عرض مشاركة واحدة
قديم 03-01-07, 08:45 AM   #3
أم اليمان
~ ما كان لله يبقى ~
افتراضي

فصل


وكما أنه سبحانه علق الإمامة في الدين بالصبر واليقين فالآية متضمنة لأصلين آخرين
أحدهما الدعوة إلى الله وهداية خلقه
الثاني هدايتهم بما أمر به على لسان رسوله لا بمقتضى عقولهم وآرائهم وسياساتهم وأذواقهم وتقليد أسلافهم بغير برهان من الله لأنه قال ( يهدون بأمرنا . . . . )
فهذه أربعة أصول تضمنتها هذه الآية
أحدها الصبر وهو حبس النفس عن محارم الله وحبسها على فرائضه وحبسها عن التسخط والشكاية لأقداره
الثاني اليقين وهو الإيمان الجازم الثابت الذي لا ريب فيه ولا تردد ولا شك ولا شبهة بخمسة أصول ذكرها سبحانه في قوله تعالى ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ءامن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ) وفي قوله ( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ) وفي قوله ( ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله ) والإيمان بالله واليوم الآخر داخل في الإيمان بالكتب والرسل
وجمع بينهما النبي في حديث عمر في قوله الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
فهذه الأصول الخمس من لم يؤمن بها فليس بمؤمن واليقين أن يقوم الإيمان بها حتى تصير كأنها معاينة للقلب مشاهدة له نسبتها إلى البصيرة كنسبة الشمس والقمر إلى البصر ولهذا قال من قال من السلف اليقين الإيمان كله
الثالث هداية الخلق ودعوتهم إلى الله ورسوله
قال تعالى ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلي الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) قال الحسن البصري هذا حبيب الله هذا ولي الله أسلم لله وعمل بطاعته ودعا الخلق إليه فهذا النوع أفضل أنواع الإنسان وأعلاهم درجة عند الله يوم القيامة
وهم ثنية الله سبحانه من الخاسرين قال تعالى ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) فأقسم سبحانه على خسران نوع الإنسان إلا من كمل نفسه بالإيمان والعمل الصالح وكمل غيره بوصيته له بهما ولهذا قال الشافعي رحمه الله لو فكر الناس كلهم في سورة العصر لكفتهم
ولا يكون من أتباع الرسول على الحقيقة إلا من دعا إلى الله على بصيرة قال الله تعالى ( قل هذه سبيلي أدعو إلي الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) فقوله ( ادعو إلى الله ) تفسير لسبيله التي هو عليها فسبيله وسبيل أتباعه الدعوة إلى الله فمن لم يدع إلى الله فليس على سبيله
وقوله ( على بصيرة ) قال ابن الأعرابي البصيرة الثبات في الدين
وقيل البصيرة العبرة كما يقال أليس لك في كذا بصيرة أي عبرة قال الشاعر
( في الذاهبين الأولين % من القرون لنا بصائر )
والتحقيق العبرة ثمرة البصيرة فإذا تبصر اعتبر فمن عدم العبرة فكأنه لا بصيرة له
وأصل اللفظ من الظهور والبيان فالقرآن بصائر أي أدلة وهدى وبيان يقود إلى الحق ويهدي إلى الرشد
ولهذا يقال للطريقة من الدم التي يستدل بها على الرمية بصيرة
فدلت الآية أيضا على أن من لم يكن على بصيرة فليس من أتباع الرسول وأن أتباعه هم أولو البصائر ولهذا قال ( أنا ومن اتبعني ) فإن كان المعنى أدعو إلى الله أنا ومن اتبعني ويكون ( من اتبعني ) معطوفا على الضمير المرفوع في ( أدعو ) وحسن العطف لأجل الفصل فهو دليل على أن أتباع الرسول هم الذين يدعون إلى الله وإلى رسوله
وإن كان معطوفا على الضمير المجرور في سبيلي أي هذه سبيلي وسبيل من اتبعني فكذلك
وعلى التقديرين فسبيله وسبيل أتباعه الدعوة إلى الله
الأصل الرابع قوله ( يهدون بأمرنا ) وفي ذلك دليل على اتباعهم ما أنزل الله على رسوله وهدايتهم به وحده دون غيره من الأقوال والآراء والنحل والمذاهب بل لا يهدون إلا بأمره خاصة
فحصل من هذا أن أئمة الدين الذين يقتدون بهم هم الذين جمعوا بين الصبر واليقين والدعوة إلى الله بالسنة والوحي لا بالآراء وبالبدع فهؤلاء خلفاء الرسول في أمته وهم خاصته وأولياؤه ومن عاداهم أو حاربهم فقد عادى الله سبحانه وآذنه بالحرب
قال الإمام أحمد رحمه الله في خطبة كتابه في الرد على الجهمية الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم يختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين



توقيع أم اليمان
.....
قال نبينا -عليه الصلاة والسلام - : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، يقول الله تبارك وتعالى : تُريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تُبَيِّض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ، وتنجينا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل . رواه مسلم .
.....
أم اليمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس