عرض مشاركة واحدة
قديم 01-11-12, 01:46 AM   #15
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
افتراضي

  • يقـص علينـا أبـو رافـع ـ رضي الله عنه ـ فيقـول :

كـان أبـو لؤلـؤة عبـدًا للمغيـرة بن شـعبة ـ ( وكـان مجوسـيًّا ) ـ ، وكـان يصنـع الأرحـاء ـ ( جمـع رَحَـا ، وهـي التـي يطحـن بها ) ـ ، وكان المغيـرة يسـتغله كل يـوم أربعـة دراهـم ، قـال : فلقـي أبـو لؤلـؤة عمـر ، فقـال : يا أميـر المؤمنيـن ، إن المغيـرة قد أثقـل عليَّ غلتـي ، فكلمـه أن يخفـف عنـي .
فقـال لـه عمـر : اتـق الله ، وأحسـن إلـى مـولاك ، ومـن نيـة عمـر أن يلقـى المغيـرة فيكلمـه يخفـف عنـه ، فغضـب العبـد . وقـال : وسـع النـاس كلهـم عدلـه غيـري ؟ ! .
فأضمـر علـى قتلـه (1) ، فاصطنـع خنجـرًا لـه رأسـان ، وشـحذه ، وسـمَّه ، ثـم أتـى بـه الْهُرْمُـزان ،
فقـال : كيـف تـرى هـذا ؟ . قـال : أرى أنـك لا تضـرب بـه أحـدًا إلا قتلتــه ، قــال : فتحيَّـن أبـولؤلـؤة عمـر ، فجـاءه فـي صـلاة الغـداة (1) حتـى قـام وراء عمـر ، وكـان عمـر إذا أقيمـت الصـلاة يتكلـم يقـول :
أقيمـوا صفوفكـم ، فقـال كمـا يقـول ، فلمـا كبَّـر ، وجـأه ـ أي ضربـه ـ أبـو لؤلـؤة وجـأةً فـي كتفـه ، ووجـأهُ فـي خاصرتـه ، فسـقط عمـر ، وطعـن بخنجـره ثلاثـة عشـر رجـلاً منهـم ، فهلـك منهـم سـبعة ، وأفـرق ـ أي : بـرأ ـ منهـم سـتة ، وحُمـل " عمـر " فذُهِـبَ بـه إلـى منزلـه ، وهـاج النـاس حتـى كـادت تطلـع الشـمس ، فنـادى عبـد الرحمـن بـن عـوف ، فصلـى بهـم بأقصـر سـورتين فـي القـرآن .
فلمـا قضـى صلاتَـه توجهـوا إلـى " عمـر " ، فدعـا بشـراب لينظـر مـا قـدْر جُرحـه ، فأتـي بنبيـذ فشـربه ، فخـرج مـن جرحـه ، فلـم يـدر أنبيـذ هـو أو دم جرحـه ، فدعـا بلبـن فشـربه ، فخـرج مـن جرحـه ، فقالـوا : لا بـأس عليـك يـا أميـر المؤمنيـن .
فقـال ـ ( أي عمـر ) ـ إن يكـن القتـل بأسًـا فقـد قُتلـت ، فجعلـوا يثنـون عليـه يقولـون : جـزاك الله خيـرًا يـا أميـر المؤمنيـن ، كنـتَ وكنـتَ ، ثـم ينصرفـون ، ويجـيء قـوم آخـرون فيثنـون عليـه ، فقـال عمـر : أمـا والله علـى مـا يقولـون ، وددتُ أنـي خرجـتُ منهـا كفافًـا ، لا علـيَّ ولا لـي ، وأن صحبـة رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـد سـلمت لـي .
فتكلـم " عبـد الله بـن عبـاس " ، وكـان عنـد رأسـه ، وكـان خليطَـه كأنـه مـن أهلـه ، وكـان ابـن عبـاس يقـرأ القـرآن ، وتكلـم ابـن عبـاس فقـال :
والله لا تخـرج منهـا كفافًـا ، لقـد صحبـت رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فصحبتـه بخيـر مـا صحبـه صاحـب ، كنـتَ لـه وكنـتَ لـه ، حتـى قُبـض رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـو عنـك راضٍ ، ثـم صحبـتَ خليفـة رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وكنـت تنفـذ أوامـره ، وكنـتَ لـه ، وكنـتَ لـه ، ثـم وليتهـا يـا أميـر المؤمنيـن أنـت ، فوليتهـا بخيـر مـا وليهـا والٍ ، كنـت تفعـل وكنـت تفعـل ، فكـان عمـر يسـتريح إلـى حديـث ابـن عبـاس .
فقـال " عمـر " : يـا ابـن عبـاس ، كـرر علـيَّ حديثـك ، فكـرر عليـه .
فقـال " عمـر " أمـا والله علـى مـا تقولـون ، لـو أن لـي طِـلاع ـ ( أي : ملؤهـا ) ـ الأرض (2) ذهبًـا لافتديـتُ بـه اليـوم مـن هـول المطلـع .
صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق ... / ص : 369 : 371 .
_____________

( 1 ) صلاة الغداة : أي صلاة الفجر . ( 2 ) طلاع الأرض : ملؤها حتى يطالع أعلاه أعلاها فيساويه
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس