عرض مشاركة واحدة
قديم 01-08-12, 02:20 PM   #6
حياة بنت عبد السلام
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 24-12-2011
المشاركات: 12
حياة بنت عبد السلام is on a distinguished road
افتراضي

السادس:

باب الذكر والدعاء
الذكر: مصدر ذكر وهو ما يجري على اللسان والقلب، والمراد به ذكر الله
"والدعاء": مصدر دعا وهو الطلب، ويطلق على الحث على فعل الشيء، نحو دعوت فلاناً استعنته.
ويقال: دعوت فلاناً سألته. ويطلق على العبادة وغيرها.

واعلم أن الدعاء ذكر الله وزيادة؛ فكل حديث في فضل الذكر يصدق عليه، وقد أمر الله تعالى عباده بدعائه فقال: {ادعوني أستجب لكم} ( غافر 60 ) وأخبرهم بأنه قريب يجيب دعاءهم فقال: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.البقره 186 )

وسماه مخ العبادة ففي الحديث عند الترمذي من حديث أنس مرفوعاً "الدعاء مخ العبادة" وأخبر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن الله تعالى يغضب على من لم يدعه،

فإنه أخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة مرفوعاً "من لم يسأل الله يغضب عليه"، وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أنه تعالى يحب أن يسأل، فأخرج الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعاً "سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل" والأحاديث في الحث عليه كثيرة،

وهو يتضمن حقيقة العبودية والاعتراف بغنى الرب وافتقار العبد، وقدرته تعالى وعجز العبد، وإحاطته تعالى بكل شيء علماً.

فالدعاء يزيد العبد قرباً من ربه، واعترافاً بحقه،

ولذا حث صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على الدعاء وعلم الله عباده دعاءه بقوله: {ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} ( البقره 286 ) الايه ونحوها،
وأخبرنا بدعوات رسله وتضرعهم حيث قال أيوب: { أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} ( الانبياء 83 )
وقال زكريا عليه السلام: {رب لا تذرني فرداً} ( الانبياء 89 )وقال: {فهب لي من لدنك ولياً} ( مريم 5 )
وقال أبو البشر: {ربنا ظلمنا أنفسنا}( الاعراف 23 )الايه
وقال يوسف: {ربي قد ءاتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث} إلى قوله {توفني مسلماً وألحقني بالصالحين}.( يوسف 101 )
وقال يونس:: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء:87]،
ودعا نبينا صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في مواقف لا تنحصر عند لقاء الأعداء وغيرها، ودعواته في الصباح والمساء والصلوات وغيرها معروفة. فالعجب من الاشتغال بذكر الخلاف بين من قال التفويض والتسليم أفضل من الدعاء! فإن قائل هذا ما ذاق حلاوة المناجاة لربه ولا تضرعه واعترافه بحاجته وذنبه.

واعلم أنه قد ورد من حديث أبي سعيد عند أحمد:"إنه لا يضيع الدعاء بل لا بد للداعي من إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها" وصححه الحاكم

وللدعاء شرائط ولقبوله موانع قد أودعناها أوائل الجزء الثاني من (( التنوير شرح الجامع الصغير)) وذكرنا فائدة الدعاء مع سبق القضاء.


وعن شدَّاد بن أَوس رضي اللّهُ عنْهُ قالَ: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "سَيّد الاستغفار أَن يقول العبْدُ: اللهمَّ أَنْتَ ربي لا إلهَ إلا أنتَ، خَلَقْتني وأَنا عبدُكَ وأَنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِك ما استطعت، أَعوذُ بكَ منْ شرِّ ما صنَعْتُ، أَبوءُ لك بنعمتك عليَّ وأَبوءُ لك بذنبي فاغفرْ لي فإنّهُ لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت" أَخرجهُ البخاري.
وتمام الحديث "من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة".

قال الطيبي: لما كان هذا الدعاء جامعاً لمعاني التوبة استعير له اسم "السيد" وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد إليه في الحوائج. ويرجع إليه في الأمور، وجاء في رواية الترمذي "ألا أدلك على سيد الاستغفار".

وفي حديث جابر عند النسائي "تعلموا سيد الاستغفار" وقوله: "لا إله إلا أنت خلقتني" ووقع في رواية: "اللهم لك الحمد لا إله إلا أنت خلقتني" وزاد فيه "آمنت لك مخلصاً لك ديني".

وقوله: "وأنا عبدك" جملة مؤكدة لقوله: "أنت ربي"، ويحتمل: "أنا عبدك" بمعنى عابدك فلا يكون تأكيداً ويؤيده عطف قوله: "وأنا على عهدك" ومعناه كما قال الخطابي: أنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك ما استطعت ومتمسك به ومستنجز وعدك في المعونة والأجر.

وفي قوله: "ما استطعت" اعتراف بالعجز والقصور عن القيام بالواجب من حقه تعالى.
قال ابن بطال: يريد بالعهد الذي أخذه الله على عباده حيث أخرجهم أمثال الذرّ ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم) ( الاعراف 172 ) فأقرّوا له بالربوبية وأذعنوا له بالوحدانية، وبالوعد ما قال على لسان نبيه أن من مات لا يشرك بي شيئاً أن يدخل الجنة.

ومعنى "أبوء" أقرّ وأعترف وهو مهموز وأصله البواء ومعناه اللزوم. ومنه: بوّأه الله منزلاً أي أسكنه، فكأنه ألزمه به "وأبوء بذنبي" أعترف به وأقرّ.

وقوله: "فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" اعترف بذنبه أولاً ثم طلب غفرانه ثانياً.
وهذا من أحسن الخطاب وألطف الاستعطاف كقول أبي البشر: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ( . ( الاعراف 23 )

وقد اشتمل الحديث على الإقرار بالربوبية لله تعالى. وبالعبودية للعبد في التوحيد له وبالإقرار بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه على الأمم.
والإقرار بالعجز عن الوفاء من العبد، والاستعاذة به تعالى من شر السيئات نحو "نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا" والإقرار بنعمته على عباده، وأفردها للجنس، والإقرار بالذنب، وطلب المغفرة وحصر الغفران فيه تعالى.
وفيه أنه لا ينبغي طلب الحجات إلا بعد الوسائل.

وأما ما استشكل به من أنه كيف يستغفر وقد غفر له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو أيضاً معصوم، فإنه من الفضول لأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أخبر بأنه يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم سبعين مرّة.

وعلمنا الاستغفار فعلينا التأسي والامتثال لا إيراد السؤال والإشكال، وقد علم هذا من خاطبهم بذلك فلم يوردوا إشكالاً ولا سؤالاً ويكفينا كونه ذكر الله على كل حال، وهو مثل طلبنا للرزق. وقد تكفل به وتعليمه لنا على ذلك {وارزقنا وأنت خير الرازقين} ( المائده 114 ) وكله تعبد وذكر الله تعالى.
حياة بنت عبد السلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس