عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-12, 10:48 PM   #23
سارة بنت محمد
نفع الله بك الأمة
 
تاريخ التسجيل: 09-05-2009
المشاركات: 663
سارة بنت محمد is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

ننتقل الآن إلى القسم الثاني من أقسام الناس في صفات الله وهم قسم النفاة، وأولهم أهل التأويل

مما لا شك فيه أن الفهم الدقيق لهذه المذاهب تعين جد العون على فهم مذهب أهل السنة وتمييز صحيح الأقوال من سقيمها، فإنه كما قال الشاعر (وبضدها تتميز الأشياء)

وسنحتاج لفهم بعض المصطلحات والمفاهيم في طريقنا لدراسة هذا الباب

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يعيننا وييسر لنا أمرنا ويفتح لنا في الفهم والعلم فتحا مباركا

وأول ما نبدأ به هو قانون أهل التأويل - وإن شئت فقل أهل الكلام، بل إن شئت فقل كل مبتدع!!

العلاقة بين العقل والنقل:
إن أس البلاء الذي منه دخل على القوم ما دخل هو افتراضهم قانون ينظم العلاقة بين العقل والنقل بني على أن العقل مقدم على النقل
والنقل هنا هو نصوص الوحيين.

غير أن هذا القانون كان مجحفا ظالما.

قدم هؤلاء العقل على النقل فقالوا إذا تعارض العقل مع النقل قدم العقل لأنه أصل النقل وبه استدل على النقل!!
قال ابن تيمية في كتابه الثمين درء تعارض العقل والنقل ،ينقل عن الرازي:
"إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية أو السمع والعقل أو النقل والعقل أو الظواهر النقلية والقواطع العقلية أو نحو ذلك من العبارات
فإما أن يجمع بينهما وهو محال لأنه جمع بين النقيضين
وإما أن يردا جميعا
وإما أن يقدم السمع وهو محال لأن العقل أصل النقل فلو قدمناه عليه لكان قدحا في العقل الذي هو أصل النقل والقدح في أصل الشيء قدح فيه، فكان تقديم النقل قدح في النقل والعقل جميعا فوجب تقديم العقل
ثم النقل إما أن يتأول وإما أن يفوض"اهـ

وانظر قوله (ظواهر نقلية) و(قواطع عقلية) تعرف كم الظلم والإجحاف في هذا القانون الجائر!! فصيروا النصوص ظواهر والعقلانيات قواطع جازمة!! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقال أهل السنة: بل النقل هو الأصل والعقل أداة لفهمه لا يقدم عليه ولا يتوهم تعارضهما أصلا إلا لو كان النقل غير صحيح أو كان العقل غير صريح

فالعقل الصريح هو الذي لا يخالف النقل الصحيح بل يشهد له ويؤيده لأن المصدر واحد فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل ومن المحال أن يرسل له ما يفسده

ولكي نفهم هذه العلاقة بصورة صحيحة فلنتخيل جهازا إلكترونيا معقدا ومعه كتيب شرح طريقة الاستخدام
قرر أحدهم أن العقل هو الذي صنع الجهاز والكتيب وبالتالي فعقله لا يقل شيئا عن عقول المهندسين صانعي الجهاز، وواضعي طريقة تشغيله،
إن ما يفترض في هذه الحالة أن يقرأ الرجل كتيب التشغيل ويستخدم عقله في (فهمه) فقط، وليس من شأنه أبدا أن يحاول معرفة (لماذا) قرر المهندس أن السلك الذي يطفئ الجهاز لونه أحمر وأن الذي يشغله أخضر، ولا من شأنه أن يعرف لما وصل هذا السلك بذاك، بل ليس من حقه أصلا أن يفك الجهاز ويتلاعب بالقطع الدقيقة التي لا يفقه عنها شيئا ...ولو فعل ذلك فالشركة غير مسئولة عن تصليح هذه الأعطاب الحادثة عن فك الجهاز خارج أروقة مصانعها!!

وماذا يحدث لو قرر الرجل أن يضع هو قواعد من عقله باعتبار أنه أهل خبرة رغم أنه لم يعمل يوما في مجال الإلكترونيات، لكنه قرأ من هنا وهناك كتيبات تشغيل لأجهزة أخرى رديئة الصنع (مذاهب الفلاسفة)
فيقرر أن يجمع بين كتيب تشغيل الجهاز الحديث وكتيبات التشغيل الرديئة ويضع لنفسه منطقا ذهنيا يرتضيه حتى إذا رأى في الكتيب الحديث شيئا يخالف منطقه فليقدم منطقه هو العقلي على منطق الكتيب!

النتيجة : يفسد الجهاز!

فإذا كان هذا حال عقول الخلق مع عقول أعلى منها لمجرد اكتسابها دراسة معينة لم تكتسبها العقول الأخرى، أو حتى لأن الله فضلها بشيء من الذكاء أهلها لصناعة جهاز معين

فكيف يكون حال عقولنا مع الخالق الحكيم العليم خالق كل شيء ومدبر كل شيء الذي يعلم السر وأخفى، العليم الذي أحاط علمه بكل شيء

إن الله تعالى أرسل القرآن وجعله في قوم طبقوه بصورة مثالية جميلة، فهموا نصوصه وعملوا بها، أستاذهم سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وكان المجتمع موصولا بالوحي، تقع الحادثة فيحتار القوم فينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم يصوب فعلا ويخطئ آخر.

دور العقل مع النقل أنه ينقاد له، يؤمن به، يسلم له، يفهمه فإن تعثر في فهم نص فتش في أفهام الصحابة ومن اتبعهم بإحسان وسأل أهل الذكر...لا أن يعارضه بخيالات تسمى معقولات فيضع قوانين يحكم بها في فهم النصوص مبنية على عقله هو.
لهذا اختلف أهل العقول اختلافا كثيرا فما يكاد يجلس منهم اثنين إلا ويقع الاختلاف فيتنافرا ثم يقوما وقد صارا فرقتين لكل منهما أتباع!
وتعارض العقل والنقل لا يخلو إما أن يكون النقل ضعيفا، أو أن يكون التعارض متوهما لسوء فهم العقل للنقل، ومؤلفات العلماء تشهد بهذه الحقيقة الدامغة أن العقل الصريح والنقل الصحيح لا يتعارضان أبدا، فلو وقع في قلب العبد المؤمن شبهة تعارض بين النصين الثابتين فليتهم عقله وفهمه أولا أما أن يتهم النقل ويبدأ في تغيير النصوص وتبديلها حتى يشعر بارتياح عقلي ذهني خاص به، ثم يأتي آخر فيفعل فعله...ما كان لنا أن نترك قول الله وقول نبيه صلى الله عليه وسلم لأفهام الرجال وعقولهم.
وأول من عارض النقل بالعقل هو إبليس حيث استخدم القياس لمعارضة الأمر

قال له ربه: اسجد لآدم
فقال وكيف أسجد وأنا الأفضل؟ هو مخلوق من طين وأنا مخلوق من نار والنار خير من الطين!!

فطرح الأمر الشرعي وراء ظهره وتبنى الرأي والقياس العقلي الباطل، فلا هو خير من آدم ولا النار خير من الطين ولكنه قياس عقلي باطل أراد منه معارضة الأمر الشرعي الواضح

ثم اتبعه معارضو الشرع من الكفار فتارة يقولون (لو شاء الله ما أشركنا) فرد الله عليهم (ما لهم به من علم)
وتارة يقولون لو كان هذا القرآن صحيحا لأنزل ملك، لجاءت المعجزة بكذا وكذا...الخ المعارضات العقلية المتوهمة المتخيلة

والحق أن العقل يتوائم تماما مع النقل الصحيح ويسلم له فيجد راحته تماما لأنه لا تعارض ولكنهم استخدموا العقل في ادخال الوهم والخيالات فلبس الله عليهم ما لبسوه هم على أنفسهم.

ثم جاء أهل الكلام وبدأ أبوهم الجهم بن صفوان عندما سئل عن شبهة رام بها السمانية اثبات عدم وجود الله تعالى فقيل له: ربك هذا لا تراه ولا تحس به ولا تلمسه ووفليس موجود
فلم يرجع الشقي لأهل العلم ولم يتدثر بدثار الحلم، ولم يسأل ماذا قال النص بل سارع وشك حتى أراحه عقله، فكان حفيد إبليس في الفكر

فقال وتأمل قوله العقلي البحت: قاس الشقي الرب على الروح، قياسا باطلا.
فتأمل كيف يقدم الأشقياء عقولهم على النصوص المعصومة
والعجيب أن أفراخه من أهل الكلام ما فروا من تشبيه إلا ووقعوا في شر منه.


فلو استصحبنا هذا الأصل معنا أعني علاقة العقل بالنقل عند أهل السنة وعند المبتدعة والفرق بينهما، في رحلة فهم مذهب النفاة ومقارنته بمذهب الحق أهل السنة والجماعة سنجد خيرا كثيرا بإذن الله

وينظر تفضلا منكم في هذا الرابط
http://majles.alukah.net/showthread....%21&highlight=


أكتفي بهذا القدر ويتبع إن شاء الله بالكلام على أنواع القياس
اللهم أنت خير معين فاجعل ما نكتب حجة لنا لا علينا يا رحيم.
سارة بنت محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس