[عائشة صقر]

قال ابن الجوزيّ في كتابه الماتع "صيد الخاطر" : واعجبًا من موجود لا يفهم معنى الوجود ، فإن فهم لم يعمل بمقتضى فهمه ، يعلم أن العمر قصير وهو يضيعه بالنوم والبطالة والحديث الفارغ ، وطلب الدنيا واللذات ، وإنما أيامه أيام عملٍ لا زمان فراغٍ . وقد كلف بذل المال بمخالفة الطبع من الشرع فبخل به إلى أن تضايق الخناق فيقول حينئِذٍ : فرقوا عني بعد موتي وافعلوا كذا ، فأين يقع هذا لو فعل ؟ وبعيد أن يفعل ، وإنما يراد بإنفاقك في صحتك مخالفة للطبع في تكلف مشاق الإخراج في زمن السلامة ، فافرق بين الحالتين إن كان لك فهم . فالسعيد من انتبه لنفسه وعمل بمقتضى عقله ، واغتنم زمنًا نهايته الزمن وانتهب عمرًا يا قرب انقطاعه . ويحك ما تصنع بادخار مال لا يؤثر حسنة في صحيفة ولا مكرمة في تاريخ .. أما سمعت بإنفاق أبي بكر وبخل ثعلبة(1) أما رأيت تأثير مدح حاتم وبخل الحباحب ! ويحك لو ابتلاك في مالك لاستغثت ، أو في بدنك ليلة بمرض شكوت .. فأنت تستوفي مطلوباتك منه ، ولا تستوفي حقه عليك (وَيْلٌ لَلْمُطَفِّفِينَ) ولتعلم أنه بهذا القدر المفرّط فيه يحل الخلود الدائم في ثواب العمل فيه ، فسبحان من منّ على أقوام فهموا المراد فأتعبوا الأجساد ، وغطى على قلوب آخرين فوجودهم كالعدم ، وكيف لا يتعب العاقل بدنه إتعاب البُدْن والمقصود مني . أترى ما بال الحق متحليًا في إيجادك أيها العبد ! بلى .. والله إن وجودك دليل وجوده ، وإن نعمه عليك دليل وجوده . فكما قدمك على سائر الحيوانات ، فقدمه في قلبك على كل المطلوبات . واخيبة من جهله ، وأفقر من أعرض عنه ، وأذلَّ من اعتز بغيره ، واحسرة من اشتغل بغير خدمته "أهـ.


نفعكن الباري ..


محبتكم

.
.
.