عرض مشاركة واحدة
قديم 16-05-07, 09:47 PM   #1
عائشة صقر
معلمة بمعهد خديجة
Post ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا.. ﴾

﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَِ ﴾



قوله تعالى: تتجافى جنوبهم عن المضاجع أي ترفع وتنبو عن مواضع الاضطجاع. وهو في موضع نصب على الحال، أي متجافية جنوبهم. والمضاجع جمع مضجع، وهي موضع النوم. ويحتمل عن وقت الاضطجاع، ولكنه مجاز، والحقيقة أولى. ومنه قول عبد الله بن رواحة:
وفينـا رسـول الله يتلو كتابـه إذا انشق معروف من الصبح ساطع
يبيت يجافـي جنبه عن فراشـه إذا استثقلت بالمشركيـن المضاجع
قال الزجاج و الرماني : التجافي التنحي إلى جهة فوق. وكذلك هو في الصفح عن المخطئ في سب ونحوه. والجنوب جمع جنب. وفيما تتجافى جنوبهم عن المضاجع لأجله قولان: أحدهما: لذكر الله تعالى، إما في صلاة وإما في غير صلاة، قاله ابن عباس و الضحاك . الثاني: للصلاة. وفي الصلاة التي تتجافى جنوبهم لأجلها أربعة أقوال: أحدهما: التنقل بالليل، قاله الجمهور من المفسرين وعليه أكثر الناس، وهو الذي فيه المدح، وهو قول مجاهد و الأوزاعي و مالك بن أنس و الحسن و أبي الحسن و أبي العالية وغيرهم. ويدل عليه قوله تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين لأنهم جوزوا على أخفوا بما خفي. والله أعلم. وسيأتي بيانه.
وفي قيام الليل أحاديث كثيرة، منها حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: %ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل - قال ثم تلا - تتجافى جنوبهم عن المضاجع - حتى بلغ - يعلمون %% أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والقاضي إسماعيل بن إسحاق و أبو عيسى الترمذي ، وقال فيه: صحيح. الثاني: صلاة العشاء التي يقال لها العتمة، قاله الحسن و عطاء . وفي الترمذي .
عن أنس بن مالك أن هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة قال: هذا غريب. الثالث: التنقل ما بين المغرب والعشاء، قاله قتادة و عكرمة . وروى أبو داود عن أنس بن مالك أن هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون قال: كانوا يتنقلون ما بين المغرب والعشاء. الرابع: قال الضحاك : تجافي الجنب هو أن يصلي الرجل العشاء والصبح في جماعة. وقاله أبو الدرداء و عبادة .
قلت: وهذا قول حسن، وهو يجمع الأقوال بالمعنى، وذلك أن منتظر العشاء إلى أن يصليها في صلاة وذكر لله جل وعز، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: %لا يزال الرجل في صلاة ما انتظر الصلاة%%. وقال أنس: المراد بالآية انتظار صلاة العشاء الآخرة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤخرها إلى نحو ثلث الليل. قال ابن عطية : وكانت الجاهلية ينامون من أول الغروب ومن أي وقت شاء الإنسان، فجاء انتظار وقت العشاء غريباً شاقاً. ومصلي الصبح في جماعة لا سيما في أول الوقت ،كما كان عليه السلام يصليها. والعادة أن من حافظ على هذه الصلاة في أو أول الوقت يقوم سحراً يتوضأ ويصلي ويذكر الله عز وجل إلى أن يطلع الفجر، فقد حصل التجافي أول الليل وآخره. يزيد هذا ما رواه مسلم عن حديث عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: %من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله%% ولفظ الترمذي و أبي داود في هذا الحديث: من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة. وقد مضى في سورة النور عن كعب فيمن صلى بعد العشاء الآخرة أربع ركعات كن له بمنزلة ليلة القدر.
وجاءت آثار حسان في فضل الصلاة بين المغرب والعشاء وقيام الليل. ذكر ابن المبارك قال: أخبرنا يحيى بن أيوب قال حدثني محمد بن الحجاج أو ابن أبي الحجاج أنه سمع عبد الكريم يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: %من ركع عشر ركعات بين المغرب والعشاء بني له قصر في الجنة%% فقال له عمر بن الخطاب: إذا تكثر قصورنا وبيوتنا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر وأفضل - أو قال - أطيب. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:صلاة الأولبين الخلوة التي بين المغرب والعشاء حتى تثوب الناس إلى الصلاة. وكان عبد الله بن مسعود يصلي في تلك الساعة ويقول: صلاة الغفلة بين المغرب والعشاء، ذكره ابن المبارك . ورواه الثعلبي مرفوعاً عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: %من جفت جنباه عن المضاجع ما بين المغرب والعشاء بني له قصران في الجنة مسيرة عام، وفيهما من الشجر ما لو نزلها أهل المشرق والمغرب لأوسعتهم فاكهة%%. وهي صلاة الأوابين وغفلة الغافلين. وإن من الدعاء المستجاب الذي لا يرد الدعاء بين المغرب والعشاء .
فصل في فضل التجافي: ذكر ابن المبارك عن ابن عباس قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الحامدون لله على كل حال، فيقيمون فيسرحون إلى الجنة. ثم ينادي ثانية: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الذين كانت جنوبهم تتجافى عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون . قال: فيقومون إلى الجنة. قال: ثم ينادي ثالثة: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ، فيقومون فيسرحون إلى الجنة. ذكره الثعلبي مرفوعاً عن أسماء بنت يزيد قال النبي صلى الله عليه وسلم: %إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت تسمعوه الخلاق كلهم: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم، ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل، ثم ينادي الثانية ستعلمون اليوم من أولى بالكرم ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله فيقومون، ثم ينادي الثالثة ستعلمون اليوم من أولى بالكرم لقيم الحامدون لله على كل حال في السراء والضراء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعاً إلى الجنة، ثم يحاسب سائر الناس%%. وذكر ابن المبارك قال أخبرنا معمر عن رجل عن أبي العلاء بن الشخير عن أبي ذر قال: ثلاثة يضحك الله إليهم ويستبشر الله بهم: رجل قام من الليل وترك فراشه ودفئه، ثم توضأ فأحسن الوضوء، ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله لملائكته: ما حمل عبدي على ما صنع، فيقولون: ربنا أنت أعلم به منا، فيقول: أنا أعلم به ولكن أخبروني فيقولون: رجيته شيئاً فرجاه وخوفته فخافه. فيقول: أشهدكم أني قد أمنته مما خاف وأوجبت له ما رجاه قال: ورجل كان في سرية فلقي العدو فانهزم أصحابه وثبت هو حتى يقتل أو يفتح الله عليهم، فيقول الله لملائكته مثل هذه القصة. ورجل سرى في ليلة حتى إذا كان في آخر الليل نزل هو وأصحابه، فنام أصحابه وقام هو يصلي، فيقول الله لملائكته .... وذكر القصة.
قوله تعالى: يدعون ربهم في موضع نصب على الحال، أي داعين. ويحتمل أن تكون صفة مستأنفة، أي تتجافى جنوبهم وهم أيضاً في كل حال يدعون ربهم ليلهم ونهارهم. وخوفا مفعول من أجله. ويجوز أن يكون مصدراً. وطمعا مثله، أي خوفاً من العذاب وطمعاً في الثواب. ومما رزقناهم ينفقون تكون ما بمعنى الذي وتكون مصدراً، وفي كلا الوجهين يجب أن يكون منفصلة من ينفقون قيل: معناه الزكاة المفروضة. وقيل: النوافل، وهذا القوم أمدح.



منقــــــــــــول


نفعكنَّـ الباري


ورد22

...



توقيع عائشة صقر
لَو طَهُــرَتْ قُلُوبُكُےـمْ مَا شَبِعْتُمْ مِنْ كَےـلاَمِ رَبِّكُےـمْ
عائشة صقر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس