عرض مشاركة واحدة
قديم 27-04-23, 04:29 AM   #14
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Books

المجلس الثالث عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
*المتن"والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ، وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-.":
الشرح
*الفرق بين القضاء والقدر:
اختلف العلماء في الفرق بينهما فمنهم من قال: إن القدر "تقدير الله في الأزل"، والقضاء "حكم الله بالشيء عند وقوعه"، فإذا قدر الله تعالى أن يكون الشيء المعين في وقته فهذا قدر، فإذا جاء الوقت الذي يكون فيه هذا الشيء فإنه يكون قضاء، وهذا كثير في القرآن الكريم مثل قوله تعالى "قُضِيَ الْأَمْرُ" يوسف: 41، وقوله"وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ"غافر20. وما أشبه ذلك، فالقدر تقدير الله تعالى الشيء في الأزل، والقضاء قضاؤه به عند وقوعه. ومنهم من قال: إنهما بمعنى واحد. والراجح أنهما إن قرنا جميعًا فبينهما فرق كما سبق، وإن أفرد أحدهما عن الآخر فهما بمعنى واحد، والله أعلم.العثيمين -
ذهب بعض العلماء إلى أن القضاء والقدر مترادفان .
وهذا موافق لقول بعض أئمة اللغة الذين فسروا القدر بالقضاء .
جاء في "القاموس" المحيط للفيروزآبادي :ص 591:
"
القدر : القضاء والحكم" انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما الفرق بين القضاء والقدر ؟
فأجاب " القضاء والقدر، هو شيء واحد، الشيء الذي قضاه الله سابقًا ، وقدره سابقًا، يقال لهذا القضاء ، ويقال له القدر "انتهى من موقع الشيخ ابن باز
*وذهب آخرون من العلماء إلى التفريق بينهما .
فذهب بعضهم إلى أن القضاء سابق على القدر .
فالقضاء هو ما علمه الله وحكم به في الأزل ، والقدر هو وجود المخلوقات موافقة لهذا العلم والحكم .
قال الحافظ ابن حجر في :فتح الباري11/477:
" قال العلماء : القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل ، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله " انتهى .
وقال في موضع آخر:11/149 :القضاء الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل ، والقدر الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل" انتهى.
وقال الجرجاني في "التعريفات" ص174:
"
القدر : خروج الممكنات من العدم إلى الوجود ، واحدًا بعد واحدٍ ، مطابقًا للقضاء .
والقضاء في الأزل، والقدر فيما لا يزال .
والفرق بين القدر والقضاء : هو أن القضاء وجود جميع الموجودات في اللوح المحفوظ مجتمعة، والقدر وجودها متفرقة في الأعيان بعد حصول شرائطها"انتهى.
ورأى فريق آخر من العلماء عكس هذا القول ، فجعلوا القدر سابقا على القضاء ، فالقدر هو الحكم السابق الأزلي ، والقضاء هو الخلق .
قال الراغب الأصفهاني في "المفردات" ص675.
"
والقضاء من الله تعالى أخص من القدر؛ لأنه الفصل بين التقدير، فالقدر هو التقدير، والقضاء هو الفصل والقطع
وقد ذكر بعض العلماء أن القدر بمنزلة المُعَدِّ للكيل ، والقضاء بمنزلة الكيل ، ويشهد لذلك قوله تعالى" وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا" مريم : 21، وقوله" كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا "مريم:71. وقوله" وَقُضِيَ الأَمْرُ"البقرة : 210. أي فصل ، تنبيهًا أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه " انتهى .
ومن العلماء من اختار أنهما بمعنى واحد إذا افترقا ، فإذا اجتمعا في عبارة واحدة : صار لكل واحد منهما معنى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"
القدر في اللغة ؛ بمعنى : التقدير؛ قال تعالى" إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"القمر: 49، وقال تعالى"فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ"المرسلات: 23- وأما القضاء ؛ فهو في اللغة : الحكم.
ولهذا نقول : إن القضاء والقدر متباينان إن اجتمعا، ومترادفان إن تفرقا؛ على حد قول العلماء: هما كلمتان: إن اجتمعتا افترقتا، وإن افترقتا اجتمعتا.
فإذا قيل: هذا قدر الله؛ فهو شامل للقضاء، أما إذا ذكرا جميعًا؛ فلكل واحد منهما معنى.
-
فالتقدير: هو ما قدره الله تعالى في الأزل أن يكون في خلقه.
-
وأما القضاء؛ فهو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وعلى هذا يكون التقدير سابقًا.
فإن قال قائل: متى قلنا: إن القضاء هو ما يقضيه الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وإن القدر سابق عليه إذا اجتمعا؛ فإن هذا يعارض قوله تعالى"وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"الفرقان: 2؛ فإن هذه الآية ظاهرها أن التقدير بعد الخلق؟
فالجواب على ذلك من أحد وجهين:
-
إما أن نقول: إن هذا من باب الترتيب الذِّكْرِي لا المعنوي، وإنما قُدِّمَ الخلقُ على التقدير لتتناسب رؤوس الآيات.
ألم تر إلى أن موسى أفضل من هارون، لكن قدم هارون عليه في سورة طه في قوله تعالى عن السحرة"فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى"طه: 70؛ لتتناسب رؤوس الآيات.
وهذا لا يدل على أن المتأخر في اللفظ متأخر في الرتبة.
-
أو نقول : إن التقدير هنا بمعنى التسوية ؛ أي : خلقه على قدر معين ؛ كقوله تعالى"الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى"الأعلى: 2؛ فيكون التقدير بمعنى التسوية.
وهذا المعنى أقرب من الأول؛ لأنه يطابق تمامًا لقوله تعالى "الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى" الأعلى: 2، فلا إشكال"انتهى، من "شرح العقيدة الواسطية" 2/189.
والخطب في هذه المسألة يسير جدًا ، وليس وراءها كبير فائدة ، ولا تتعلق بعمل ولا اعتقاد ، وغاية ما فيها اختلاف في التعريف ، ولا دليل من الكتاب والسنة يفصل فيها ، والمهم هو الإيمان بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان ، والتصديق به .
قال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" 2/323: بعد أن ذكر أن القدر هو التقدير السابق وأن القضاء هو الخلق ، قال "جماع القول في هذا الباب - أي القضاء والقدر - أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر ؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس ، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه" انتهى.
وسئل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ : ما الفرق بين القضاء والقدر؟
فأجاب " القضاء والقدر؛ من العلماء من يسوي بينهما، ويقول القضاء هو القدر، والقدر هو القضاء، ومنهم من يأتي بفرق ويقول: القدر أعم ، والقضاء أخص، فالقدر عمومًا والقضاء جزءٌ من القدر .
والكل واجب الإيمان به، بأن ما قدّر الله، وقضى الله لابد من الإيمان به والتصديق به " انتهى من موقع الشيخ على الإنترنت - هنا -
وقال الشيخ عبد الرحمن المحمود :
"
لا فائدة من هذا الخلاف ؛ لأنه قد وقع الاتفاق على أن أحدهما يطلق على الآخر... فلا مشاحة من تعريف أحدهما بما يدل عليه الآخر " .
انتهى من " القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة " ص 44 .
والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب
*الخلاصة:
من العلماء من فرق بينهما ، ولعل الأقرب أنه لا فرق بين " القضاء " و " القدر " في المعنى فكلٌ منهما يدل على معنى الآخر ، ولا يوجد دليل واضح في الكتاب والسنة يدل على التفريق بينهما ، وقد وقع الاتفاق على أن أحدهما يصح أن يطلق على الآخر ، مع ملاحظة أن لفظ القدر أكثر ورودًا في نصوص الكتاب والسنة التي تدل على وجوب الإيمان بهذا الركن .والله أعلم . الإسلام سؤال وجواب .


الإيمانُ بما جاءَ في الأحاديثِ الشريفةِ
*المتن:ومَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَفْسِيْرَ الحَدِيثِ ويَبلُغْهُ عَقْلُهُ؛ فَقَد كُفِيَ ذَلِكَ وأُحْكِمَ لَهُ،فَعَلَيْهِ الإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ.
الشرح: أي من لم يعرف تفسير شيء من هذه الأحاديث ، فقد كفاه الله ذلك بأن لا يبحث عنها-فليس مطلوب منه البحث والتنقيب عن ما قصر عليه عقله ؛ وإنما يجب عليه أن يؤمن وأن يسلم بها ، فلا يجوز للعقل الإنساني أن يتعمق فيها بالبحث لأنه لا يستطيع استيعابها .



*المتن:ومِثلَ مَا كَانَ مِثْلَه في القَدَرِ،وَمِثْلَ أحاديث الرُّؤيةِ كُلِّهَا وإن نَبَتْ عَنِ الأسْمِاعِ واسْتَوحَشَ مِنْهَا المُستَمِعُ،فإنَّمَا عَلَيهِ الإيمَانُ بِهَا ،وَأَنْ لا يَرُدَّ مِنْهَا حَرْفًا وَاحِدًا وغَيرهَا مِنَ الأَحَادِيثِ المَأْثُورَاتِ عن الثِّقَاتِ.
الشرح:
على المسلم أن يُسَلِّم بالأحاديث ويؤمن بها ؛ولا يعترض ولا يسأل عن الأفعال" بلِمَ ، ولَا" وعن الصفات بكيف - مثلما صَدَّقَ بالقَدَرِ ، مثل حديث الصادق المصدوق في القدر هذا؛ يُسَلِّم بأن هذا قَدَره، إن الله تعالى كتب الرزق والأجل والعمل، والشقاوة والسعادة، فلا تسأل ، فالله حكيم الله عليم بالذوات التي تصلح لغرس الكرامة، فلا تسأل لماذا قدر على هذا الشقاوة، ولماذا قدر على هذا السعادة، ولماذا قدر الفقر على هذا، ولماذا قدر الغنى على هذا، ولماذا كان رزقُهُ هكذا، هذا عامل، وهذا بَنَّاء وهذا تاجر وهذا مُزَارع، ربك حكيم عليم، فلا تعترض على الله بل عليك الإيمان والتسليم.
"
ومِثلَ مَا كَانَ مِثْلَه في القَدَرِ" يعني كذلك كل ما كان في القدر فلا تسأل، سلِّم لله؛ ولهذا قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته: فمن سأل لِمَ فَعَلَ فقد رد حكم الكتاب،قال: القدر سر الله في خلقه، لا يُسأل عما يفعل فمن سأل لِمَ فَعَلَ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
"وَمِثْلَ أحاديث الرُّؤيةِ كُلِّهَا وإن نَبَتْ عَنِ الأسْمِاعِ واسْتَوحَشَ مِنْهَا المُستَمِعُ ،فإنَّمَا عَلَيهِ الإيمَانُ بِهَا ،وَأَنْ لا يَرُدَّ مِنْهَا حَرْفًا وَاحِدًا وغَيرِهَا مِنَ الأَحَادِيثِ المَأْثُورَاتِ عن الثِّقَاتِ "
يعني على الإنسان المسلم أن يسلِّم بأحاديث الرؤية؛ والمراد بأحاديث الرؤية يعني يؤمن بما ورد في أحاديث رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ؛ عرفنا أن من لم يؤمن بالقدر كافر، كذلك من لم يؤمن برؤية الله يوم القيامة فهو كافر؛ كفَّرَه الأئمةُ؛ الإمام أحمد وغيره، قالوا: ومن لم يؤمن بأن اللهَ يُرَى في الآخرةِ فهو كافر.
والمراد الكفر على العموم هذا الحكم على العموم -دون تعيين المعين-. أما فلان بن فلان الذي أنكر الرؤية لا يُكَفَّر إلا إذا قامت عليه الحُجة؛ فالشخص المعين لا يُكَفَّر إلا إذا قامت عليه الحُجَّة؛يعني بَلَغَهُ الدليل - واستتاب من قبل أولي الأمر- ثم عاند يكفر في هذه الحالة.فلابد لتكفير المعين من توافر شروط ، وانتفاء الموانع.
فالمعتقدُ الصحيحُ ما أجمعَ عليه أهلُ الحقِّ واتفقَ عليه أهلُ التوحيد والصِّدْقِ أنّ اللهَ تعالى يراه المؤمنون بأبصارهم كما يرون القمرَ ليلةَ البَدْرِ.
فنصوص الرؤية وردت في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة. ففي الكتاب العزيز: قال الله تعالى"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" سورة القيامة آية رقم:22 - 23 .
"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ"سورة القيامة ؛ آية رقم:22.أي: حسنة بهية، لها رونق ونور، مما هم فيه من نعيم القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح.
"
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" أي: تنظر إلى ربها ....فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وجماله الباهر، الذي ليس كمثله شيء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم وحصل لهم من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ونضرت وجوههم فازدادوا جمالًا إلى جمالهم، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم.تفسير الشيخ السعدي رحمه الله .
قال سبحانه"لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ"سورة يونس ؛ آية رقم:26. جاء في صحيح مسلم في حديث صهيب تفسير الزيادة بأنها النظر إلى وجهه الكريم.
"في قولِه تعالى " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ " قالَ : إذا دخلَ أَهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ نادى مُنادٍ : إنَّ لَكُم عندَ اللَّهِ موعِدًا يريدُ أن يُنْجِزَكموهُ ، قالوا : ألَم يبيِّض وُجوهَنا ويُنْجِنا منَ النَّارِ ويدخِلَنا الجنَّةَ ؟ قالَ : فيُكْشفُ الحجابُ قالَ : فواللَّهِ ما أعطاهمُ شيئًا أحبَّ إليهم منَ النَّظرِ إليهِ ." الراوي : صهيب بن سنان - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3105 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -
وقال سبحانه"كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ "سورة المطففين ؛ آية رقم:15. استدل الإمام الشافعي -رحمه الله- بهذه الآية على وجوب رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة- بمفهوم المخالفة ، قال: لما أن حجب هؤلاء في حال السُّخْط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا، ولو كان المؤمنون لا يرون ربَّهم لاستووا هم والكفار في الحجب، فلما حجب هؤلاء عن الرؤيا دل على أن المؤمنين يرونه.بمفهوم المخالفة-
وأما في الأحاديث الصحيحة:فهي متواترة، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتاب الروح: متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ثلاثين صحابيًا كلها تُثْبِت رؤية المؤمنينَ لربِّهم عز وجل ، منها:حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
"كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ نَظَرَ إلى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقَالَ: أما إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا، لا تُضَامُّونَ - أوْ لا تُضَاهُونَ - في رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا ثُمَّ قَالَ" وسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا "طه: 130.الراوي : جرير بن عبدالله - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 573 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
شرح الحديث:
حَثَّ الشرعُ على شُهودِ الصلواتِ عامَّةً في الجَماعةِ - للرجال، وعلى شُهودِ صَلاةِ العَصرِ والفَجْرِ خاصَّةً؛ وإنَّما خصَّ هاتَينِ الصَّلاتينِ لاجتِماعِ الملائِكةِ فيهِما ولرَفْعِهِم أعمالَ العِبادِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ جريرُ بنُ عبدِ اللهِ: كنَّا عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فنَظرَ إلى القَمرِ ليلةً- يعني البدْرَ- هي ليلةُ الرَّابعَ عَشرَ مِن الشَّهرِ، فقالَ: إنَّكُمْ-أيُّها المؤمِنونَ- ستَرَونَ، يعني ستُبْصِرونَ ربَّكُمْ، كما ترونَ هذا القَمَرَ؛ يعني كما تَرونَ هذا القَمرَ رُؤيةً لا شكَّ فيها ولا تَضامُّون- بفَتْحِ التاءِ والميمِ المُشدَّدة- ومعناه: لا ينضمُّ بعضُكم إلى بعضٍ في وقتِ النظرِ كما تَفعلونَ في وقتِ النَّظرِ إلى الهلالِ، ويُروَى تُضامُونَ- بضمِّ التَّاء وتخفيفِ الميمِ- في رُؤْيتِهِ، أي:لا يُصيبُكمْ ظُلمٌ في رُؤيتِهِ ولا تَعَبٌ، فلا يَراهُ بعضُكُمْ دُونَ بعْضٍ، بلْ كلُّكُمْ تشتَرِكونَ في الرُّؤيةِ. قال" فإنِ استطعْتُمْ ألَّا تُغلَبوا" بأنْ يكونَ لكُم استِعدادٌ لتَلافِي أسبابِ الغَلَبةِ التي تُنافي الاستطاعةَ من نومٍ أو الاشتِغالِ بالأشْياءِ التي تَمنعُ عنِ الصَّلاةِ، فلا تغْفُلُوا عن صلاةِ قبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وهِيَ الفَجرُ، وقبلَ غُروبِها وهيَ العصر، فافْعلُوا؛ يعني: أن تُصَلُّوا هاتينِ الصَّلاتينِ في هذَيْنِ الوَقْتَينِ، ثمَّ قرأَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم"وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ"ق: 39.
الدرر-
قال ابن حجر في فتح الباري:فيه إشارة إلى قطع أسباب الغلبة المنافية للاستطاعة كالنوم ، والشغل ، ومقاومة ذلك بالاستعداد له .
وقوله " قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا" قال في عون المعبود: يعني الفجر والعصر ، وخص بالمحافظة على هاتين الصلاتين الصبح والعصر لتعاقب* الملائكة في وقتهما ، ولأن صلاة الصبح وقت النوم ، وصلاة العصر وقت الفراغ من الصناعات ، وإتمام الوظائف ، فالقيام فيهما أشق على النفس. والله أعلم. هنا =
*"يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ،....
-وهذا يدل على أن المحافظة على هاتين الصلاتين الفجر والعصر لها مدخل في رؤية الله يوم القيامة.والمحافظة عليهما من دلائل قوة الإيمان وكمال الإيمان مع بقية الصلوات ، والأعمال الصالحة.
"لَا يَلِجُ النَّارَ مَن صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا"الراوي : عمارة بن رؤيبة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 634 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .
"يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 555 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

*ومن ذلك حديث صهيب قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ. وفي رواية: وزادَ ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ"لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ"يونس: 26.الراوي : صهيب بن سنان - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 181 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .
فالحُسنى: هي الجَنَّةُ التي أدخلهم الله إيَّاها، والزِّيادة: هي النَّظرُ إلى ربِّهم.
وفي الحديث: بيانُ فَضْلِ الله على المؤمنِينَ بإدخالِهم الجَنَّةَ.
وفيه: إثباتُ نَظرِ المؤمنين إلى اللهِ يومَ القِيامةِ في الجَنَّة. الدرر -
ومن ذلك حديث أبي موسى الأشعري الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إنَّ في الجَنَّةِ خَيْمَةً مِن لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُها سِتُّونَ مِيلًا، في كُلِّ زاوِيَةٍ مِنْها أهْلٌ ما يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عليهمُ المُؤْمِنُونَ، وجَنَّتانِ مِن فِضَّةٍ، آنِيَتُهُما وما فِيهِما، وجَنَّتانِ مِن كَذا، آنِيَتُهُما وما فِيهِما، وما بيْنَ القَوْمِ وبيْنَ أنْ يَنْظُرُوا إلى رَبِّهِمْ إلَّا رِداءُ الكِبْرِ علَى وجْهِهِ في جَنَّةِ عَدْنٍ." الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 4879 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

"قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : الكبرياءُ ردائي ، والعظمةُ إزاري ، فمَن نازعَني واحدًا منهُما ، قذفتُهُ في النَّارِ"الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 4090 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .
الشرح:من صفات الله تعالى: العز والعظمة والكبرياء.
وأما الإزار والرداء : فليسا صفتين، وإنما المراد بذلك : أن الله جل جلاله متصف بالعظمة والكبرياء ، لا ينازعه أحد منهما، كما أن الإزار والرداء يختصان بلابسهما، لا ينازعه فيهما أحد.
وأيضًا فالكبرياء حجاب يمنع من رؤية الله تعالى، كما أن الرداء يمنع من رؤية ما سُتر به.
*سؤال: جاء في الحديث القدسي"العظمة إزاري والكبرياء ردائي" هل يستدل بهذا على إثبات صفة الإزار والرداء؟
الجواب:لا، هذا لا يثبت منه صفه الإزار ولا الرداء - لله، وإنما هذا فيه بيان اختصاص الله عز وجل واتصافه بهما، يعني: مثلما أن الإنسان يستعمل الإزار والرداء - أي: كما لا يشرك الإنسانَ في ردائه وإزاره أحدٌ ؛ فكذلك لا يشركني في الكبرياء والعظمة مخلوق . والله أعلم" انتهى من "معالم السنن" 4/ 196- هنا .
فالله عز وجل موصوف بالكبرياء والعظمة وهما إزاره ورداؤه، لكن لا يقال: إن من صفات الله الإزار أو الرداء، وإنما يقال: العظمة والكبرياء إزاره ورداؤه، وهذا من جنس قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الأنصار
"
الأنْصَارُ شِعَارٌ والنَّاسُ دِثَارٌ"الراوي : عبدالله بن زيد - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4330 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
معناه:قربهم منه، والتصاقهم به كالتصاق الشعار بالإنسان، والناس الذين وراءهم مثل الثوب، فالمقصود من ذلك التشبيه، وليس المقصود من ذلك أن الله عز وجل له إزار ورداء، وأن من صفاته الإزار والرداء، وإنما اختص الله عز وجل بالعظمة والكبرياء، وأنه اتصف بهما، وأنه لا يشاركه فيهما أحدٌ، فهذا هو الذي يوصف الله تعالى به، ولكن لا يجوز أن يقال: إن الله عز وجل من صفاته الإزار، ومن صفاته الرداء، ويوضح ذلك حديث "الأنصار شعار، والناس دثار" ومعلوم أن الأنصار ليسوا شعارًا، وإنما هذا تشبيه لقربهم منه، والتصاقهم به، كما يحصل من الشعار الملاصق بالجسد، فالأنصار مثل الشعار، وغيرهم كالدثار، وهو الذي وراء الشعار.فضيلة الشيخ عبد المحسن العبّاد حفظه الله.
وأقوال أهل العلم في وجوب الإيمان والتصديق لرؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة أكثر من أن تحصى، ولهذا قال المؤلف رحمه الله"ومِثلَ مَا كَانَ مِثْلَه في القَدَرِ،وَمِثْلَ أحاديث الرُّؤيةِ كُلِّهَا وإن نَبَتْ عَنِ الأسْمِاعِ واسْتَوحَشَ مِنْهَا المُستَمِعُ،فإنَّمَا عَلَيهِ الإيمَانُ بِهَا "
نَبَتْ: أي : نَفَرَتْ .اسْتَوحَشَ :أي لم يستأنس بها .
فيجب علينا أن نؤمن بالأحاديث وإن لم تقبلها أسماع الناس وإن استنكرها واستغربها المستمع .
آمِن بالنصوص من الكتاب والسنة لا ترد حرفًا، مَن رَد حرفًا من القرآن كفر، وكذلك السنة.
يعني كل الأحاديث التي أُثرت ورويت عن الثقات الأثبات يجب الإيمان بها.
من الذي يستوحش منها؟ أهل البدع. "وإنما عليه الإيمان بها، وأن لا يرد منها حرفًا واحدًا"
يقول الإمام أحمد:وَأَنْ لا يَرُدَّ مِنْهَا حَرْفًا وَاحِدًا وغَيرِهَا مِنَ الأَحَادِيثِ المَأْثُورَاتِ عن الثِّقَاتِ.
آمِن بالنصوصِ مِنَ الكتابِ والسنةِ لا ترد حرفًا، مَن رَد حرفًا من القرآن كفر، وكذلك السنة.
يعني كل الأحاديث التي أُثرت ورويت عن الثقات الأثبات يجب الإيمان بها.
والذي يستوحشها أهل البدع: من الجهمية والمعتزلة ،أنكروا رؤية الله يوم القيامة مع أن الآيات صريحة والنصوص واضحة، وأولوها وقالوا: المراد بالرؤية العلم؛ يقول المعتزلة "إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا"إنكم تعلمون ربكم كما تعلمون هذا القمر أنه قمر، لا تشكون في العلم به، تعلمون ربكم كما تعلمون أن هذا القمر قمر، كيف يفسر بهذا؟!! X

فالرؤية عندهم معناها العلم، مثل" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ " يعني ألم تعلم.
والحق أن العلمَ زائلٌ عن جميعِ الناسِ يومَ القيامةِ، حتى الكفرة الذين ينكرون وجود الله يؤمنون يوم القيامة، ولكن بعد فوات الأوان .
فالأحاديث صريحة " إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ"
هذا عِلْم ولا رُؤية بصر؟ رؤية بصر،ومع ذلك أنكرها المعتزلة أنكروا رؤية الله وأنكروا علوه، أنكروا كونه فوق السماوات وفوق العرش، وأهل السنة آمنوا بعلو الله وأن الله فوق العرش، وآمنوا برؤية الله يوم القيامة.
والأشاعرة مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
الأشاعرة أرادوا الجمع بين رؤية الله وبين نفي الصفات عن الله فوقعوا في تناقضٍ ظاهرٍ .
قال شيخ الإسلام: حتى إن أئمة أصحاب الأشعري المتأخرين؛ كأبي حامد الغَزَالِي، وابن الخطيب ؛وغيرهما لما تأملوا ذلك عادوا في الرؤية إلى قول المعتزلة أو قريب منه وفسروها بزيادة العلم كما يفسرها بذلك الجهمية والمعتزلة وغيرهم ،وهذا في الحقيقة تعطيل للرؤية الثابتة بالنصوص والإجماع المعلوم جوازها بدلائل المعقول بل المعلوم بدلائل العقول امتناع وجود موجود قائم بنفسه لا يمكن تعلقها به .بيان تلبيس الجهمية :2|435.
ملتقى أهل الحديث.

دائمًا الأشاعرة تجدهم وسط بين المعتزلة وبين أهل السنة؛ هم يريدون أن يكونوا مع أهل السنة، أرادوا أن يكونوا مع أهل السنة في الرؤية، ومع المعتزلة في إنكار العلو، فصاروا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، فأثبتوا رؤية الله يوم القيامة؛ أثبتها الأشاعرة كما أثبتها أهل السنة، لكن أنكروا علو الله، أنكروا أن يكون الله فوق العرش، أين يُرى ربنا ؟ قالوا: يُرى لا في جهة، أين يرى من فوق؟ قالوا: لا. من تحت؟ لا. أمام؟ لا. خلف؟ لا، يمين؟ لا، شمال؟ لا. أين يُرى؟ يقولون: يرى لا في جهة، فأنكر عليهم أهل السنة وبدَّعوهم لقول الأشاعرة: إن الرؤية تكون بلا مقابلة، قالوا: ما يمكن أن تكون الرؤية إلا بمقابلة من المرئي، فالمرئي لا بد أن يكون مقابلًا للرائي مواجهًا له مباينًا له، أما رؤية بدون جهة، بدون مقابلة، ما يمكن؛فنفوا الجهة وهذا يلزم نفي الرؤية بزعمهم .
مع ملاحظة الآتي:لفظ " الجهة"من الألفاظ المجملة ، فمن قصد بها إثبات جهة العلو لله تعالى ، فهو إطلاق صحيح ، ومن قصدبها حصر الله تعالى في جهة ، بحيث إنه يحيط به شيء من مخلوقاته : فإطلاقه الجهة على الله بهذا المعنى باطل..موقع الإسلام سؤال وجواب .
قال الشيخ الفوزان في تعليقه على الطّحاوية"وأهل السنة يقولون: يُرى سبحانه وتعالى وهو في جهة العلو من فوقهم،فالجهة إن أريد بها الجهة المخلوقة فالله ليس في جهة؛ لأنه ليس بحال في خلقه سبحانه وتعالى.
وإن أريد بها العلو فوق المخلوقات فهذا ثابت لله عز وجل، فالله في العلو فوق السماوات، فالجهة لم يرد إثباتها أو نفيها في كتاب الله، ولكن يقال فيها على التفصيل السابق.ملتقى أهل الحديث -
ولهذا سمى بعض أهل العلم - منكري العلو -خناثى كالخنثى لا أنثى ولا ذكر ليسوا من أهل السنة، وليسوا من المعتزلة، أرادوا أن يكونوا مع المعتزلة في إنكار العلو، وأرادوا أن يكونوا مع أهل السنة في الرؤية فعجزوا عن ذلك، فلجئوا إلى حجج سوفسطائية وهي التي مموهة وهي التي تشبه الحجة وليست حجة.
*
وخلاصة القول: في هذه المسألة أن رؤية الله تعالى تعتبر عند السلف أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة لا يماري فيها أحد منهم-موسوعة الفرق-
فائدة:
أبو الحسن الأشعري كان له مراحل ثلاث في العقيدة:
المرحلة الأولى:مرحلة الاعتزال: اعتنق مذهب المعتزلة أربعين عامًا يقرره ويناظر عليه، ثم رجع عنه وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم"مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيميه ص72 جـ4..
المرحلة الثانية: مرحلة بين الاعتزال المحض والسنة المحضة سلك فيها طريق أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كُلاب"مجموع الفتاوى" ص556 جـ5.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه ص471 من المجلد السادس عشر من مجموع الفتاوى، لابن قاسم :
"والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية أخذوا من هؤلاء كلامًا صحيحًا ومن هؤلاء أصولًا عقلية ظنوها صحيحة وهي فاسدة".ا.هـ.
المرحلة الثالثة:مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث مقتديًا بالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما قرره في كتابه: "الإبانة عن أصول الديانة" وهو من أواخر كتبه أو آخرها.
قال في مقدمته"جاءنا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، جمع فيه علم الأولين، وأكمل به الفرائض والدين، فهو صراط الله المستقيم، وحبله المتين، من تمسك به نجا، ومن خالفه ضل وغوى وفي الجهل تردى، وحث الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فقال عز وجل"وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"الحشر: 7.. إلى أن قال: فأمَرَهُم بطاعة رسوله كما أمَرَهم بطاعته، ودعاهم إلى التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمَرَهم بالعمل بكتابه، فنبذ كثير ممن غلبت شقوته، واستحوذ عليهم الشيطان، سنن نبي الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، وعدلوا إلى أسلاف لهم قلدوهم بدينهم ودانوا بديانتهم، وأبطلوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضوها وأنكروها وجحدوها افتراءً منهم على الله "قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ "الأنعام: 140.
ثم ذكر - رحمه الله -أصولًا من أصول المبتدِعَة، وأشار إلى بطلانِها ثم قال"فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة، والجهمية، والحرورية، والرافضة والمرجئة فعرفونا قولَكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون؟
قيل له:قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا - عز وجل - وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبلقائلون، ولمن خالف قولَه مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل" ثم أثنى عليه بما أظهر الله على يده من الحق وذِكر ثبوت الصفات، ومسائل في القدر، والشفاعة، وبعض السمعيات، وقرر ذلك بالأدلة النقلية والعقلية.
والمتأخرون الذين ينتسبون إليه أخذوا بالمرحلة الثانية من مراحل عقيدته، والتزموا طريق التأويل في عامة الصفات، ولم يثبتوا إلا الصفات السبع المذكورة في هذا البيت:
حي عليم قدير والكلام له إرادة وكذاك السمع والبصر
على خلاف بينهم وبين أهل السنة في كيفية إثباتها.
ولما ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه ما قيل في شأن الأشعرية ص359 من المجلد السادس من مجموع الفتاوى لابن قاسم قال:
"ومرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية، وأما من قال منهم بكتاب"الإبانة" الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهذا يعد من أهل السنة.وقال قبل ذلك في ص310:وأما الأشعرية فعكس هؤلاء وقولهم يستلزم التعطيل، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وكلامه معنى واحد، ومعنى آية الكرسي وآية الدين، والتوراة، والإنجيل واحد، وهذا معلوم الفساد بالضرورة". ا.هـ.
القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى للشيخ العثيمين رحمه الله.

أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس