عرض مشاركة واحدة
قديم 01-01-10, 09:58 PM   #5
أم حاتم عبد المحسن
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 26-12-2009
الدولة: الجزائر * برج بعريريج
العمر: 50
المشاركات: 6
أم حاتم عبد المحسن is on a distinguished road
افتراضي

عدت وعادت القصص بجعبتي أتمنى الإستمتاع ةالإقتداء بأخلاق الحبيب الخليل.
بسم الله الرحمن الرحيم (7)
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .
هذه هي القصة السابعة من القصص التي رواها رسول الله  ..
وهذه القصة سمعها ورواها عن سول الله  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  :«إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ . فَيَقُولُ : أَفَلَكَ عُذْرٌ ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ . فَيَقُولُ : بَلَى ، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً ؛ فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ . فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ : احْضُرْ وَزْنَكَ . فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ ؟! فَقَالَ : إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ . فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ –ويجوز بكسر الكاف-، وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ ، فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ . فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ» .
أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان ، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأخرجه أحمد وابن ماجة .
وأقف أولاً مع الألفاظ الغريبة :
معنى سيخلص : يميزه عن سائر الناس ويكون في معزل عنهم .
والسجل الكتاب الكبير .
إنّ أول فائدة تشد الانتباه إليها هي فضل كلمة لا إله إلا الله . هذه الكلمة التي قال عنها نوحٌ عليه السلام لابنه عند موته :" آمرك بلا إله إلا الله ؛ فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجَحت بهم لا إله إلا الله ، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن في حلقة مبهمة فصمتهن لا إله إلا الله".
وعند الحاكم والنسائي في الكبرى يُروى أنّ موسى عليه السلام قال : يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به . قال : يا موسى قل : لا إله إلا الله ، قال : يا رب كل عبادك ، يقول هذا ، قال : قل : لا إله إلا الله ، قال : لا إله إلا أنت يا رب ، إنما أريد شيئا تخصني به ، قال : يا موسى لو أنّ السماوات السبع وعامرهن غيري ، والأرضين السبع في كفة ، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ».
لهذه الكلمة المباركة قام سوق الجنة والنار كما قال العلماء، وسل سيف الجهاد في سبيل الله ، فمن قالها عُصم دمه وماله وحسابه على الله كما صح عن رسول الله  .
يوم القيامة كله في السؤال عنها وعن حقوقها .
ولما كانت هذه الكلمة بتلك الأهمية لم يكن مستغرباً أن أستطرد قليلاً في الحديث عنها .
إنّ خير كلمة تذكر بها ربك : لا إله إلا الله ، قال  :« خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» أخرجه الترمذي ، وله أيضاً :« أَفْضَلُ الذِّكْرِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» .
وفي صحيح البخاري رحمه الله أنّ أَبَا ذَرٍّ  قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ  وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ ، فَقَالَ :«مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» . قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ :«وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ :« وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ » . قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ :«وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ » .
ولا يخفى على المستمع الكريم أنّ دخول الجنة على قسمين :
الأول دخول بدون عذاب .
الثاني : دخول بعذاب .
ولذا فلا ينبغي لأحد أن يتجرأ على ما حرم الله تعالى .
إنّ من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة كما أخبر رسول الله  .
وحتى ينتفع المسلم بهذه الكلمة فينبغي عليه أن يتنبه لسبعة أمور :
1/ عليك أن تعلم أنّ معنى لا إله إلا الله أي : لا معبود بحق إلا الله . فإنّ كثيراً من الآلهة عُبدت بالباطل كما قال تعالى : ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وفي آيةٍ أخرى : هو الباطل  . وكلمة (بحق) لابد من تقديرها، فحذف خبر لا النافية للجنس شائع سائغ ، قال في الألفية :
وشاع في ذا الباب إسقاط الخبرْ إذ المراد مع سقوطه ظهرْ
2/ ينبغي أن لا تشط فيما دلت عليه من إفراد الله بالألوهية ، قال رسول الله  :« أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» [أخرجه مسلم] .
3/ لابد من الإخلاص فيها ، فمن قالها رياءً لم تنفعه ، ففي البخاري حديث رسولنا  :«إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل» ، فمفهوم الحديث أنّ من يخلص لم يحرمه الله على النار ، والله أغنى الشركاء عن الشرك والرياء .
4/ لابد من الصدق حتى ننتفع بها ، أن نقولها بصدق ، فمن قالها نفاقاً لم تقبل منه .
قال أنسُ بْنُ مَالِكٍ : كان معاذ رديف النبي  فقَالَ :«يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ » . قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . قَالَ :«يَا مُعَاذُ » . قَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ . -ثَلَاثًا - قَالَ :«مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» [أخرجه البخاري] .
5/ لابد من محبة هذه الكلمة ومحبة ما دلت عليه .
ففي الصحيحن قال النبي  :« ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» .
ولابد من الانقياد لها وقبولها .
واعلم – وفقك الله لكل خير – أنّه لابد من الكفر بالآلهة التي تعبد من دون الله ؛ لقول النبي  :« مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» [أخرجه مسلم] .
واسمح لي أيها المستمع الكريم أن أطرح سؤالاً قبل أن أغادر هذه الفائدة إلى فائدة أخرى من فوائد هذه القصة .
أرايت لو أنّ إنساناً قال لا إله إلا الله ولكنه يدعو غير الله هل تنفعه لا إله إلا الله ؟
لا أظنك ستقول إلا : لا . لن ينتفع بها .
لماذا ؟
الجواب : قول هذه الكلمة عمل صالح كما لا يخفى ، والأعمال الصالحة تبطل بالشرك ، قال تعالى : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
يا أيها المستمعون .. يا أيها الأحبة في الله .. يا أيها الأكارم، يا ايها الأخوات ..
أرايتم لو كان لأب ابنين ، سليم ومعاق . فسقط قلم الأب ، فطلب إلى الابن المعاق أن يرفعه وترك ابنه السليم ، ا تقولون في هذا . لا شك أنه سفه في العقل .
أرأيتم لو كان المعاق غائباً والسليم حاضراً وطلب إلى المعاق الغائب وترك السليم الحاضر ؟ لا شك أنه أشد سفهاً .
فكيف نترك الله المجيب القريب ونعلق حاجاتنا بغير الله ، وندعوا الأموات الذين لا يسمعون ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم كما قال ربكم ، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ، ولا ينبئك مثل خبير . نسأل الله العافية .
وفي هذه القصة المباركة إثبات البعث والنشور ، والإيمان بذلك من أركان الإيمان بالله .
وفيها كلام الله لعباده يوم القيامة .
وفيها أنّ الله منزه عن الظلم ؛ لكمال عدله سبحانه ، وقد ثبت في الحديث الصحيح أنّ الله قال :" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّماً فلا تظالموا".
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وفي الحديث إثبات الوزن والميزان ، وأنّ له كفتين ، وأنّ الذي يوزن سجل العمل ، وقد دلت بعض النصوص أنّ الذي يوزن العمل ، ودلت كذلك على أن الذي يوزن العامل ، كما في حيث ابن مسعود لما ضحك الصحابة من دقة ساقيه قال لهم رسول الله  :«إنهما في الميزان أثقل من جبل أحد» ، وسواء وزن العمل أم العامل فلا ظلم يخشاه العبد ، إنما هي أعمالنا نجدها عند ربنا ، فلنحرص على أن تثقل موازيننا.
وفي الحديث عظيم رحمة الله تعالى ، وأنّ الله واسع المغفرة .
بقيت مسألة أخيرة ، وهي أنّ كل مسلم يملك هذه البطاقة ولكنه قد لا ينتفع بها ، يقول ابن القيم رحمه الله :" فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب ، فتكون صورة العملين واحدة وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض ، والرجلان يكون مقامهما في الصف واحداً وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض ، وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فتثقل البطاقة وتطيش السجلات فلا يعذب ، ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخل النار بذنوبه ، ولكن السر الذي ثقل بطاقة ذلك الرجل وطاشت لأجله السجلات : لما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات انفردت بطاقته بالثقل . وإذا أردت زيادة الإيضاح لهذا المعنى فانظر إلى ذكر من امتلأ قلبه بمحبتك وذكر من هو معرض عنك هل يكون ذكرهما واحداً ؟ وتأمل ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية وحملته وهو في تلك الحال على أن جعل ينوء بصدره ويعالج سكرات الموت ، وقريب من هذا : ما قام بقلب البغي التي رأت ذلك الكلب وقد اشتد به العطش يأكل الثرى ، فقام بقلبها ما حملها على أن غررت بنفسها في نزول البئر وملء الماء في خفها ، ولم تعبأ بتعرضها للتلف وحملها خفها بفيها وهو ملآن حتى أمكنها الرقي من البئر ، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذى جرت عادة الناس بضربه ، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو منه جزاء ولا شكوراً ؛ فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء ، فغفر لها ، فهكذا الأعمال والعمال عند الله ، والغافل في غفلة من هذا الإكسير الكيماوي الذي إذا وضع منه مثقال ذرة على قناطير من نحاس الأعمال قلبها ذهباً والله المستعان"انتهى كلامه رحمه الله بتصرف يسير.
بسم الله الرحمن الرحيم (8)
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .
القصة الثامنة يريها لنا عن نبينا أبو هريرة  ، قال : قال رسول الله  :«لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ : عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ – ثم ذكر قصة جريج هذا فقال : - وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا ، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً ، فَكَانَ فِيهَا ، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي ؟ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ ، فَانْصَرَفَتْ . فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ : يَا رَبِّ ، أُمِّي وَصَلَاتِي ؟ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ ، فَانْصَرَفَتْ . فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، أُمِّي وَصَلَاتِي ؟ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ ، فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ . فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ ، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا فَقَالَتْ : إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ ؟ قَالَ " فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا ، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَحَمَلَتْ ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ : هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ . فَأَتَوْهُ ، فَاسْتَنْزَلُوهُ ، وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ ، فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ . فَقَالَ : أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ فَجَاءُوا بِهِ . فَقَالَ : دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ ، فَصَلَّى ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ وَقَالَ : يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ ؟ قَالَ : فُلَانٌ الرَّاعِي . قَالَ : فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ ، وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ ، وَقَالُوا : نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ ؟ قَالَ : لَا ، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ فَفَعَلُوا.
أخرجها البخاري في كتاب الجمعة ، باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة .
ومسلم في كتاب البر والصلة ، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها .
ما أعظمَها من قصة .
أول وقفة أقف معها أنّ من الفوائد التي تدفقت من جوانب هذه القصة أنّ العفة من سمات الإيمان .. كيف ذلك ؟ لأن الله قال : إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ، وقد دافع ها هنا عن أهل العفة ، فعُلم أنّ العفة من الإيمان .
لقد دافع الله عنهم في مواطن كثيرة .. أولئك الذين آثروا رضوان الله على شهوات أنفسهم، أولئك سادات عباد الله ، إنهم ملائكة يمشون على ظهر هذه الأرض ، سمت نفوسهم ، ورسخ الإيمان في قلوبهم، فلم تحركهم هذه النزعات الشهوانية ، جعلنا الله من أولئك الأخيار الأطهار .
من العجائب والعجائب جمَّة أن كثيراً من العفيفين اتهم في عرضه :
اتهم جريج كما في هذه القصة ..
اتهمت أمنا عائشة رضي الله عنها ، فقد أشاع المنافقون حديث الإفك ..
اتهم يوسف رمته امرأة العزيز بدائها وانسلت ، قالت لبعلها : ما جزاء من أراد بأهلك سوء !!
اتهمت مريم عليها السلام .
ولكن الله تولى الدفاع عنهم ، فدافع عن جريج العبد الصالح ..
ومن العفيفين الذي دافع الله عنهم : أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ولعنته على من قلاها أو سبها .
لما اتهم الناس عائشة وهي سيدة الطاهرين والطاهرات رضي الله عنها أنزل الله قرآناً يُتلى ؛ دفاعاً عنها ، فقال في ذلك : الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ  .
ولما رمت امرأة العزيز يوسف بقولها : مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .. دافع الله عنه ، فأشهد كل من له تعلق بالقصة ببراءته ..
المرأة المراودة زوج العزيز قالت: أنا راودته عن نفسه ..
زوجها الملك قال : إنه من كيدكن  ، شهد شاهد من أهلها : وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ فبان أنّ الأمر كذلك . النسوة قلن : حاشا لله ما علمنا عليه من سوء . شهد بها الله وكفى بالله شهيداً : كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ . بل شهد ببراءته إبليس عليه اللعنة لما قال : قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ، والله قال عن يوسف عليه السلام : كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ..
منهم مريم عليها السلام ، رماها قومها بالفاحشة ،  قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ، فأنطق الله صبيها في مهده ليدافع عنها كما أنطق الصبي في قصة جريج ، فهاتان كرامتان ، مما يدل على أنّ العفيفين من أولياء الله ، لأن الكرامة أمر خارق للعادة يجريه الله على يد أوليائه . فدافع الله عنها بقوله : وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ، وقال : وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ .
فما أعظمَ دفاعَ الله عن العفيفين .
وكيف لا تكون العفة بهذه المكانة السامية وقد قال النبي  :«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ» .. فهنيئاً لهؤلاء الكرام الذين طهرت نفوسهم ..
من مهمات الفوائد في هذه القصة فائدة أخاطب بها كل والد ووالدة : مهما أساء الابن إليكم ، لا تحاولوا أن تدعوا على أبنائكم ، لا تدعوا إلا بخير، ادعوا لهم بالصلاح والخير والتوفيق . فدعاء الأم والأب مستجاب سواء كان للولد أو عليه . فلا ينبغي في لحظة غضب وساعة انفعال سريعاً ما يزول لا ينبغي أن يُرفع منك دعاء على ولدك ، فإن الله إذا استجاب آلمتكم نفوسكم ، وأنبتكم ضمائركم ، وامتلأت بالأسى قلوبكم ، فلنتعقل أخي الأب وأختي الأم .
من الأحكام المهمة التي اشتملت عليها هذه القصة أن الأب أو الأم إذا نادى على ابنه وكان يصلى نافلة فالواجب عليه أن يلبي نداء والديه . وفي المسألة خلاف يرجع إليه في مظانه ، وهذا هو الصحيح ، وهو وجه في المذهب الشافعي. وقول المالكية.
وهي فائدة تجر بأختها : أنّه إذا تزاحم واجب ومستحب قدم الواجب .
وعلى الابن أن يحذر من غضب والديه ، ففي رواية لهذه القصة :فَغَضِبَتْ فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ لَا يَمُوتَن جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُر فِي وُجُوه الْمُومِسَات» ، فغضب الله في غضب الوالدين ، ورضاؤه في رضائهما ، أما ترى أن هذا الرجل من أولياء الله ، أجرى الله على يديه هذه الكرامة، ولكن لما غضبت أمه عليه لم يمنع صلاحه من استجابة الله لدعائها . ولذا قال الإمام مسلم رحمه الله عند هذا الحديث : باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها .
والمومسة : البغي الزانية . وجمعها مومسات ، و مَوَامِيس .
وفي بداية هذه القصة قال النبي  :« لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ» .. ولا يشكل علينا أنّ من وردت النصوص بأنهم تكلموا في المهد أكثر من ذلك ، فتكلم هذا الصبي ، وعيسى عليه السلام ، والشاهد في قصة يوسف ، وصبي أصحاب الأخدود ،.. أقول : لا إشكال بين هذا وبين قول النبي  :« لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ» ، فإما أن يُحْمَل هذا الحصر عَلَى أَنَّهُ  قَالَ ذَلِكَ قَبْل أَنْ يَعْلَم الزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ كما نقله ابن حجر عن القرطبي رحمهما الله ، أو يقال : الشاهد في قصة يوسف كان كبيراً ، وأما اثر ابن عباس الذي فيه أنه تكلم في المهد فقد حكم ابن حجر عليه بالضعف ، والله أعلم.
من دروسها أنّ الحسد داء عضال ، إن قوم هذا الرجل لما لم يتمكنوا من أن يكونوا مثله فحسدوه ، وحاولوا الإضرار به، وقد قيل :" ودت الزانية أن لو زنى الناس جميعاً ".
لقد أخطأت تلك البغي في تقديرها للأمور ، وحسبت أنّ النزعة الشهوانية البهيمية تسيطر على الناس كلهم كما الحال عندها ، وما علمت أنّ من عباد الله من لا تهون عليه المعصية ولو ضُرب عنقه ومزقت أوصاله .
