الموضوع: القرآن والحياة
عرض مشاركة واحدة
قديم 13-11-07, 11:11 AM   #8
بداية مشرقة
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

أثر إقصاء كتاب الله عز وجل عن الحكم


وفيما يتعلق بجانب الحكم وبجانب الدول أُقصي القرآن رسمياً، وبإعلان صارخ - بل فاضح بشع- أن القرآن لا يحكم، وجيء بالقوانين الفرنسية والإنجليزية وغيرها، وحكمت بها أمة الإسلام، ولا تزال تحكم بها كثير من الدول التي تُسمى إسلامية. ثم قالوا: نحن لسنا كافرين، ولسنا ننكر القرآن! فما صلتهم بالقرآن؟ يفتتحون به أول البث التلفزيوني والإذاعي ويختتمون به! وما من حفل رسمي إلا وأول شيء القرآن، ولا بأس بأن يكون هناك مسابقات للقرآن وبعض الجوائر، ولا بأس -أيضاً- بأن يُطبع من نسخ القرآن كذا وكذا. هذا الذي أوهموا الناس أنه يكفي فيما يتعلق بالقرآن والحكم والسلطان في بلاد المسلمين، إلا ما رحم الله.
ولذلك هذه الصورة لاشك أنها أبعدت الأمة عن القرآن بصورة تظهر فيها أمثلة عجيبة جداً، وعندما يتأمل الإنسان وينظر يرى حملة شهادات الدكتوراة وأصحاب مناصب عالية ورفيعة لا يحسن أحدهم قراءة الفاتحة! ولقد لقيت مرة في ملتقىً عدداً من الشباب من بلاد عربية مختلفة، فرأيت طلبة الطب والهندسة وهم أجسام طويلة وعريضة، وأصحاب ألسنة منطلقة، وأصحاب عقول وأفكار، ولكن والله لقد كان الواحد منهم لا يحسن قراءة غير ثلاث سور: (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) و (( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ )) و (( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )) وأما غير ذلك فلا يحسن، وكانوا كما أشرت على هذه الصورة! ......

الخير باقٍ في الأمة

تلك الصورة أرادها أعداء الله عز وجل ومن كان معهم من العملاء، لكن كما قال سبحانه وتعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8] ، فإن لهذا القرآن طريقاً إلى القلوب لا يمكن أن توصد أبداً، وإن الآذان لتشتاق إليه، وإن العيون لتتلهف إلى رؤيته، ويكفينا مثال صارخ على ذلك، وأن كل من حرَّف كتاب الله عز وجل لم يفلح، والخاسر هو الذي يحارب كتاب الله عز وجل.
فانظر إلى الشيوعية! سبعون عاماً من الحرب الشعواء والتشريد والقتل والتهجير ومنع اللغة العربية ومنع المصاحف ... إلى آخر ذلك، ثم سقطت الشيوعية،
وظهر حفظة للقرآن العظيم لا يعرفون من العربية كلمة واحدة! واسأل من ذهب إلى تلك البلاد، وانظر إلى أشرطة الفيديو، فستجد أنه ظهر في الجمهوريات الإسلامية حفظة لكتاب الله عز وجل كانوا يحفظون في الأقبية وتحت الأرض،
واليوم تعم أرجاء العالم الإسلامية أوبة صادقة إلى كتاب الله عز وجل، ونسمع دوي القرآن عاد من جديد في بيوت الله عز وجل، ونسمع أشرطة القرآن تملأ الدنيا شرقاً وغرباً، ونرى كتاب الله عز وجل يغزو الأقطار الكافرة قبل المسلمة، ونرى الأجيال وهي تتربى -بحمد الله عز وجل- على كتاب الله تحفظه وتترنم به قراءة صحيحة فصيحة، وهي في الصغر، ونرى الإقبال على معاني كلمات القرآن، وعلى تفسير كلام الله عز وجل، وعلى الدروس القرآنية، إنها نهضة قرآنية عظيمة بحمد الله عز وجل، والذي يتأملها يدرك أن الأمر كما قال عز وجل: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، فلابد من أن ندرك هذا، والحمد لله فهذه ظواهر إيجابية. ......

أهمية تعلم القرآن الكريم وفهمه

أحب أن أشير إلى أمرين اثنين مما يتعلق بالشباب وبعموم الملتزمين والصالحين، فهناك أمران مهمان:
أولهما: إعطاء القرآن حقه من حيث العلم به والفهم لأحكامه قبل أن تتشعب بك الاهتمامات؛ فإن من الشباب من ينصرف عن رغبة صادقة وعن توجه جيد إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحفظها، ويقول: السنة والأحكام بالسنة. وهو لم يهتم بكتاب الله عز وجل، فكيف يفهم السنة وهو لم يفهم القرآن؟ وكيف يعرف دلالاتها وارتباطها بكتاب الله وهو لم يفقه كتاب الله من قبل؟! وانظر إلى حكمة عمر رضي الله عنه، كان ينهى الصحابة عن أن يكثروا من رواية الأحاديث في البلاد التي تفتح حديثاً، فقال: (لا تشغلوهم بالسنن عن القرآن حتى يعرفوا كتاب الله عز وجل). فلابد من أن يُعرف أن القرآن هو الأول، فبعض الناس من حماسهم يندفعون إلى علم من علوم الإسلام، لكن لا يربطونه بالقرآن، ولا ينطلقون إليه بعد القرآن. وهذا الأمر لاشك أنه أساء كثيراً في فهم هؤلاء، وأوجد عندهم خلطاً، وأوجد عندهم سوء ظن بكثير من الأمور وعدم فهم لها، بل نجد اليوم من يتكلم على حفظة القرآن ومن يتفرغون للحفظ ومن يجودونه، بل يتهمون بعض من يهتمون بالقرآن وحفظه وتلاوته بأنهم لا يفقهون الدين، وبأنهم لا يتبعون الرسول الكريم! فعجباً لهؤلاء القوم كيف عكسوا الأمور وكيف قلبوا الآية! ولذلك ينبغي أن نتنبه لهذا الجانب. ......

ذكر بعض آداب حملة القرآن

الجانب الآخر أنقل فيه نصوصاً تبين مهمة أن القرآن وحمله ليس حفظاً وليس تجويداً وليس تنغيماً بالأصوات، وليس معرفة بالتفاسير فحسب، وإنما القرآن سلوك يغير القلب، ويغير نطق اللسان، فلا يتكلم بفاحش القول، ويغير سمت الإنسان كله،
ولذلك أهم شيء في حامل القرآن خُلُقُ القرآن الذي قالته عائشة في وصف الرسول عليه الصلاة والسلام: (كان خلقه القرآن).
ولذلك ينبغي أن نعيب وأن نشدد النكير على حملة القرآن إذا خالفوا نهج القرآن؛ لأن المطلوب منهم أعظم، والواجب في حقهم أكبر. وأسوق بعض ما ذكره العلماء فيما يتعلق بآداب وأخلاق حملة القرآن، وأكتفي بذكرها، فإن كل جملة منها جديرة -والله- بأن تكون منبهة وفيها ما يهز الإنسان المؤمن المرتبط بكتاب الله أو بحفظه أو بتلاوته؛ لأننا في الحقيقة قد نخطئ ونجرم ونكون قدوات سيئة عندما نقدم للناس من يحفظون القرآن ويجودونه ولكنهم لا يلتزمون أحكامه ولا يتأدبون بآدابه.

يقول صاحب كتاب (آداب حملة القرآن): أول ما ينبغي له -أي: حامل القرآن- أن يستعمل تقوى الله في السر والعلانية باستعمال الورع في مطعمه ومشربه، وملبسه ومسكنه، وأن يكون بصيراً بزمانه وفساد أهله، فهو يحذرهم على دينه، مقبلاً على شأنه، مهموماً بإصلاح ما فسد من أمره، فلا ينشغل بعيوب الناس قبل عيب نفسه، حافظاً للسانه، مميزاً لكلامه، إن تكلم تكلم بعلم إذا رأى الكلام صواباً، وإن سكت سكت بعلم إذا كان السكوت صواباً، قليل الخوض فيما لا يعنيه، يخاف من لسانه أشد مما يخاف من عدوه، يحبس لسانه كحبسه لعدوه؛ ليأمن شره وشر عاقبته، قليل الضحك مما يضحك منه الناس لسوء عاقبة الضحك، إن سُرَّ بشيء مما يوافق الحق تبسم، يكره المزاح خوفاً من اللعب، فإن مزح قال حقاً، باسط الوجه، طيب الكلام، لا يمدح نفسه بما فيه، فكيف بما ليس فيه؟ يحذر نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يسخط مولاه، لا يغتاب أحداً، ولا يحقر أحداً، ولا يسب أحداً، ولا يشمت بمعصية، ولا يبغي على أحد ولا يحسده، ولا يسيء الظن بأحد إلا لمن يستحق.
ثم قال: فالمؤمن العاقل إذا تلى القرآن استعرض القرآن، فكان كالمرآه يرى بها ما حسن من فعله وما قبح منه، فما حذره مولاه حذر منه، وما خوفه به من عقابه خافه، وما رغبه فيه مولاه رغب فيه ورجاه،
فمن كانت هذه صفته أو ما قارب هذه الصفة فقد تلاه حق تلاوته، ورعاه حق رعايته، وكان له القرآن شاهداً وشافعاً وأنيساً وحرزاً، ومن كان هذا وصفه نفع نفسه، ونفع أهله وعاد على والديه وعلى ولده كل خير في الدنيا والآخرة.
ومن قول عمر : (ولقد أتى علينا حين وما نرى أحداً يتعلم القرآن يريد به إلا الله، فلما كان بأخرة خشيت أن رجالا يتعلمونه يريدون به الناس وما عندهم، فأريدوا الله بقرآنكم وأعمالكم، وإنا كنا نعرفكم من لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ينزل الوحي، وإنما أعرفكم اليوم بما أقول: من أعلن خيراً أجبناه عليه وظننا به خيراً، ومن أظهر شراً بغضناه عليه وظننا به شراً، سرائركم فيما بينكم وبين الله عز وجل).
ويقول ابن مسعود : (ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناس يختالون، وبحزمه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يصوتون) إنه رجل حمل كلام الله في قلبه، وحوى أعظم كنز في الوجود في صدره، فلا ينبغي له أن يخوض مع الخائضين، ولا أن يلعب مع اللاعبين، ولا أن يتصف بأخلاق الفاسدين، فالله أسأل أن يجعلنا من أهل القرآن. ......

قصيدة تبين واقع الأمة مع القرآن الكريم

وأختم بقصيدة أخينا الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي ، وقد صور لنا فيها ما بين كتاب الله وواقع الأمة، وهو يخاطب قارئ القرآن في حفل تخريج دفعة من الجماعة الخيرية في جدة، يقول:
يا قارئ القرآن داو قلوبنا بتلاوة تزدان بالتجويد
اقرأ فأمتنا ترقع ثوبها بالوهم تخفض رأسها ليهود
اقرأ فأمتنا تعيش على الربا تنسى عقاب الخالق المعبود
اقرأ لينجلي الظلام عن الربَى وليسمع الغاني زواجر هود
اقرأ لينجلي القتام عن الذي أمسى أسير تخاذل وصدود
اقرأ ليرجع من بني الإسلام من أصغى مسامعه إلى تلمود
اقرأ لعل الله يوقظ غافلاً من قومنا ويلين قلب عنيد
اقرأ ليرجع ظالم عن ظلمه ويقر بالإيمان كل جحود
اقرأ ليسكت مطرب مترنح قتل الحياء على رنين العود
ذبحوا مشاعرنا بكل قصيدة مسكونة بخيال كل بليد إبليس باركهم وسار أمامهم متباهياً بلوائه المعقود
اقرأ ليهدأ قلب كل مروع من قومنا وفؤاد كل شريد
اقرأ ليسمع كل من في سمعه وقر من الأقصى إلى مدريد
اقرأ لتفهم أمتي معنى الهدى معنى بلوغ مقامها المحمود
اقرأ ليخرج جيلنا الحر الذي يبني جوانب صرحنا المهدود بالدين بالقرآن لا بثقافة غربية ذو مبدأ مردود يا قارئ القرآن إن قلوبنا عطشى إلى حوض الهدى المورود شنف مسامعنا بآيات الهدى وافتح منافذ دربنا المسدود وأقم من الإخلاص قصراً شامخاً يدني إلى عينيك كل بعيد
يا قارئ القرآن لا تركن إلى مدح العباد ومنطق التمجيد قل للذين تنكبوا درب الهدى جهداً ولم يستمسكوا بعهود قل للطغاة ومن مشوا في ركبهم من طامع ومنافق ومريد إن الذي منع الحرام هو الذي شرع الحلال لنا وكل مفيد هذا هو القرآن دستور الهدى فيه الصلاح لظارف وتليد

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ......


الأسئلة
بداية مشرقة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس