا لا تدخل مكتبتك ، سواء كان هذا في المنهج أو في العقيدة ككتب المبتدعة في العقيدة و كتب الثورية في المنهج لأنها ضارة لأن الكتب غذاء للروح كالطعام و الشراب للبدن فإذا تغذيت بمثل هذه الكتب صار عليك ضرر عظيم و اتجهت اتجاه آخر خلاف ما ينبغي لطالب العلم
و ينبغي أيضا العناية بالكتب
عمادة إشراف معهد العلوم الشرعية العالمي غير متواجد حالياً