أما الذين سعدوا ففى الجنة خـالدين .. جنة لا يعلم ما أُعـِدَّ فيها من كرامة لأوليائه - إلا العزيز الغفار . (( فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ))([1]).
ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب ذُرِّي في السماء إضاءة ، لا يبولون ولا يتغوطون ، ولا يتفلون ، ولا يمتخطون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة – عود الطيب – أزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً فى السماء ))([2]).
ويكفي أخى الكريم : أن تقف على أدنى أهل الجنة منـزلة لتعلم قدر أعلى أهل الجنة ففى صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (( سأل موسى ربه جل وعلا فقال : يارب ما أدنى أهل الجنة منـزلة ؟ فقال هو : رجل يجيء بعد أن أُُدخل أهل الجنة الجنة ، فيقال له : ادخل الجنة ، فيقول : أى رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم ؟! فيقال : له أترضى أن يكون لك مثل مُلْك مَلِكٍ من ملوك الدنيا ؟ فيقول رضيت رب ، فيقال : لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله ، فيقول فى الخامسة : رضيت رب ، فيقول هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك .
فيقول موسى : يا رب هذا أدنى أهل الجنة منـزلة فما أعلاهم منـزلا قال الله : ذلك الذي أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليهم فلم ترى عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب بشر ))([3])
أيها المسلمون : إن أعلى نعيم أهل الجنـة هو النظر إلى وجه الله جل وعلا قال تعالى : (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22)إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ))
[ القيامة : 22-23 ]
ففى صحيح مسلم من حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تعالى : يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك ،فيقول : هل رضيتم ؟! فيقولون : يا ربنا قد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ، وما لنا لا نرضى ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ، فيقولون : أى شىء أفضل من ذلك ، فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا ))([4]).
وفى رواية أبى سعيد : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى الله عز وجل : قال تعالى : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ))
والزيادة هي النظر إلى وجه الله تعالى .
والسؤال الأخير : إذا كان الأمر كذلك فمتى ستتوب ؟!!
والجواب : بعد جلسة الاستراحة وأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ..
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحـابه وأحبابه و أتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد : فيا أيها الأحبة الكرام أيها الآباء الفضلاء .. وأيها الأخوات الفضليات وأيها الشباب متى سنتوب ؟! متى سنرجع إلى علام الغيوب ؟!
أما آن لقلوبنا أن تخشع ، وأن ترجـع وأن تخضع لله رب العالمـين إن الموت يأتى بغته ، وإن أقرب غائب ننتظره هو الموت فلا تسوف التوبة ، وعاهد الله من الآن أن تقف عند حدوده وأن تراقبه فى سرك وعلانيتك .. فى خلوتك وجلوتك ، وأن تحرص على مجالس العلم وأن تفرغ لها من الوقت والجهد والمال فإن مجالس العلم تجدد الإيمان في القلب ، وتحول بينك وبين معصية الله عز وجل لأن مجلس العلم طريق إلى الجنة وطريق يبعدك عن النار كما قال نبيك المختار : (( ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سَهَّلَ الله له طريقاً إلى الجنة ))([5]).
أحبتي فى الله …
فلنرجع ونتوب من الآن إلى الله تعالى توبة صـادقة مهما بلغت ذنوبنا ونعاهد الله تعالى من الآن على أن نعود إليه و أن نجـدد التوبة والأوبة ونحن على يقين أنه سبحانه يفرح بتوبة عبده المؤمن وهو الغـني عنا الذى لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية قال تعالى : ] قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُــوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنـُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُـورُ الرَّحِيمُ [ [ الزمر : 53 ]
وأذكركم أحبتي فى الله أن التوبة لها شروط حتى يقبلها الله تبارك وتعالى وأول شرط فيها : أن تقلع عن الذنب ثم الندم على ما مضى ، ولا تباهي ولا تتفاخر أنك فعلت وفعلت ثم تعمل الصالحات .
قال تعالى : ] إِلاَّ مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [ [ الفرقان : 70 ]
وفي الحديث القدسي الذي رواه الترمـذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى : (( يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ))([6])
00000 الدعــاء
([1]) رواه البخـارى رقم ( 3244 ) فى بدء الخلـق ، باب ما جاء فى صفة الجنة ، مسلم رقم
( 2845 ) فى الجنة فى فاتحته ، والترمذى رقم ( 3195 ) فى التفسير .
([2]) رواه البخـارى رقم ( 3245 ) فى بدء الخلق ، باب أول ما جاء فى صفة الجنة ، ومسلم
( 2834 ) فى الجنة ، باب أول زمرة يدخلون الجنة على صورة ليلة القمر البدر ، و الترمذى
( 2540 ) فى صفة الجنة .
([3]) رواه مسلم رقم ( 189 ) فى الإيمـان ، باب أدنى أهل الجنة منـزلة فيها والترمذى رقم
( 3196 ) فى التفسير ، باب ومن سورة السجدة .
([4]) رواه البخارى ( 6549 ) فى الرقاق ، باب صفة الجنة والنار ، ومسلم رقم ( 2829 ) فى
صفة الجنة ، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة ، والترمذى ، ( 2558 ) فى صفة الجنة
([5]) رواه مسلم رقم ( 2699 ) فى الذكر والدعاء ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القـرآن
وعلى الذكر ، وأبو داود رقم ( 4946 ) فى الأدب باب فى المعونة للمسلم ، والترمذى
رقم ( 1425 ) فى الحدود ، باب ما جاء فى الستر على المسلم .
([6]) الترمذى رقم ( 3534 ) فى الدعوات ، باب رقم ( 106 )