عرض مشاركة واحدة
قديم 30-05-10, 06:37 PM   #1
منى بنت محمد
معلمة بمعهد خديجة
c1 فضل تحفيظ القرآن للأبناء

فضل تحفيظ الأبناء القرآن

الوسائل المعينة للوالدين على تحفيظ أبنائهم القرآن

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، الحمد لله على نعمة الإسلام ، والحمد لله على منة الإيمان ، والحمد لله على الصحة في الأبدان ، والحمد لله على الأمن في الأوطان ، والحمد لله الذي علم القرءان ، خلق الإنسان ، علمه البيان .

أما بعـد :

فإن من نعم الله علينا أن رزقنا بنين وحفدة ، ومنَّ علينا بالصحة والفراغ والجِدة . وكان حق ذلك أن نقابل هذه النعم بالشكر والتقوى ، كما نبه نبي من أنبياء الله قومه، فقال :
وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) الشعراء .
ولم يزل أولياء الله وعباده الصالحون قوامين لله بالقسط فيما استرعاهم الله عليه من هذه الذرية ؛ تربيةً ، وتهذيباً ، وإصلاحاً ، كما قال الأول :

وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه

فحفظ الله سيرتهم تلك في كتابه ، فقال عن أبينا إسماعيل عليه السلام :
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً (55) مريم .

وبما أمر به إسماعيل أمر ابنه محمداً صلى الله عليه وسلم ، فقال :
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) طه .
وأوصى عموم عباده المؤمنين بهذه المسؤولية العظيمة ، فقال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون التحريمَ (6) .

وعن عمرو بن سعيد بن العاص، رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما نحل والدٌ ولده أفضل من أدب حسن رواه الترمذي : رقم (1952)

ومن أجَلِّ ما عني السلف الصالح بتنشئة أولادهم عليه ، حفظ كتاب الله تعالى .
قال الإمام البخاري : باب تعليم الصبيان القرءان . وساق فيه بسنده عن ابن عباس، رضي الله عنهما: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم ) رقم (5035) ، وقوله أيضاً : ( جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فقيل له : وما المحكم ؟ قال : المفصل ) رقم (5036).

وقد دل الحديث على فوائد منها :
1.استحباب البداءة بالمفصل عند تعليم الصغار ، لأنه أسهل عليهم .
2. ينبغي ألا يبلغ عشر سنين إلا وقد حفظ المفصل .

والسن التي يبدأ عندها بتعليم الصغار القرءان : من حين يعقل ويميز ، وذلك ببلوغه سبع سنين . وقد روى ابن أبي شيبة عن عمرو بن شعيب قال : كان الغلام إذا أفصح من بني عبدالمطلب علمه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية سبعاً : وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً الإسراء (111).المصنف:10/556
وروى أيضاً عن إبراهيم النخعي، قال : ( كانوا يكرهون أن يعلموا أولادهم حتى يعقلوا ) المصنف : 5/557.

ولا ريب أن التربية تتطلب قدراً من الجهد والمعاناة من قـِبل الأبوين ، على تفاوت بين الأولاد في ذلك . ومن الأسباب المعينة لهما لبلوغ الغاية المأمولة ، والفرحة المنشودة ما يلي :

أولاً : القدوة الحسنة :

قال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده : ( ليكن أول إصلاحك لولدي، إصلاحك لنفسك ؛ فإن عيونهم معقودة بك ؛ فالحسَن عندهم ما صنعت ، والقبيح عندهم ما تركت ) البيان والتبيين .

ولا ريب أن الطفل الذي يفتح عينيه على أبويه يتلوان القرءان ، آناء الليل وأطراف النهار ، سينشأ معظماً للقرءان ، محباً له ، مستسهلاً ثني ركبتيه في حلق التحفيظ ، متشوفاً للسير على خطى والديه . كما أن رفع المثل العليا ، وضرب الأمثلة بسير النبلاء والصالحين ، والموفقين من أقرانه ، وأترابه، حافز له على التأسي والاقتداء.

ثانياً : التعويد منذ الصغر :

عن الربَيِّع بنت معوذ، رضي الله عنها، قالت : ( أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم، قالت : فكنا نصومه بعد ، ونصوم صبياننا ، ونجعل لهم اللعبة من العهن ؛ فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك ، حتى يكون عند الإفطار ) متفق عليه .

وقال ابن مسعود، رضي الله عنه : ( حافظوا على أبنائكم في الصلاة ، ثم تعودوا الخير ؛ فإن الخير بالعادة ) رواه البيهقي، وعبدالرزاق، وابن أبي الدنيا، وابن أبي شيبة .

ثالثاً : السياسة الحسنة :

جاء في كلام عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده : ( وعلمهم كتاب الله ، ولا تكرههم عليه فيملوه ولا تتركهم منه فيهجروه ) البيان والتبيين .

فعلى المربي الحكيم أن يلحظ نفسية الناشئ ، وما يقع لها من إقبال وإدبار ، وانبساط وانقباض فيستغل حال نشاطه ، ويخفف عنه حال تبرمه وفتوره . ومن ذلك أن يتيح له ما يكفيه للترويح ، والتلذذ بمباهج الطفولة ، وأشواق الشباب ، ولا يحمله على عزائم الكبار ، فإن لكل زمان لبوساً .

رابعاً : الحوافز التشجيعية :

عن أبي خبيب الكرابيسي ، رحمه الله ، قال : كان معنا ابن لأيوب السختياني ، في الكُتَّاب، فحذق الصبي ، فأتينا منزلهم ، فوضع له منبر ، فخطب عليه، ونهبوا علينا الجوز ، وأيوب قائم على الباب ، يقول لنا : ادخلوا ، وهو خاص لنا .

وقال يونس : حذق ابن لعبد الله بن الحسن، فقال عبد الله : إن فلاناً قد حذق ، فقال الحسن ، رضي الله عنه : كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزوراً ، وصنعوا طعاماً للناس ) رواه ابن أبي الدنيا .

عن النضر بن شميل، قال : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول : قال لي أبي : يا بني ! اطلب الحديث؛ فكلما سمعت حديثاً وحفظته ، فلك درهم، فطلبت الحديث على هذا)

وهذه الآثار، وأمثالها ، تدل على أن الاحتفاء بالحفاظ ، وتكريم أهل القرءان ، من الصغار ، طريقة إسلامية ، وعادة سلفية ، درج عليها المسلمون منذ عهودهم الأولى ، ورصدوا لها الجوائز التشجيعية ، والحوافز المادية والمعنوية ، ولم يروا ذلك ، كما يدعيه بعض الناس ، قادحاً في النية أو مناقضاً لحسن التربية . والله أعلم .

خامساً : الدعاء لهم :

قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) ، وعنه أيضاً : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء ) إبراهيمِ (40) ، وكذلك قوله : ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ (100) الصافات .

وقال عن زكريا عليه السلام : ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً )
(6) مريم.

وقال عن عباد الرحمن : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً )
(74 ) الفرقان .

وكثير من الآباء والأمهات يغفل عن هذا الباب ، وتستغرقه مُجريات الحياة ، فيسعى لاهثاً في توفير الأسباب المادية لرفع مستوى أبنائه ، وينسى أمر الدعاء ، مع عظيم أثره . بل ، إن من الآباء والأمهات الحمقى من يفعل العكس ! فإذا غضب على أحد من أولاده ، دعا عليه غير آبه ! فربما استجيبت دعوته ، فشقي بها الولد والوالد.

سادساً : انتخاب الرفقة الصالحة ، وتجنيبهم رفقة السوء :

ما سمي الإنسان إنساناً ، إلا لميله إلى المؤانسة والخلطة والاجتماع ، فهو مدني بطبعه ، كما يقال . ولما كان الأمر كذلك ، كان ينبغي للمربي الحكيم أن لا يدع أمر الرفقة متروكاً للظروف ، بل عليه أن يسعى جاهداً لإحاطة ولده برفقة صالحة ، وبيئة نقيه ، يتنفس من خلالها الطهر والنقاء والسمت والأدب ، وأن يجنبه رفقة السوء من البطالين والعابثين . ولعل خير وسط يترعرع فيه الناشئ حلق القرءان ، في أكناف المساجد ، مأوى الملائكة ، ومتعلق قلوب الصالحين . قال الإمام الذهبي ، رحمه الله : (قد ثبت بقول المصطفى صلوات الله عليه :" أفضلكم من تعلم القرءان وعلمه" يا سبحان الله! وهل محل أفضل من المسجد ؟ وهل نشر العلم يقارب تعليم القرءان ؟ كلا، والله ! وهل طلبة خير من الصبيان الذين لم يعملوا الذنوب ) السير:6/396
جزى الله صاحب المقال خيرا

التعديل الأخير تم بواسطة إشراف الأقسام العامة ; 31-05-10 الساعة 10:56 AM سبب آخر: تصحيح إملائي
منى بنت محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس