باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعــد :
سبق منا الإشارة إلى كيفية تعبيره عليه السلام ، بجميل أفعال كرام ، و بصريح من أطايب الكلام ، لما يُكِّن من رائق مشاعره لأمه وزوجه وذريته عليهم جميعا من الله السلام ، قد سنّ بذلك لأتباعه إلى يوم القيامة سنة ، فليقتدِ بسيرته - لزاما- كل من أراد الجنة ، فلله كل الحمد على رحمته بخلق والمنة .
** قلنــــــــــا :
ليست المحبة محض تعبير بألفاظ وكلمات ، ولكنها مواقف تُعاش تُعاين فيها مشاعر حسان رائقات ، يتبادل فيها الخلق فيما بينهم فيض من الرحمات .
* أمـــــــــا الـــــــــآن :
(4) - كيف جعل بحسن خلقه قلوب أصحابه تهوي إليه ، تطوف نفوسهم وقلوبهم برائق وداد و فائض حب تغدقه عليه ،فملك بجميل رحمته عليهم من النفوس جماعها ، و تعمق بكريم عشرته لهم حتي مسّ من القلوب شغافها .
** وهاكم باقة ضيّاعة من أطايب صحيح الأحاديث ، تفيض بأعطر ذكرى لخلق عالٍ رائق نفيس .
&& أولا : بأبي أنت وأمي يامثل النقاء ، أسما خلق الله سريرة وصفاء :
=*عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : (( لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر قال : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مال فقسمه قال : فمررت برجلين وأحدهما يقول لصاحبه : والله ما أراد محمد بقسمته وجه الله ولا الدار الآخرة فتثبت حتى سمعت ما قالا ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إنك قلت لنا لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا وإني مررت بفلان وفلان وهما يقولان كذا وكذا قال : فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق عليه ثم قال : دعنا منك فقد أوذي موسى بأكثر من ذلك ثم صبر. )) حسّنه الشيخ : أحمد شاكر في تحقيقه لمسند أحمد / رقم : 5/286
&& ثانيا : مؤدب بلا تحريج :
=* عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : (( كان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم – إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل : ما بال فلان يقول, ولكن يقول : ما بال أقوام يقولون كذا وكذا . ))
صححه الوادعي في : الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين / رقم: 1612
&& ثالثا : معلم يتلطف في تعليمه :
*= عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -:((إنما أنا لكم بمنزلة الوالد, أعلمكم, فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها, ولا يستطب بيمينه, وكان يأمر بثلاثة أحجار, وينهى عن الروث والرمة . )) حسنه الوادعي في : الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين / رقم: 1341
=* عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : (( يا معاذ قلت : لبيك ، قال : إني أحبك قلت : و أنا و الله ، قال : ألا أعلمك كلمات تقولها فى دبر كل صلاتك قلت : نعم ، قال : قل : اللهم أعني على ذكرك و شكرك ، و حسن عبادتك .)) صحيح الأدب المفرد / رقم: 533
&& رابعا : مداعب متقرِّب لطيف :-
*= عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال : (( مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ارموا بني إسماعيل ، فإن أباكم كان راميا ، وأنا مع بني فلان ) . قال : فأمسك أحد الفريقين بأيديهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما لكم لا ترمون ) . فقالوا : يا رسول الله نرمي وأنت معهم ، قال : ( ارموا وأنا معكم كلكم ) . )) صحيح : البخاري / رقم: 3373
&& خامسا : معبر عن حبّه برائق قاله وجميل فعاله :
=* عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : (( جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها صبي لها ، فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( والذي نفسي بيده ، إنكم أحب الناس إلي ) . مرتين . )) صحيح : البخاري / رقم: 3786
= * عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : (( مر أبو بكر والعباس - رضي الله عنهما- بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون ، فقال : ما يبكيكم ؟ قالوا : ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا ، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ، قال : فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد ، قال : فصعد المنبر ، ولم يصعده بعد ذلك اليوم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( أوصيكم بالأنصار ، فإنهم كرشي وعيبتي ، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم ، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم )) . صحيح : البخاري / رقم: 3799
&& سادسا : و على أولاد أصحابه الكرام يعطف ، يداعبهم يتودد إليهم برقة متلطف :
=* عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم . فأتي بصبي فبال عليه . فدعا بماء . فأتبعه بوله ولم يغسله . )) صحيح مسلم / رقم : 286
= * عن أم خالد أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص - رضي الله عنها - قالت : (( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي قميص أصفر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سنه سنه ) . قال عبد الله : وهي بالحبشية : حسنة ، قالت : فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دعها ) . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أبلي وأخلقي ، ثم أبلي وأخلقي ، ثم أبلي وأخلقي )) . قال عبد الله : فبقيت حتى ذكر ، يعني من بقائها .---- صحيح : البخاري / رقم: 5993
=* عن محمود بن الربيع الأنصاري - رضي الله عنه - قال : (( عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي ، وأنا ابن خمس سنين ، من دلو . ))صحيح : البخاري / رقم: 77
=* عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال : (( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى . ثم خرج إلى أهله وخرجت معه . فاستقبله ولدان . فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا . قال : وأما أنا فمسح خدي . قال فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار .)) صحيح مسلم / رقم : 2329
&& سابعا : يشارك بفيض حنانه أيتامهم فيبكي لبكائهم يشاطرهم أحزانهم يواسيهم في مصابهم :
=*عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : (( لما قتل زيد بن حارثة, أبطأ أسامة عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فلم يأته . ثم جاءه بعد ذلك, فقام بين يدي النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فدمعت عيناه . فبكى رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فلما نزفت عبرته قال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لم أبطأت عنا ثم جئت تحزننا ؟ قال : فلما كان الغد جاءه . فلما رآه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - مقبلا قال : إني للاق منك اليوم, ما لقيت منك أمس فلما دنا دمعت عينه, فبكى رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - . )) صححه الوادعي في : الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين / رقم: 842
&& فمن ألين من الحبيب فؤادا ، وأملك لشغاف القلوب ودادا ؟
= * عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : (( استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهن على صوته ، فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب ، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك ، فقال : أضحك الله سنك يا رسول الله بأبي أنت وأمي ؟ فقال : ( عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، لما سمعن صوتك تبادرن الحجاب ) . فقال : أنت أحق أن يهبن يا رسول الله ، ثم أقبل عليهن فقال : يا عدوات أنفسهن ، أتهبنني ولم تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلن : إنك أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إيه يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده ، ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك )) . صحيح : البخاري / رقم: 6085
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا = منها وما يتعشق الكبراء
زانتك في الخلق العظيم شمائل = يُغرى بهن ويولع الكرماء
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى = وفعلت ما لا تفعل الأنواء
وإذاعفوت فقادرا ومقدرا = لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أم أو أب = هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا خطبت فللمنابر هزة = تعرو الندى وللقلوب بكاء
وإذا أخذت العهد أو أعطيته = فجميع عهدك ذمة ووفاء
ولمـــــا ينتهي سِمط الكلام ، عن نبينا وصحبه الغرّ الكرام .
يُتبــــــــع
|