إنّ جريجاً هذا يذكرنا بفعل الربيع بن خثيم ، فقد حاولت بغي إغراءه في مكان لم يضمَّ غيرَهما، فلم يعبأ بها ، وقال لها في نفسها قولاً بليغاً ، فكان سبباً لتوبتها . إن من عباد الله من يرد امرأة جاءت إليه راغبةً فيه؛ لخوفه من الله ، ومنهم من يسعى بنفسه إلى مقارفة الفواحش ويبذُلُ لذلك كل جهده .. فيا بعد ما بينهما .
إنَّ التبين والتريث والتثبت أمر دلت هذه القصة على أهميته ، ولو كان في قائمة أخلاقهم لما ضُرب جريج ظلماً .. كان الأحرى أن يتبينوا منه قبل أن يقدموا على حماقاتهم هذه . ولقد نزل الوحي على رسول الله  يخبره بما فعل حاطب لما تحرك جيش الإسلام لفتح مكة فاستدعاه وقال له :« ما حملك على ما صنعت» وهو رسول الله يُوحى إليه . إنه لا أحد أحبُّ إليه العذر من الله كما قال رسول الله ،  .
من اللطائف التي تستفاد : أنّ مما يعين على العبادة أن تتخذ لها مكاناً بعيداً عن الناس ؛ لئلا ينشغل المرء بهم .
وفيها إثبات الكرامة وأنها كانت في الأمم السابقة .
وفيها أنّ الكلام في الصلاة لم يكن محرماً عندهم لقول جريج في صلاته : اللهم أمي وصلاتي . ولم يكن حراماً في ديننا في بداية الأمر حتى نزلت الآية : وقوموا لله قانتين .
وفي القصة معنى قوله تعالى عن المنافقين : وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء ، أُخذت من تذاكرهم لعبادة جريج .
وفيها الاستعانة بالصلاة كما قال رب العالمين : وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ؛ فإن جريجاً لما جيء له بالغلام طلب أن يصلي قبل أن يسأله .
وفيها معنى : ويمكرون ويمكر الله 
وفيها أنّ التمسح والتبرك بالصالحين فعل من لا يقتدى بفعله ، فالذين أخذوا في ضربه هم من فعل ذلك ، ألا وإن التبرك بالصالحين ذريعة إلى الشرك وبدعة في الإسلام ، وليس من أحد يتبرك به إلا رسول الله  .
وفيها أنّ الضمان يُؤخذ ولا حرج في ذلك ؛ فقد أمرهم أن يعيدوا صومعته كما كانت .
وفيها حسن خلقه إذ لم يرض منهم أن يشيدوها من الذهب .
وفيها : سوء عاقبة الغضب ؛ فبالغضب دعت أم جريج عليه ، ولذا نهى النبي  عنه .
وفيها أنّ الزِّنا قبيح محرم في جميع الشرائع السابقة .





بسم الله الرحمن الرحيم (9)
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .
هذا هو اللقاء التاسع ، وفيه يكون الحديث عن حادثة سبقت عهد النبي  رواها لأصحابه ؛ ليأخذوا العبرة منها ، وقد خرجها الشيخان في الصحيحين .. ورواها من الصحابة ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي  :« بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » .
هذه رواية البخاري . رواية الإمام مسلم :« بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ ، إِذْ خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» .
وكالعادة لابد أولاً من وقفةٍ لشرح الغريب ..
قوله  من الخيلاء : أي من الكبر ، « خُسِفَ بِهِ»: الخسف : ابتلعته الأرض ، « يَتَجَلْجَلُ»: يغوص في أعماقها ، والْجَلْجَلَة : الحركة في صوت، والمراد : يَسُوخ فِي الْأَرْض مَعَ اِضْطِرَاب شَدِيد وَيَنْدَفِع مِنْ شِقّ إِلَى شِقّ.
«قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ» : «جُمَّته» : بِضَمِّ الْجِيم وَتَشْدِيد الْمِيم : هِيَ مُجْتَمَع الشَّعْر إِذَا تَدَلَّى مِنْ الرَّأْس إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَإِلَى أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يَتَجَاوَز الْأُذُنَيْنِ فَهُوَ الْوَفْرَة .
في هذه القصة النبوية المباركة فوائد :
منها : خطر التكبر ..
