عرض مشاركة واحدة
قديم 29-08-07, 04:14 PM   #24
أم البراء
~ وقــف لله ~
حفيدة خديجة رضي الله عنها
افتراضي

القاعدة الخامسة





إعداد بيان عن عيوبك وذنوبك المستعصية
وعاداتك القارة في سويداء فؤادك لتبدأ
علاجها جديا في رمضان وكذا إعداد
قائمة بالطاعات التي ستجتهد في
أدائها لتحاسب نفسك بعد ذلك عليها




قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا" رواه البخاري.


لأن همة أبناء الآخرة تأبى إلا الكمال، وأقل نقص يعدونه أعظم عيب، قال الشاعر:


ولم أر في عيوب الناس عيبًا كنقص القـادرين على التمـام


وعلى قدر نفاسة الهمة تشرئب الأعناق، وعلى قدر خساستها تثَّاقل إلى الأرض، قال الشاعر:


على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم


وهذا رد على من يقول: ومن لنا بمعصوم عن عيب غير الأنبياء ويردد:


من ذا الذي ترجى سجاياه كلها كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه


فإن هذه القاعدة في التعامل مع الناس، أما معاملة النفس (أيها الأريب) فهي مبنية على التهمة، وعلى طلب الكمال وعدم الرضا بالدون:


فإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسامُ


فذاك السالك دومًا يستكمل عناصر الإيمان، كلما علم أن ثمة ثلمة، يعزم لذلك عزمة (تأمل) فإذا شرع في الاستكمال، أدرك ضرورة الصفاء فيه، وأن يرفأ ويرتُق بجنس ما وهبه الله من خير آنفًا لئلاً يفضحه النشاز (وجود العيب مع خصال الحُسن) فيعزم لذلك عزمة أخرى فثالثلة تستدعي رابعة في نهضات متوالية حتى يصيب مراده( ) (أي استكمال عناصر الإيمان).


هذه العزمات المتوالية تستحثها في كل زمان، ولكن قد يتسرطن عيب ويتجذر ذنب وتتأصل عادة، ولا يجدي مع مثل هذا أساليب علاج تقليدية، إنما هي عملية جراحية استئصالية تتطلب حميةً متوفرة في شهر رمضان، وهِمةً شحذتها قبيل هذا الزمان المبارك، فما بقي إلا أن تضع مبضع العزيمة الحاد وبجلد وصبر على آلام القطع تستأصل تلك الأورام الناهشة في نسيج إيمانك وتقواك، لا تستعمل أي مخدر، فإن شأن المخدر أن يسافر بك في سمادير السكارى وأوهام الحيارى، فتفيق دون أن تدري بأي الورم لم يُستأصل بكامله، بل بقيت منه مُضغةٌ متوارية ريثما تتسرطن ثانية فإذا كنت مدخنًا أو مبلتى بالنظر أو الوسوسة أ والعشق فبادر إلى تقييد كل هذا البلاء وابدأ العمليات الجراحية في شهر رمضان ولا تتذرع بالتدرج الذي سميناه مخدرًا، بل اهجر الذنب وقاطع المعصية وابتُر العادة ولا تجزع من غزارة النزيف وشدة الآلام، فإنه ثمن العلاج الناجح، وضرورة الشفاء البات الذي لا يغادر سقمًا.
ووجه كون شهر رمضان فرصة سانحة لعلاج الآفات والمعاصي والعادات، إنه شهر حمية أي امتناع عن الشهوات (طعام وجماع) والشهوات مادة النشوز والعصيان، كما أن الشياطين فيه تصفّد وهم أصل كل بلاء يصيب ابن آدم، أضف إلى ذلك: جماعية الطاعة، حيث لا يبصر الصائم في الغالب إلا أمةً تصوم وتتسابق إلى الخيرات فتضعف همته في المعصية وتقوى في الطاعة، فهذه عناصر ثلاثة مهمة تتضافر مع عزيمة النفس الصادقة للإصلاح فيتولّد طقس صحي وظروف مناسبة لاستئصال أي داء.


وقبل كل ذلك وبعده لا يجوز أن ننسى ونغفل عن ديوان العتقاء والتائبين والمقبولين الذي يفتحه الرب جل وعلا في هذا الشهر، وبنظرة عابرة إلى جمهور المتدينين تجد بداياتهم كانت بعبرات هاطلة في سكون ليلةٍ ذات نفحات من ليالي رمضان.


وما لم تتحفّز الهمم لعلاج الآفات في هذا الشهر لن تبقى فرصة لأولئك السالكين أن يبرأوا، فمن حرم بركة رمضان ولم يبرا من عيوب نفسه فيه، فأي زمان آخر يستظل ببركته.


وفي صحيح ابن خزيمة أن جبريل قال: "من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت: "أي النبي صلى الله عليه وسلم قال: آمين". الحديث صحيح.


وروى البطراني بسند ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم : "بعدًا لمن أدرك رمضان فلم يغفر له، إذا لم يفغر له فمتى؟" قال: وروى الطبراني بإسناد فيه نظر عن عبادة بن الصامت مرفوعًا: "أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحُطُّ الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرًا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله" الحديث.


أما استحضار أنواع الطاعات وتقييدها وتوطين العزيمة على أدائها في رمضان فهو من أهم ما يُستعدُّ له في هذا الشهر، وعلى هذا الأصل تحمل كل النصوص الواردة في فضل رمضان والاجتهاد فيه، فمعظمها صريح أو ظاهر في أنه قيل قبل رمضان أو في أوله.


ويمنّي بعض الخياليين نفسه بأماني العزيمة التي لا تعدو أن تكون سرابًا يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا.


فنراه يحلم أحلامًا وردية بأن يجتهد في هذا الشهر اجتهادًا عظيمًا، وتراه يرسم لنفسه صور الحلال وأُبهة الولاية، فإذا ما هجم الشهر، قال المسكين: اليوم خمر، وغدًا أمر.


ولو أن هؤلاء كانت لهم قبل شهر رمضان جولات في ميادين الاجتهاد في الطاعة لأنسوا من نفوسهم خيرًا لكنهم طمعوا في نوال القُرب ولما يستكملوا زاد المسير كمثل من ذهب إلى السوق بلا مال فلا يجهد إذا نفسه في المساومة بل يقال له: تنكب لا يقطرك الزحام.


لما قال أنس بن النضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين، والله لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، ثم رووا لنا أنهم وجدوه في أحُد صريعًا به بضع وستون ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، علمنا ما أضمر الرجل.


ولما قال ذلك الصحابي: يا رسول الله ما بايعتك إلا على سهم يدخل ههنا فأدخل الجنة، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : "إن تصدُق الله يصدقُكُ" ثم رووا أن السهم دخل من موضع إشارته، علمنا ما عزم عليه الرجل


على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغُر في عين العظيم العظائم



توقيع أم البراء
معهد أم المؤمنين خديجة
رضي الله عنها ..
أنت أغلى ما أملك ..~
أم البراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس