بَابُ صَلاةِ الْعِيدَيْنِ
وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إِذَا تَرَكَهَا أَهْلُ بَلَدٍ قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ، وَوَقْتُهَا كَصَلَاةِ الضُّحَى، وَآخِرُهُ الزَّوَالُ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِالْعِيدِ إِلّا بَعْدَهُ صَلَّوْا مِنَ الْغَدِ، وَتُسَنُّ فِي صَحْرَاءَ، وَتَقَدِيمُ صَلَاةِ الْأَضْحَى وَعَكْسُهُ الْفِطْرُ، وَأَكْلُهُ قَبْلَهَا وَعَكْسُهُ فِي الْأَضْحَى إِنْ ضَحَّى، وَتُكْرَهُ فِي الجَامِعِ بِلَا عُذْرٍ، وَيُسَنُّ تَبْكِيرُ مَأمُومٍ إِلَيْهَا مَاشِيًا بَعْدَ الصُّبْحِ، وَتَأَخُّرُ إِمَامٍ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ، إِلّا المُعْتَكِفَ فَفِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ، وَمِنْ شَرْطِهَا اسْتِيطَانٌ، وَعَدَدُ الجُمُعَةِ، لَا إِذْنَ إِمَامٍ.
_________________________________
العيدان هما عيد الأضحى وعيد الفطر، وصلاة العيد «فرض كفاية» إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، و«إذا تركها أهل بلد»وعلم الإمام أنهم تركوها ودعاهم إلى فعلها، ولكنهم أصروا على الترك«قاتلهم الإمام» حتى يُصَلوا([1])، والمقاتلة غير القتل، فهي أوسع، فليس كل من جازت مقاتلته جاز قتله.
قوله: «ووقتها كصلاة الضحى» ومعلوم أن صلاة الضحى تكون من ارتفاع الشمس قيد رمح،«وآخره الزوال» أي: زوال الشمس.
قوله: «فإن لم يعلم بالعيد إلا بعده»أي بعد الزوال «صلوا من الغد» قضاء في وقت صلاة العيد.
قوله: «وتسن»إقامتها «في صحراء» خارج البلد، وينبغي أن تكون قريبة لئلا يشق على الناس، كما يسن «تقديم صلاة الأضحى وعكسه الفطر» أي: تأخير صلاة الفطر.
قوله: «وأكله»أي الإنسان «قبلها»أي قبل أن يخرج لصلاة عيد الفطر، «وعكسه في الأضحى إن ضحى» أي: يترك الأكل في الأضحى إن ضحى؛ فالأفضل في عيد الأضحى أن يتأخر حتى يضحي؛ فإن لم يكن لديه أضحية فإنه لا يشرع له الإمساك عن الأكل قبل الصلاة.
قوله: «وتكره في الجامع»أي جامع البلد «بلا عذر» إلا بمكة؛ فإن صلوا في الجامع لعذر كمطر وريح شديدة وخوف فلا كراهة.
قوله: «ويسن تبكير مأموم إليها»أي إلى صلاة العيد من بعد طلوع الشمس، إذا كان المسجد قريبًا، كما لو كانت البلدة صغيرة والصحراء قريبة([2])؛ ويأتيها«ماشيًا بعد الصبح» أي: بعد صلاة الصبح، فلا يخرج بعد الفجر، كما يسن «تأخر إمام إلى وقت الصلاة»، ويسن أن يخرج الإمام والمأموم «على أحسن هيئة» في لباسه وفي هيئته، كأن: يحف الشارب، ويقلم الأظفار، ويلبس أحسن ثيابه.
قوله: «إلا المعتكف ففي ثياب اعتكافه» أي: يستحب أن يخرج المعتكف في ثياب اعتكافه، ولو كانت غير نظيفة؛ لأن هذه الثياب أثر عبادة.
قوله: «ومن شرطها استيطان» أي: من شرط صلاة العيد([3]) أن تقام في جماعة مستوطنين، فخرج بذلك المسافرون والمقيمون؛ فلو فرضنا أن جماعة تبلغ مائتين في بلد غير إسلامي، وكانوا قد أقاموا للدراسة لا للاستيطان، وصادفهم العيد فإنهم لا يقيمون صلاة العيد؛ لأنهم ليسوا مستوطنين.
قوله: «وعدد الجمعة» أي: ومن شرطها أيضًا عدد الجمعة، والقول الراجح في عدد الجمعة ثلاثة فهذا يبنى على ذاك ([4]).
قوله: «لا إذن إمام» أي: لا يشترط إذن الإمام لصلاة العيد.
_________________________________
([1]) قال ابن قاسم النجدي في حاشيته على الروض المربع (2/ 494): كالأذان، فيقاتلون على تركها، وذلك مع استكمال شروطها فيهم، وقال عثمان: من الأصحاب من عبر هنا وفي باب الأذان بالاتفاق، وبعضهم بالترك، والظاهر أنه من قبيل الاحتباك، وهو أن يحذف من الجملتين ما يدل على الأخرى، فالتقدير: إذا حصل اتفاق وترك، قاتلهم الإمام، أما الاتفاق وحده، فهو عزم على الترك، لا ترك حقيقة، وكذا الترك بلا اتفاق، يكون جهلًا أو كسلًا أو تهاونًا، فلا يقاتلون عليه ابتداء، بل يؤمرون أولًا، فإن امتثلوا وإلا قوتلوا لاجتماع الأمرين إذًا، أعني الترك والاتفاق اهـ. وكره أن ينصرف من حضر مصلى العيد ويتركها، كتفويتها من غير عذر، ويحرم على القول بوجوبها عينًا وإن لم يتم العدد إلا به وجب.
([2]) قال أحمد: يكبر جهرًا إذا خرج من بيته حتى يأتي المصلى. من حاشية أبي بطين (1/207).
([3]) قال منصور: لعل المراد من شرط الصلاة التي يسقط بها فرض الكفاية؛ بدليل أن المنفرد تصح صلاته بعد صلاة الإمام وبعد الوقت، وقال ابن نصر الله: المراد شرط وجوب صلاة العيد لا شرط صحتها. من حاشية أبي بطين (1/207).
([4]) المذهب ما ذكره المصنف، كما في شرح منتهى الإرادات (1/326)، وسبق اختيار الشيخ في العدد المشترط للجمعة.