وقد نهى الله عنه في عدد من النصوص القرآنية ، قال تعالى :  وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً  أي : متبختراً متكبراً ، وقال : وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ  .
وقد ثبت في صحيح الإمام مسلم قول نبينا  :«لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» . فقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ؟ قَالَ :«إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ : بَطَرُ الْحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ» .
والمتكبر لا يدخل جنة الله .. فقد ثبت عن سيِّد المتواضعين أنه قال :« لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))[مسلم].
والمتكبر مأواه جهنم وساءت مصيراً .. قال  :«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِر» [البخاري ومسلم] ، وقال في الحديث الذي يرويه عن ربه سبحانه :«الكبرياء ردائي والعزة إزاري فمن نازعني فيهما شيئاً أُلقيه في النار» أخرجه الإمام أحمد . فالتكبر من صفات الله وهو له لا يقتضي نقصاً بوجه من الوجوه ، وعليه : فإن صفات الخالق قد تكون كمالاً في المخلوق كالعلم والقدرة ، وقد تكون نقصاً ، فليس كل كمال في الله كمالاً في المخلوق .
واستمع أخي الكريم إلى هذا الحديث ..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  :«احْتَجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ ، فَقَالَتْ هَذِهِ : يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ . وَقَالَتْ هَذِهِ : يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ : أَنْتِ عَذَابِي ، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَقَالَ لِهَذِهِ : أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا» [أخرجه مسلم] .
هل تعلمون أيها المستمعون كيف يُحشر المتكبرون ؟
يخبرك رسول الله  بقوله :« يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ ، يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ» [أخرجه الترمذي] .
وقد ثبت في الحديث أَنَّ أَبَا دُجَانَةَ يَوْمَ أُحُدٍ أَعْلَمَ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ  ، وَهُوَ مُخْتَالٌ فِي مِشْيَتِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّهَا مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إِلا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ» .
يا مظهرَ الكِبر إِعجاباً بصورتِه * انظرْ خلاءكَ إِن النتنَ تَثْريبُ
- لو فكرَ الناسُ فيما في بطونِهمُ * ما استشعرَ الكبرَ شانٌ ولا شيبُ
- هل في ابنِ آدمَ غيرُ الرأسِ مكرمةً * وهو بخمسٍ من الأقذارِ مضروبُ
- أنفٌ يسيلُ وأذنٌ ريحُها سَهِكٌ * والعينُ مرصةً والثغرُ ملعوبُ
- يابنَ الترابِ ومأكولَ الترابِ غداً * أقصرْ فإِنكَ مأكولٌ ومَشْروبُ
من لم يعرف نفسه وتعالى على الناس ينبغي عليه أن يعلم أنّه من نطفة مذرة ، ومآله إلى جيفة قذرة ، وهو في حياته يحمل العذرة .. فعلام التكبر ؟
تتكبر بوظيفتك ؟ بنسبك ، بمالك ، كل هذا لا اعتبار له عند الله ..
أحلام ليل أو كظل زائل إن اللبيب بمثلها لا يخدع
فيا أخي المسلم تحلى بالتواضع ، واطرد عنك أعمال الشيطان من الكبر والاستطالة على الناس ..
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسـه إلى طبقات الجو وهو وضيـع
وهذا الرجل قيل إنه قارون ، فيكون الحديث مطابقاً لقول الله تعالى : فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ، وقيل : غيره ، والعلم عند الله .
وَإِنَّمَا خُصَّ الْإِزَار بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَظْهَر بِهِ الْخُيَلَاء غَالِبًا كما أفاده ابن حجر رحمه الله .
وفي القصة إثبات عقوبة الخسف ، والخسف أن تأخذ الأرض من فيها ، قال تعالى : فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .
وجاء في فتح الباري إشارة إلى لطيفة بقوله :" وَمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْأَرْض لَا تَأْكُل جَسَد هَذَا الرَّجُل فَيُمْكِن أَنْ يُلْغَز بِهِ فَيُقَال : كَافِر لَا يَبْلَى جَسَده بَعْد الْمَوْت" .
جعلنا الله من خير عباده المتواضعين . وأختم مصلياً مسلماً على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،





أستودعكن الله وإلى القصص الموالية إن كان في العمر بقية.
أم حاتم عبد المحسن غير متواجد حالياً