عرض مشاركة واحدة
قديم 13-02-08, 02:22 PM   #24
عطاء الخير
نفع الله بك الأمة
 
تاريخ التسجيل: 23-08-2006
المشاركات: 604
عطاء الخير is on a distinguished road
افتراضي


مفهوم التربية الجادة
إن أول تساؤل يفرض نفسه هو تحديد المقصود بالتربية الجادة؛ إذ يمثل تحديد المصطلحات أرضية مشتركة تضبط ميدان البحث والنقاش. وبعيداً عن الجدل والتعقيد المنطقي حول التعريف نسعى في هذا المبحث إلى تحديد مفهوم لما نعنيه بهذا المصطلح، وهو لا يعدو أن يكون اصطلاحاً للكاتب يحدد فيه مقصود الفكرة التي يدعو إليها. مفاهيم قاصرة للتربية الجادة: ينصرف الذهن لدى بعض الناس حين نطلق التربية الجادة إلى بعض المفاهيم القاصرة ومنها:- المفهوم الأول: قلة الضحك: مما لاشك فيه أن كثرة الضحك تميت القلب، وأن المسلم الجاد يقتصد في المزاح والهزل، لكن هل ما نعنيه ونريده من التربية الجادة أن يكون المتربي قليل الضحك، لا يفتر ثغره عن ابتسامة إلا في الحول مرة أو مرتين؟ قد يكون بعض الناس طريفاً بطبعه، فهل يكون مثل هذا النوع غير مؤهل للجدية؟ إليك هذين النموذجين من السلف:- الشعبي : كان مشهوراً بالدعابة والطرافة، أتاه رجلٌ يوماً وهو جالس مع امرأته فقال: آيكما الشعبي؟ فأشار إلى امرأته فقال: هذه، وسأله رجلٌ: ما اسم زوجة إبليس؟ فقال: ذاك عرسٌ لم نشهده. ومع هذه الطرافة التي اشتهر بها قال عنه مكحول: ما رأيت أحداً أعلم من الشعبي، وقال هو عن نفسه: ما مات ذو قرابة لي وعليه دين إلا وقضيت عنه، ولا ضربت مملوكاً لي قط، ولا حللت حبوتي إلى شيء مما ينظر إليه الناس. الأعمش : كان صاحب طرفة مشهوراً بها كذلك، سأله رجل: كيف أمسيت البارحة فأحضر وسادة فاضطجع عليها وقال: هكذا. وقال عيسى: أتى الأعمش أضياف فأخرج إليهم رغيفين فأكلوهما، فدخل فأخرج لهم نصف حبل قتِّ فوضعه على الخوان، وقال: أكلتم قوت عيالي، فهذا قوت شاتي فكلوه. وسأله أبو داود الحائك ما تقول يا أبا محمد في الصلاة خلف الحائك؟ فقال: لا بأس بها على غير وضوء، قال: وما تقول في شهادته؟ قال: تقبل مع عدلين. ومع ذلك كان من أعبد الناس، قال عبد الله الخُرَيْبيُّ: ما خلف الأعمش أعبد منه. وقال عنه أبو بكر بن عياش: كان الأعمش يعرض القرآن فيمسكون عليه المصاحف فلا يخطئ في حرف. وقال عنه يحيى القطان: كان من النسَّاك، وكان محافظاً على الصلاة في جماعة، وعلى الصف الأول. إذاً فقد يكون المرء ذا طرافة مزَّاحاً لكنه جادٌ في موضع الجد، عاملٌ في موضع العمل. المفهوم الثاني: التحصيل العلمي: وأحياناً ينصرف الذهن عند الحديث عن التربية الجادة إلى أنها تلك التي تعنى بالتحصيل العلمي وبذل الجهد فيه. ولئن كان طلب العلم من أشرف الأعمال وخيرها، ويمثل ميداناً من أفضل ما يشغل به الشباب المسلم اليوم، ولا يجوز بحال التهوين من شأنه، أو إهماله بحجة الانشغالات الدعوية؛ إلا أن ذلك لن يجعل طلب العلم هو وحده المعيار الذي تقاس من خلاله الجدية. ثمة طاقات منتجة، وفئات تتقد حماسة وتحمل غيرة وتبدي استعدادها لتقدم خيراً للمسلمين، لكنها لا تملك القدرة العقلية أو التهيؤ النفسي لطلب العلم والتقدم فيه، فهل يجوز أن تهمل جهود هؤلاء؟ أو أن يهمش دورهم ويشعرون أنه لا قيمة لهم ولا مجال ما داموا غير بارعين في الميدان العلمي؟ إن هناك ميادين كثيرة من الخير والخدمة للدين ونصرة قضايا الأمة يمكن أن يقوم بها أمثال هؤلاء، كالميادين الإدارية والاجتماعية والإغاثية والتربوية وغيرها كثير، وهي لا تفتقر للحصيلة العلمية الواسعة، وهذا وإن كان لن ينقلهم إلى مصاف الدعاة المؤهلين المتصدرين للتعليم والإفتاء والتوجيه، إلا أنه لن يلغي دورهم. المفهوم الثالث: الحزم والقسوة: بعض الناس تعني الجدية لديه القسوة والحزم، والتعامل مع الناس بمنطق لايقبل العذر، ولايعفو عن الزلة أو يقيل العثرة، إنه منطق أولئك الذين لايجيدون التوازن بين المفاهيم النظرية المجردة وبين الواقع العملي، فيتطلعون إلى نموذج مثالي لايتحقق في دنيا الواقع، حينها يشعر أحدهم أنه يجري ولايجرى معه. والمربي الناجح هو الذي يسير ويقود الناس وهم كنفتيه، فلا هو يخالف ما وُصِف به نبيه r { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (التوبة :128 ) وقوله {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} (آل عمران:159 )، ولاهو يفهم الرفق فهماً مغلوطاً فيرى أنه يعني مسايرة الناس ومجاراتهم على ماهم عليه، والقعود عن الرقي بهم، فالذي نزلت عليه هذه الآيات، والذي أثنى على الرفق وحث عليه ودعا له هو الذي احمر وجهه حين جاءه شاب من أتباعه وأصحابه يطلب منه الدعاء بعد أن لقي من المشركين شدة، وهو الذي هجر ثلاثة من أصحابه ودعا المؤمنين إلى هجرهم . مفهوم الجدية: إن تلك الصور السابقة تملك قدراً من الجدية، لذا آثرنا التعبير عنها بمفاهيم قاصرة لا خاطئة، لكنها لا تمثل بالضرورة المفهوم الذي نريد. إن الرجل الجاد هو صاحب الهدف الذي يسري في أعماقه وروحه، فهمُّه وجهده متوجه لهذا الدين، إنه الرجل صاحب العبادة الحقة لله سبحانه وتعالى ظاهراً وباطناً، مخلصاً مخبتاً راجياً خائفاً، كثير الذكر والصلاة والصيام والتلاوة، إنه الجاد في طلبه للعلم الشرعي والتأدب بآدابه، إنه الرجل الجاد في نفسه القادر على اتخاذ القرار الحاسم في الوقت المناسب، إنه الرجل الشجاع غير الهياب ولا الوجل، إنه باختصار الرجل العامل المنتج. ولنقف وقفة حول العمل وقيمته، إذ هو صفة الرجل الجاد المتميزة. العمل مطلب الجميع : سنة الله سبحانه في الحياة أن لا يعيش فيها ولا يفلح إلا الرجل العامل، بل ولا يأكل رزقه إلا الرجل العامل، وحتى أصحاب الشهوات والمبادئ الأرضية لابد لهم من عمل يحصِّلون من خلاله ما يريدون، فكيف بالمسلم العابد لله. إن صاحب المؤسسة الخاصة والعمل الشخصي لا يريد أن يوظف لديه إلا الرجل العامل المنتج، والتقارير ومعايير الكفاءة لديه مرتبطة بالعمل الذي يقدمه والإنتاج الذي يحققه. ومدير الدائرة الرسمية يفترض أن لا يريد إلا الموظف العامل، ومعايير التقويم الرسمي وغير الرسمي لديه مرتبطة بعمل الموظف وما يقدمه. وأحياناً نسمع أن المدير الفلاني للشركة والموظف الفلاني حين انتقل اختار بعض الموظفين لديه لينقلهم معه: لماذا ؟ يجيب الجميع لأن هذا الموظف عامل ومنتج، إذاً فالعمل مطلب الجميع، ومعيار الجميع للتقويم والأمم السابقة واللاحقة التي سطرت لها صفحات في التاريخ، إنما قامت وحققت إنجازها بالعمل دون الشعارات الفارغة والعيش على الأمجاد، وما فتح التاريخ صفحة لأمة من الكسالى والقاعدين. القرآن يدعو إلى العمل: إننا حين نقرأ القرآن الكريم نجد أنه قد أولى هذا الأمر عناية وجعله مطلباً أساساً. 1 - فالإيمان لابد من اقترانه بالعمل، فنقرأ في آيات القرآن الكريم عطف العمل الصالح على الإيمان في أكثر من خمسين موضعاً، مع أن الإيمان يدخل فيه العمل الصالح كما قال r :" الإيمان بضع وستون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شـعبة من الإيمان" ( ). إلا أن هذا كله تأكيد على قيمة العمل وأهميته. 2- والإيمان حين لا يصاحبه عمل يصبح دعوى فارغة يعاب الإنسان عليها {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لايلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم. إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسـوله ثم لم يرتابـوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}(الحجرات:14-15 ). 3- ويعلق الجزاء في الدنيا للأفراد والمجتمعات على العمل { يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون} (العنكبوت:35). والعمل الصالح يلقى المرء جزاءه في الدنيا بركة وسعة في الرزق { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } (الأعراف:96)، إذاً فالجزاء بالإحسان أو العقوبة في دار الدنيا مرتبط بالعمل، إن خيراً فخير وإن شراً فشر. 4- والسؤال والحساب يوم القيامة إنما هو عن العمل { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون } (النحل: 93 ). 5 - والثواب الأخروي وهو الأساس الذي شمر إليه المشمرون وسعى إليه العاملون وتنافس فيه الصالحون مرتبط بالعمل { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } (الأعراف: 43 ). 6 - والعقاب الأخروي في نار الجحيم مرتبطٌ بالعمل { ومن جاء بالسيئة فكبَّت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون } ( النمل :90)، وحين يطلبون العودة إلى دار الدنيا - ولن يتحقق لهم فهم يسألونها ليعملوا { فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل } (الأعراف:53)، قالوا ذلك وقد أدركوا قيمة العمل وعلو شأنه، وأن مصيرهم الذي صاروا إليه إنما هو نتيجة للعمل الذي عملوه. 7 - والتفكر في آيات الله وما يتبعه من مشاعر لابد أن يتحول إلى رصيدٍ عملي، { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض.... } إلى أن قال عز وجل { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض } (آل عمران: 190-195) فلم يجازهم سبحانه على مجرد التفكر أو الدعاء وحده - وإن كان ذلك أمراً يثاب عليه المسلم - وإنما ارتبط الجزاء بالعمل وهو يتضمن الإيمان وتحمل الأذى والقتال والقتل في سبيل الله. 8- وحتى الوعظ والتأثر به والخوف من الله تعالى لابد أن يتحول إلى رصيدٍ عملي، ففي وصف عباد الله الأبرار { يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً. ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً. إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً} (الإنسان:7-10 )، فالخوف من هذا اليوم وشدته لم يكن شعوراً داخلياً فحسب بل كان له أثر عملي ترتب عليه إطعام الطعام على حبه والإحسان للناس، وفي وصف الملائكة وسائر عباد الله الساجدين له {ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لايستكبرون. يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} (النحل:45-46). 9 - ولقد مقت الشرع القول بغير عمل وذمه { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لاتفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } (الصف:2- 3 )، وأتبعت هذه الآيات بقوله تعالى: { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص } (الصف :4 )، فالله سبحانه وتعالى إنما يحب العاملين المجاهدين. وفي السنة النبوية دعوة إلى العمل: فالعلم الذي هو من أعظم العبادات إن لم ينشأ عنه العمل فهو شرٌ يستعاذ بالله منه:"اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع، أعوذ بك من هؤلاء الأربع "( ). ووظيفة المسلم في الحياة هي العمل، ولذا فقد علمَّنا r أن ندعو للمريض بقولنا:"اللهم اشف عبدك فلاناً ينكأ لك عدواً أو يمشي إلى الصلاة" ( ). وحين سأل النبيَ r رجل متى الساعة ؟ قال له:"ماذا أعددت لها؟" ( )، أليس في هذا تربية لأصحابه على أن يكون همهم وشأنهم متجهاً إلى العمل؟ وسيرته r خير شاهد على ذلك؛ فقد كان العمل هو همه r وشأنه وديدنه، فيدعو الأفراد والقبائل، ويعرض نفسه في المواسم، ويغشى قومه في المنتديات، ويرحل إلى الطائف، ويهاجر للمدينة، وتكون فيها الغزوات والسرايا والبعوث واستقبال الوفود، بل إننا حين نحتاج للاستدلال من سيرته r على هذا المبدأ فلابد أن نسطر كتاباً كاملاً في السيرة، إذ سيرته r كلها عمل. أهل العلم يدعون إلى العمل: وأدرك أهل العلم هذه القضية فكانوا يدعون إلى العمل والاهتمام بشأنه من خلال أقوالهم وقواعدهم وأصولهم التي يؤصلونها. 1 - فالعلم عندهم لابد أن يتبعه العمل، إذ تتابعوا وتوارثوا أن يوصوا الطالب بالعمل فيما علم فعقدوا فصولاً في كتب آداب العالم والمتعلم عن العمل بالعلم، وصنف الخطيب البغدادي جزءه المشهور(اقتضاء العلم العمل)، وللحافظ ابن عساكر جزء في ذم من لا يعمل بعلمه. قال أبو الدرداء رضي الله عنه:"إن أخوف ما أخاف إذا وقفت على الحساب أن يقال قد علمت فماذا عملت فيما علمت"( ). وقال أيضاً رضي الله عنه: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه"( ). وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "اعملوا ما شئتم بعد أن تعلموا، فلن يأجركم الله بالعلم حتى تعملوا" ( ). وقال الحسن:"الذي يفوق الناس في العلم جدير بأن يفوقهم في العمل". وقال عبد الملك بن إدريس الحزيري الوزير الكاتب : والعلم ليس بنافع أربابـــــــــــــه ما لم يفد عملاً وحسن تبصــر سيان عندي علم من لم يستفــــد عملاً به وصلاة من لم يطهــر فاعمل بعلمك توفِ نفسك وزنها لا ترض بالتضييع وزن المخسر( ) 2 - والمسائل العلمية التي لا يترتب عليها ثمرة عملية قد تكون ترفاً فكرياً لا ينبغي الاشتغال به والالتفات إليه، أو أن يحفل به طالب العلم ويتجه له. قال الشاطبي:"كل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي، وأعني بالعمل عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعاً، والدليل على ذلك استقراء الشريعة: فإنا قد رأينا الشارع يعرض عما لا يفيد عملاً مكلفاً به" ( ). وانظر ما قرره رحمه الله في المقدمة التاسعة في الموافقات حول صلب العلم ومُلحه( ). 3- والعناية بتتبع الأسانيد وطرقها دون العناية بالمتون ليس من شأن طالب العلم الجاد الباحث عن العمل. 4 - والسؤال حين لا يكون واقعياً ولا يتبعه عمل فهو مذموم مطروح لا يستحق صاحبه أن يجاب عليه. استفتى رجلٌ أبي بن كعب -رضي الله عنه- فقال: ياأبا المنذر، ما تقول في كذا وكذا ؟ قال: يا بني أكان الذي سألتني عنه؟ قال: لا، قال: إما لا فأجلني حتى يكون، فنعالج أنفسنا حتى نخبرك ( ). وسأل ميمون ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل أدركه رمضانان؟ فقال: أكان أولم يكن؟ قال: لم يكن بعد، قال: اترك بلية حتى تنزل( ). وحتى أولئك الذين يجيبون السائل عما لم يقع، إنما يجيبونه لأنهم يرون أن ما سأل عنه قد يقع له فيما يستقبل من أمره فيعمل به. 5 - وأما مواقفهم وتاريخهم العملي فهي خير شاهد على ذلك، فقد تصدوا لتعليم العلم الشرعي، وتصدوا لنفع الناس وقضاء حوائجهم والشفاعة بحقوقهم، وتصدوا لإنكار المنكرات العامة والخاصة، والاحتساب على الرعية والولاة، وكانوا في مقدم الصفوف في الجهاد وساحات الوغى، وفي تاريخهم شواهد لا تجهل. لقد أفضنا في الحديث عن العمل وأهميته، ولعل هناك من يتساءل وما علاقة العمل بالتربية الجادة؟ فنقول: إن العمل يعد من أهم محددات الجدية، وإن من أكبر مواصفات الرجل الجاد والمجتمع الجاد أنه عامل، بل لعلك لا تكاد تجد وصفاً دقيقاً للرجل الجاد غير هذا الوصف. ومع ذلك فالعمل الذي نريده ليس أي عمل بل هو العمل المنتج الذي ترجى من ورائه ثمرةٌ لهذه الدعوة المباركة. وليس كون العمل منتجاً فحسب كافياً لإدراج صاحبه ضمن قائمة الجادين، بل لابد أن يكون النتاج بالقدر اللائق؛ إذ هناك من يعمل أعمالاً منتجة فعلاً لكنها تُستقل ممن هو دونه بكثير فما بالك به. وحين يكون من أولويات اهتمام المربين إعداد الجيل الجاد العامل، وضمن معايير تقويمهم للنجاح التربوي مدى العمل والانتاجية؛ حينها نشعر فعلاً أن التربية في الأمة صارت منتجة ومحققةً لأهدافها.

التعديل الأخير تم بواسطة عطاء الخير ; 13-02-08 الساعة 02:26 PM
عطاء الخير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس