عرض مشاركة واحدة
قديم 21-04-15, 02:53 AM   #9
فاطمة سالم
|علم وعمل، صبر ودعوة|
|طالبة في المستوى الثاني1 بمعهد لعلوم الشرعية|
افتراضي

[frame="10 10"]
الدرس الثــــــامن


بسم الله الرحمن الرَّحيم


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فوصلنا عند قول المصنف – رحمه الله- الأمانة العلمية .

قال -رحمه الله- : (يجب على طالب العلم فائق التحلي بالأمانة العلمية في الطلب والتحمل والبلاغ والأداء.)

ذكر المصنف -رحمه الله- خمسة أمور حث على الالتزام بالأمانة فيها:
- أولها : الطلب : اطلب العلم عند عالم أو طالب علم متقدم عليك يعرف مفاتيح العلوم ويُصور لك المسائل تصويراً صحيحاً.
- ثانيا: التحمل يعني في أخذ المعلومة عن الشيخ فبعض الطلبة يتكاسل و لا ينتبه و لا يأخذ الصورة الكاملة من الشيخ وهذه ليست من الأمانة.
- الثالث: العمل فمن الأمانة أن يعمل الطالب بما علم.
- الرابع: البلاغ : بأن يُبلغ ما تعلمه بالحكمة والموعظة الحسنة.
- وخامساً: الأداء ويشمل شيئين:
1- أداء ما تعلمه دون زيادة أو نقصان .
2- وكذلك نسبته إلى صاحبه .
وهذا يسمون فاقدها بالسارق الذي يسوق الفوائد و اللطائف والاستنباطات دون عزوها لأصحابها ،يسمون هذه "سرقة علمية". والمقصود بالعزو: يعني في الأمور غير المشهورة أما الأمور المشهورة جداً فلا يشترط فيها العزو مثل قولك : صلاة الظهر واجبة بالإجماع هذا مثلا لا يحتاج إلى عزو وإلا فستصبح ثلاثة أرباع الكتب عزوا.

قال- رحمه الله -: (كن أمينا فيما تروي وتصف فلا تروِ ما لا تسمع ولا تصف مالم تعلم .)
من أسباب عدم الأمانة العلمية: عدم تجرد الناقد للحق فلا يذكر كل القائلين ولا يذكر جميع حججهم وهناك أسباب أخرى يطول ذكرها.
قال- رحمه الله- (الصدق: تعلم رحمك الله الصدق قبل أن تتعلم العلم) .هذه الصفة من أعظم الصفات بل قدمها الله جل وعلا فجعلها بعد النبيين مباشرةً ،قال تعالى : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا }.
وصاحب الصدق أكثر الناس طمأنينة "فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة" كما رُوي، ومن جرب وجد.
قال -رحمه الله- : (والصدق إلقاء الكلام على وجه مطابق للواقع والاعتقاد). هذا تعريف الصدق ،و مطابق للواقع هذا مفهوم لا إشكال فيه لكن ما معنى قوله مطابق للاعتقاد؟ يمثلون بقول المنافقين للنبي صلى الله عليه وسلم :أنت رسول الله ،فهذا مطابق للواقع لكنه لا يطابق ما يعتقدونه.
فقال تعالى رداً عليهم {والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون }
قال- رحمه الله-: (ونقيضه الكذب) يعني نقيض الصدق (وهو ضروب وألوان وأودية يجمعها ثلاثة) يعني له تفاصيل كثيرة
لكن أصولها ثلاثة أمور:
قال: كذب المتملق، التملق التودد بإظهار ما ليس في الباطن هذا هو التملق فهو ضرب من الخداع.

قال: (وهو ما يخالف الواقع والاعتقاد كمن يتملق لمن يعرفه فاسقاً أو مبتدعاً فيصفه بالاستقامة.) يعني مثلا يذهب عند غني أو قوي ، فاسق أو مبتدع فيقول له أنت رجل صالح ما شاء الله ويثني عليه ويقول أنت رجل لك يد في الخير وأنت رجل لولاك لم تكن هذه الأشياء من فواتح الخير التي حصلت وهكذا يتملق عنده كذبا فهذا يسمونه تملقا.
ثم قال: (كذب المنافق وهو ما يخالف الاعتقاد و يطابق الواقع كالمنافق ينطق بما يقوله أهل السنة و الهداية). وهذا مضى التمثيل عليه .
قال (وكذب الغبي بما يخالف الواقع ويطابق الاعتقاد. كمن يعتقد صلاح صوفي مبتدع فيصفه بالولاية) .هذا الجاهل المسكين يصف صوفيا مبتدعا فاسقا بالولاية والصلاح وهو في الحقيقة على خلاف ذلك لكن هذا ما يظنه .
قال: ( واحذر أن تحوم حولك الظنون فتخونك العزيمة في صدق اللهجة فتسجل في قائمة الكذابين)الله المستعان !! اللهم احفظنا جميعًا .
قال : (والضمان لهذا إن نازعتك نفسك بكلام غير صادق فيه فذكرها بمنزلة الصدق وشرفه ورذيلة الكذب وأن صاحبه من قريب ينكشف). لذلك يقول العامة "الكذب حبله قصير" .وهذا صحيح لابد أن ينكشف الكاذب يوماً ويكفي أنه سينكشف يوم القيامة ؛هذا يكفي .
قال: ( وكذا احذر الإكثار من المعاريض فتنزلق إلى الكذب). المعاريض :يعني بتعريف سهل أن تتكلم بكلام لتُفهِم السامع خلاف ما في نفسك أيها المتكلم.
والمعاريض: جمع معراض له تعريف دقيق لكن يحتاج لشرح، لذلك لعل المثال يوضحه قد تقول لابنتك مثلًا أنا مسافر يعني تقصد أنك في هذه الدنيا، فكلنا مسافرون إلى الآخرة وهذه البنت المسكينة تظن أنك مسافر من بلدك لبلد آخر.
المؤلف يحذر من الإكثار من المعاريض ،وللفقهاء فيها مذاهب لكن الذي عليك جمع من أهل التحقيق، أن المعاريض لا تجوز إلا لحاجة وضرورة فقط.
قال –رحمه الله-: ( ومن تطلع إلى سمعة فوق منزلته فليعلم أن في المرصاد رجالاً يحملون بصائر نافذة وأقلامًا ناقدة فيزنون السمعة بالأثر فتعرى عن ثلاثة معان:

1- فقد الثقة من القلوب.
2- ذهاب علمك وانحسار القبول.
3- أن لا تُصدَّق ولو صدقت.




يحذر المصنف – رحمه الله- الطالب من الكذب خصوصا ما يراد به السمعة بأن يُظهر نفسه عالماً فاهماً ونحو ذلك. فقال هناك رجال علماء ينقدون كلامك ويُظهرون كذبك وحينئذ تفقد ثلاثة معان :
1- الثقة من قلوب الناس
2- تفقد ذهاب علمك وينحسر قبولك حينئذ
3- لا يصدقك الناس فيما ستقوله بعد ذلك، ولو كنت صادقاً في كلامك الذي قلته بعد ذلك، لأن الكذب صار سمة لك لا يثق فيك الناس بعد ذلك .

قال -رحمه الله- : (جُنة الطالب)
الجُنة بالضم ما يستتر به ولذلك سُميت الجن جناً لأنها لا تُرى ،و البستان جَنَّة لأنها تستر من بداخلها .والمقصود هنا ستر الطالب وحجابه من الهلاك .
قال قولك : (لا أدري جُنة لك ووقاية ويهتك حجابها أن تستنكف منها) يعني الذي يترفع عن قول "لا أدري" فإنه يرفع هذا الستر عن نفسه، و هذه الوقاية ومما يرفعها استنكافك ، يعني امتناعك عن قولها ، فمتى ما رأيت نفسك تأباها فاعلم أنك هتكت وقايتك من الهلاك.
قال: (وقولك "يقال) العلم لا يساق بهذا المساق، يقال كذا وبُقال كذا إلا إذا كــان في مجلس مدارسة أو مذاكرة ،وأما في الفتوى فهذا الأمر ممنوع لأن العلم ليس بالظنون والاحتمالات .
قال : ( فإن نصف الجهل يُقال وأظن ) صدق ثم قال (ونصف العلم لا أدري) .هذا من أمتع ما يكون لطالب العلم إذا اعتاد عليها ؛ مباشرة يقول" لا أدري".
أُدرِّس الناس "الأربعين" فإذا سُئلت سؤالًا في فن آخر لا أعرفه قلت "لا أدري" الأمر سهل .أعلِّم الناس مثلًا "صفة الصلاة" فإذا سألني سائل في أحكام الربا أقول:" لا أدري" ،أنا أعلمك ما أدري والذي لا أعرفه لا أدري.
ولذلك جاء عند الدارمي وغيره أن عليًّا بن أبي طالب رضي الله عنه قال:" ما أبردها على الكبد " إذا سُئلتُ عما لا أعلم قلت " الله أعلم". ومن أكثر المعاصرين قولا لهذه الكلمة فيما أعرفه هو الشيخ عبد المحسن العباد – حفظه الله- واسمعوا لفتاواه ؛موجودة في المواقع؛ نصفها يقول فيها لا أدري.
ومثله سماحة الوالد الشيخ بن باز رحمه الله بكل سهولة. هناك مقاطع كثيرة أرسلتها للمشرف ممكن أن تطلبوا من المشرف سماعها؛ مقاطع فيها فتاوى لعلماء جهابذة يسألون أسئلة سهلة يتجاسر الواحد منا على الجواب بها في قوله "يُقال" "ورد كذا "والشيخ لأنه لم يجزم فيها بقول يقول مباشرة لا أدري ،أو يحتاج منها لبحث ودراسة. يقولها بكل سهولة لأن همَّهم نشر العلم الصحيح لا دعوة الناس إلى أنفسهم، وهذا ما زادهم إلا رفعة وعزا .
قال رحمه الله: ( المحافظة على رأس مالك ساعات عمرك الوقت: الوقت للتحصيل فحافظ عليه بالجد والاجتهاد وملازمة الطلب ومزاحمة الأشياخ بالركب والاشتغال بالعلم قراءةً و مطالعةً وتدبراً وحفظاً و بحثاً لا سيما في أوقات الشباب ومقتبل العمر لقلة الشواغل والصوارف عن التزامات الحياة والترؤس ولخفة الظهر والعيال، وإياك و التسويف على نفسك فلا تسوف لنفسك بعد الفراغ من كذا وبعد التقاعد من العمل هذا....بل البدار قبل أن تفوت ساعات عمرك ).

خلاصة هذا أن الطالب يهتم بالوقت و لا يسوف لأن ما بعد يومك ولحظتك غيب، والغيب لا يعلمه إلا الله. وكلما تقدم بك العمر كثرت الصوارف والمشاغل وهذا أمر مجرب ومشاهد ومعلوم ،فالطالب يبدأ من يومه و يشغل وقته بالقراءة والمطالعة والحفظ و التعليم كما ذكر المؤلف قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين:{ بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم }
والله يقول : {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } ويقول :{فاستبقوا الخيرات }
قال -رحمه الله-: ( إجمام النفس ) يقصد إراحتها. انتبهوا الراحة تكون بعد ماذا؟ بعد التعب لا اللعب !! بعض الناس يلعب ثم سيقول آخذ إجمام للنفس !...لا ...إجمام النفس بعد التعب .

قال: (خذ لنفسك سويعات تُجم بها نفسك في رياض العلم من كتب المحاضرات (الثقافة العامة)
العلم المتين في الحقيقة ثقيل كما قال تعالى :{ إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} خاصة علوم الآلة ودقائق الفقه ففيها صعوبة وكدٌّ للذهن، فحينئذ يأخذ الطالب راحة ً بانتقاله في قراءة علوم سهلة كالمحاضرات ،والتواريخ، والأدب ونحوه...
فتكون راحة للذهن وكذلك فائدة أيضا ؛ راحة وفائدة معاً.
قال : (فإن القلوب يروح عنها ساعة فساعة ،كما قال علي رضي الله عنه :{أجموا هذه القلوب وابتغوا لها طرائف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان } يعني تتعب كما تتعب الأبدان .
قال : (ولشيخ الإسلام كلام مفيد في هذا فليراجع ولهذا أيضًا كانت العطل الأسبوعية للطلاب منتشرة منذ أمدٍ بعيد).
ثم قال – رحمه الله – : (قراءة التصحيح والضبط : احرص على هذا الأمر) يعني حرص على قراءة التصحيح و الضبط لنسختك.

قال: (احرص على هذا الأمر ولكن على شيخ متقن لتأمن التحريف و التصحيف والغلط والوهم ).
ذكر صور الخطأ التي تحصل في النسخ فقد يكون :
-بعمْدٍ مع سوء نية هذا هو: التحريف .
-أو عمد عن جهل هذا هو : التصحيف .
وقد يكون بغير عمد و هو : الغلط والوهم.
وهذا كله يُؤمن بقراءتنا على شيخ متقن فيكون العلم صافيا.

قال: (فإن من سبق قد قرأ المطولات في مجالس أو أيام قراءة ضبط على شيخ متقن كما فعل ابن حجر –رحمه الله – فقد قرأ صحيح البخاري في عشرة مجالس ، كل مجلس عشر ساعات و صحيح مسلم في أربعة مجالس نحو يومين وشيء من بكرة النهار إلى الظهر).
الأخبار في هذه كثيرة جدا جدا ولذلك سماع الكتب على الشيوخ فيها فوائد عظيمة، وكل متن تريد ضبطه لابد أن تصححه أولا.

قال: (جرد المطولات) يعني قراءتها كاملة مع العناية .وأصل كلمة "جرد" لها معنى لكن نتركه اختصارا. والمطولات: الكتب الكبار الموسعة كــ : "فتح الباري" في شرح الحديث و كـــ : "الفروع" و "البيان و التحصيل" في الفقه وكــ : "التفسير" لابن جرير الطبري و كــ : "سير أعلام النبلاء" في التاريخ و نحو ذلك .

قال- رحمه الله- : (عليك بهذا السبيل لكي تتعدد معارفك وتتوسع مداركك وتستخرج الفوائد والفرائد وتزداد خبرة في الأبحاث والمسائل ومعرفة طرائق المصنفين واصطلاحهم فيها).هذا الأمر لا يخاطب فيه المبتدئ أبدا ، ولا أول المتوسط بل يخوضه من قرأ جملة صالحة من الفنون؛ مر على جُلِّ أبواب العلم من نحو و صرف و بلاغة و منطق و أصول فقه و مصطلح حديث...الخ.
المصنف ذكر خمس فوائد قال:
1- تعدد المعارف: يكون عارفًا بأشياء و فنون كثيرة جدا، لأن المطولات تحوي معارف كثيرة .
2- توسع المدارك: فيكون إدراكه للصور و الاحتمالات ومناقشة الدليل أوسع من ذي قبل .
3-استخراج الفوائد و الفرائد: فقد تجد في المطولات من الفوائد والقواعد مالا تجده في غيرها .
4-زيادة الخبرة في الأبحاث و المسائل ومظانها: فمن يجرد المطولات يمر على مسائل كثيرة وتحقيقات ونقولات ليست في مظانها، أعطيكم مثالًا :من قرأ تفسير "ابن جرير الطبري" يمر على مسائل نحوية وفقهية من علم القرآن ما لا يجده في مظانها من كتب الفقه وعلوم القرآن .
قد تجد في "سير أعلام النبلاء" -وهو كتاب في التاريخ و التراجم- ذكرا لمسألة عقدية وتجد نسبتها مالا تجده في كتب العقائد وهكذا.
قد يقول قائل: البرامج الحاسوبية تغني في البحث ! الجواب :لا تغني في البحث؛ فكم من مسألة بحثنا عنها بالبرنامج ولم نجدها إلا بعد الجرد .لأن المؤلف قد يصيغها بصيغة لا تخطر على بالك .

قال رحمه الله-: ( حسن السؤال:التزم أدب المحادثة من حسن السؤال ،فالاستماع ،فصحة الفهم للجواب ،وإياك إذا حصل الجواب أن تقول: لكن الشيخُ فلانٌ قال لي كذا -ويجوز ضبطها بــ :لكنَّ الشيخَ فلانًا- قال لي كذا أو قال كذا ).
إذن سؤال حسن بأدب ثم حسن في الاستماع بفهمه وضبطه وإعادة طلب الجواب بأدب إن لم تفهمه .كذلك لا تعارض أقوال العلماء وتناطح بينهم .
وكان شيخنا الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي – حفظه الله –سأله سائل عن قول الشيخ البسام في شرح "العمدة" فقال له الشيخ بما أنك ذكرت اسمه فلن أجيبك عقابا لك ؛اذكروا القول فقط دون ذكر لقائله؛ فالعلماء لهم حرمة وهم بشر .
ينقل رجل في المجلس كلاما لذلك العالم على غير وجهه فيزيد وينقص فيحصل في النفوس ما يحصل. ثم إنه لا فائدة من ذكر الاسم فنحن نناقش الأقوال لا أصحابها .
قال -رحمه الله-: ( لئلا تضرب أهل العلم بعضهم ببعض فاحذر هذا وان كان لا بد فكن واضحا في السؤال وقل : إن قال قائل أو ما رأيك في الفتوى بكذا و لا تسمِّ أحدا) .
يعني الأفضل لو قيل كذا ،لو قال قائل كذا ، أو القول بأنه كذا ،ما رأيك في قول كذا ......
دون أن يقول فتوى أو غيرها ،لأن في ذكره أنها فتوى ؛فيه مقابلة بين العلماء قطعا هذا في الأحياء المعاصرين أما الأموات فالأمر فيه أهون.
قال -رحمه الله-: ( المناظرة بلا مماراة : إن المناظرة في الحق نعمة لما فيها من إظهار الحق على الباطل و الراجح على المرجوح ، مبنية على المناصحة والحلم و نشر العلم). "على المناصحة" يعني الصدق في الكلام ،الحلم :سعة البال وعدم الغضب قال "ونشر العلم" .
ثم قال: ( وإياك والمماراة فهي نقمة و تحجج ورياء ولغط وكبرياء ومغالبة واختيال وشحناء ومجاراة للسفهاء فاحذرها واحذر فاعلها وأعرض تسلم) .

المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن يقصد منها ظهور الحق وبيانه سواء كان على لساني أو على لسان غيري -من أناظره- هذا ممدوح .
وأما المراء : فالمقصود منه إظهار عجز الخصم وإفحامه والظهور عليه ،فآل الأمر حينئذ إلى دعوة الناس لنفسي أنا لا إلى الحق ! والكلام إذا كان لحظ نفسه هذا خذلان. وهذه المسألة فيها نصوص كثيرة وفيها صور ولكن الوقت لا يسمح بالتفصيل.
قال -رحمه الله- :( عليك بمذاكرة العلم :عليك بها فهي في مواطن تفوق المطالعة وتشحذ الذهن وتقوي الذاكرة والتزمِ الإنصاف والملاطفة مبتعدا عن الحيف و الشغب ).
الحيف: أي الظلم، الميل عن الحق.
والشغب: معناه تهييج الخصام و الاضطراب .
المؤلف يوصي بالمذاكرة وأهل العلم يقولون المذاكرة نوعان :
·1- مذاكرة مع النفس: بالتلخيص والتشجير والترتيب وحفظ رؤوس المسائل.

·2- مذاكرة مع الغير: بطرح الأسئلة على بعض، والإشكالات وتصوير المسائل الصعبة ونحو ذلك.
ثم حذَّر من بعض آفات المذاكرة مع الغير كالحيف والشغب .
قال: (وكن على حذر فإنها تكشف عوار من لا يصدق) .
قوله هذا يحتمل أكثر من معنى لكن الذي يظهر لي -والعلم عند الله- أنه يحذِّرنا من قول على غير الحقيقة ،؛كأن أقول لصديقي أنهيت "مختصر التحرير" فدعنا نتدارسه ،أو يقول لي هل تعرف صور سجود السهو كلها، أو تعرف شروط الخيار في البيع .فأقول: نعم. ولست صادقا في كوني متقنا لها. فإن المذاكرة تكشف هذا .
قال: (وأما مع قاصر في العلم بارد الذهن) "مع قاصر" يعني المذاكرة (مع قاصر في العلم بارد في الذهن فهي داء و منافرة) هذا مجرب نهايتها سيئة غالبا .
قال: (مذاكرتك مع نفسك أمر لا يسوغ أن تنفك عنه) قد يعتذر المرء بأنه لم يجد من يتدارس معه العلم، وقد يتساهل في هذا الأمر لأن فيها بعض السلبيات، لكن المذاكرة مع النفس أمر لا عذر للطالب في تركه .
قال : وقد قيل :{ إحياء العلم مذاكرته }
ثم قال -رحمه الله- : (طالب العلم يعيش بين الكتاب والسنة وعلومهما :فهما له كالجناحين للطائر فاحذر أن تكون مهيض الجناح) يعني مكسور الجناح ونعم الوصية هذه.رأينا في هذا العصر من أفنى وقته كله في دراسة النحو و الصرف وعلم المصطلح؛ أهمل التفسير والحديث والفقه وهذا خطأ .وكذلك إهمال علوم الآلة خطأ فادح، فالواجب أن يستعين بعلوم الآلة ما يوصله للعيش بين الكتاب والسنة فهما المقصد .
قال- رحمه الله-: ( استكمال أدوات كل فن) يعني مفاتيحه وأصوله هذا يشمل تاريخ نشأة ذاك العلم وأهم كتبه؛ فإذا أردت أن تدرس الفقه أدرس تاريخ نشأته مرورا سريعا وأهم كتب الفقه وأهم علماء الفقه وأهم علماء ذاك الفن ومباحث ذاك الفن ومسائله.
(قال تعالى : {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} دلت هذه الآية على أن الطالب لا يترك علما حتى يتقنه ويستكمل أدواته ،ففي الفقه بين الفقه وأصوله وفي الحديث بين علمي الرواية والدراية... وهكذا ).

فقه بلا أصول هذا فقه ما يصلح وعلم الحديث رواية بلا دراية أو العكس كذلك لا يصلح،كالنجار أو الحداد كلما حدَّ وسنَّ آلته واتخذ الأدوات اللازمة أتقن مهنته وأجادها ،وصنع على الهيئة الصحيحة السليمة مما تعارف عليه أهل تلك المهنة .

والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

والحمد لله رب العالمين .


[/frame]
الملفات المرفقة
نوع الملف: docx الدرس الثامن من الحلية.docx‏ (80.0 كيلوبايت, المشاهدات 430)



توقيع فاطمة سالم



التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة سالم ; 21-04-15 الساعة 03:07 AM
فاطمة سالم غير متواجد حالياً