عرض مشاركة واحدة
قديم 02-07-12, 04:25 PM   #2
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

تفسير العي والشاهد عليه
ثم انتقل سبحانه إلى تقرير النبوّة بأحسن تقرير, وأوجز لفظ , وأبعده عن كل شبهة وشك ,
فأخبر أنه أرسل إلى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم فرعون رسلا فكذّبوهم, فأهلكهم بأنواع الهلاك
قال تعالى:



الآية( 12-14) ق
, وصدق فيهم وعيده الذي أوعدتهم به رسله إن لم يؤمنوا , وهذا تقرير لنبوّتهم ولنبوة من أخبر بذلك عنهم , من غير أن يتعلّم من معلّم ولا قرأه في كتاب , بل أخبر به إخبارا مفصّلا مطابقا لما عند أهل الكتاب .
ولا يرد على هذا إلا سؤال البهت والمكابرة على جحد الضروريات , بأنه لم يكن شئ من ذلك , أو أن حوادث الدهر ونكباته أصابتهم كما أصابت غيرهم , وصاحب هذا السؤال يعلم من نفسه أنه باهت مباهت جاحد لما شهد به العيان, وتناقلته القرون قرنا بعد قرن, فإنكاره بمنزلة إنكار وجود المشهورين من الملوك والعلماء والبلاد النائية .
ثم عاد سبحانه إلى تقرير المعاد
بقوله:{ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ } ق15,
يقال لكل من عجز عن شئ : عيي به فلان بهذا الأمر, قال الشاعر:
عيـوا بأمرهـم, كمـا ------ عـيت ببيضتـها الحمـامة

ومنه قوله تعالى:{ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ } الأحقاف33.
قال ابن عبّاس : يريد أفعجزنا, وكذلك قال مقاتل.
قلت: هذا تفسير بلازم اللفظة, وحقيقتها أعم من ذلك,
فإن العرب تقول: أعياني أن أعرف كذا وعييت به إذا لم تهتد لوجهه ولم تقدر على معرفته وتحصيله
فتقول: أعياني دواؤك إذا لم تهتد له, ولم تقف عليه . ولازم هذا المعنى العجز عنه .
والبيت الذي استشهدوا به شاهد لهذا المعنى , فان الحمامة لم تعجز عن بيضتها, ولكن أعياها إذا أرادت أن تبيض أين ترمي بالبيضة, فهي تدور وتجول حتى ترمي بها , فإذا باضت أعياها أين تحفظها وتودعها حتى لا تنال , فهي تنقلها من مكان إلى مكان وتحار أين تجعل مقرّها,
كما هو حال من عي بأمره فلم يدر من أين يقصد له ومن أين يأتيه, وليس المراد بالإعياء في هذه الآية التعب, كما يظنّه من لم يعرف تفسير القرآن ,
بل هذا المعنى هو الذي نفاه سبحانه عن نفسه في آخر السورة
بقوله:{ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ } ق38.
ثم أخبر سبحانه أنّهم:{ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } ق15.
أي أنهم التبس عليهم إعادة الخلق خلقا جديدا, ثم نبههم على ما هو من أعظم آيات قدرته وشواهد ربوبيّته وأدلّة المعاد وهو خلق الإنسان, فإنه من أعظم الأدلة على التوحيد والمعاد .


تفسير قوله أقرب إليه من حبل الوريد


( الآية 16 ق )
وأي دليل أوضح من تركيب هذه الصورة الآدميّة بأعضائها وقواها وصفاتها, وما فيها من اللحم والعظم والعروق والأعصاب والرباطات والمنافذ والآلات والعلوم والإرادات والصناعات , كل ذلك من نطفة ماء.

فلو أنصف العبد لاكتفى بفكره في نفسه, واستدل بوجوده على جميع ما أخبرت به الرسل عن الله وأسمائه وصفاته . ثم أخبر سبحانه عن إحاطة علمه به , حتى علم وساوس نفسه , ثم أخبر عن قربه إليه بالعلم والإحاطة وأن ذلك أدنى إليه من العرق الذي داخل بدنه , فهو أقرب إليه بالقدرة عليه والعلم به من ذلك العرق . وقال شيخنا: المراد بقول " نحن", أي ملائكتنا ,
كما قال تعالى :{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } القيامة18.
أي إذا قرأه عليك رسولنا جبريل.
قال: ويدل عليه قوله :{ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ } ق17.
فقيد القرب المذكور بتلقّي الملكين, ولو كان المراد به قرب الذات لم يتقيد بوقت تلقي الملكين فلا حجة في الآية لحلولي ولا معطّل .
ثم أخبر سبحانه أن على يمينه و شماله ملكين يكتبان أعماله وأقواله, ونبه بإحصاء الأقوال وكتابتها على كتابة الأعمال , التي هي أقل وقوعا, وأعظم أثرا من الأقوال, وهي غايات الأقوال ونهايتها .

ثم أخبر عن القيامة الصغرى فقال تعالى :

(الآية 19 ق)

, وهي سكرة الموت , وأنها تجيء بالحق , وهو لقاؤه سبحانه وتعالى , والقدوم عليه , وعرض الروح عليه , والثواب والعقاب الذي تعجل لها قبل القيامة الكبرى .


استشهاد الله الحفظة على العبد من أكمل العدل

ثم ذكر القيامة الكبرى بقول:

( الآية 20 ق )

ثم أخبر عن أحوال الخلق في هذا اليوم, وأن كل أحد يأتي الله سبحانه وتعالى ذلك اليوم ومعه سائق يسوقه , وشهيد يشهد عليه , وهذا غير شهادة جوارحه , وغير شهادة الأرض التي كان عليها له وعليه , وغير شهادة رسوله والمؤمنين .

فإن الله سبحانه وتعالى يستشهد على العبد الحفظة والأنبياء والأمكنة التي عملوا عليها الخير والشر, والجلود التي عصوه بها , ولا يحكم بينهم بمجرّد علمه , وهو أعدل العادلين وأحكم الحاكمين .

ولهذا أخبر نبيه أنه يحكم بين الناس بما سمعه من إقرارهم, وشهادة البيّنة , لا بمجرّد علمه فكيف يسوغ لحاكم أن يحكم بمجرد علمه من غير بيّنة ولا إقرار.

ثم أخبر سبحانه أن الإنسان في غفلة من هذا الشأن الذي هو حقيق بأن لا يغفل عنه , وأن لا يزال على ذكره وباله ,
وقال: { فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا } ق22,
ولم يقل عنه , كما قال: { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ } هود 110،
ولم يقل في شك فيه , وجاء هذا في المصدر وإن لم يجئ في الفعل فلا يقال غفلت منه ولا شككت منه كأن غفلته وشكه ابتداء منه, فهو مبدأ غفلته وشكّه, وهذا أبلغ من أن يقال في غفلة عنه وشك فيه, فإنه جعل ما ينبغي أن يكون مبدأ التذكرة واليقين ومنشأهما مبدأ للغفلة والشك.

ثم أخبر أن غطاء الغفلة والذهول يكشف عنه ذلك اليوم
فقال تعالى:

( الآية 22 ق)

كما يكشف غطاء النوم عن القلب فيستيقظ , وعن العين فتنفتح . فنسبة كشف هذا الغطاء عن العبد عند المعاينة كنسبة كشف غطاء النوم عنه عند الانتباه .

ثم أخبر سبحانه أن قرينه , وهو الذي قرن به في الدنيا من الملائكة , يكتب عمله .
فقال تعالى:

( الآية 23 ق)

وقوله يقول لمّا يحضره: هذا الذي كنت وكّلتني به في الدنيا قد أحضرته وأتيتك به , هذا قول مجاهد. وقال ابن قتيبة: المعنى: هذا ما كتبته عليه وأحصيته من قوله وعمله حاضر عندي. والتحقيق أن الآية تتضمّن الأمرين, أي هذا الشخص الذي وكلت به وهذا عمله الذي أحصيت عليه .
فحينئذ يقال:{ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } ق24,
وهذا إما أن يكون خطابا للسائق والشهيد , أو خطابا للملك الموكل بعذابه وإن كان واحدا. وهو مذهب معروف من مذاهب العرب في خطابها, أو تكون الألف منقلبة عن نون التأكيد الخفيفة , ثم أجري الوصل مجرى الوقف .




توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس