عرض مشاركة واحدة
قديم 16-06-09, 08:01 PM   #7
د.سهيرالبرقوقي
نفع الله بك الأمة
افتراضي

انتهينا في:
"حديث سلمان الفارسيّ ""
عن رحلته في طلب العلم والبحث عن الحق"

عند فقرة:

ثم جاءوا برجل آخرفجعلوه بمكانه .

[frame="8 80"]
نتابع معًا رحلة سلمان الفارسي في بحثه عن الحقيقة ليصل إلى نور الإسلام.....ونتعرف على مافيها من دروس نستفيد منها في تربية النفس وتزكيتها وتهذيبها.
[/frame]

فنتابع بإذن الله تعالى ونقول:

المتن:

< قال :يقول سلمان : " فما رأيت رجلا لايصلى الخمس أرى أنه أفضل منه , أزهد فى الدنيا ولا أرغب فى الآخرة , ولا أأدب ليلا ونهارا منه >

التعليق:

يسر الله تعالى سبل الهدى لسلمان بالرجل الذى جعلوه مكان ذلك ,فقد كان يسمو فى قلب سلمان لحسن صلاته وزهده , ورغبته فى الآخرة , ودأبه على العمل الصالح .

المتن:
< فأحببته حبا لم أحبه من قبله , وأقمت معه زمانا >

التعليق:

هذا هو ميزان الحب الذى يزن به أولوا الألباب. فليذكر أحدنا هذا الميزان حين يبحث عن زوجة ؛فيتخير المرأة الصلحة الطيبة .وليكن أعظم حافز لنا للتقدم؛ أن نستمع ممن نثق بهم ,عن حسن التزام هذه الفتاة بدينها وزهدها فى دنياها , وشدة حيائها , وحشمتها فى لباسها ؛ ولانغتر بنسب , أوحسب , أو شهادة جامعية , أو مظهرية خاوية . ولنذكر هذا الميزان حين نبحث عن الآصحاب والأصدقاء , ولصطفى الأفاضل والطيبين ؛ من غير أن تجرفنا بحار المادية ولا زخارفها الزائفة . ولنذكر هذا الميزان حين ندلى بدلاء الآراء والأفكار ؛ فنزن بميزان الإسلام لا بميزان الأهواء .

[frame="10 80"]تعليق معلمتي - رحمة الله عليها-[/frame][frame="10 80"]

ذكرت حديثين بهذه المناسبة:
[/frame]

1= عن أبى هريرة قال :قال رسول الله :

{ قبل الساعة سنوات خداعة يُكَذَب فيها الصادق , ويُصَدَق فيها الكاذب , ويُخَوَن فيها الأمين , ويُؤتمن فيها الخائن , وينطق فيها الرويبِضة قالوا : وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : السفيه يتكلم فى أمور عامة }

الأشراط الصغرى للساعة –مصطفى العدوى- ص27 – وقال فى الحاشية فى بعض الروايات : تفسير " الرويبضة" : بأنه السفيه يتكلم فى أمر العامة .

2= عن حذيفة بن اليمان قال :

حدثنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم - حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر:

{... ويُصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدى الأمانة , فيقال : إن فى بنى فلان رجلا أمينا ويُقال للرجل : ما أعقله وما أظرفه وما أجلده ومافى قلبه مثقال حبة خردل من إيمان }.

الأشراط الصغرى – مصطفى العدوى – ص 29 جزء من حديث طويل

المتن:
< وأقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة؛ فقلت له : يافلان !إنى كنت معك , وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك, وقد حضرك ماترى من أمر الله , فإلى من توصى بى ؟ وماتأمرنى ؟ >

التعليق:

" أقام معه زمانا " إنه العمل الدائب المستمر دون كلل , أوملل , كان ذلك حتى حضرت ذلك الأسقف الوفاة ؛وكان سلمان ينظر بمنظار المستقبل ترى ماذا بعد وفاة ذلك الأسقف ؟

سبحان الله !! إن الكثير لايسأل عن حاضر إيمانه وينسى جل ماضيه ؛ فكيف يسأل عن المستقبل ؟

أما عن الدنيا فلا تسل . فالنجاح فى ماضى دنيانا عنوان مستقبلنا ؛أما الإخفاق ؛ فيستفاد منه الادّكار والاعتبار .

وأما المستقبل فإنه يحظى بكل تفكير وتدبر وتأمل وإخلاص ووفاء وتضحية !!

الكثير منا لايسأل عن حاضر إيمانه فى زحام المال والتجارة والأشغال والنساء وحب الشهرة والظهور .

؛ أما سلمان فإنه ينظر لمستقبل إيمانه .
لقد حفزه هذا أن يقول للأسقف :
" فإلى من توصى بى ؟ وما تأمرنى ! "
إنه البحث عن العلماء العاملين .
إنه البحث عن الصادقين .
إنه البحث عمن يهدونه سبل الرشاد بإذن الله تعالى .

واأسفاه على القائمين بالقليل من الدين .
واحزناه على قوم لايميزون من يستفتى ممن لايصلح لذلك.

واألماه على أناس ؛ صححت عباءة الرجل لهم ضعيف الحديث ؛ حتى لكأنه سيق بسند البخارى ,
وصوبت عمامته فاسد الرأى ؛ حتى لكأنه وحى من السماء !!
يالمصيبة قوم لايميزون بين العلم والجاهل !!
يالخسارة قوم ذموا العالم الفقيه ؛
ومدحوا الجاهل السفيه !
وكم من جهال قيل عنهم علماء ؛
وكم من علماء قيل عنهم جهال !!.

" وماتأمرنى ؟ "

استعداد لتلقى الأوامر .
استعداد للاستجابة
استعداد للسفر والترحال .
توطين النفس على تحمل المشاق والصعاب .
توطين النفس على التجمل بالصبر .
فهل تحلينا ببعض هذا ؟
إن كان ذلك فالأوامر كثيرة جدا ؛ فهلم بنا نفعل منها مااستطعنا .

المتن:

< قال : أى بنى ! والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه ؛ لقد هلك الناس وبدلوا ؛ وتركوا أكثر ماكانوا إلا رجلا بالموصل ؛ وهو فلان ؛ وهو على ماكنت عليه فألحق به . >

التعليق:

إنه لايعرف أحدا على الحق سوىرجل واحد. ؛
لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ماكانوا عليه .
قلة فى الاتباع !
هجران للحق والصواب !

ما أشبه اليوم بالبارحة – كما يقولون - !
لم يعد الناس يميزون بين سنة وبدعة ؛

بل إن السنة عندهم بدعة والبدعة هى السنة ؛
والحديث الصحيح هو الضعيف ؛ والضعيف هو الصحيح ,
والحسن ما حسنه الهوى , والقبح ماقبحه الهوى .

إذا تمسك الرجل بالثابت من النصوص ؛ واجتنب الضلالة والبدع ؛
نبذ نبذ النواة , ورمى بالجهل والضلالة والهوى .
أصبح ميزان الناس فى الحق والضلالة كثرة وقلة ؛

ليتهم يقرؤون كتاب الله تعالى وفيه ذم الكثرة وامتداح القلة (1) فلتدع إذن – وقد سبقنا بذلك -

" اللهم اجعلنى من القليل . "
ولاتفرحن دعوة من الدعوات بكثرة أبنائها ؛ ولكن لتنظر أوافقت الحق أم لا ؟

المتن:
< فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل ؛ فقلت له : يافلان ! إن فلانا أوصانى عند موته أن ألحق بك ؛ وأخبرنى أنك على أمره , قال : فقال لى : أقم عندى ؛ فأقمت عنده ؛ فوجدته خير رجل على أمر صاحبه . >

التعليق:

واصل سلمان سفره وترحاله حتى بلغ الموصل , وأخبره ماكان من أمره ؛ فقال له : أقم عندى فأقام عنده فوجده خيررجل على أمر صاحبه ومنهجه .

وهذا درس طيب للعلماء !! أن يتحملوا تلاميذهم فى التعليم والإقامة والمتابعة – مااستطاعوا إلى ذلك سبيلا -
ونستفيد أيضا ضرورة التعارف بين أهل الحق ؛ كيف لا والمؤمنون يعضهم أولياء بعض . وهاهو ذلك الأسقف قد أوصى سلمان بالذهاب إلى صاحب الموصل (2) ؛ فلم يلبث أن مات .

المتن:
فلما حضرته الوفاة قال له :
< يافلان ! إن فلانا أوصى بى إليك وأمرنى باللحوق بك ؛ وقد حضرك من الله --عزوجل – ماترى ؛ فإلى من توصى بى وما نأمرنى ؟ قال : أى بنى ! والله ما أعلم رجلا على مثل ماكنا عليه إلا رجلا واحدا بنصيبين ؛ وهو فلان ؛ فألحق به . >

التعليق:

تكرر معنا ذكر موت أولئك الأساقفة ؛ وهذا يذكر بقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم -

" إن الله لايقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ؛ ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ؛ حتى إذا لم يبقى عالما ؛ اتخذ الناس رؤسا جهالا ؛ فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا . " (3)

ومن هنا أدرك أعداء الإسلام هذه الحقيقة , فراحوا يكيلون الاتهتمات للمتمسكين من أبناء هذا الدين ؛ ويرموهم بما ليس فيهم ؛ وحاولوا بكل ما أتوا من قوة ومكر وعلم ؛ أن يشوهوا سمعة هؤلاء الصفوة ؛لأنهم يعتقدون أن بتشوههم يشوه الدين ؛ وأن بحياتهم يحيا ؛ وبموتهم يموت ولكن رغم أنف الملاحدة والمشركين والمنافقين
{ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون }
ومازال سلمان يعانى من قلة المربين وأصحاب الحق , فليس هناك سوى رجل واحد بنصيبين .

المتن:

< فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئته ؛ فأخبرته بخبرى وما أمرنى به صاحبى ؛ قال : فأقم عندى ؛ فأقمت عنده , فوجدته على أمر صاحبيه ؛ فأقمت مع خير رجل ؛ فوالله مالبث أن نزل به الموت , فلما حضر , قلت له: يا فلان ! أن فلانا كان أوصى بى إلى فلان ؛ ثم أ وصى بى فلان إليك ؛ فإلى من توصى بى وما تأمرنى؟ قال : أى بنى ! والله مانعلم أحد ا بقى على أمرنا آمرك أن تأتيه ؛ إلارجلا بعمورية ؛ فإنه بمثل مانحن عليه؛ فإن أحببت فأته , قال : فإنه على أمرنا , قال : فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبرى ؛ فقال :أقم عندى فأقمت مع رجل على هدى أصحابه وأمرهم . >

التعليق:

وهكذا كان صاحب نصيبين خير رجل على منهاج أصحابه وعلى دربهم وطريقهم ؛ ولا عجب فى ذلك فالحق واحد لايتعدد وكان من شأنه معه ؛ ماكان من قبل مع أفاضل الأساقفة ؛ وكانت وصيته أن يذهب إلى رجل بعمورية ؛ فذهب إليه وأقام عنده ؛ وكان على هدى أصحابه وأمرهم .

المتن: < قال :واكتسبت حتى كان لى بقرات وغنيمة . >

التعليق:

لابد لابد من الاكتساب الحلال المشروع للمسلم ؛
ليتقوى على طاعة الله تعالى ؛ بما لايشغل عن طاعة الله تعالى .

وما ندرى ما يكون لهذه البقرات والغنيمة من أثر فى هداية سلمان !!

إن هذا ليذكرنا بقول سفيان الثورى – عن الدنانير –
"لولاها لتمندل بنا الملوك . " (4) أجل إن للمال أثره العظيم ؛
كم وقعوا فى المعاصى والآثام من أجل لقمة العيش !!
كم هابوا أن يقولوا كلمة الحق خوفا على الرزق !
كم داهنوا وجاملوا لأجل المال !!
كم تركوا صلوات مخافة فقدان وظائفهم !!
كم حلقوا لحاهم حفاظا على مصالحهم و أشغالهم !!

المتن:

< ثم نزل به أمر الله ؛ فلما حضر قلت له : يا فلان ! إنى كنت مع فلان ؛ فأوصى بى فلان إلى فلان؛ وأوصى بى فلان إلى فلان ؛ ثم أوصى بى فلان إليك ؛ فإلى من توصى وما تأمرنى ؟ قال : أى بنى ! ما أعلم أصبح على ماكنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه . >

التعليق:
مازال يبحث عن أصحاب الحق و أسباب الهدى ؛
مازال يبحث عن الوصية والأوامر .

" فإلى من توصى بى و ما تأمرنى ؟ " ؛
كم تلقينا من وصايا فرفضناها ,!
وكم تلقينا من أوامر فأبيناها . !

لم نسافر لها أو نرحل ! ولكن بلغتنا حيث نكون .!
بل قد تولد التأويل والتفسير ؛ لرد هذه الوصايا والنصائح والأوامر .
فلنتقِ الله ربنا ؛ ولنتذكر قول سلمان المتكرر ؛ وهو فى غاية اللهفة :

"فإلى من توصي بى ؟ وماتأمرنى؟ "

المتن: " قال أى بنى ! ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أ تأتيه . "

التعليق:

لقد حظى سلمان كل مرة بشخص فاضل ؛شد له رحله؛ ولكنه هذه المرة لم يحظ بأحد .!!
"ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أ تأتيه "

وحتى القلة لم ينلها !!!!!
لا أحد......لاأحد !!

ما أوحش الطريق التى قل فيها السالكون .
بل ماأوحش الطريق التى خلت من السالكين .

يالغربة سلمان . !!
غربة فى الدين .
غربة فى الوطن .
يالقلة الأتباع !!!!
يالقلة الأصحاب .!!

فلتضىء(5) لك غربة سلمان هذه نور الإيمان واليقين والثبات ؛
حين تناقش المسلمين فى جل البلاد فى مسائل الاعتقاد والمنهج والفقه .
تنظر من حولك فلا ترى إلا المتغامزين .
لاترى سوى المستهزئين
لاترى سوى تبنى منهاج الخلف والتقليد المحض .
حذار حينئذ أن تشك بنفسك ؛
إن هذه لدلائل الحق وأمارات الهدى .
فاستمسك بالحق الذى أنت عليه , إنك بإذن الله على صراط مستقيم .

يُتْبَعُ
_____________________
الحاشية:

(1) انظر كتابى " المظهرية الجوفاء فى دمار الأمة "
( ولاتغرنكم الكثرة ياأصحاب المظهرية الخاوية)ص89 (2) وتسلسلت الوصية من شخص لآخر ؛ كما سيأتى معنا .
( 3 ) رواه البخارى (100 ) ومسلم (2673) وغيرهما
( 4 ) " سيرأعلام النبلاء " ( 7 / 241 )
النادل: من يقوم على خدمة القوم في الأكل والشرب "المعجم الوجيز ص 608"
(5) الظاهر أنه تصحيف .....ولعل الصواب هو إثبات الهمزة المتطرفة على الياء ( فلتضئ ) .



توقيع د.سهيرالبرقوقي
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}
http://www.tvquran.com/


{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }


التعديل الأخير تم بواسطة د.سهيرالبرقوقي ; 16-06-09 الساعة 08:10 PM سبب آخر: ضبط النص
د.سهيرالبرقوقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس