عرض مشاركة واحدة
قديم 16-01-10, 11:52 AM   #6
أم حاتم عبد المحسن
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 26-12-2009
الدولة: الجزائر * برج بعريريج
العمر: 50
المشاركات: 6
أم حاتم عبد المحسن is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم (10)
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .
هذه هي القصة العاشرة من القصص التي حدث بها سيدنا ونبينا محمد  ، وتختلف عن سابقاتها بكون النبي  رواها عن صحابيٍّ وهو تميم الداري .. فقد ثبت في صحيح مسلم عن فاطمةَ بنت ِقيس قالت : سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي ، مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ  يُنَادِي : الصَّلَاةَ جَامِعَةً . فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ،فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ  صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ :((لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ))، ثُمَّ قَالَ:((أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ))؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ :((إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ ، فَلَعِبَ بِهِمْ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . قَالُوا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ : أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ . قَالَ : لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً . قَالَ : فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا ، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ . قُلْنَا : وَيْلَكَ مَا أَنْتَ ؟ قَالَ قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا ، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقُلْنَا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . قُلْنَا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟ قَالَتْ : اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ . فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً . فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ ؟ قُلْنَا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ ؟ قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ . قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ . قُلْنَا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : هَلْ فِيهَا مَاءٌ ؟ قَالُوا : هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ . قَالَ : أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ . قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ . قَالُوا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ ؟ قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا . قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ ؟ قَالُوا : قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ . قَالَ : أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ . قَالَ لَهُمْ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا - قَالَ رَسُولُ َ وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ - : هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ- يَعْنِي الْمَدِينَةَ - أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ))؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ . قال :((فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنْ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ )) .
لفظ المسيح من الأضداد ، يُطلق على الصِّدِّيق والضِّليل ، وسُمِّي المسيح مسيحاً لأنه ممسوحُ العين كما ثبت في حديث نبي الله  .
وصفة المسيح الدجال بينها النبي  في أحاديث كثيرةٍ في الصحيحين وفي غيرهما ، فبين النبي  أنَّ شعره قَطَطٌ يعني شديد الجعودة)، غزير ، وأنه شاب أحمر جسيم ، قصير ، أجلى الجبهة قد انحسر شعره عن مقدَّمة رأسه ، عريض النَّحر))، فيه دَفَأ يعني انحناء ، أعور العين اليمنى كأنها عنبة بارزة ، وأعور اليسرىكما عند مسلمٍ ، ولكنَّ العور في اليمنى أظهر ، مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤها الكاتب وغير الكاتب . كل ذلك في سنة رسولنا  ، وبين النبي  ذلك لئلا يغتر الناس به ، وليعلموا إذا خرج عليهم أنه الدجال الذي حذر منه .
من أين يخرج الدجال ؟
قال  :«الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ)) [أخرجه أحمد] ، وفي المسند أيضاً قول نبينا  :«يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ التِّيجَانُ».
فمن أتباعه ؟
أتباعه اليهود . قال  :(( يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمْ الطَّيَالِسَةُ» [أخرجه مسلم] ، وكثير من أتباعه من النساء ، يقول نبينا  في ذلك :(( يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ َإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا ؛ مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ )) [خرجه الإمام أحمد] .
فكيف يفتن الناس ؟
صح في الحديث قول النبي  :« مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ» ، ومن فتنته أن يأمر الأرض فتخرج كنوزها ، ويمر على القوم يؤمنون به فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، ويمر على من يردون قوله ويكذبون حديثه فيصيبهم القحط ؛ ابتلاء واختباراً من الله تعالى ، ومن فتنته ما جاء في خبر الصادق المصدق المصدوق  عند مسلم :(( ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ» .
كم يلبث المسيح الدجال في الأرض ؟
سؤال سأله الصحابة للنبي  فكانت الإجابة ((أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ)) فقالوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ :((لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ))[خرجه مسلم] .
فكيف يتقي المسلم هذه الفتنة ؟
تُتقى بأمور :
الأول : بتصحيح المعتقد في الله . فمن علم أسماء الله وصفاته علم أن لله عينين وأنه ليس بأعور والدجال أعور ، وعلم أن الله تعالى لا يأكل ولا يشرب والدجال يأكل ويشرب ، والله لا يُرى في الدنيا والدجال يُرى .
الثاني : بالاستقامة على دين الله وسلوك سبيل الصالحين ، فإن النبي  قال:(( إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)) [مسلم] أي : والله يتولى المسلم ، والمسلم الذي يحظى بحفظ الله هو الصالح ، قال تعالى : وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ . وقد ثبت في سنن ابن ماجه أنَّ شاباً صالحاً لا يقدر الدجال على زعزعة إيمانه بشبهاته ، قال  :((وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يُسَلَّطَ عَلَى نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَيَقْتُلَهَا وَيَنْشُرَهَا بِالْمِنْشَارِ حَتَّى يُلْقَى شِقَّتَيْنِ ثُمَّ يَقُولَ : انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا، فَإِنِّي أَبْعَثُهُ الْآنَ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رَبًّا غَيْرِي . فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ وَيَقُولُ لَهُ الْخَبِيثُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللَّهُ ، وَأَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ ، أَنْتَ الدَّجَّالُ ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ بَعْدُ أَشَدَّ بَصِيرَةً بِكَ مِنِّي الْيَوْمَ)) إن الإيمان إذا تمكن من القلب لهو أرسخ فيها من رسوخ الجبال في الأرض .
الثالث : أن يُتعوَّذ بالله بعد التشهد في الصلاة من فتنته ، قال  :(( إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)) [البخاري ومسلم] .
الرابع : حفظ عشر آيات من أول الكهف . لقول النبي  :((مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ)) وفي راوية ((من آخر)) وهما في صحيح مسلم، وله أيضاً قول النبي  :((من أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف)) ، وحري بالمسلم أن يحفظ هذه السورة كلها ويرددها كل جمعة ؛ لقول النبي  :((إن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)) [الحاكم] .
الخامس : الفرار منه ؛ لقول النبي  :(( مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ)) [أحمد وأبو داود] .
فكيف يهلك الدجال ؟ وكيف موته ؟
هلاك الدجال على يد عيسى ابن مريم عليه السلام عند باب لد ، فإذا قُتل خنس أتباعه من اليهود ، فاختبئوا وراء الحجر والشجر فيُنطق الله الحجر والشجر . قال  :(( فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ الدَّجَّالُ- أي إلى عيسى - ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا ، وَيَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةً لَنْ تَسْبِقَنِي بِهَا فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ اللُّدِّ الشَّرْقِيِّ ، فَيَقْتُلُهُ ، فَيَهْزِمُ اللَّهُ الْيَهُودَ فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِيٌّ إِلَّا أَنْطَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَا حَجَرَ وَلَا شَجَرَ وَلَا حَائِطَ وَلَا دَابَّةَ ، إِلَّا الْغَرْقَدَةَ فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ لَا تَنْطِقُ ، إِلَّا قَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ الْمُسْلِمَ هَذَا يَهُودِيٌّ فَتَعَالَ اقْتُلْهُ)) [مسلم] .
نسأل الله أن يقر أعيننا بجهاد اليهود .


بسم الله الرحمن الرحيم (11)
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .
هذا هو اللقاء الحادي عشر نلتقي فيه وإياكم بالصحابي الجليل أبي هريرة  ليحدثنا عن قصة غابرةٍ رواها عن سيد الأنام رسولِنا عليه الصلاة والسلام يقول فيها :« كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ ، فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ : أَقْصِرْ . فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ : أَقْصِرْ . فَقَالَ : خَلِّنِي وَرَبِّي ، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ، أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ . فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا ، فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَقَالَ لِهَذَا : الْمُجْتَهِدِ أَكُنْتَ بِي عَالِمًا ؟ أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا ؟ وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي . وَقَالَ لِلْآخَرِ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ » .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ .
حديث صحيح أخرجه أحمد في مسنده وأبو دود في سننه .
قول رسولنا  :« مُتَوَاخِيَيْنِ» : أَيْ مُتَقَابِلَيْنِ فِي الْقَصْد وَالسَّعْي ، فَهَذَا كَانَ قَاصِدًا وَسَاعِيًا فِي الْخَيْر ، وَهَذَا كَانَ قَاصِدًا وَسَاعِيًا فِي الشَّرّ .
من فوائد هذه القصة :
أنّ الناس قسمان ، منهم من يسلك طريق عبادة الله ، ومنهم من يؤثر جانب الغفلة ، قال سبحانه : إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان3] .
ومما أوضحته القصة : سوءُ عاقبة الغضب .. فإن المجتهد لم يقل ما قاله إلا بالغضب ، ولذا حذر منه رسول الله  تحذيراً مؤكَّداً ، فلقد جاء إليه رجل فقال : َ أَوْصِنِي . قَالَ : «لَا تَغْضَبْ» . فَرَدَّدَ مِرَارًا ، قَالَ :«لَا تَغْضَبْ» ، لم يزد رسول الله  على قوله : لا تغضب . ولم يغضب النبي  لنفسه ، إلا إذا انتهكت حرمات لله غضب لله ، وكان من دعائه :« اللهم إني أسألك كَلِمَة الحقِّ في الغضب والرِّضا» . قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم معلقاً على هذه الدعوة :" وهذا عزيز جداً ، وهو أنَّ الإنسان لا يقول سوى الحقِّ سواءٌ غَضِبَ أو رضي ، فإنَّ أكثرَ الناس إذا غَضِبَ لا يَتوقَّفُ فيما يقول ". وهذه القصة مما تؤكد قوله ولذا جاء بها بعد كلامه هذا .
وتشبه هذه القصة ما حدث به رسول الله  في صحيح الإمام مسلم :« أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ . وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» .
وفي القصة أنّ الله غفر للمقصر بدون توبة ، قال الإمام النووي رحمه الله :" وَفِيهِ دَلَالَة لِمَذْهَبِ أَهْل السُّنَّة فِي غُفْرَان الذُّنُوب بِلَا تَوْبَة إِذَا شَاءَ اللَّه غُفْرَانهَا ". فعقيدتنا : أنّ كل ذنب سوى الشرك فهو تحت المشيئة ، إن شاء الله عفا عنه ، وإن شاء أخذ به ، أما الشرك فقد سبقت فيه كلمة الله : إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء .
ولو نظرنا إلى القصة بعين التأمل لوجدنا أنّ كثرة العبادة تورث تعظيم الله ، كما سبقت الإشارة إليه في قصة من قتل مائة نفس .
ولعلّ كلام المقصر للعابد : خَلِّنِي وَرَبِّي ، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا . يدل على أنّ الإنكار كان بنوع من الشدة ، ومما يقوي هذا الاحتمال حدتُه التي فاحت رائحتها لما قال : وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ .
ومما لا ريب فيه أنّ مما يمنع من هذا التألي على الله أن يمتلأ القلب حال إنكار المنكر بالشفقة على المذنبين ، وأن ينظر المرء إليهم بعين الرحمة كما هو حال سيد المرسلين ، فلقد قال له رب العالمين : لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء: 3] ، وتكرر هذا المعنى في القرآن في مواضع: قال تعالى : وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ [الحجر: 88] وفي الكهف: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً [الكهف: 6]. وفي فاطر: فَلاتَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر: 8]. وفي النحل: إن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن يُضِلّ [النحل: 37]. إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على كمال شفقته  على الأمة ، ومحبته لإسلامهم ، وشدة حرصه على هدايتهم .
فمتى ما امتلأ قلب المنكِر بذلك كان مانعاً من التلفظ بهذه العبارات التي تُسخِطُ الله تعالى .
إنّ القصة كما دلت على سعة رحمة الله وعظيم مغفرته دلت على أنّه قد يأخذ بالذنب ولو لم يكن شركاً ، فلقد غفر للمقصر ، وعاقب المجتهد بكلمة دون الشرك به ، ولذا نعت سبحانه نفسه بقوله : نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ .. ألا .. فلا ينبغي لأحد أن يتكل على رحمة الله ويدعَ العمل ، سدِّد ، وقارب ، واستقم ، ثم أحسن الظن بربك ، فإن المؤمن قد جمع خوفاً وإحساناً ، والمنافق قد جمع أمناً وإساءةً .
إنّ هذه القصة لتحذرنا من أن نقحم أنفسنا بين الله وعباده ، وأن ننصبها حكماً على عباد الله ، فالله هو الذي يحكم بين عباده ، وهذا من رحمته بنا ، فلو وكل الله أمرنا إلى غيره لهو الهلاك بعينه .
إنّ من أجل الدروس في هذه القصة أنْ يحذرَ الإنسان من لسانه ، قال أبو هريرة  : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ .
وقد كثرت النصوص التي تأمر بحفظ هذه الجارحة ..
قال تعالى : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتيدٌ [ ق : 18 ] .
وفي الحديث المتفق على صحته يقول نبينا  :« مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ » . وقال :«منْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ» ، وقال لمعاذ :«كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا» . وأمسك بلسان نفسه ، فقال معاذ : يَا رسولَ الله وإنَّا لَمُؤاخَذُونَ بما نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فقالَ : «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ – وهي كلمة كانت العرب تقولها ولا تريد معناها- !قال :«وَهَلْ يَكُبُّ الناسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» [رواه الترمذي] .
وفي البخاري قال  :«إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ الله تَعَالَى مَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجاتٍ ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلَمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ تَعَالَى لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ » . وعن أَبي سعيد الخدري  ، عن النبيِّ  قَالَ : « إِذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تَكْفُرُ اللِّسانَ ، تَقُولُ : اتَّقِ اللهَ فِينَا ، فَإنَّما نَحنُ بِكَ ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا )) [رواه الترمذي]. تكفر اللسان : أيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ لَهُ.
قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين :" اعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَماً ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ ، لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ".
وفي القصة أنّ الأعمال بالخواتيم ، وفيها معنى ما قاله سيد النبيين  :« إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» .


بسم الله الرحمن الرحيم (12)
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعدَ الله أوقاتكم بكل خير .
هذا هو اللقاء الثاني عشر ، وقصة اليوم هي قصة الإسراء والمعراج ، ولكني سأقف مع عبرها دون سرد أحداثها ، لأن وقتَ هذا البرنامج لا يفي لسرد وقائعها ، وهي معلومة لدى الجميع .
هذه الآية التي أيّد الله بها نبيه  اشتملت على دروس عديدة .. منها :
أولاً :كان الإسراء بالنبي  إلى بيت المقدس ، والحكمة في ذلك والعلم عند الله أنّ الأنبياء السابقين كان بيت المقدس مهاجرهم ، فأسري برسول الله  إليه ليُجمع له بين أشتاتا الفضائل .
ثانياً : كان الذهاب بالنبي  إلى بيت المقدس ليلاً لأنه زمن يأنس فيه المسلم بالله منقطعاً عن الدنيا وشواغلها.
ثالثاً : اختلف العلماء في تأريخ الإسراء والمعراج اختلافاً عظيماً ، فذكر السيوطي –رحمه الله- في مصنفه الآية الكبرى في شرح قصة الإسرا لذلك خمسة عشر قولاً .
وهذه فائدة تتفرع عنها الفائدة التالية ، وهي الرابعة :
أنه لا يُشرع للإنسان أن يخصَّ ليلة المعراج بقيام من بين الليالي ، ولا نهارها بصيام من بين الأيام ؛ إذ لو كان ذلك من الشرع في شيء لما اختُلف في تحديدها هذا الاختلاف ، إذ كيف تُشرع عبادة في ليلة لا نصَّ في تحديدها ألبتة ، وإنما هي أقوال دون إثباتها خرط القتاد !! قال ابن رجب الحنبلي :" و أما الإسراء فقيل : كان في رجب ، و ضعفه غير واحد".
ويجب علينا أيها الأحبة في الله أن نُفرِّق بين فعل العبادة ، وبين تخصيصها بزمان أو مكان ، فالذي اعتاد أن يصوم صوماً لو وافق صومه ليلة المعراج –لو فرضنا أنَّ تأريخها معلوم- فله أن يصومها ، لا لكونها ليلة المعراج ، وإنما لكون صومه وافق ذلك . وهكذا قل في شأن القيام . أما أن يخص الإنسان ليلةً أو يوماً بقيام أو صيام لم يدل الشرع على تخصيصها فهذا مما لا يُشرع . ومن الأدلة على التفريق بين فعل العبادة وبين تخصيصها بزمانٍ أو مكان قول النبي  عند مسلم:(( لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي ، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ )). فالنبي  لا ينهى عن عبادة الصيام والقيام ، وإنما ينهى عن تخصيص العبادة بيوم لم يشهد له الشرع باعتبار ، ونحن لا ننهى عن الصيام والقيام، وإنما ننهى عن تخصيص ليلة السابع والعشرين من شهر رجب بذلك .
خامساً : أخبر النبي  أنّ الإسراء به كان بالبراق ، وهو دون الحمار ، يضع حافره عند منتهى طرفه ، وأخبر في صحيح مسلم بأن قريشاً كذبته ، وهذان أمران دالان على أنّ الإسراء والمعراج كان بجسد رسول الله  لا بروحه فقط ، وإلا لما احتاج غلى ركوب البراق ، ولا تنكر عقول المشركين أن الروح تجوب الآفاق في ساعة من زمان .
سادساً :أن أفضلَ الأنبياء نبيُّنا  ؛ لأنه تقدم عليهم وصلَّى بهم ، وبلغ في المعراج مبلغاً لم يبلغه أحد منهم. وهذا مما لا ينازع فيه أحد .
سابعاً : بعض الناس –هداهم الله- يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج ، وقد اصطلحوا على أنَّها ليلة السابع والعشرين من رجب ! وفي تقديري أنه لو كان لابد من إبداء المشاعر لكان إبداء مشاعر الحزن أولى من إظهار الابتهاج والفرح ؛ ذلك لأن النبي  أُسري به إلى بيت المقدس .. فأين بيت المقدس الآن ؟؟ ثم إنَّا نستسمح المحتفلين أن نسألَ سؤالاً : هل احتفل النبي  وأصحابه بهذا الليلة ؟؟ فإن قالوا : نعم . قلنا :  هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . وإن قالوا : لا . قلنا : ((أحسن الهدي هدي محمدٍ » . فليسعْنا ما وسِع رسولَ الله  وأصحابَه .
ثامناً : لقي النبي  في السماء الأولى : آدم ، وفي الثانية : عيسى ويحيى ، وفي الثالثة : يوسف ، وفي الرابعة: إدريس ، وفي الخامسة : هارون ، وفي السادسة : موسى ، وفي السابعة : إبراهيم –عليهم صلوات الله وتسليماته- كما صحّ عنه  عندما حدث أصحابه بتفاصيل هذه القصة .
والحكمة في اختيار هؤلاء الأنبياء –والله أعلم- أنه بمقابلة آدم –عليه السلام- يتذكر أنه أُخرج من موطنه وعاد إليه ، فيتسلى بذلك إذا أخرجه قومه من موطنه . وأما عيسى ويحيى –عليهما السلام- فلما لاقاهما من شدة عداوة اليهود ، وهذا أمر سيلقاه النبي في مدينته . وأما يوسف فلما أصابه من ظلم إخوته له ، فصبر عليهم ، وقد طَرد أهلُ مكة النبيَّ  وأرادوا قتله. وأما إدريس فلرفعة مكانه التي تشحذ الهمة لنيل أعلى الدرجات عند رب السماوات . وأما هارون فلأن قومه عادوه ثم عادوا لمحبته . وأما موسى فلشدة ما أُوذي به من قومه ، حتى إن نبينا  قال في ذلك :((يَرْحَمُ اللَّهُ أَخِي مُوسَى ؛ قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)) . وفي ملاقاة إبراهيم –عليه السلام- في آخر السماوات مسنداً ظهره للبيت المعمور إشعار بأنه  سيختم عمره الشريف بحج البيت العتيق .
تاسعاً : وفي قصة المعراج أنَّ جبريل كان يستفتح أبواب السماء ، فيقال له : "من"؟ فيقول :"جبريل". ففيه دليل على أنَّ المستأذن إذا قيل له : من ؟ سمَّى نفسه بما يُعرفُ به ، ولا يقول : أنا . لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتيت النبي  في دين كان على أبي فدققت الباب ، فقال :((من ذا)) ؟ فقلت : أنا . فقال :((أنا أنا))!! كأنه كرهها .
تاسعاً : حديث المعراج دليل من مئات الأدلة التي تدل على علو الله تعالى على جميع مخلوقاته ؛ فقد رأى النبي حجابه بعد السماء السابعة .
عاشراً : وجد النبي  أبواب السماء مغلقة وكانت تُفتح لهما ، وفي هذا من الإكرام له ما لا يخفى ؛ "لأنه لو رآها مفتحة لظنَّ أنَّها كذلك " .
حادي عشر : تعلمنا منها سوء عاقبة الغيبة ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  :((لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ )).
ثاني عشر : الحادثة بجملتها فيها تسلية للنبي  بعدما امتلأت جوانب حياته بسحائب الكآبة والأحزان ، فكانت هذه الحادثة التي اضمحلت أمامها تلال الغموم الناتجة من ازدراء قومه له وتكذيبهم به . إنَّ المرء إذا أراد أن يُقنع الناس بمبدأ معينٍ وتصدى أهله وعشيرته لتكذيبه والنيل منه بسبب ذلك واجه من الأحزان قدراً لا يحيط به إلا الله تعالى ؛ لأن باقي الناس ممن ليسوا بأهله أولى بتكذيبه واستهجان طرحه ..
وظلمُ ذوي القربى أشد مضاضةً على المرء من وقع الحسام المهنَّد
ومن هذا يُستفاد : أن مع العسر يسراً ، وأن من الضيق فرجاً ، وبالشدة رخاءً.
ومن دروسها عظيم مكانة الصلاة فإن الله فرضها بلا واسطة ، وبركة النصيحة ، فبنصيحة موسى خففها الله غلى خمسين صلاة .
وختام هذه الوقفات : أنَّ الله تعالى كلَّم نبينا  كما كلَّم موسى عليه السلام ، والذي يقف على الخصائص المحمدية –على صاحبها أزكى صلاة وأتم سلام- يعلم أنه ما من نبي أيده الله بآية إلا وأيد نبينا  بمثلها أو أفضل منها. لقد ايد الله سليمان عليه السلام بما قال حكاية عنه : علمنا منطق الطير ، ولقد علم تكلم بعير مع رسول الله  وشكا إليه قلة العلف وكثرة العمل . وزادج على سليمان عليه السلام أن الله أنطق الجماد له ، فقد قال عليه الصلاة والسلام :« إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ»، وحنّ الجذع إليه ولم يسكن إلا بعدما التزمه رسول الله  .
فاعرفوا قدر نبيكم ، وسلوا الله الاجتماع به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
أكتفي بهذا القدر ، وأترككم في حفظ الله، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

والى القصص الاخرى باذن الله عز وجل ثناءه.
أم حاتم عبد المحسن غير متواجد حالياً