عرض مشاركة واحدة
قديم 28-03-12, 06:55 PM   #1
الراضية بقضاء ربها
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 15-12-2011
العمر: 12
المشاركات: 2
الراضية بقضاء ربها is on a distinguished road
افتراضي زين العابدين بن الحُسين رضي الله عنه [ صور من حياة التابعين ]

- زين العابدين -


- علي بن الحسين بن علي -






" ما رأيت قرشياً أفضل من علي بن الحسين "


[ الزُهريُّ ]






لقد طُوِيت في ذلك العام الأغَرِّ ( المشرق الطّلعة ) آخر صفحة من صفحات الأكاسرة.




فلقد مات (يَزْدَجُرْد) آخر ملوك الفرس شريداً طريداً...




وسقط أساوِرته ( قادته ) وحرسه , وأهل بيته أَسَارَى فى أيدي المسلمين...




وَسِيقَت الغنائم إلى المدينة المنورة...




وقد كان سبيّ ( ما يستولي عليه المحاربون من النساء والرجال والولدان ) ذلك النصر الكبير كثيراً , وفيراً , ثمنياً، لم تشهد المدينة أكثر منه عدداً ولا أعظم خطراً ( رِفعة مقام وعلو منزلة ) .




وكان بين السبايا بنات (يزدجرد) الثلاث.






***






أقبل الناس على السَّبي فشرَوه في ساعات معدودات، وَرَدُّوا ثمنه إلى بيت مال المسلمين، ولم يبق منه إلا بنات كسرى (يزدجرد)




وكن من أجمل النساء جمالاً...




وأبهاهُنَّ طَلعة




وأنضَرِهِنَّ ( أزهاهنَّ ) شَبَاباً




ولمَّا عُرِضنَ للبيع أطرَقن ( خفضن عيونهن ) إلى الأرض ذلة ومهانة، وفاضت عيونهن حسرة وانكساراً




فَرَقَّ لهنَّ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وتمنى لو شراهُنّ من يحسن القيام عليهن




ولا غرو ( لا عجب ) فالرسول صلوات الله وسلامه عليه يقول:




(ارحموا عزيز قوم ذل).




فمال على عمر بن الخطاب وقال: يا أمير المؤمنين




إن بنات الملوك لا يُعاملن مُعامَلةَ غَيرِهِنَّ




فقال عمر: صدقت، ولكن كيف؟




فقال علي: يقوّمن ( تجعل لهن قيمة محددة ) ، وَيُغالى بأثمانهنَّ، ثم تُترَك لهنَّ الحُريَّة في اختيار من يَشأنَ مِمَّن يدفع الثمن




فارتاح عمر لذلك , ورضى به , وأنفذه




فاختارت أحداهنَّ عبد الله بن عمر بن الخطاب




واختارت الثانية محمد بن أبى بكر الصديق




أما الثالثة وكانت تدعى شاه زِنَانَ , فاختارت الحسين بن علي سِبط ( ابن ابنته ) الرسول صلوات الله وسلامه عليه






***






أسلمت شاه زنان , وحسن إسلامها




ففازت بدين القَيِّمَة ( دينُ الله المستقيم ) , وأُعتقت من الرِّقِ , فصارت زوجة بعد أن كانت أَمَةً ، وظَفِرت بالحرِّيِّة.




ثم إنها رأت أن تقطع كل صِلة لها بِماضِيها الوثنيّ ، فتخلت عن اسمها شاه زنان ومعناه ملكة النساء , وأصبحت تدعى غزالة..




وقد سَعِدَت غزالة بخير الأزواج، وأَليَقِهِم ( أجدرهم وأولاهم ) بِبَنَات الملوك.




ولم يبقَ من أمانيَّها إلا أن تنعم بالولد




فأكرمها الله , فولدت للحسين غلاما وسيم المحيَّا، بهيّ الطلعة، فسمته علياً تَيَمُّناً باسم جده علي بن أبى طالب رضي الله عنه وأرضاه .




لكن فرحة غزالة لم تدم سوى لحظات...




ذلك لأنها لَبَّت نداء ربها إثر حمى نفاس ( حُمى الولادة التي تصيب بعض النساء ) عاجلتها فلم تترك لها فرصة للتمتع بمولودها.





***




وتولت رعاية الصبي الصغير مولاة له فأحبته فوق ما تحب أم ولدها ... ورعته أكثر مما ترعى والدة وحيدها...


فنشأ وهو لا يعرف له أُمَّا غيرها...




***




ما كاد أن يبلغ سن التمييز ( سن الوعي والقدرة على طلب العلم ) , حتى أقبل على طلب العلم بشغف وشوق، وكانت مدرسته الأولى بيته، أكرم به من بيت، وكان مُعلمه الأول والده الحسين بن علي، أعظم به من مُعلِّم.


أما مدرسته الثَّانية , فمسجد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم


وكان المسجد النبوي الشريف – يومئذ - يموج بالبقية الباقية من صحابة الرسول الكريم، ويزخر بالطبقة الأولى من كبار التابعين


وكان هؤلاء وهؤلاء يفتحون قلوبهم لهذه الأكمام ( الغلاف الذي يُحيط بالزهر والورد ) المزدهرة من أبناء الصحابة الكرام فيُقرئونهم كتاب الله عز وجل، ويُفقهونهم فيه


ويروون لهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وَيقِفونَهُم على مراميه ( مقاصده وأهدافه )


ويقصّون عليهم سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ومَغازيه


وينشدونهم شِعر العرب , ويُبَصِّرونهم بِمواطِن جماله ...


ويملأُون قلوبهم الغضّة بِحب اللهِ عزَّ وجلَّ , وخشيتِهِ , وتقواه ...


فإذا هم علماء عاملون , وهُداة مهدِيُّون .




***

لكن علي بن الحسين لم يتعلق قلبه بشيءٍ كما تعلق بكتاب الله عز وجل، ولم تهتز مشاعره لأمرٍ كما كانت تهتزُّ لِوَعدِهِ ( الوعد بما يَسُرُّ ) ووعيده ( بما يخيف )


فإذا قرأ آية فيها ذكر الجنة , طار فؤاده شوقاً إليها


وإذا سَمِعَ آية فيها ذكر النار , زَفَرَ زَفرَةً ( أخرج نفساً طويلاً حاراً - متصعداً ) كأن لهيب جهنم في أحشائِهِ.


وما إن اكتمل علي بن الحسين شباباً وعِلماً , حتى ظفر المجتمع المدني الأمثل بفتًى من أعمق فتيان بني هاشم عبادة وتُقى


وأعظمِهم فَضلاً وخُلُقاً


وأكثرهم إحساناً وبِّراً


وأوسَعِهِم مَعرِفة وعلماً


فلقد بلغ من عبادته وتقواه , أنه كانت تأخذه رَعدةٌ ( هزة تحصل من الإنفعال ) بين وضوئه وصلاته، فتنفض جسده نفضاً



فلما كُلِّمَ فى ذلك قال:


ويحكم!!


كأنكم لا تدرون إلى من أقوم


ولا تعلمون من أريد أن أناجي
***




وقد بلغ من إحسان الفتى الهاشمي لعبادته وإتقانه لشعائره , أن دَعَاه الناس زين العابدين, حتى نسى قومه اسمه أو كادوا، وآثروا ( فضلوا ) لقبه هذا على اسمِهِ


وقد بلغ من إطالته لسجوده واستغراقه فيه أن ناداه أهل المدينة بالسجاد ( المغرق في السجود المُطيل فيه ) .


وقد بلغ من صفاء نفسه ونقاء قلبه أن نعتوه بالزكي (أي الخالص من الذنوب).


وكان زين العابدين رضوان الله عليه يُوقن أن مُخَّ العبادة ( روحها وأعظم ما فيها ) الدُعاء


وكان يطيب له الدعاء أكثر ما يطيب وهو مُتعلِّق بأستار الكعبة


فَلَكَم التزم البيت العتيق وجعل يقول:


ربِّ لقد أذقتني من رحمتك ما أذقتني


وأوليتني ( أسبغت علي وأفضت ) من إنعامَك ما أوليتني


فصِرت أدعوك آمِنا من غير وَجَلٍ ( خوف )


وأسألك مستأنساً من غير خوف


ربِّ إني أتوَسَّل إليك تَوسُّل من اشتدَّت فاقته ( فقره واحتياجه ) إلى رحمتك


وَضعُفت قوته عن أداء حقوقك


فاقبل مني دعاء الغريق الغريب الذي لا يجد لإنقاذه إلا أنت يا أكرم الأكرمين.


الراضية بقضاء ربها غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس