عرض مشاركة واحدة
قديم 12-02-11, 01:38 AM   #24
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

القبر أول منازل الآخرة

عن هانئ مولى عثمان قال: "كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له تُذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه" صحيح سنن الترمذي.
القبر واحد القبور في الكثرة وأقبر في القلة كما ذكره القرطبي في التذكرة.
واختلف في أول من سن القبر: فقيل الغراب، وقيل بنو إسرائيل وليس بشيء كما في التذكرة.
وفي قول هانئ: "كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى" دليل على مشروعية زيارة القبور، وذلك للاتعاظ وتذكر الموت والآخرة، ففي صحيح سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، وقال: "استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنت ربي أن أزورها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت".
وفي صحيح سنن أبي داوود كذلك قال عليه الصلاة والسلام: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإن في زيارتها تذكرة".
ومما علَّمنا إياه نبينا عليه الصلاة والسلام عند زيارة القبور قولنا: "السلام عليكم دار قوم مسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".
وفي لفظ "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، إنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية".
ومع أن الموت أمر مقطوع به مجمع عليه بين الناس إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام علقه بالمشيئة كما هو ظاهر الحديث، وقد خرج ذلك على مخارج:
أولا: أن معنى ذلك: كما شاء الله، ذكره الداوودي رحمه الله.
ثانيا: إن ذلك من باب الامتثال لا غير لأمر الله تعالى القائل: "وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً، إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ" وعليه فقولنا: (إنا إن شاء الله بكم لاحقون) على سبيل التحقيق لا التعليق.
ثالثا: أن قولنا إنا إن شاء الله بكم لاحقون هذا على الموافاة على الإيمان أي: إن شاء الله سنموت على الإيمان. انظر العلم الهيب في شرح الكلم الطيب للعيني.
والقصد أن زيارة القبور من الأمور المشروعة إذا كانت لتذكر الآخرة والموت والدعاء للنفس وللأموات بالصفح والرحمة دون شد الرحال إليها ودون قول السوء ويستوي في ذلك الرجال والنساء على الصحيح من قولي الفقهاء في حقهن إلا أنهن يمنعن من الإكثار لقوله عليه الصلاة والسلام:" لعن الله زوارات القبور" صحيح كما في الإرواء.
أما إذا قصدت المقبرة للتوسل بالمقبور إلى الله تعالى فهذه زيارة بدعية، أما إذا دُعِي المقبور نفسُه، فيطلب منه مثلا: دفع الضر، وجلب النفع.. فهذه زيارة شركية.
قال الحكمي رحمه الله:
ثم الزيارة على أقسام ... ثلاثة يا أمة الإسلام
فإن نوى الزائر فيما أضمره ... في نفسه تذكرة 0بالآخره
ثم الدعا له وللأموات ... بالعفو والصفح عن الزلات
ولم يكن شد الرحال نحوها ... ولم يقل هجرا كقول السفها
فتلك سنة أتت صريحه ... في السنن المثبتة الصحيحه
أو قصد الدعاء والتوسلا ... بهم إلى الرحمن جل وعلا
فبدعة محدثة ضلاله ... بعيدة عن هدي ذي الرسالة
وإن دعا المقبور نفسه فقد ... أشرك بالله العظيم وجحد
لن يقبل الله تعالى منه ... صرفا ولا عدلا فيعفو عنه
إذ كل ذنب موشك الغفران ... إلا اتخاذ الند للرحمن


قال هانئ: (فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟) أي: تبكي من ذكر القبر، قال المبارك فوري في تحفة الأحوذي: "ولا تبكي: أي: لا تبكي خوفا من دخول النار واشتياقا إلى الجنة".
وهذا دليل على أن الخوف له أسباب يختلف الناس فيها بحسب تعلق قلوبهم بها فمن الناس من يتأثر أكثر بالقبر إذا ذكر، ومنهم بالجنة والنار، ومنهم إذا تذكر الختام، ومنهم إذا استحضر الوقوف بين يدي الله.. انظر مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن القبر أول منزل من منازل الآخرة" وذلك لأن الآخرة منازل كثيرة منها العرض يوم القيامة، ومنها الوقوف عند الميزان، ومنها المرور على الصراط ثم الجنة أو النار، لكن أول هذه المنازل القبر كما يعد القبر هو آخر منازل الدنيا، ولذلك سمي البرزخ كما قال المبارك فوري رحمه الله.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: "فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه"، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه" والمنظر: هو الموضع، وقوله: قط، أي: أبدا، وأفظع منه أي: أشد فظاعة.
وهذا المقطع دليل على إثبات عذاب القبر فهو حق لا ريب فيه ولا شك.
قال تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى".
ذكر ابن القيم في الفوائد أن المعيشة الضنك أكثر ما جاء في تفسيرها أنها عذاب القبر، ونقل ذلك عن ابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم.
وقال تعالى عن آل فرعون: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ".
استدل أهل السنة بهذه الآية على إثبات عذاب القبر وهذا الإمام البخاري رحمه الله قد ذكر الآية في صحيحه في كتاب الجنائز تحت باب: ما جاء في عذاب القبر.
وقال القرطبي رحمه الله في التذكرة عند هذه الآية: "الآية دليل على إثبات عذاب القبر".
وقال تعالى: "وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" وهي دليل بدورها على إثبات عذاب القبر كما أثر عن عبد بن عباس رضي الله عنهما.
وفي الصحيحين من حديث البراء بن عازب المشهور أن المرء يوضع في قبره فيتولى عنه أصحابه، فيسمع قرع نعالهم، فيأتيه الملكان فيقعدانه ويسألانه: من ربك، وما دينك، ومن النبي الذي بعث فيكم، فأما المؤمن فيثبته الله ويجيب الجواب الصواب، فيفسح له في قبره كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "سبعون ذراعا"، وفي رواية "مد البصر"، أما الكافر فيقول لا أدري، فيقولان له: لا دريت، ولا تليت، فيضرب بمطرقة من حديد عند أذنه فيصيح صيحة يسمعها كل من على الأرض إلا الجن والإنس.
ولقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يتعوذ من عذاب القبر كما في الحديث الصحيح، بل صح عنه أنه أمر بالتعوذ من عذاب القبر.
وقال شارح الطحاوية: "إن الأحاديث في عذاب القبر وفتنته متواترة".
وقال القرطبي رحمه الله في التذكرة: "الإيمان بعذاب القبر وفتنته واجب والتصديق به أمر لازم حسب ما أخبر به الصادق صلى الله عليه سلم".
وليعلم أن الأسباب الجالبة لعذاب القبر مجملة ومفصلة كما بسطها ابن القيم في كتابه الروح، أما المجملة فالجهل بالله تعالى، وإضاعة أمره، وعدم اجتناب نهيه، فإن الله تعالى لا يعذب نفسا طائعة له مطمئنة لذكره....
أما المفصلة: فالذنوب والمعاصي كالغيبة، والنميمة، والكذب، وقول الزور، والقول على الله بغير علم، والدعوة إلى البدعة، وأكل الربا، والزنا، وشرب الخمر، وعدم التنزه من البول.. وهكذا.
فعلى العبد أن يكثر من ذكر القبر فهو أول منازل الآخرة، وفي ذلك صحة للقلب وزكاة للنفس ورحمة في القبر.
قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: "من أكثر من ذكر القبر كان له روضة من رياض الجنة، ومن غفل عنه كان له حفرة من حفر النار".
وقال محمد بن السماك ونظر يوما إلى مقبرة: "لا يغرنكم سكون هذه القبور فما أكثر المغمومين فيها، ولا يغرنكم استواء هذه القبور فما أشد تفاوتهم فيها".


أبو أويس الإدريسي



توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس