عرض مشاركة واحدة
قديم 22-01-08, 05:55 PM   #1
عبد السلام بن إبراهيم الحصين
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: 08-02-2007
المشاركات: 867
عبد السلام بن إبراهيم الحصين is on a distinguished road
افتراضي ليس بالبكاء والنياحة تنصر غزة!!

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلنحبس عيوننا عن البكاء، وقلوبنا عن الجزع والهلع والخوف، وآذاننا عن سماع الصراخ والعويل والنوح، وألسنتنا عن الشجب والاستنكار والإدانة.
لسنا نريد عيونًا باكية، ولا قلوبًا مليئة بالخوف والهلع والجزع، ولا ألسنًا ليس لها إلا الكلام الفارغ.
نريد العمل، والعمل فقط.
ما يقع في غزة يكفي للتعبير عن حالة الأمة التي وصلت إليها، من الذل، والضعف، والاستكانة، والمهانة، والبعد عن دين الله جل وعلا.

وما حدث في العراق، وقبله في أفغانستان، وغيرها من البقاع المكلومة هو أكبر دليل على أن الأمة بلغت إلى الحضيض، بل إلى ما دونه.

إن الأخوة الإيمانية بين أهل الإسلام هي رابطة أقوى من روابط النسب والمصاهرة، قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة }، وقال صلى الله عليه وسلم : ((المسلم أخو المسلم))، وهذه الأخوة تقتضي حقوقًا للمسلم على إخوانه، وحقوقًا على المسلم لإخوانه، وقد صور النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي في ظل هذه الرابطة الإيمانية والأخوة الدينية بصورة بديعة عجيبة فقال: ((مثل المؤمنين في توادِّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)) متفق عليه، وفي رواية لمسلم: ((المؤمنون كرجل واحد)) وفي رواية لمسلم أيضًا: ((المسلمون كرجل واحد؛ إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله))، وفي مسند الإمام أحمد عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس))، فإذا رأيت الجسد يألم لما أصاب بعضه فاعلم أنه جسد فيه روح وإحساس، وإذا رأيته لا يتألم لما أصاب بعضه؛ فاعلم أنه جسد ميت، فَقَدَ الروح والإحساس، والمسلمون جسد واحد، يشعر بعضهم بآلام بعض، ويحزن لما أصابهم، ويحمله هذا الشعور والإحساس على المناصرة والمساعدة، والمشاركة في تخفيف آلام إخوانه ومصابهم، ولهذا يصور النبي صلى الله عليه وسلم مناصرة المسلم لأخيه المسلم بصورة أخرى فيقول: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا)) متفق عليه، وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن مرآة المؤمن، المؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه)).

إن هذه الأخوة الإيمانية تزداد وتعظم بزيادة الإيمان في القلوب، فكلما ازداد العبد إيمانًا بالله، وانقيادًا لأوامره عظمت هذه الأخوة في قلبه، وأثمرت قوة في نُصرة إخوانه المؤمنين، وسعيًا حثيثًا للذب عنهم، فيصبح المسلمون وقد هابهم أعداؤهم، فلم يتمكنوا من أذيتهم وهزيمتهم وإلحاق الذل بهم، وإذا ضعف الإيمان في القلوب، وضيعت حدود الله، وانتهكت محارمه، وركن الناس إلى الدنيا، انقطعت روابط الأخوة بين المؤمنين، وتفرقوا شيعًا، فتسلط عليهم الأعداء، وساموهم سوء العذب، فيصبح كل واحد من المسلمين ولا هم له إلا نفسه، ودنياه، وماله، وولده، فيرضى بعيشة الذل، ويحيى حياة الاستكانة والخنوع، ويرى مصارع إخوانه أمام عينيه فلا يزيده ذلك إلا خوفًا وهلعًا، وحبًا في الدنيا ورضى بها، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)) متفق عليه، وفي رواية لمسلم: ((لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره)).

فما أسوأ حال المسلمين، وهم يرون إخوانهم في بقاع الأرض كلها يقتلون، ويستضعفون، ويهانون، وتنتهك أعراضهم، وتسلب حقوقهم، وإخوانهم نائمون، لا يفكرون إلا في دنياهم.
لقد زاد البلاء بتفجر هذا الجرح القديم في الأرض المباركة، فمارس اليهود بمساندة إخوانهم من النصارى والمنافقين أبشع أنواع القتل والتنكيل، والامتهان لحقوق المسلمين وكرامتهم، صور بشعة من الطغيان والاستذلال لا أطيق وصفها؛ فما منكم من أحد إلا وقد رآها، والصورة أبلغ في التأثير من العبارة، وقد سطر المجاهدون هناك أروع البطولات، مع ضعف العدة، وقلة العدد، وتخاذل المسلمين، فأثخنوا في العدو، وحطموا كبرياءه، واخترقوا تحصيناته، مع أنه يحيط بهم إحاطة السوار بالمعصم.
فهل نريد رسالة أبلغ من هذه الرسالة، وأوضح منها دلالة على أن القضية إنما هي في صدق الإرادة والعزيمة، وحسن التوجه إلى الله والصدق معه؟؟!!
لقد كشفت هذه القضية حالة الأمة بجميع طبقاتها، ليس الحكام فحسب، بل على جميع مستوياتها!!!

وليس أعظم دليلا على ذلك من تصريحات رئيس أمريكا في قلب البلاد العربية بأنه مع دولة اليهود بكل ثقله، والجميع بين مصفق، أو مبتسم فرح بالبركة التي حلت بزيارته، أو صامت يتحسس رقبته مخافة أن يُسخط عليه لو أنكر شيئا مما يُقال.

في ظل هذه الأحداث العصيبة يجب ألا تغيب عنا هذه الحقائق:
أولًا: إن الصراع الدائر صراع بين الكفر بجميع طوائفه، وبين المسلمين، إنه صراع بين الحق والباطل، بين الداعين إلى الأخلاق الفاضلة، والداعين إلى الرذائل، بين المؤمنين بالله الراضين به ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا، وبين المؤمنين بالباطل، المتحاكمين إلى الجبت والطاغوت، الكافرين بالله وبرسله.

ثانيًا: يسعى الكفار لنشر باطلهم بكل وسيلة؛ فهم ينشرونها بيننا بوسائل الإعلام التي تبث كمًا هائلًا من الشهوات والشبهات؛ لتصد الناس عن دين الله، ولتغرق المجتمع في حمأة الرذيلة، وإشباع الشهوة، ولتغرس في القلوب محبة الدنيا، والرضى بها، والاطمئنان إليها، وفي أماكن أخرى من العالم ينشرون دينهم بالقوة العسكرية، والبغي على عباد الله.

ثالثًا: ما استطاع العدو أن يحتل أرض المسلمين ويسعى فيها بالفساد حتى احتل القلوب والعقول، بمبادئه وأفكاره، وأساليب حياته، حتى استل من قلوب المؤمنين ما علمهم الله في كتابه من شدة عداوة الكفار للمؤمنين، ورغبتهم في صدهم عن دين الله، وأنهم إنما يُرضوننا بألسنتهم، أما قلوبهم فهي مملوءة حقدًا وعداوة، يقول الله تعالى: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}، ويقول جل وعلا: {إن الكافرين كانوا لكم عدوًا مبينًا}.

رابعًا: إن النصر على الأعداء، والأمن في الديار لن يتحقق إلا بأن ننصر الله في قلوبنا بطاعته، وأن نطلب النصر والتمكين والأمن منه لا من غيره، أما الشعارات واستجداء النصر ممن هم يمدون القتلة بالسلاح والمال، فلن يزيد الأمور إلا سوءً وبلاءً.

خامسًا: إن دين الله لا يرضى بالتبعية، بل هو متبوع غير تابع، وقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الدين العظيم ليظهره على الدين كله، وليكون حاكمًا على الأرض كلها، فلا بد من الإيمان المطلق الكامل بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، والله يقول: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب}.

سادسًا: إن الله وَعد، ووعده لا يخلف؛ فهو العزيز، وله العزة جميعًا، وعد سبحانه فقال: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز}، وقال: {إننا لننصر رسلنا والذي آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}، فأبشروا أيها المؤمنون فإن نصر الله قريب.

سابعًا: لا يجوز أن تخدعنا الشعارات، ولا العبارات الرنانة، التي ليس وراءها إلا المواقف المخزية، فالقضية لا يمكن أن تحل بيوم وليلة، ولا بعصا سحرية تقلب الطاولة على العدو بين عشية وضحاها، بل القضية تستدعي أن نعيش هم القضية في كل لحظة من حياتنا، وأن نسعى بجد لنصرة إخواننا بجميع السبل والطرق، وأن ندرك أن النصر قد يتأخر قليلا حتى يخرج جيل يحمل هم القضية بصدق وإخلاص وتفاني، لا تفرقه النعرات، ولا تمزقه الخلافات، ولا تخدعه الألفاظ والعبارات، ولا تخدره المواقف الماكرة .

ثم إن وسائل نصرة إخواننا كثيرة، من أهمها أن نسعى بجد وحزم في الدعوة إلى الله وتبصير الناس بحقيقة دينهم، وأن النصر والتمكين لا يكون إلا بالجد والعمل، والتخطيط المحكم، المبني على المعرفة بالماضي وأخطائه، والبصيرة بالواقع وأحواله، والاستشراف للمستقبل وأهواله.
ينقسم الناس حين يرون هذه الصور إلى أقسام متباينة؛ فمنهم من يصيبه الإحباط، ويرى أن دين الله مخذول، وأن الأمة لن تنتصر أبدًا، وأن الواجب هو الاستسلام على جميع الجبهات، وقبول كل ما عند العدو.

ومنهم من يمتلأ قلبه بالغيظ والحنق على الحكام وعلى كثير من علماء الأمة، ويظن أن النصرة تكون بأن يقذف نفسه في أتون الحرب الأهلية، التي تحصد الأخضر واليابس.

ومنهم من يقف حائرًا لا يدري ما يصنع، فتتبعثر أوراقه، وتضيع أهدافه، وتتوقف مشاريعه.
ووالله الذي لا إله غيره، ولا رب سواه: إن بوادر النصر لظاهرة، وفجر الحق والعدل لقريب، ولكن الله يبتلي المؤمنين ليمحص قلوبهم ويتخذ منهم شهداء، وليمحق الكافرين بأيدي المؤمنين الصادقين.
والمؤمن الصادق لا يكف عن العمل، والدعوة إلى الله، وتحصين الأمة من داخلها، وترميم بنيانها بكل ما يستطيع، حتى تفارق روحه جسده، وهو يعلم أنه لا يصنع لنفسه، وإنما يصنع لأمته، ولا يكون النصر على يديه هو، وإنما يهمه أن يحصل النصر على يد من شاء الله من عباده.

أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم: أن يحفظ إخواننا في عزة، وفي كل بقاع الأرض، وأن يهيئ لأمتنا أمر رشد.
إنه سميع مجيب.
عبد السلام بن إبراهيم الحصين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس