يقول الشيخ : (و المعنى أن هذه الثلاثة تستصلح القلب فمن تخلق بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر).
المعنى: إذا وُجِدَت هذه الثلاثة( الإخلاص والمناصحة ولزوم جماعة المسلمين) طَهُرَ القلب فلا يدخله غل ولا دغل ولا شر، فالمناصحة ولزوم جماعة المسلمين سببها الإخلاص لأن ضد الإخلاص الهوى فالهوى هو الذي يجلب الغش فلا ينصح المسلمين، والهوى هو الذي يحمل على الافتراق أن يفرق جماعة المسلمين، فإذا أخلص العمل نصح لأئمة المسلمين ولزم الجماعة، وإذا لم يخلص يكون اتبع هواه فدخل قلبه الغل والغش والدغل.
(ولا يتخلص العبد من الشيطان إلا بالإخلاص لقول الله تعالى: ﴿ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 40] ويُروي أن أحد الصالحين كان يقول لنفسه: أخلصي تتخلصي. وكل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ويميل إليه القلب قل أم كثر إذا تطرق إلى العمل – أي عمل الطاعات العبادات- تكدر به صفو العمل وزال به إخلاصه).
فممكن يتكدر، ممكن يزول الإخلاص، يعني لا يشترط أن يزول الإخلاص كلية بأي كدر، وإنما ممكن يتأثر الإخلاص يتكدر وممكن يزول، ومعنى يزول الإخلاص ، حصل إنسان ما على مائة في المائة، نريد أن نقول الإخلاص مائة في المائة، فلو حصل سين من الناس علي تسع وتسعين بالمائة فبذلك قد نقص، فكلمة خالص أي لا يوجد به شوائب لو أن به شوائب واحد في المائة، لا يقال عنه خالص، يقال هذا نسبة الخلوص فيه تسع وتسعون في المائة، ولكن لمسألة الترجيح، يقول مثلا هذا خالص، لما رجح فيه الخلوص وقلت الشوائب، فقوله قل أم كثر إذا تطرق إلى العمل زال به الإخلاص أي وصف خالص مائة في المائة يزول بأي كدر، لأنه دخل فيه شائبة فانتفى عنه وصف خالص مائة في المائة، إنما أصل الإخلاص يزول فينقلب من عمل، العبد فيه مخلص لله U وراجح فيه الإخلاص إلى عمل فيه محض الرياء ليس هذا هو المعنى المقصود، ولذلك هذا مركب النجاة،.
هذه المسألة هي التي ستفسر الكلام القادم بعد ذلك، لأني عندما أقول لك الإخلاص عزيز.
مثال: فلو سجد أحدنا سجدة خالصة لوجه الله فبهذا المعنى أنها خالصة مائة بالمائة، ليس فيها أي شائبة،لكن لو أنني واقف أصلي ولم أضع يدي في موضعها الصحيح أثناء القيام، ولم أنتبه لذلك، إلا عندما دخل علي داخل،فعدلت وضع يدي، فهذه الحركة ضبط وضع اليد ، لن تبطل الصلاة إنما ستدخل شائبة في الصلاة و.
مثال آخر: كذلك لو إنسان يصلي وأثناء سجوده لم تكن قدمية منصوبتان، ولم ينتبه لذلك، فلم دخل عليه داخل ما نصب رجليه فهذه شائبة دخلت في الصلاة، لأنه عمل ذلك مراعاة لرؤية الناس،فهنا نسي رؤية الله تبارك وتعالي وتذكر رؤية الناس، والإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلي الخالق، .
يقول: (والإنسان مرتبط في حظوظه منغمس في شهواته قلما ينفك فعل من أفعاله وبعادة من عباداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس، فلذلك قيل طوبى لمن صحت له خطوة لم يرد بها إلا وجه الله،.
فالإخلاص تنقية القلب عن الشوائب كلها قليلها وكثيرها_.سواء رياء أو عجب أو غير ذلك_حتى يتجرد فيه قصد التقرب لله فلا يكون فيه باعث سواه، والشيطان قد يحاصر العبد ويحبط له كل عمل ولا يكاد يخلص له عمل واحد، وإذا خلص عمل واحد فقد ينجو به العبد).
فقليل من الأعمال ينجي صاحبه ،لو كان خالصًا لله عز وجل خلوصًا مائة بالمائة حتى لو كان تنحية غصن شوك من طريق المارة حتى لا يتعثروا أثناء سيرهم، فالله عز وجل ينجيك بالعمل البسيط لو كان خالصا مائة بالمائة له تبارك وتعالى.
(قيل للإمام سهل: أي شيء أشد على النفس قال: الإخلاص إذ ليس لها فيه نصيب).
المعنى: حظ من حظوظ الدنيا العاجل، فطلب الدنيا من شوائب الإخلاص والرياء الذي هو طلب المدح عند الناس من شوائب الإخلاص وإتباع الهوى مما يشوبه الإخلاص والعجب مما يشوب الإخلاص فالإخلاص خلوص العمل لله من كل شائبة.
(فالنفس تحب الظهور والمدح والرياسة وتميل إلى البطالة والكسل وزينت لها الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، فأشد شيء على النفس إخلاص النية لله U، قال: أبا أيوب: تخليص النيات على العمال أشد عليهم من جميع الأعمال، وقال بعضهم: إخلاص ساعة نجاة الأبد ولكن الإخلاص عزيز. فينبغي لمن أراد الإخلاص أن يقطع محبة الشهوات من قلبه).
لماذا لا يتيسر الإخلاص على العبد؟ السبب حب الدنيا، لأنه لا يتيسر الإخلاص على من أُشرب قلبه حب الدنيا، فحب الدنيا وإتباع الهوى هو سبب التعب الذي نحن فيه.
(ومن ملأ قلبه بحب الرب U، ويستغرق الهم بالآخرة -هذا يسهل عليه الإخلاص- فمثل هذا لو أكل أو شرب أو قضى حاجته كان خالص العمل صحيح النية، ومن ليس كذلك فباب الإخلاص مسدود عليه إلا على النذور.
فالذي يغلب على قلبه حب الله U وحب الآخرة تكتسب حركاته الاعتيادية صفة همه وتصير أخلاصا، والذي يغلب على نفسه حب الدنيا والعلو والرياسة بالجملة،_يعني حب غير الله_ تكتسب جميع حركاته تلك الصفة فلا تسلم له عبادة من صوم وصلاة وغير ذلك إلا نادرا).
إذًا المفتاح كي تتعلم الإخلاص: تصلح قلبك أن يكون أكبر همك محبة الله والدار الآخرة، وتعالج قلبك من حب الدنيا وإتباع الهوى.
(فإذن الإخلاص كسر حظوظ النفس وقطع الطمع عن الدنيا والتجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب، فإذ ذاك يتيسر الإخلاص، وكم من أعمال يتعب الإنسان فيها ويظن أنها خالصة لوجه الله ويكون فيها من المغرورين، كما حُكيَ عن بعضهم أنه كان يصلي دائمًا في الصف الأول، فتأخر يومًا عن الصلاة فصلي في الصف الثاني فاعترته خجلة من الناس حين رأوه في الصف الثاني، فعلم أن مسرته وراحة قلبه في الصلاة في الصف الأول كانت بسبب نظر الناس إليه ، وهذا دقيق غامض قلما تسلم الأعمال من أمثاله، وقلما من ينتبه له إلا من وفقه الله تعالي.).
يستدل بحكاية هنا من الحكايات والحكايات يكون لها شوائب، والشوائب هذه خطيرة.
(كما حُكيَ عن بعضهم أنه كان يصلي دائمًا في الصف الأول، فتأخر يومًا عن الصلاة فصلي في الصف الثاني فاعترته خجلة من الناس حين رأوه في الصف الثاني، فعلم أن مسرته وراحة قلبه في الصلاة في الصف الأول كانت بسبب نظر الناس إليه -مراعاته لرؤية الناس- وهذا دقيق غامض
توضيح ذلك: كمن يحج حافيًا وماشيًا، يبتغي بذلك وجه الله، ثم وجد أن نفسه تربت على ذلك،أي صبر وجاهد، ثم لما نادته أمه بالليل، ليحضر لها كوبًا من الماء ثقُلَ عليه ذلك، فلما خفت نفسه في الحج وثقلت عند إحضار كوب المياه لأمه؟ الجواب : لما خف عليه الحج كان ذلك لرؤية الناس وهذه شائبة، ولما ثقُل عليه إحضار الماء لأمه لعدم رؤية الناس له.
وهذا دقيق غامض قلما تسلم الأعمال من أمثاله، وقلما من ينتبه له إلا من وفقه الله تعالي.) المعنى:.هذا أمر غامض دقيق يتبين للعبد بالتفتيش والعلو في منزلة الإخلاص ،فلا تستعجل حتى لا يحدث عندك ارتباك، الناس الذين يحاسبون نفسهم على دقائق الأمور يكونوا قد اجتازوا مراحل نحن الآن فيها، فهذا يزيدهم خوفا، أحسوا أن النفس لها التواء، يعالج الإخلاص في نفسه على لون فينبت الرياء على لون آخر، فهذا يدل على علو منزلتهم ودقة محاسبتهم لأنفسهم.
فنحن نحاسب أنفسنا على ما هو أكبر من ذلك وأوضح فيستقيم لنا السير، فالإنسان الذي عنده مثلا مرض واضح خطير،ثم ذهب ليعمل تحاليل لأمور دقيقة جدا، ويترك الأمراض الواضحة الخطيرة، فهذا لم يبدأ البداية الصحيحة، فهؤلاء نحن نتعلم منهم شيء وهو أن هناك دقائق في مسألة الإخلاص والرياء، تجعل العبد دائما يشعر بالوجل والخوف، ولا يحكم على نفسه بالإخلاص لعل كما قال النبي r: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه وأستغفرك لما لا أعلمه»، فلعل هناك أمور لا يعلمها وهو فيها غير مخلص.
(والغافلون عن الإخلاص يرون حسناتهم يوم القيامة سيئات، وهم المقصودون بقول الله تعالى: ﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ﴾ [الزمر: 47، 48] وبقول الله U: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف:103، 104].
المعنى:فالمحاسبة على النيات مهمة جدا وسوف يتضح للعبد إذا خشي على العمل أنه يأمن يوم القيامة من المفاجأة لأن قول الله: ﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ هذه ليست صفة المؤمن الوجل لأنك تقول خائف أن يكون طلبي للعلم ليس لوجه الله، خائف أن يكون حفظي للقرآن ليس لوجه الله، فما سبب الخوف؟، أنني أحاسب نفسي وأجد في نفسي حظوظ وهوى، فأنت عندك وجل إنما ﴿َبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ المعنى: هذا كان العكس، كان يحكم على نفسه ويزكيها أنه يعمل هذا العمل لوجه الله ،فلا يشعر بوجل، الذي يشعر بالوجل هو متحسب ، خائف أن يأتي يوم القيامة يجد عمله هباء منثورا، فهذا خط أمل، أن تكتشف في نفسك الرياء فتكرهه وتحذره وتشفق منه.﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ أي أنهم لم يكونوا مشفقين، ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ يعني يحسنون الظن بأنفسهم وأعمالهم، إنما المؤمن لا يحسن الظن بنفسه ولا بعمله، يعمل وهو خائف ويرى في نفسه العيب.
(قال في «الأحياء» ظهر بالأدلة والعيان أنه لا وصول إلى السعادة إلا بالعلم والعبادة، فالعمل بغير نية عناء، والنية بغير إخلاص رياء، وهو للنفاق كفاء ومع العصيان سواء).
(فالعمل بغير نية عناء،) العمل في الدين عبادة طاعات بغير نية الآخرة من صوم وسهر وغير ذلك،(والنية بغير إخلاص رياء) يطلب بعمله الدنيا ولا يخلص هذا هو الرياء،( وهو للنفاق كفاء)، هذا كفء للنفاق وليس للإيمان، (ومع العصيان سواء)، هو والعاصي سواء، هو وتارك العمل سواء في المعصية.
(والإخلاص من غير صدق وتحقيق هباء).
وهو أن الإنسان يرى في نفسه أنه على نية وعزم ولكن لا يعمل، يعني حب قيام الليل لله ومقتنع بفضل قيام الليل طلبا للآخرة ولا يصلي قيام الليل، مقتنع جدا بفضل القرآن الكريم لله ، عنده إيمان وتصديق ولكن لا يوجد عمل، فتحيق الإخلاص بالعمل.
(فالإخلاص من غير صدق) الصدق هو تحقيق الإخلاص بالعمل.
(قال تعالى في كل عمل كان بإرادة غير الله مشوبا مغمورا: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].
حقيقة النية:
ليست النية هي قولك نويت، بل هي انبعاث القلب يجري مجرى الفتوح من الله).
فالنية رزق ومعنى ذلك: فلو أن إنسانًا يحب الله عز وجل ، فيتولاه الله عز وجل ، أحيانا يأتيك الملك ويلقي في قلبك النية،.
مثال ذلك: عنده زجاجتان من العطر أحدهما أثمن وأجمل من الأخرى، فهو يحب الأثمن، وله أخ في الله ، أراد إعطاء هدية له،فأخذ لنفسه التي هي الأعلى درجة و أعطى لأخيه هدية التي هي الأقل درجة والزجاجتان ثمنهما مرتفع ورائحتهما طيبة، وله أجر على التي أعطاها لأخيه وهي هدية، فينما هو سيعطيها لأخيه هدية، جاء له ملك قال له: ﴿ وَيؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ ﴾ [الحشر: 9] أو قال: ذكره بقول الله تبارك وتعالى: ﴿ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92] انبعث من قلبه نية أن يأخذ الأحلى والأحسن يعطيها لأخيه إيثارا وتقربا إلى الله، كل هذا باعث من الله U رزق. نسأل الله الرزق.
وقد يأتيه الشيطان فيحدث العكس، لما يطلب منه الرياء أو ترك العمل وهو مصر عنده نية صالحة يأخذ منه حظ و هو أن يعطيه الأقل؛ لأن هذا ليس فيه؟؟ لأن الزجاجتين رائحتهما طيبة، فيعطي لأخيه أحد الزجاجتين ولكن الأقل في نظره.
(فالنية هي انبعاث القلب يجري مجرى الفتوح من الله، فمن تيسر له ذلك هو مسدد).
نريد الآن أخذ الجانب العملي، هل يحدث لك خيارات ، ويعرض على قلبك الخيار الأقل الذي هو موافق لهواك، فتأخذ الأقل الموافق لهواك وتمشي فيه، ويعرض عليك خياران، الخيار الأعظم الذي يقربك إلى مولاك، فتجد نفسك تأخذ الخيار الأعظم المقرب إلى الله سبحانه وتعالى هذا توفيق وتسديد.
الثاني: حظ النفس والشيطان، تتعذر النية في بعض الأوقات، لا تستطيع الإتيان بها،تجيبها لأنها رزق وباعث من الله.
(ومن كان الغالب على قلبه أمر الدين تيسر عليه في أكثر الأحوال إحضار النية الصالحة، فإن قلبه مائل بالجملة إلى أصل الخير فينبعث إلى التفاصيل غالبا، ومن مال قلبه إلى الدنيا وغلبت عليه لم يتيسر له بالفرائض إلا بجهد جليل).
فالأصل حب الدنيا وحب الآخرة، فإذا توفر حب الآخرة، سيدفعك ويسدد ويوفقك، وإذا وجد حب الدنيا غالب سيؤثر على جميع الأعمال.
(وفي الحديث الصحيح حديث عمر بن الخطاب وهو الحديث المعروف، قال النبي r: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» قوله r«إنما الأعمال بالنيات» يعني القبول).
تقبل الأعمال بالنيات فما كان لله قبله وما كان للدنيا لغير الله رده لا يقبل الله إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه هذا قوله إنما الأعمال بالنيات، موافقة لسنة النبي r لشرط المتابعة، «وإنما لكل امرئ ما نوى» يعني الأجر على قدر النية، فإنسان ينوي بعمل واحد نوايا كثيرة فتزداد درجة ثواب هذا العمل.
مثال عملي: شخص جاء له صندوق رنجة، فقال: الصندوق كبير جدا، ماذا سنفعل بهذا كله،نتصدق، نأخذ كل واحد مثلا ما يكفيه ونتصدق بالباقي، وتصدق بالباقي،ثم لما جلسوا يأكلون وجدوا هذه الرنجة ممتازة جدا، فقالوا لو كنا نعرف ما كنا تصدقنا بهذا كله، فنية التصدق هذا كثير ماذا سنفعل بهذا كله؟ إنما لو كان إيثار، يعني لو كان عنده علم أن هذه الرنجة جيدة ممتازة كان ممكن لا يتصدق أبدا، كان ممكن يتصدق بقليل،نية باعث ثم لو كانت الرنجة عادية وأنت قلت له تتصدق بهذه الرنجة لوجه الله، يعني هذا عمل صالح لوجه الله يعرف من نفسه أنه باقي بها شائبة وطمع وحرص لو امتحن، الامتحان القادم لك كان ممكن تنجح فيه، تقول الحمد لله رب العالمين تفرح بماذا؟ إن كانت الرنجة ممتازة فلعلها تنال عند الله القبول، كان ممكن يفرح لما يجد الرنجة ممتازة هكذا يفرح أنه تصدق بها، أنه جيدة وجميلة أن هذه تنال القبول عند الله، يعني يفرح بها من أخذها كما هو فرح بها، إنما هو ندم وتحسر أنه لم يعرف إلا بعد أن تصدق، كل هذه أعمال قلب محض.
«إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ» ما نوى، فالإنسان يأخذ الأجر على قدر النية والعمل يقبل بالنية، فهذين الاثنين هذا معنى وهذا معنى، «من كانت هجرته إلى الله ورسوله» هذا مثل يضرب، فالهجرة عمل صالح، من كانت نيته أنه يهاجر إلى الله ورسوله، فقد وقعت هجرته على ما نوى، يقبل عمله ويؤجر على هذه النية، وهجرته إلى الله ورسوله، إلى الله إخلاص، ورسوله متابعة، ورسوله الذي هو لوازم العمل، يعني يلزم الإخلاص متابعة الرسول r.
«ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» ليس فقط عكس الإخلاص الدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها أو أو أي شيء خلاف هذا خلاف الإخلاص فهجرته إلى ما هاجر إليه أي أنه ليس له عند الله نصيب.
(والنية الصالحة لا تغير المعاصي عن مواضعها) فالطاعة تنقلب معصية بالنية والمعصية لا تنقلب طاعة بالنية، الطاعة صدقة، النية رياء، صارت معصية، المعصية سرقة النية يتصدق لا تصير طاعة، فالطاعة تنقلب معصية، بالنية السيئة ولكن المعصية لا تنقلب طاعة بالنية الصالحة، فالنية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد، ولو ابتدع في الدين لا تصلح البدعة.
(وقال الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: 28] المراد بتلك الإرادة النية، وفي حدث أنس بن مالك لما خرج الرسول r في غزوة تبوك قال: «إن بالمدينة أقواما ما قطعنا واديا ولا وطئنا موطئا يغيظ الكفار ولا أنفقنا نفقة ولا أصابتنا مخمصة إلا شاركونا في ذلك وهم بالمدينة، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله وليسوا معنا؟ قال: حبسهم العذر»).
فالنية والعمل واحد يتصدق في مسجد بمبلغ يسير والنية لو استطاع أن يبني المسجد من ماله لبناه بمفرده لبناه، نية عظيمة جدا، والصدقة يسيرة واحد يدفع صدقة كبيرة والنية قليلة.
(قال بعض السلف: رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية).
أهداه الهدية مع الحب في الله آثره بها وأهداه هدية واختارها مما يحب كل هذه نوايا، وربما تكون الهدية واحدة. زار أخيه لما زاره؟ عرف أنه مريض ولابد من زيارته،لأنه علم بمرضه وسيعاتب إن لم يزره، فقد وقعت زيارته لرفع العتاب عن نفسه، بخلاف ما إن زاره لأنه يحبه في الله ولأنه يدعو له ويخفف له وهناك أبواب كثيرة جدا، كل هذه الأبواب ليست ذهنيه، النية هي الباعث ،فكل ما انبعث من قلبك ينهض به إلى العمل كل هذه النوايا صالحة، فكل ما انبعث من قلبه فهو النية، أما ما لم ينبعث فليس نية حتى لو ذكره بعقله ولم ينبعث من قلبه، لابد أن ينبعث باعث من قلبه لدرجة أن الشيطان يحاربك في النية، ينبعث من قلبك باعث إذ يري لوجه الله فيأتيك الشيطان يريد أن يبطل هذه النية فيلقي في قلبك خاطر وسواس مصلحة دنيوية يقولك انويها مع المسألة هذه.
مثال: إنسان يركب سيارته ثم رأى إنسان معين على الطريق فانبعث من قلبه باعث أن يركبه لوجه الله، فالشيطان جاء له قال له وسيؤنسك في الطريق، كي ينبعث من قلبه باعث مع النية هذه،كي لا تتجرد النية، فلابد من ملاحظة البواعث التي يحكم بها، الباعث ينبعث من القلب هو هذا عمل القلب هذه هي النية. فالنية تجارة العلماء من أحسنها ومن أصلحها ومن فقهها هذا هو الأمر الخطير وبهذا ننتهي إن شاء الله من الدرس.
نسألكم الدعاء ( أختكم أم محمد الظن)
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك