عرض مشاركة واحدة
قديم 08-12-13, 06:52 PM   #310
أم عبيدة السلفية
| طالبة في المستوى الثاني 1 |
 
تاريخ التسجيل: 19-09-2010
الدولة: مصر - الاسكندرية
المشاركات: 784
أم عبيدة السلفية is on a distinguished road
افتراضي

فَائِدَةٌ 35: مِن أجمع الآياتِ التي اجتثَّت الشِّركَ مِن أصُولِه قولُ اللهِ تعالَى: (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْـمُلْكُ وَالذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)؛ فإنَّ هذه الآية دلَّت على إبطالِ الشِّركِ من وجوهٍ أربعةٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أنَّ اللهَ نفَى الْـمُلْكَ عن غيرِه؛ فليسَ لغيرِه مما يُؤلَّه مِن الأوثانِ والأصنَامِ والأشجارِ والأحجارِ مُلْكٌ على وجْهِ الِاستقْلَال؛ وإنَّما الْـمُلْكُ كلُّه للهِ الواحدِ القهَّار؛ كما قال تعالى: (تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ الْـمُلْكُ).

وقد نفَى اللهُ عنهم أقلَّ الْـمُلْكِ بقولِه: (وَالذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)، والقِطْمِيرُ في قولِ جُمْهورِ أهل العِلْمِ بالتَّفْسِيرِ كابْنِ عَبَّاسٍ وقَتَادَةَ ومُجَاهِدٍ: هي اللُّفافةُ التِي تكُونُ على نواةِ التَّمْر أو الرُّطَب.

الْوَجْهُ الثَّانِي: بيانُ أنَّ هذه الآيةَ مِنَ الأصنَامِ والأوثَانِ والأحجَارِ لا تسْمَع دُعاءَ مَن يدعُوهَا؛ وإذا كانت كذلكَ فهي غيرُ جَديرةٍ بأن تكُون مُؤَلَّهةً معظَّمة.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: نفيُ الاستجابَةِ عنهَا ولو أمكَنَ السَّماعُ؛ فلو ظُنَّ أنَّ هذه الآلهةَ تسمَعُ، أو وقَع ذلك مِن شيءٍ منهَا كمدَّعي الولايَةِ، فإنَّه لا يحصُلُ منهم اسْتِجَابةٌ لداعِيهِم؛ لأنَّ الأمْرَ كلَّه للهِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أنَّ هذه الآلهةَ الْـمُعظَّمةَ يَنْقلِبُ وُدُّها يومَ القيامةِ عِداءً؛ بأن تَكْفُر بشِرْكِ مَن أشركَ بها.

* وهذه الآية من سُورةِ فاطِرٍ، تُشْبهُ قولَ الله تعالى في سورةِ الأَحْقَافِ: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَـهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ).


* فَائِدَةٌ 36: التَّعبيرُ بخِطاب الشَّرعِ أَوْلَى وأعظمُ من خِطَاب غيرِه؛ كما بيَّنه ابْنُ الْقَيِّمِ في آخرِ كتَابِه: إِعْلَامِ الْـمُوَقِّعِينَ.


* فَائِدَةٌ 37: الألْفاظُ الـمنقُولةُ عن النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم في مَرتبَةِ الدُّعاءِ مع العبَادةِ: خَمْسَةُ أحادِيثَ:
1 – (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ).
2 – (الدُّعَاءُ هِيَ الْعِبَادَةُ).
3 – (الدُّعَاءُ أَشْرَفُ الْعِبَادَةِ).
4 – (الدُّعَاءُ أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ).
5 – (الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ).

وهذه الأحادِيث لا يَثْبُتُ منها شَيءٌ إلَّا الأولُ.


* فَائِدَةٌ 38: لا يُقال: (وَفِي لَفْظٍ) (فِي رِوَايَةٍ)؛ إلا إذا كان هذا اللَّفظُ والروايةُ بعضَ الحديثِ الـمتقدِّمِ؛ والعُدولُ عن هذَا غلَطٌ.


* فَائِدَةٌ 39: دلَّ قولُ اللهِ تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) على أنَّ الدُّعاءَ عبادةٌ من أربعةِ وجوهٍ:
1 – الأمْرُ بهِ (ادْعُونِي)؛ وكلُّ ما أمَرَ اللهُ به فهو عبادَةٌ.
2 – الوَعْدُ باستِجابَةِ وعْدِ الدَّاعينَ (أَسْتَجِبْ لَكُمْ)؛ ولا تكُونُ الاستجَابةُ إلَّا في مَرْضيٍّ عندَ الله محبُوبٍ له، وكلُّ ما أحبَّهُ الله ورَضِيَه فهُو عِبادةٌ.
3 – التَّصْرِيحُ بذلكَ في قولِه: (عَنْ عِبَادَتِي).
4 – الوَعِيدُ الشَّديدُ في حقِّ مَن عدَلَ عن عبَادةِ الرَّبِّ جلَّ وعلَا واستَكْبَر، بأنَّ الله يُدخِلُه جهنَّمَ دَاخرًا أي: حَقِيرًا.



* فَائِدَةٌ 40: يُطلَقُ الدُّعاء في الشَّرعِ على مَعْنَيَينِ اثنَين:
1 – مَعْنًى عَامٌّ: وهو امتِثالُ خِطابِ الشَّرعِ حُبًّا للهِ وذُلًّا، وهو بهذا الْـمَعْنَى يكونُ شاملًا للعبادَةِ كلِّها.
2 – مَعْنًى خَاصٌّ: وهو طلَبُ العبدِ ربَّهُ حُصولَ ما ينْفَعُه ودَوامَه، أو دَفْعَ ما يَضرُّه ورَفْعَه؛ وهو الذِي يُسمِّيه أهلُ العلمِ: دُعاءَ الطَّلَبِ.


* فَائِدَةٌ 41: مِن صُوَرِ الشِّرك في الدُّعاء: أن يَدْعُوَ العبدُ حاضِرًا لا يَقدِر على ذلكَ الشَّيءِ الذي يدعُوهُ فيه؛ لأنَّه مِن خصَائص الرَّبِّ جلَّ وعلا، أو يدعُوَ غائبًا أو ميِّتًا، ويَعتقِد أنَّه ينفَعُ مَن دَعَاهُ أو يضُرُّه؛ كلُّ هذا مِن الشِّرك باللهِ تعالَى.
كما وقَع مِن أهلِ الجاهليَّةِ الأُولَى، الذِين كانُوا يدعُون الأصنامَ ويزعُمُون أنَّها تَشفَعُ لهم عندَ الله تعَالَى، وهي لا قُوَّةَ لها على نفْعِ غيرِها، فَضلًا عن أن تَنْفعَ غَيرَها، ولو أُريدَ بها مَكْرُوهٌ لا تَنْصُر نَفسَها فَضلًا أن تَنْصُر غيرَها؛ ولذلك كان ادِّعاؤُهم بأنَّ هذه الأصنامَ شُفَعاءُ لهم عندَ الله مِن أعظَمِ الجهلِ والضَّلال؛ فقد جَهِلُوا حقيقَةَ الشَّافعِ -الوثَنِ والصَّنمِ-، كما جهِلُوا حقيقَةَ الـمشفُوعِ إليه وهو الرَّبُّ تبارَكَ وتعَالَى.
* فَائِدَةٌ 42: للشَّفاعةِ شرطَانِ:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: إذْنُ الله بالشَّفاعةِ؛ وهذا الإذْنُ نوعانِ:
أَحَدُهُمَا: الإذْنُ القَدرِيُّ بابْتِداءِ الشَّفاعةِ؛ إذا أذِنَ اللهُ بذلك لِـمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ثمَّ يَتْبَعهُ الشُّفعاءُ.
ثَانِيهِمَا: الإذْنُ الشَّرعيُّ، بصَلاحيَّةِ الشَّافعِ أن يَشْفَع، وأهليَّةِ الـمشفُوعِ أن يُشفَع له.

الشَّرْطُ الثَّانِي: الرِّضَا عن الشَّافعِ والـمشفُوعِ له.
* وقد قصَر بعضُ أهل العلم الرضَا على الـمشفُوعِ له؛ والذي يدلُّ عليه القرآنُ أنَّ الرضَا شرطٌ في الشَّافعِ والـمشفُوعِ له؛ كما قال تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِـمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)؛ وحُذِفَ معمول (يَرْضَى) لِيَعُمَّ، فدلَّ هذا على اندراج الشَّافعِ والـمَشْفُوعِ له في الرضَا.
فلابُدَّ مِن الرِّضَا عن الشَّافعِ والـمَشْفُوعِ له؛ وهذا صريحُ عبارةِ جماعةٍ من الْـمُحقِّقينَ، كأَبِي الْعَبَّاسِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ.


* فَائِدَةٌ 43: دلَّ قولُ اللهِ تعالى: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) على أنَّ الخوْفَ عبادةٌ من وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: الأَمْرُ بهِ في قولِه: (وَخَافُونِ)، وكلُّ ما أمرَ الله بهِ فهو عبادةٌ.
الثَّانِي: تعليقُ وصْفِ الإيمَانِ علَى ذلك؛ في قولِه: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).



* فَائِدَةٌ 44: أجْمَعُ ما يُقال في قِسْمةِ الخوفِ؛ بأن يُقال: إنَّ الخوفَ يَنْقَسِم إلى قِسْمَين كبِيرَينِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: خَوْفُ العبادَةِ، وهو الذِي ينْطَوِي على تألُّهِ القلْبِ؛ وهذا قسمَانِ:
1 – خَوْفُ الخالقِ، وهو توحِيدٌ.
2 – خوفُ الْـمخْلُوقِ، وهو تندِيدٌ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: خوفُ العَادةِ، وهو الذِي لا ينطَوِي على معنَى تألُّهِ القلْبِ، بل له أسبَابٌ توجِبُه؛ فالأصلُ فيه الجوازُ؛ إلَّا في حاليْنِ:
1 – أن يكون السَّببُ الْـمُخوِّفُ ضَعيفًا؛ كمَن يخافُ مِن هوامِّ الأرض الضَّعيفةِ كالخُنفُساء مثلًا، فهذا جُبنٌ، وحُكمُهُ: الكَراهةُ، إلَّا أن يَتعلَّق بحقِّ الله مع القُدرة عليه فإنَّه يكونُ محرَّمًا.
2 – أن يكُون السَّببُ مُتوهَّمًا لا أصْلَ له؛ كمَن يخافُ من الظَّلامِ، لا لأجْلِ ما قد يكونُ فيه، بل للظَّلام ذاتِه، وهذا يكونُ شِركًا أصغرَ؛ لأنه جعلَ ما ليس بِسَببٍ سَببًا؛ فليسَ الظَّلامُ في نفسِه مُوجبًا للخَوفِ، لكن إن خافَ مِن شيءٍ يَقعُ في أثناء الظَّلام فهذا لا يكُون قادِحًا في توحِيدهِ.
* ويُشترَط في هذا النَّوع: انْتِفاءُ معرفَةِ سببِ التَّخويفِ؛ فإنَّ الإنسانَ قد يخاف من شيء لا يُخوِّف في الأصل لِعَدم معرفتِه به، فإذا لم تُوجد الـمعرِفةُ لم يكُن هذا مِن جُملةِ الشِّرك الأصغَر.


* فَائِدَةٌ 45: خَوْفُ السِّرِّ الذِي ذكرَه بعضُ أئمَّةِ الدَّعوة النَّجْديةِ؛ كالشَّيْخِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ في تَيْسِيرِ الْعَزِيزِ الْـحَمِيدِ، ثُمَّ تَبعَه جماعةٌ، لا يُريدُون به -كما فَهِمَه بعضُ أهل العَصْرِ واسْتنكرَه- بأنَّه هو الخوفُ الذِي يقع في الباطِنِ وفَهِمَ مِن (السِّرِّ) باطِنَ الإنسانِ، واعترضَ على ذلك بأنَّ الخوفَ أصْلًا محلُّه الباطنُ.
فإنَّ أئمةَ الدعوةِ لا يُريدُون هذا الْـمَعْنَى، وإنَّما الْـمُرادُ بالسِّرِّ: القُدرةُ على التأثيرِ؛ كما يعتقِدُه بعضُ أهلِ البدع والخرافةِ في معَظَّميهِم مِن أدعياءِ الأولياءِ، بأن يعتقِدُوا بأنَّ لهم قدرةً على التأثيرِ ولو بَعُدُوا؛ فمثلُ هذا يُقال فيه: خوف السِّرِّ.
* وهذا هو معنى السِّرِّ الذي يُذكَرُ في كلام أهل البدع؛ كما يُقال في دعائهم: (فُلانٌ قدَّس اللهُ سِرَّهُ)، فإن مرادَهم: عظَّم الله تأثيرَه في النَّفع والضُّرِّ.
* والْفُرقان بين دعاءِ أهل السنةِ وأهلِ البدعة في هذا الْـمقَام؛ أنَّ أهلَ السنةِ يقولون في حقِّ الـميِّتِ الْـمُعظَّم: (قدَّس اللهُ رُوحَه) أي: نزَّهها وطَّهرها ورفعَ منزلَتَها؛ وأما أهلُ البدعِ: (فلان قدَّس اللهُ سِرَّهُ) ويُريدون به الْـمَعْنَى الذِي تقدَّم.

* فَائِدَةٌ 46: دلَّ قولُ اللهِ تعالى: (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) على أنَّ التَّوكُّلَ عبادةٌ من وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: الأَمْرُ بهِ في قولِه: (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا).
الثَّانِي: تعليقُ وصْفِ الإيمَانِ علَيْهِ؛ في قولِه: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).



* فَائِدَةٌ 47: إذا اقتَرنَ الخوفُ بالعملِ فهو: رَهْبَةٌ؛ وإذا اقترن الخوفُ بالعِلمِ فهو: خَشْيةٌ، وإذا اقترنَ الخوفُ بالخضُوع والذلِّ فهو: [خُشُوعٌ]؛ فتجتَمِع في الخوفِ الذِي هو هرُوبُ القلْبِ إلى اللهِ ذُعرًا وفزَعًا، ثم يتزَايدُ بعضُها عن بعضٍ بشيْءٍ مِن الأوصافِ يتغيَّر به حَقيقةُ الشيءِ.


* فَائِدَةٌ 48: ذكر ابْنُ الْقَيِّمِ في مَدَارِجِ السَّالِكِينَ أنَّ إنابةَ الخلقِ إلى ربِّهم تَنقَسِم إلى نَوعَيْنِ:
1 – إِنَابَةٍ إِلَى رُبُوبِيَّتِهِ؛ بالإقرارِ به رَبًّـا مُدبِّرا رازِقًا محْيِيًا مُمِيتًا، وهذا مما تجتمِعُ عليه كلمةُ النَّاس جميعًا.
2 – إِنَابَةٍ إِلَى أُلُوهِيَّتِهِ؛ وهذا هو حظُّ أهلِ الإيمَانِ، فهم الذينَ يُنِيبُون إلى ربِّهم عزَّ وجلَّ تَألِـيهًا وتعظِيما وتذَلُّلا له سبحَانهُ وتعالَى.



* فَائِدَةٌ 49: مِن قواعِدِ العبَادةِ: أنَّ العبَادةَ إذا تَعلَّقت بالقَلْبِ عَظُمَتْ.
* فَائِدَةٌ 50: قولُ القائلِ: (يَا مُعِينُ أَعَنِّي) لا يجوزُ؛ لأنَّه ليسَ مِن أسماءِ الله: (الْـمُعِين)؛ وقد نقلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الإجماعَ على عدمِ جوازِ دُعاءِ الصِّفةِ كالرَّحمةِ والكرَمِ؛ وإذا كانَ هذا في الصِّفَةِ الْـمَبْنِيَّةِ على التَّوْقِيفِ فما بَالُكَ بما كان جاريًا مَجْرَى الخبَر كالْـمُعِينِ والذَّاتِ والشَّيْءِ والْـمَوْجُودِ.


* فَائِدَةٌ 51: دلَّ قولُ اللهِ تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) على أنَّ الاسْتِغاثةَ عبادةٌ من وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: مدْحُ الْـمُؤْمنينَ بهذَا؛ إذْ أخبرَ اللهُ تعالَى عنهُم بأنَّهم استغَاثُوا بهِ؛ في قولِه: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ)، ومَدْحُ العاملِ على عَمَلِه مُؤْذِنٌ بكَوْنِ العمَلِ محبُوبًا عندَ اللهِ، وكلُّ ما أحبَّهُ اللهُ فهو عبادَةٌ.
الثَّانِي: ترتيِبُ الِاستجابَةِ عليهَا؛ في قولِه: (فَاسْتَجَابَ لَكُمْ).



* فَائِدَةٌ 52: دلَّ قولُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ: (لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ) على أنَّ الذَّبحَ عِبادةٌ: أنَّ الله ذمَّ مَن ذبَحَ لغيرِهِ بِلَعْنِه؛ فدَلَّ هذا على مَدْحِ مَن ذبَحَ تقرُّبًـا إلى اللهِ.



* فَائِدَةٌ 53: استشْكَل جمَاعةٌ مِن أهل العِلْمِ الاسْتِدلالَ بقول الله تعالَى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) على أنَّ النذْرَ عبادةٌ؛ لأنَّ الْـمحَلَّ الْـمَجْعُولَ هو الوفاءُ بالنَّذرِ، أمَّا عقْدُ النَّذْرِ نَفْسُه فليسَ بعبَادةٍ، حتَّى بلغَ القولُ بِبعضِهم -كما هو اختيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ- إلى أنَّ النذرَ محرَّمٌ، وجمهورُ العلماءِ على أنَّه مكروهٌ.
وإذا قيلَ: إنَّه مكروهٌ أو محرَّمٌ؛ فإنَّ ذلك يُشْكِلُ جدًّا على عدِّ النَّذرِ عِبَادةً، لأنَّ العِبَادةَ لا تخرُجُ -حالَ الطَّلب- على كَونِها واجبَةً أو مُستحبَّةً.
والـمُختَارُ الذي تجتَمِعُ به الأدلَّةُ: أنَّ النذرَ يكُونُ عبادةً بشُروطٍ ثلاثةٍ:
1 – أن يكُونَ مُتعلِّقا بنَفْلٍ لا واجبٍ؛ فمَن نذرَ أن يصُومَ رمضانَ لم يكُن نذرُه عِبادةً يُمدح بها.
2 – أن يكونَ النَّذرُ معيَّنا غيرَ مُبهمٍ؛ لأنَّه إذا أُبْهِم لم يكن قُربة ففيهِ الكفَّارةٌ.
3 – أن لا يكُونَ هذا النَّذرُ مُعلَّقا في مُقابلِ نِعمةٍ، بل يكونُ مُطلَقًا مُرسلًا لا على وجْهِ العِوَضِ.


قال الشَّيْخُ صَالِحُ الْعَصِيمِيُّ جَامعًا هذهِ الشُّروطَ:


النَّذْرُ نَفْلُهُ بِلَا تَعْلِيقِ ***** مُعَيَّنًا عِبَادَةٌ تَحْقِيقِي




* فَائِدَةٌ 54: القدْرُ الواجبُ مِن معرفةِ الربِّ جلَّ وعلا يرجِعُ إلى أربعةِ أصُولٍ:
الْأَصْلُ الْأَوَّلُ: مَعرِفةُ وجُودِه؛ فتُؤمِن به موجُودًا غيرَ معدُومٍ.
الْأَصْلُ الثَّانِي: مَعرِفةُ ربُوبيَّتِه؛ فتُؤْمِنُ به رَبًّا له الأفعَالُ الكاملَةُ.
الْأَصْلُ الثَّالِثُ: مَعرِفةُ ألوهيته؛ فتؤمِنُ به إلَـهًا معبُودا مُستحِقًّا للعبَادةِ، لا يَستحِقُّها سِواهُ.
الْأَصْلُ الرَّابِعُ: مَعرِفةُ أسمائِه وصفَاتِه؛ فتؤمِنُ بما أثْبَتَ اللهُ عزَّ وجل لنفسِهِ أو أثبتَهُ له رسُولُه صلَّى الله عليه وسلَّم مِن الأسماءِ والصِّفات.

وهذه الأصُولُ الأربعَةُ جامِعةٌ للقَدْرِ الواجبِ على الْـمُسلِم مِن معرفةِ الرَّبِّ جلَّ وعلَا
* فَائِدَةٌ 55: لا يصحُّ وصْفُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بِـ: الشَّارِعِ أو الْـمُشَرِّعِ؛ لأنَّ مَن تدبَّر آياتِ القُرآن التِي وردَ فيهَا ذِكْرُ الشَّرْعِ؛ ليس فيها نِسْبةُ الشَّرعِ لغيرِ اللهِ، فيُستَنبَطُ منها: أنَّ التَّشْرِيعَ حقٌّ للهِ وحْدَه؛ فمَن قال: شَرَعَ لنَا رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كذا وكَذَا؛ فقد أخطَأَ.
قال الشَّيْخُ صَالِحُ الْعَصِيمِيُّ:


الشَّرْعُ حَقُّ اللهِ دُونَ رَسُولِـهِ **** مَنْ طَالَعَ الْقُرْآنَ دَلِيلَهَا وَجَدْ
فَـمَا أَتَى فِي الذِّكْرِ قَطُّ: مُشَرِّعٌ **** أَحْكَـامَنَا غَيْـرُ الْوَاحِدِ الْأَحَدْ

وإذَا كان هذا مَـمنُوعًا في حقِّ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فمَنْعُه في حقِّ غيرِه أَوْلَى.


* فَائِدَةٌ 56: كان أهلُ العلمِ إذا ختمُوا الكتابَ، وتبيَّن لهم فَوْتٌ لم يقرؤُوه؛ رجَعُوا إلى قرَاءتِه.
وَمِنْ طَرِيفِ مَا يُذْكَرُ: ما اتَّفقَ مِن هذا لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ؛ أنَّه قرأ صَحِيحَ مُسْلِمٍ على بعضِ الحُفَّاظِ، فلمَّا انتهَى منهُ كان بعْضُ مَن حَضرَ الكتابَ إلى آخرِه قد فاتَهُ شيءٌ يسِيرٌ مِن أوَّله، فرَغِبُوا مِن الْـحَافِظِ أن يُعِيدَ قراءتَه، فأعَاد؛ فلمَّا فرغَ منه طلَبَ آخرُ فاتَهُ شَيءٌ يسِيرٌ أن يُعيدَه؛ قال الْـحَافِظُ: فانتَهتْ قرَاءتِي حِينَئذٍ إلى قولِ الأعْرَابيِّ في كِتَابِ الْإِيمَانِ مِن صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْقُصُ)، فطلب بَعضُ الحاضِرينَ مِن الْـحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ أن يُواصلَ قِراءتَه لأجْل فَوْتٍ فاتَهُ، فقال: (وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْقُصُ).


* فَائِدَةٌ 57: الْإِحْسَانُ: إتقَانُ الباطِنِ والظَّاهرِ بعبَادةِ اللهِ في مقَامِ الْـمُشَاهدَةِ أو الْـمُراقَبةِ.


* فَائِدَةٌ 58: القدْرُ الواجِبُ مِن معرفةِ دِين الإسلَامِ يرجِعُ إلى ثلاثةِ أصُولٍ:
الْأَصْلُ الْأَوَّلُ: الِاعْتِقَادُ؛ وجِمَاعُهُ: أصُولُ الإيمانِ السِّتةِ.
الْأَصْلُ الثَّانِي: التَّرْكُ؛ وجِمَاعهُ: أصُولُ الـمحرَّماتِ، وهيَ الخمْسُ الكبرى التِي اتَّفقت عليها الْـمِلَلُ جميعًا، وهي: الفوَاحشُ والإثمُ والبغيُ والشِّركُ والقولُ على اللهِ بغير علمٍ.
الْأَصْلُ الثَّالِثُ: الْفِعْلُ؛ وفعلُ العبدِ نوعانِ:
1 – فِعْلُهُ مع ربِّه، وجِمَاعُه: شرَائعُ الإسلامِ الظَّاهرةِ اللَّازمةِ له؛ كالطَّهارةِ والصَّلاة والصِّيامِ.
2 – فِعْلُه معَ غيرِه، وجِمَاعهُ: آدابُ الـمُعاشَرةِ والْـمُعامَلةِ مع الْـمَخلُوقِينَ.

* وتفصِيلُ كلِّ ما يجِبُ على كلِّ واحدٍ مِن النَّاس: اختلَفَ فيه أهلُ العلمِ اختِلافًا كثِيرًا، ويَعْسُر ضبطُه لاختلافِ النَّاس في أسبَابِ إيجَابِ العلمِ -كما ذكَر ابْنُ الْقَيِّمِ في مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ-.
ولكنْ؛ ضابِطُ العلمِ الواجبِ هو أنَّ كلَّ ما وجَبَ على الْـمُسْلم ِالعَملُ به يَجبُ عليهِ أن يُقدِّم العلمَ به؛ كما اختَارهُ الْقَرَافِيُّ في الْفُرُوقِ، وابْنُ الْقَيِّمِ في مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ، ومُحَمَّدُ عَلِي بْنُ حُسَيْنٍ الْـمَالِكِيُّ في تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ.


* فَائِدَةٌ 59: لنَبيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أسماءٌ كثِيرةٌ؛ وكثرَةُ الأسماء دالة على شرف الـمسمى، فكان من شرَفِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أن يكُونَ له مِن الأسماءِ ما ليسَ لغيرِهِ مِنَ الأنبِياءِ فَضْلًا عمَّن دُونَهُم مِن الخلقِ.
وقَد أُفردَ سَرْدُ أسمَائه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بمصنَّفاتٍ عدَّةٍ، منها: كِتَابٌ لِلْعَلَّامَةِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ، اللغَويِّ الـمشهُورِ.


* فَائِدَةٌ 60: أشْهَرُ أسمَاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأعظمُها وأفضَلُها -في أصحِّ قولَيْ أهلِ العلمِ-: هو (مُحَمَّدٌ) الاسمُ الذي سمَّاه به أهلُه، ونزَلَ به القرآنُ الكريمُ، وبعدهُ: (أَحْمَدُ)، فما دُونَه مِن الأسماء على حدٍّ سواءٍ.


* فَائِدَةٌ 61: اختلَف أهلُ العلمِ في اسم (قُرَيْشٍ)، فقيل: النَّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ، فكلُّ مَن كان مِن نَسْلِه: قُرَشِيٌّ، وقيل: فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ.
والقَوْلُ الأوَّلُ: أظهَرُ وأصحُّ.


* فَائِدَةٌ 62: تنْقَسمُ العرَبُ إلى قِسْمينِ:
1 – الْعَرَبُ البَائِدةُ؛ كـ: عَادٍ وثَمُودَ وجُرْهُمَ، في قبائلَ تِسعٍ انقضَتْ وانتَهَت مِن قبائلِ العرَب.
2 – الْعَرَبُ البَاقِيَةُ، وهم طَائفتَانِ:
1 - الْعَرَبُ الْـمُسْتَعْرِبَةُ، ويُقال لهَا: الْعَدْنَانِيَّةُ.
2 - الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ، ويُقال لها: الْقَحْطَانِيَّةُ.

وكِلَا هاتَيْنِ الطَّائفتَيْنِ هي مِن ذريَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الخَليلِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهو قولُ جماعةٍ مِن الْـمُحقِّقينَ مِن الْـمُتقَدِّمين والـمُتأخِّرين، منهم: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، والزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، والْبُخَارِيُّ، وابْنُ حَجَرٍ في فَتْحِ الْبَارِي، والْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، والْعَلَّامَةُ ابْنُ بَازٍ.
قال الشَّيْخُ صَالِحُ الْعَصِيمِيُّ في مَعَاقِدِ الْأَنْسَابِ:


وَانْـسُبْ جَمِيعَ الْعُرْبِ لِلذَّبِـيحِ **** عَدْنَانَ مَعْ قَحْطَانَ فِي الصَّحِيحِ



فَهْـوْ أَبُو قَحْـطَانَ فِي قَوْلٍ علِيّ **** دَلِيلُهُ عِنْدَ الْـبُخَارِي مُنْـجَــلِي


* فَائِدَةٌ 63: يَنْقَسِم وَحْيُ البعثِ إلى قِسْمينِ:
1 – وَحْيُ النُّبوَّةِ.
2 – وَحْيُ الرِّسَالَةِ.

* فَائِدَةٌ 64: هجْرُ الأصنَامِ وسَائرِ الأوثَانِ يرجِعُ إلى أربعَةِ أصُولٍ:

1 – تَرْكُ تِلكَ الأوثانِ وَأَهْلِهَا.
2 – البرَاءةُ منها وَأَهْلِهَا؛ وفِي البَرَاءةِ: زِيادةٌ على التَّركِ.
3 – عَدَاوتُها وَأَهْلِهَا.
4 – فِرَاقُها وَأَهْلِهَا؛ وفي الفِراقِ قَدرٌ زائِدٌ على العدَاوةِ.

* فَائِدَةٌ 65: ينْبغِي أن يُنْفقَ العَبْدُ في التَّوحيدِ وقْـتًا عظِيمًا، مُتعَلِّما ومُعلِّما؛ ولهذا كُرِّر الأمرُ على النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بتعلُّمِ التَّوحيدِ بعدَ هِجرَتِه إلى الْـمَدينَةِ فقيلَ له: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ)؛ وقد استنبَطَ إمامُ الدَّعوةِ مِن هذه الآيةِ في بعضِ رسَائلِه: الدَّلالةَ على جلالةِ التَّوحيدِ؛ حيثُ أُمر النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -وهو الذِي أقامَ في مكَّةَ ثلاثَ عشْرَةَ سنةً يدعُو النَّاسَ إلى التَّوحيدِ- أُمر بأن يَحْرِصَ على تعلُّمِ التَّوحيدِ.
فَمَا عليهِ فِئَامٌ مِن النَّاس مِن التَّهاوُن بأمْرِ التَّوحيدِ، وقولِهم: (التَّوحيدُ فَهِمْناهُ)، هو كما قال إمَامُ الدَّعْوَةِ في كَشْفِ الشُّبُهَاتِ: (وأمَّا قولُهم: التَّوْحِيدُ فَهِمْنَاهُ، فمِن أكبَرِ الجَهْلِ ومِن مكايِدِ الشَّيطانِ).


* فَائِدَةٌ 66: لا يُرادُ بتعلُّمِ التَّوحيدِ مُجرَّدُ الـمسائلِ التي تُذكَر في كتُبِه، وأرْفَعُ من ذلكَ: الِالتِفَاتُ إلى الحقَائقِ القَلبِيَّةِ بزيَادتِها وإنْصَاعِها وطَردِ كلِّ شائبَةٍ عنهَا.


* فَائِدَةٌ 67: أُمِر العَبدُ بأن تكُونَ آخرُ كلمةٍ مِن كلامهِ هي كَلمةَ التوحيدِ عند احْتِضَارِه، ولا يُوَفَّقُ إلى اللَّهَجِ بهذه الكلمةِ عند الِاحتِضَار إلَّا مَن امتلأَ قلبُه بإجْلَال التَّوحيدِ وتعظِيمِه؛ فإنَّ القُلوبَ ساعةَ الاحتِضَار تُعْصَرُ كما تُعصَرُ الآنيَةُ، فيَخْرُجُ ما فيهَا؛ فإذا عُصِرَ القَلْبُ وكان مليئًا بالتَّوحيدِ خرَجَ التَّوحِيدُ على لسَانِ الـمُتكلِّمِ؛ ولهذا كان النَّبِيُّ صَـلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقولُ في ساعةِ الاحتِضار -مُعْلِنًا كمالَ التَّوحيدِ-: (بَلِ الرَّفِيقُ الأَعْلَى، بَلِ الرَّفِيقُ الأَعْلَى، بَلِ الرَّفِيقُ الأَعْلَى) مُعلِنًا الاسْتِغناءَ عنِ الـمَخَاليقِ، والفزعَ إلى ربِّهم جلَّ وعلَا.
* فَائِدَةٌ 68: تُطْلقُ (أُمُّ الْكِتَابِ) على معْنَيَينِ:
1 – مَعْنًى عَامٌّ، وهو اللَّوحُ الْـمَحفُوظُ.
2 – مَعْنًى خَاصٌّ، وهي سورةُ الفَاتحَةِ؛ سُمِّيَت كذلك لأنَّها أجَلُّ ما في اللَّوْحِ الْـمَحفُوظِ مِن كلامِ الرَّبِّ جلَّ وعلَا.

* فَائِدَةٌ 69: الهجْرَةُ في صَدْرِ الإسلامِ هِجرتَانِ:
1 – هِجْرةٌ مِن بلَدِ الخَوْفِ إلى بلَدِ الأمْنِ؛ وهيَ الهجرَةُ الأُولَى التي خرَج فيهَا بعضُ أصحَابِ النَّبِيِّ صَـلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم من مكَّةَ متحوِّلين إلى الحبشَةِ؛ تحتَ حُكْمِ الْـملِكِ العادِلِ: النَّجَاشِيِّ.
2 – هِجْرةٌ مِن بلَدِ الكُفْرِ إلى بَلَدِ الإسْلَامِ؛ وهيَ التي اتَّفقَت للنَّبِيِّ صَـلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأصحابِه بالخرُوجِ من مكَّةَ إلى الـمَدينَةِ بعدَمَا اشتَدَّ عليه أذَى قُرَيْشٍ.

* فَائِدَةٌ 70: القَدْرُ الواجِبُ مِنْ معْرِفَة النَّبِيِّ صَـلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، يرجِعُ إلى أربعةِ أصُولٍ:
الْأَصْلُ الْأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ اسمِه الأوَّلِ (مُحَمَّدٍ) صَـلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؛ فلا يَضُرُّ الْـمُسْلمَ الجهلُ ببقيَّةِ نَسَبِهِ.
الْأَصْلُ الثَّانِي: مَعْرِفَةُ أنَّه لم يكُن مَلِكًا مِن ملُوكِ الأَرْضِ، ولا مَلَكًا مِن ملائكَةِ الرَّحمنِ؛ بل كانَ بشَرًا اصطَفاهُ اللهُ واجتَباهُ، وأنزَل عليه الكتَابَ، وفضَّله بالرِّسالةِ.
الْأَصْلُ الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ أنه جاءنَا بالبَيِّنَاتِ والهدَى ودِينِ الحقِّ.
الْأَصْلُ الرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ أنَّ الذِي دلَّ على صِدْقِه هو كتَابُ اللهِ.

* فَائِدَةٌ 71: الطَّاغُوتُ [علَى] صيغَة مِن صِيَغ الْـمبَالغةِ؛ كالْـمَلَكُوتِ والجَبَرُوتِ؛ وأحسَنُ ما قِيلَ في تَعْريفِه: (ما تجاوَزَ به العبْدُ حدَّهُ مِن معبُودٍ أو متبُوعٍ أو مُطاعٍ) وهذا التَّعْرِيفُ ذكرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ في أوائل كتابه إِعْلَامِ الْـمُوَقِّعِينَ.
قال الشَّيْخُ صَالِحُ الْعَصِيمِيُّ:


وَفَسِّرِ الطَّاغُوتَ مَا تَـجَاوَزَا **** بِهِ الْـعُبَيْدُ حَدَّهُ مُـجَـــاوِزًا



مَعْبُودًا اَوْ مَتْبُوعًا اَوْ مُطَاعَا **** مُـحَقَّــقًا مِـنَ الْإِعْلَامِ ذَاعَا



أَنْــــوَاعُهُ ثَـلَاثَـةٌ تُشَــاعُ: **** عِـبَــادَةٌ وَطَـاعَــةُ اتِّــبَـاعُ



* فَائِدَةٌ 72: يَجوزُ في قولِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (وَذُِرْوَةُ سَنَامِهِ) كَسْرُ الذَّالِ الْـمُعْجمةِ وضَمُّهما، وهما لغَتانِ مشْهُورتَانِ، وذكر بعْضُ الـمُتأخِّرِين –كالشُّمُنِّي- لُغةً ثالثَةً وهيَ الفَتْحُ؛ فتكونُ على هذه اللُّغةِ مُثَلَّثًا: مَكْسُورًا ومَضْمُومًا ومَفْتُوحًا؛ إلَّا أنَّ الكَسْرَ والضَّمَّ أشْهرُ؛ وكأنَّ الفَتْحَ لُغةٌ رَدِيئةٌ؛ إذْ لم يذْكُرْهَا إلَّا بَعضُ الـمُتأخِّرينَ.


* فَائِدَةٌ 73: كلَّما كُرِّرت مسَائلُ التَّوحيدِ كان ذلك أنفَعَ للعبْدِ؛ فإنَّها تزدَادُ تحرِيرًا وبيَانًا، كما نَصَّ على هذا الـمَعْنَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في الْقَاعِدَةِ الْـجَلِيلَةِ فِي التَّوَسُّلِ وَالْوَسِيلَةِ.



توقيع أم عبيدة السلفية
اطْلُبْ مِن العلومِ عِلمَاً ينْفَعُك ‏ يَنفي الأذَى والعَيْبَ ثمّ يرفَعُك
_ التَجَاربُ ليْسَت لهَا نِهايةٌ، والمرءُ مِنْها في زيَادَةٍ _
_ إذا غامَرْتَ في شرف مروم ‏ فلا تقنع بما دون النجوم ‏ _
أم عبيدة السلفية غير متواجد حالياً