عرض مشاركة واحدة
قديم 13-02-08, 10:01 PM   #5
عبد السلام بن إبراهيم الحصين
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: 08-02-2007
المشاركات: 867
عبد السلام بن إبراهيم الحصين is on a distinguished road
افتراضي

إن الكون كله بتقدير الله وتدبيره، ومن هذا الكون القلب الذي خلقه الله في جوف بني آدم وجعله محلا للعبادة والطاعة والمعصية، فهو المحرك للجسد كله.
ولعظيم أمر هذا القلب وأهميته فإن الله تعالى بعث إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من يغسل قلبه في جوفه، ويخرج ما فيه من الأخلاق الرديئة الفاسدة، ويحشو علمًا وحكمة ورحمة..
وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم..
وأما سائر العباد فإن الله تعالى جعل في قلوبهم مادة الخير والشر، وهداهم طريق الحق والهدى، وبين لهم ما يدلهم على الصلاح والفوز والنجاة، ثم ترك لهم حرية الاختيار.
فمن انصاع قلبه لداعي الحق، واستجاب لنداء الصدق، وأيقن بهذه الحجج والبراهين استنار قلبه بالهدى والنور، وأضاء فيه مصباح العلم والإيمان، فأثر ذلك على جوارحه طاعة وإنابة وإقدامًا على الخير وبعدًا عن الشر.
ومن أعرض عن سماع الحق والاستجابة له، وأغلق قلبه عن التفكر في البراهين والحجج أظلم قلبه وانطفأ مصباح العلم والإيمان، فصار ضائعا تائها حائرا، يتثاقل عن الطاعة، ويسرع إلى المعصية.
وكل ذلك ذلك بعلم الله وقدره.
قال تعالى عن إبراهيم: {إذ جاء ربه بقلب سليم}، وقال: {إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين}.
وقال عن أهل الجنة: {هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب}
وقال تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}
فالله جل وعلا خلق لأبي بكر قلبًا كما خلق لسائر الخلق قلوبًا، ولكنه وفقه لاستعماله في اشرف الأمور، فصار قلبه مرآه صافية، وجوهرة نيرة، لم يداخله شك ولا ريب، ولا تردد ولا تلعثم، كلما جاء عن الله شيء، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم بادر بالامتثال، وصدق الله ورسوله بالغيب والشهادة.
وهذا بتوفيق الله جل وعلا، وإلا فلو لا توفيق الله تعالى ما حصل له شيء من ذلك، كما قال تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}، ثم قال بعد ذلك مباشرة: {لقد جاءت رسل ربنا بالحق}
فأخبر أن الهداية من عند الله، ثم إن هذه الهداية إنما كانت استجابة لأمر الرسل، الذين جاءوا بالحق.
وأما من أراد الله إضلاله؛ فإنه يقطع عنه العون والمدد، ويكله إلى نفسه، فيضل ويهلك.
وليس هذا ظلمًا ولا جورا؛ فإن الله تعالى أعلم بحال هذا العبد، وأنه ليس أهلا للهداية، كما قال تعالى: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون، ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم، ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون}، وهؤلاء لا ينفع معهم حتى معاينة العذاب يوم القيامة؛ لأنهم لو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى ما كانوا عليه، قال تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا: يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين، بل بدى لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا وإنهم لكاذبون}.
فالله أعطى كل واحد منا أداوات التعلم، وهداه إلى طريق الحق، وأضاء له السبل، ثم اصطفى من شاء من عباده إلى الاستجابة والطاعة؛ لعلمه بسلامة قلوبهم ورغبتهم في الخير، ثم أثابهم على ذلك ثوابًا جزيلا.
فما أعظمها من رحمة ونعمة ومنة.
والله أعلم.
عبد السلام بن إبراهيم الحصين غير متواجد حالياً