الموضوع: القرآن والحياة
عرض مشاركة واحدة
قديم 13-11-07, 09:00 AM   #1
بداية مشرقة
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي القرآن والحياة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حياكن الله أخواتي

هذه محاضرة مفرغة للشيخ علي بن عمر بادحدح

عنوانها

القرآن والحياة

القرآن الكريم هو أعظم كتاب في الوجود، وله فضائل عديدة، ولقراءته أجور كثيرة، ولحافظه فضل وميزة يقدم بها على غيره، ولقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن غاية الاهتمام، وكذلك كان دأب صحابته والتابعين لهم بإحسان؛ لأنه نزل ليحكم الحياة في كل شئونها، وليكون منهاجاً تسير عليه الأمة.

أهمية الاعتناء بموضوع القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى من اتبع سنته واقتفى أثره وسار على هداه. وبعد:
فهذا درس عنوانه (القرآن والحياة)، حديثنا فيه عن القرآن الكريم المنزل في شهر رمضان، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]. وذلك لبيان صلة القرآن بالحياة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حياة أصحابه وحياة الأمة الإسلامية، سيما في القرون الأولى الفاضلة، وما آلت إليه الأحوال في آخر هذه الأزمان من انفصام بين الحياة وبين تسييرها بكتاب الله عز وجل. ولذلك فإن لهذا الموضوع أهمية كبرى فيما يتعلق بتقويم الإنسان بحياته ومعرفة موقفه من كتاب ربه ومن نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم،

وحتى ننتفع في إيجاز نبدأ بأول عنوان في هذا الموضوع، وذكر بعض ما يتعلق بالقرآن في أول نزوله. نزل القرآن على رسولنا صلى الله عليه وسلم، وفي هذا النزول وفي تلك الطريقة وفيما لابسها وشاكلها وصاحبها دروس وعبر وفوائد تنبهنا على طبيعة هذا القرآن وصلته بالمسلم وتسييره لهذه الحياة.
أخرج البخاري وصفاً لأول مرة نزل فيها جبريل عليه السلام على المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقرآن العظيم عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا السياق عندما نزل عليه جبريل: (قال له: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ؟ قلت: ما أنا بقارئ - أي: لا أعرف القراءة، وليس نفياً أو اعتراضاً- قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: أقرأ؟ قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: أقرأ؟ قلت: ما أنا بقارئ. قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]).
أيها الأخ الكريم! الذي يتبادر إلى الذهن أن أول نزول لهذا القرآن يكون نزولاً لطيفاً هيناً حتى يكون البدء بما هو أسهل، ثم يأتي ما هو أشق منه، ولكننا نرى هذا النزول الأول على المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه هذه الصورة من الشدة ومن التكرار ومن القوة ومن مفاجأة النبي عليه الصلاة والسلام. وكل ذلك تدليل على أن هذا القرآن ونزوله ليس بالأمر الهين ولا بالشيء العارض، وليس هو أمراً أو كلاماً يُتلى أو تُحسن به الأصوات أو يُتخذ للبركة، بل نزل في هذه الشدة ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتلقى وحي الله، وأنه يحمل رسالة الله، وأنه يتلقى أمانة الله عز وجل ليدرك منذ الوهلة الأولى أنه أمام مهمة عظمى وأمام رسالة كبرى. وذلك حتى يتهيأ المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله جل وعلا خاطبه بقوله: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل:5]، فليس الأمر بالأمر الهين ولا بالسهل، إنما هو الأمر الذي قضاه الله عز وجل والنهج الذي أراده وارتضاه للأمة المسلمة وللبشرية جمعاء إلى أن يرث الأرض ومن عليها.
فالكتاب الذي ما ترك فيه الله عز وجل شاردة ولا واردة إلا جاء بها وكان فيها ذكر هو كتاب الله عز وجل القرآن، ولذلك كان هذا النزول في حد ذاته دليلاً وتنبيهاً للمسلمين على أن تلقي هذا القرآن وأن نزوله إلى هذه الدنيا وأن تحمل المصطفى صلى الله عليه وسلم له إنما كان تحمل رسالة ودعوة ومنهج وأمانة حتى يدركوا أنه ليس كما يتصور كثير من الناس أو يتعامل كثير منهم مع كتاب الله عز وجل.

وصف القرآن بأنه روح

عندما ننظر إلى الوصف الأساسي الرئيسي الذي ذكره الله عز وجل عن هذا القرآن وعن طبيعة ارتباطه في الحياة وعن طبيعة دوره في هذه الدنيا نجد قول الله عز وجل: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ [الشورى:52].
فلبيان أثر القرآن في هذه الحياة وصف الله عز وجل القرآن بأنه روح فقال: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) ولا قيمة للأجساد بلا أرواح، فالقرآن هو روح هذه الحياة، وبدونه تفسد الحياة، وبدونه تضل وتموت القلوب، وتنطمس البصائر، وتفسد النفوس، نسأل الله عز وجل السلامة. وكذلك قال الله عز وجل في الآية ذاتها: (ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء) أي: نوراً يبدد الظلمات. فإنه لا قيمة للأجساد بلا أرواح؛ لأنها لا يكون فيها حياة، كما أنه لا قيمة للحياة ولا للقوة إذا لم يكن هناك نور تستضيء به. إن الإنسان إذا كان جسداً هامداً وجثة لا روح فيها لا قيمة له، وإذا كان جسماً حياً متحركاً بقوة وبفتوة ولكنه يسير في الظلماء لاشك أنه يتعثر وأنه تصيبه الكوارث وأنه تعترضه العوارض وهو لا يملك معرفتها ولا كشفها، فضلاً عن أن يملك الحذر أو الواقية منها.
ولذلك هذا القرآن في حقيقته بالنسبة للإنسان المسلم هو روحه التي بين جنبيه، فإذا سلبت منه هذه الروح وإذا نزعت منه آيات القرآن العظيم فحاله كما قال الله عز وجل في وصف الإنسان قبل القرآن وبعده: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ [الأنعام:122] . فهذا القرآن هو حياة القلوب الميتة، وهو طمأنينة النفوس، وهو سكينة القلوب، لذلك جعل الله عز وجل هذا الوصف منبهاً لعظمة هذا القرآن ودوره وأهميته في الحياة. ......

إعجاز القرآن الكريم وبلاغته

ننظر من وجه آخر إلى تعظيم القرآن ولفت الأنظار إليه وربط الناس به عندما جعله الله عز وجل معجزة خالدة ما دامت السماوات والأرض، كما في البخاري من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة).
لقد نزل القرآن في العرب الذين كانوا أرباب الفصاحة وأهل البلاغة وأهل اللسان، فجاء هذا القرآن معجزاً في بلاغته وفصاحته ودقة معانيه وغزارتها، فأعجز الناس عن أن يضاهئوه أو أن يأتوا بمثله، وقد تحداهم الله عز وجل أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله مفتريات أو بسورة واحدة فعجز القوم كلهم.
فهذا الوليد بن المغيرة عندما سمع بعض آيات القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لأعرفكم بالكهان وسجعهم، والسحرة وهمهمتهم، والشعر قريضه ورجزه ومبسوطه، لا والله ما يقول محمد شيئاً من ذلك، إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمغدق، وإن أسفله لمثمر، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه. والحق ما شهدت به الأعداء.
ثم كذلك ننظر إلى معنىً آخر فيما يتعلق بنزول القرآن، وهو معنى يهز القلوب هزاً، وينور البصائر التي تتدبر وتتأمل، فقد جاء من حديث عائشة و ابن عباس في البخاري قالا: (لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشر سنين). ......
بداية مشرقة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس