عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-17, 04:57 PM   #10
أم إبراهيم السلفية
~مشارِكة~
 
تاريخ التسجيل: 13-10-2013
الدولة: فرنسا - ليل
المشاركات: 204
أم إبراهيم السلفية is on a distinguished road
افتراضي

سن التحصيل

وسن التحصيل هو بداية الشباب، ويبدأ من التمييز، يُبدأ بطلب العلم بالنسبة للطفل من التمييز، وحينئذٍ على المعلم أن يعلم مثل هذا صغار العلم قبل كباره، ولا يكلف الطالب فوق ما يطيق، فكثيراً من الطلاب يطلب من الشيخ يقرأ عليه كتاب، فإذا كان هذا الشيخ ناصحاً -وهذا هو الأصل في أهل العلم- اختبره، ثم قرر له ما يناسبه من الكتب، وبهذا يستفيد الطالب، ومن المعلمين من ينظر إلى حاجته هو، يأتي طالب مبتدئ ويقول للشيخ: أريد أن أقرأ عليك، الشيخ بحاجة إلى كتاب، هو بنفسه بحاجة إلى كتاب يريد أن يطلع عليه فيقول: أحضر كذا، من غير نظرٍ إلى مصلحة الطالب، وهذا ليس من النصيحة، بل النصيحة أن يبدأ الطالب بما يحتاجه هو، وفيما يستطيعه، فالطالب المبتدئ له كتب تناسب مستواه، والطالب المتوسط له كتب تناسب مستواه، والطالب المنتهي أيضاً له كتب تناسبه، والمتعلم له كتب، والعالم له كتب، وأهل العلم ما قصروا بينوا ونظموا الكتب ورتبوها على حسب المستويات المذكورة، وسموها طبقات، فللطبقة الأولى المختصرات، الطبقة الأولى لهم المختصرات شديدة الاختصار، وفي كل علم من العلوم ما يناسب هذه الطبقة، والمتوسطون لهم كتب أرفع من هذه، وفي هذه الكتب المصنفة للمتوسطين ما يوجد في كتب المبتدئين، الطبقة الثالثة لهم كتب تناسبهم وهي أرفع من كتب المتوسطين، وفي كتب هذه الطبقة من العلوم، وإن كانت الصياغة تختلف لتناسب إدراك هؤلاء، فيها من العلم ما في كتب المتوسطين والمبتدئين، وقل مثل هذا في كتب الطبقة الرابعة، وكثير من المتعلمين -ونحن في عصر السرعة- يقول: لماذا يكرر العلم؟ لماذا نقرأ كتاب مختصر جداً، ثم نقرأ كتاب أوسع منه فيه جميع الكتاب المختصر، ثم نقرأ كتاب أوسع فيه جميع ما في الكتاب المتوسط وهكذا؟ على سبيل المثال: الموفق بن قدامة ألف كتب تناسب طبقات المتعلمين، العمدة على قولٍ واحد، المقنع على روايتين، الكافي فيه الروايات، المغني فيه المذاهب، لكن هل في العمدة ما لا يوجد في المقنع؟ وهل في المقنع ما لا يوجد في الكافي؟ وهل في الكافي ما لا يوجد في المغني؟ بعض الناس يقول: هذا ضياع وقت، نقول: هذا ليس بعبث، العلم الذي حفظته في الصغر وتكرر عليك مراراً هذا هو زادك في المستقبل، ولا أبعد عن الحقيقة إذا قلت: أن عمدتنا في العلم والتعليم على ما حفظناه في المعاهد العلمية، وأقول هذا ويشهد به أيضاً كل من وصل وتخرج من الجامعة مثلاً وقد درس في المعاهد العلمية، يعني مرور العلم في الكليات الشرعية يعني ما هو بمثل مروره في أول التحصيل في المعاهد العلمية.

أيضاً في المراحل التالية العلم يمر مثل طيف الخيال، ما لم يكن الإنسان متعمد لبحث هذه المسألة ومراجع لها في كثير من المراجع، أما مجرد قراءة، تقرأ قراءة، في القسم المتوسط يعني نفترض مدرسة أسست تأسيس علمي متين، وجعلت للمبتدئين الكتب المناسبة لهم وللمتوسطين كذلك، يعني قراءتك للكتاب الأول وقد صادفت القلب الخالي فتمكنت قراءتك للكتاب الثاني إن لم تكن مع عناية شديدة بهذا الكتاب ومراجعة عليه فإنها لن تكون بحال مثل قراءة الكتاب الأول، وقل مثل هذا للمرحلة الثالثة والرابعة، ولذا ينادي بعضهم، يقول: لماذا لا نقرأ في المرحلة الثانية زوائد هذا الكتاب على ما قرأناه سابقاً، وفي الثالثة زوائد الكتاب الثالث على ما قرأناه في الكتابين المتقدمين، وفي المرحلة الرابعة نقرأ زوائد هذا الكتاب الكبير، ونختصر الوقت والجهد إلخ...؟

العلم لا يثبت إلا بالتكرار، أنت قرأت هذه المسألة من زاوية تناسبك في الصغر، في المرحلة الثانية قرأتها بشكل أوسع وبعبارة أعمق، في المرحلة الثالثة كذلك زيد في توضيحها وزيد أيضاً في الاستدلال لها وتعليلها، تصور مثلاً العمدة لابن قدامة هذه خالية من جميع الخلافات، ما في خلاف ولا في داخل المذهب، لكن فيها استدلال اعتمد في بناء المسألة على الدليل، وهذه ميزة العمدة، طيب الكافي توسعت مداركك، أنت الآن أخذت جملة من العلوم فمو مفترض أنك تقرأ في كتاب فقه فقط، تقرأ في العلوم كلها، توسعت مداركك في العلوم بحيث صرت تستوعب أكثر من قول، فألف لك المقنع على روايتين وأنت بحاجة إلى هاتين الروايتين، فإذا قرأت هذا الكتاب وراجعت شروحه وحضرت به الدرس ورجح لك الشيخ إحدى الروايتين من خلال الدليل، تختلف قراءتك لهذا الكتاب والكتاب الأول، وقل مثل هذا فيما يجمع جميع الروايات، كالكافي مثلاً، توسعت مدارك الطالب لما وصل إلى هذه المرحلة.

وقل مثل هذا إذا وصل إلى مرحلة المغني وفيه المذاهب بأدلتها، فيخطئ من ينادي بعدم تكرار العلم والاقتصار على الزوائد، وقل مثل هذا فيمن يطالب باختصار الكتب، يقول: نحن في عصر السرعة، البخاري (7500) حديث والبخاري بغير المكرر الثلث فقط، لسنا بحاجة إلى الثلثين، فبدلاً من أن نقرأ البخاري في سنة، نقرأ البخاري بثلاثة في أشهر أو أربعة أشهر، ولسنا بحاجة إلى التكرار، نقول: لا يا أخي، أنت كيف تعتمد أولاً على اختصار النفس؟ واختصار الكتب من قبل طالب العلم نفسه من أعظم وسائل التحصيل، ومن أعظم المفاتيح للعلم، كيف؟ نأتي إلى صحيح البخاري الذي ينادي كثيرٌ من الناس باختصاره لأننا لسنا بحاجة إلى حدثنا قال: حدثنا حدثنا وتكرار، ويوجد الحديث في عشرين موضع علشان أيش؟ وهو الحديث، نحن غرضنا المتن؟ نقول: لا يا أخي، أنت تؤهل نفسك إلى أن تكون عالم، تنير الطريق للأمة بكاملها، وتفتي الأمة بحق، لا يا أخي ما يكفيك المختصر، إن أردت أن تختصر فاختصر لنفسك، وليكن الأصل هو ديدنك، ولا يخاطب بهذا الطالب المبتدئ، لا، لكن يخاطب به من يطالب باختصار البخاري، يقول: لماذا لا نقرأ في مختصر البخاري، المسألة مسألة متن، الذي يهمنا اللفظ النبوي؟ نقول: كم يفوتك من علم باقتصارك على المختصرات، اختصر لنفسك إن أردت.

فتبدأ بالصحيح وتقرأ الترجمة الكبرى، كتاب كذا، ثم الترجمة التي تليها باب كذا، هذه الترجمة التي ترجم بها البخاري من عنده هذا فقهه، وبه يتمثل الفقه السلفي، فقه أهل الحديث، فإذا أتيت إلى الحديث في الموضع الأول، وقرأت ترجمة البخاري واطلعت على ما ساقه البخاري من آثار موقوفة ومقطوعة عن الصحابة والتابعين في توضيح هذه الترجمة، كلام نفيس تستغني عنه وتقتصر على المختصرات؟ المختصِر من وجهة نظره رأى أنك لست بحاجة إلا إلى ما ذكر، لكن أنت قد تكون بأمس الحاجة إلى ما حذف، فإذا قرأت الترجمة وفهمت فقه البخاري، ثم فهمت فقه السلف الذي دعم به البخاري فقهه، ثم أتيت إلى الحديث المرفوع بسنده وأنت بحاجة ماسة إلى معرفة رجال الصحيح ليوفر لك الجهد إذا مر عليك هؤلاء بكتابٍ لم تلتزم صحته، أنت عندك حديث في مسند أبي داود ما تدري هو صحيح وإلا لا؟ لكن تعرف أن هؤلاء الرواة من رواة الصحيح، مروا عليك وأنت تدرس صحيح البخاري، لكن لو اقتصرت على المختصر ما استفدت، إذا ما أمسكت الحديث الأول بهذه الطريقة ثم ذهبت إلى أطرافه والحمد لله الكتاب مخدوم، الحديث الأول خرج في سبعة مواضع، ترجع إلى هذه المواضع، شوف تراجم البخاري على هذا الحديث، واستنباط البخاري من هذا الحديث، وهذا فقهه، استنبط من الحديث فوائد كثيرة جداً، أودعها في هذه التراجم، ودعم هذا الفقه بفقه السلف من الصحابة والتابعين، وأردفه بالحديث المرفوع، ولا يمكن أن يكرر البخاري حديثاً بإسناده ومتنه في موضعين إلا نادراً، يعني في عشرين موضع فقط، يعني خمسة آلاف أحاديث مكررة، ما فيها ما كرره البخاري بإسناده ما فيها إلا عشرين فقط، وأما الباقية فلا يكرر حديث إلا لفائدة، سواء كان في متنه أو في إسناده، ولو في صيغ الأداء، فتجده أحياناً يقول: عن فلان، وفي الموضع الثاني يقول: حدثنا فلان، طالب العلم بحاجة ماسة إلى معرفة هذه الأمور، إذا كان يريد أن يكون طالب علم بحق.

إذا انتهيت من اختصار البخاري على هذه الطريقة، أنت الآن اطلعت على المواضع السبعة واختصرت على أوفاها، وصار علمك بما حذفه المختصر كعلمك بما أثبت، هذه من أعظم وسائل التحصيل، العلم يحتاج إلى معاناة وحفر في القلوب، لا يقول طالب العلم: أن هذه الطريقة في البخاري وحده تحتاج إلى سنة، نعم تحتاج إلى سنة، لكن كثير على البخاري أن يصرف فيه سنة؟ ليس بكثير على البخاري أن يصرف فيه العمر، فضلاً عن سنة.

إذا انتهيت من الحديث الأول تأتي إلى الحديث الثاني، الحديث الأول من وافق البخاري على تخريجه إذا أردت أن تدرس الكتب الستة في آنٍ واحد، أو تقول: والله الآن أدرس البخاري إلى أن أنتهي منه وأرجع إلى مسلم، الأمر إليك، لكن إذا أردت أن تدرس الكتب الستة في آنٍ واحد ولا تستكثر أن تصرف عليها خمس سنوات، والمسألة مفترضة فيه من ضمن حفظ القرآن، والقرآن أيضاً يحتاج إلى شيء من المعاناة لفهمه وتدبره، ومراجعة التفاسير الموثوقة عليه، ومعرفة إعرابه وبيانه، وما ورد في تفسيره من أحاديث وأقاويل سلف هذه الأمة، القرآن يحتاج إلى معاناة، لكن نحن نمثل الآن بالحديث.

إذا درس البخاري وحده -والأمر إليه- يأتي إلى مسلم، فما خرجه البخاري وعندي أن طالب العلم المتأهل للاختصار يبدأ بالكتب الستة جميعاً، فإذا عرف الحديث الأول في الصحيح وجمعه في مواضعه السبعة، واختصر منها على أوفاها، وذكر التراجم كلها، وذكر أقاويل السلف المدعومة لهذه التراجم، واقتصر على أوفى المتون، وعرف ما حذف كمعرفته بما أثبت وأبقى، ينظر من وافق البخاري وخرج هذا الحديث كمسلم مثلاً، ويصنع بهذا الحديث عند مسلم كما صنعه في البخاري، ويشير إلى ذلك في صحيح مسلم إلى أن هذا الحديث تمت دراسته، ويأخذ من الزوائد، زوائد العلم النبوي علم الحديث في صحيح مسلم ويضيفها إلى ما دونه في مختصره للبخاري، ويقول: زاد مسلم كذا، في الأسانيد كذا، في المتون كذا، في صيغ الأداء كذا، ترجم عليه شراح مسلم بكذا؛ لأن مسلم ما ترجم الكتاب، وهذا من أفضل الطرق التي يدرس بها علم الحديث حتى يستوعب البخاري ومسلم، ثم ينظر فيمن وافقهما من أصحاب السنن، ويفعل به ويصنع معه نظير ما صنعه بالصحيحين، ولا ينتهي من الكتب الستة بهذه الطريقة، إلا وعنده كتاب في عشرة مجلدات مثلاً، فيه الكتب الستة بكاملها، من غير تكرار بطريقته هو، وبالمعاناة يرتقي العلم وينحفر العلم في قلبه.

أما مرور الكرام مجرد قراءة سريعة أو اعتماد على مختصرات آخرين....

أقول: من أراد أن يعرف حقيقة ما أقول فليقارن بين صحيح البخاري وبين مختصراته في باب من أبواب الدين الأخيرة من الصحيح، الفتن والرقاق والاعتصام وغيرها، يجد هذا الكتاب من الصحيح يشتمل على مائتين حديث مثلاً بمائة وخمسين ترجمة هي فقه البخاري واستنباط البخاري، ويجد من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين الشيء الكثير، بينما لو رجع إلى المختصر وجد خمسة أحاديث فقط أو ستة أو سبعة أو عشرة بدون آثار وبدون تراجم، فكيف يعتمد على كتب هذه.......؟ كون الطالب يختصر لنفسه بهذه الطريقة...... الكتاب بكامله وهو عن قراءة الكتاب هذه الطريقة عن قراءة الكتاب عشر مرات، الطريقة مجربة، والاختصار يسلكه أهل العلم، ويقررون فيه العلوم، وهو نوع من أنواع التصنيف، لكن لا أنفع لطالب العلم الرجوع إلى الكتب الأصل، نعم لطالب العلم أن يختصر لتحصيل العلم، كيف يفهم طالب العلم مثلاً النحو أو أصول الفقه؟ يعني مع حضور الدروس، حضور الدروس أمر لا بد منه، والجثي على الركب أمام الشيوخ أمر لا بد منه، ولذا المقرر عند أهل العلم أن من كان علمه من كتابه كان خطأه أكثر من صوابه.

إذا أردت أن تدرس علم الأصول مثلاً وتحضر فيه درس، تأتي إلى هذا الكتاب الذي يشرحه الشيخ وتحفظ منه المقدار الذي يريد الشيخ شرحه ثم بعد ذلك تعمد إلى شرحه فتختصر، افترض أن الدرس في مختصر الروضة للطوفي، أو في مختصر التحرير، وهما من أمتن كتب الأصول وأمتعها، لكن قد يقول قائل: كيف يكون مختصر التحرير ماتع وفيه من التعقيد ما فيه؟ نقول: اقرأ وافهم وتجد المتعة، تأتي إلى الكتاب مختصر التحرير مشروح بأربعة مجلدات، صفحات كل مجلد ستمائة وسبعمائة صفحة، صفحات الكتاب بما يقرب من ثلاثة آلاف صفحة، أنت إذا قررت القدر الذي يشرحه الشيخ وهو خمسة أسطر مثلاً، وقرأت الشرح، وانتقيت من هذا الشرح ما يحل لك ويفك لك العبارة، خمسة أسطر يمكن أن تشرحها في صفحة، ثم الدرس الثاني والثالث والرابع والخامس إلى آخره، إذا انتهيت من الكتاب وإذا عندك شرح لمختصر التحرير قدر نصف مجلد، وأنت تقرأ في هذا المختصر تذكر ما حذفته؛ لأنك ما حذفته من العلم لم تتركه من دون فهم، كيف تستغني عنه وأنت ما فهمته؟ يعني إثباتك له بعد فهمه واستغناءك عنه بعد فهمه؛ لأنك لو تركته من غير فهم لقد يكون من أشد ما تمس إليه الحاجة، فإذا انتهيت من هذا الكتاب على هذه الطريقة مع حضور الدرس فقد نقش الكتاب في قلبك.

وقل مثل هذا في مختصر الروضة، وقل مثل هذا في العلوم الأخرى، فالاختصار وسيلة من وسائل التحصيل، ومفتاح من مفاتيحه.

بعض الناس سمع هذا الكلام وقال: أنه يتعارض مع ما يفعله بعض الأخوة الذين نسأل الله -جل وعلا- أن يكتب لهم أجر هذه السنة، وأجر من عمل بها، الذين يُحَفِظون السنة، ويقتصرون على مختصراتهم هم، ويقرؤونها الطلاب ويحفظونهم، يحفظونهم إياها، يقول: إن طريقتك التي تذكر فيها استدراك أو قدح، لا، أبداً، من حفظ وأراد أن يحفظ بأقصر مدة هذا يعينه على الطريقة التي ذكرت، لكن الإشكال فيمن أراد أن يقرأ المختصرات ولا يرجع إلى المطولات، فأنت تقرأ على الطريقة التي ذكروها، البخاري من دون تكرار، ثم جوائد مسلم ثم جوائد أبي داود وهكذا، هذه الطريقة إذا حفظت على طريقتهم وهديهم فعندك أساس متين تبني عليه هذا العلم العظيم، ولا يغنيك هذا عن الطريقة التي شرحتها، كما أن الطريقة التي شرحتها في ضمنها حفظ ما يريدون حفظه، إلا أنهم يريدون ذلك في أقل، في أقصر مدة، وطريقتك التي شرحناها قد تطول بك المدة لكن مع ذلك لا بد لطالب العلم منها.

أيضاً العلوم الأخرى يفعل بها هكذا، ولا بد أن يكون طالب العلم على الجادة المشروحة عند أهل العلم والمطروقة لديهم، أما الذي يحاول أن يجدد أو يبتكر وهو ما زال بمرحلة الطلب مثل هذا يتخبط، العلماء سنوا هذه الطرق وهذه الطبقات التي نظموها، والكتب التي رتبوها، فأنت تقرأ على الجادة، وتأخذ العلم عن أهله؛ لأنه دين فانظر عمن تأخذ دينك.

ولا بد أن يكون علمك وهو دين مقروناً بالإخلاص لله -جل وعلا-؛ لأن العلم لأنه من أقرب الطرق الموصلة إلى الله -جل وعلا- أيضاً هو مزلة قدم، وليس فيه نصف حل أو شخص يريد أن يمسك العصا من منتصفه، لا، إما أن تكون ممن رفع درجة، أو تكون أول من تسعر به النار يوم القيامة، فلا بد من الإخلاص.

وليحذر طالب العلم من العوائق والصوارف، لا سيما ما يتعلق بآفات القلب، كالعجب، بعض الطلاب يهبه الله -جل وعلا- حافظة أو فهم بحيث يفهم قبل زملائه، وزملائه يطلبون من الشيخ الإعادة، وهو لا يحتاج إلى ذلك، ثم يتلفت ويتبسم معجباً بنفسه، ومزدرياً لإخوانه.

والعجب فاحذره إن العجب مجترفٌ
أعمال صاحبه في سيله العرم

كذلك الكبر، الكبر من أعظم الصوارف عن تحصيل العلم الشرعي.

وهاهنا طرفة عبيد الله السقاف مفتي حضرموت توفي قبل نصف قرن، يقول في رسالة له في العلم والتعليم: قرأت في بعض الكتب ممن يلمز شيخ الإسلام بن تيمية بالكبر -وحاشاه من ذلك- يقول هذه عصبية؟ ليست عصبية، لأن الرجل -عبيد الله السقاف- ما هو من المغرمين بشيخ الإسلام أو المعجبين به إعجاباً تاماً، إنما هو يرجى له خير كبير، لكن في عنده شيء من المخالفة لما يقرره شيخ الإسلام، ورحمة الله على الجميع، لكن يقول: يستحيل أن يجتمع مثل هذا العلم وأن يكون القرآن على طرف لسانه وأسلة بنانه وهو عنده شيء من الكبر، والله -جل وعلا- يقول:{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [(146) سورة الأعراف] فلا يتعلم العلم مستحيي ومستكبر، يبدأ بالعلم الأهم فالمهم.

وبالمهم المهم ابدأ لتدركه
وقدم النص والآراء فاتهم

لا بد أن تبدأ بالمهم والأهم ثم الذي يليه.

وبالمناسبة هناك قصيدة في الوصية بالعلم وطلبه، والوصية بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهي مغفولٌ عنها لا أرى لها ذكر أو كبير ذكر بين طلاب العلم وهي للشيخ حافظ ابن أحمد الحكمي -رحمة الله عليه- أسماها "القصيدة الميمية في الوصايا والآداب العلمية" وهذا من أبدع ما نظم في هذا الباب، على طالب العلم أن يعنى بها.

أيضاً يعنى بالعلوم الأخرى، يعنى بالدرجة الأولى بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والعقيدة من مضانها ومن أهلها ممن سلك المسلك الصحيح، وانتهج نهج السلف الصالح، وأيضاً الفقه وما يخدم ذلك من المفاتيح التي يسمونها علوم الآلة، كعلم العربية بفروعه العشرة، ولا يكفي أن يتعلم الطالب شيء من علم النحو ويهمل العلوم الأخرى، كما هو الشائع الآن بفروعه، علوم القرآن، وقواعد التفسير، أصول الفقه، علوم الحديث، أيضاً يستجم ويستفيد ويعتبر بقراءة كتب التواريخ والأدب، وأيضاً الكتب الأخرى، وهناك أشرطة في ذكر هذه الكتب في العلوم التي أشرنا إليها، سميت "كيف يبني طالب العلم مكتبته" في خمسة أشرطة موجودة في الأسواق، وفيه اختصار شديد.

والمسألة تحتمل من البسط أكثر من ذلك، وأظن الوقت قرب.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





توقيع أم إبراهيم السلفية
[CENTER] [CENTER][CENTER][B][COLOR=fuchsia][FONT=&quot]وما من كــاتب إلا سيلقى .. .. .. كتابته وإن فنيت يـــداه[/FONT][/COLOR][/B][/CENTER]
[/CENTER]
[CENTER][CENTER][B][COLOR=fuchsia][FONT=&quot]فلا تكتب بحظك غير شيء .. .. .. يسرك في القيامة أن تراه[/FONT][/COLOR][/B][/CENTER]
[/CENTER]
[/CENTER]
أم إبراهيم السلفية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس